تغلغل الفكر البروتستانتي في المجتمع الأمريكي / د. غازي حسين

 

د. غازي حسين ( فلسطين ) الجمعة 15/7/2016 م …

لعب التراث اليهودي ـــ المسيحي الدور الأساسي في تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث امتزج هذا التراث في الثقافة الأمريكية منذ الاستقلال وبداية مرحلة الاستيطان الأوروبي على أيدي دعاة الفكر الطهوري البروتستانتي الذين جاؤوا من بريطانيا وألمانيا.

وانطلق الفكر اليهودي ـــ المسيحي من التركيز على العهد القديم وقصص بني إسرائيل والإيمان الراسخ بأن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد معصوم عن الخطأ، وأن خطة الله تتخذ من أرض الميعاد (فلسطين) مسرحاً لأهم أحداثها ومنها مملكة الله الألفية، وسيكون مركزها الهيكل والقدس.

وكان الطهوريون يصفون أنفسهم منذ وصولهم إلى أمريكا ببني إسرائيل في رحلتهم عبر صحراء سيناء والبحر الأحمر إلى أرض كنعان، وأعلن رجل دين أمريكي بعد الاستقلال أنَّه من أجل صهيون لن نلزم الصمت ومن أجل القدس لن نلزم الراحة.

وأكدت الكاتبة الأمريكية غريس هاليسل في كتابها «يد الله» أن هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية لم يكن صاحب فكرة تأسيس إسرائيل في فلسطين، وإنما كان دعاتها هم المسيحيون البروتستانت في بريطانيا وأمريكا قبل ثلاثة قرون، حيث ضم مارتن لوثر زعيم حركة الإصلاح الكنسي في القرن السادس عشر توراة اليهود إلى الكتاب المقدس تحت اسم: «العهد القديم».

واستشهدت بحديث إلى السير أوليفر كرومويل راعي الكومنولث البريطاني قال فيه: «إن الوجود اليهودي في فلسطين هو الذي سيمهد إلى المجيء الثاني للمسيح».

وأكد هذا الموقف نتنياهو عام 1985 في خطابه كممثل لإسرائيل في الأمم المتحدة قائلاً: «إن كتابات المسيحيين الصهاينة من الإنجليز والأمريكان أثَّرت بصورة مباشرة على تفكير قادة تاريخيين مثل لويد جورج وآرثر بلفور ودرو ويلسون الذين لعبوا دوراً أساسياً في إرساء القواعد السياسية الدولية لإحياء الدولة اليهودية. وجاء فيما بعد المعادون للسامية في أوروبا وتبنوا حل المسألة اليهودية بتنظيف ألمانيا وبقية الدول الأوروبية من اليهود وتصديرهم إلى فلسطين العربية».

ووصلت الكاتبة الأمريكية إلى استخلاص هام قائلة: «لم يكن حلم هرتسل روحانياً بل كان جغرافياً، كان حلماً بالأرض والقوة». وأكدت رأيها باستشهاد من موشي مينوهين في كتابه «انحطاط اليهودية» حيث قال فيه: «إنه انتقل إلى الدولة اليهودية الجديدة على أمل أن يجد جنة روحية، ولكنه اكتشف أن الصهاينة لا يعبدون الله ولكنهم يعبدون قوتهم».

شعر بنيامين فرانكلين، أحد مؤسسي الاستقلال الأمريكي بالخطر اليهودي على أمريكا وألقى كلمة في المجلس التأسيسي الأمريكي الأمريكي عام 1789 حذَّر فيها من خطر تكاثر اليهود وقال: «لا تظنوا أن أمريكا نجتْ من الأخطار بمجرد أنها نالت استقلالها، فهي ما زالت مهددة بخطر جسيم لا يقل خطورة عن الاستعمار».

وهذا الخطر سوف يأتينا من جراء تكاثر عدد اليهود في بلادنا… لأنهم أبالسة الجحيم وخفافيش الليل ومصاصو دماء الشعوب.

وطالب فرانكلين في خطبته بطرد هذه الطغمة الفاجرة من البلاد قبل فوات الأوان وبالفعل حصل ما توقعه فرانكلين وتبلور التحالف اليهودي ـــ المسيحي مجسداً بالتعاون بين الأصولية المسيحية المتغلغلة حالياً في المجتمع الأمريكي والإدارة الأمريكية واللوبيات اليهودية لحكم العالم ومحاربة العروبة والإسلام.

سيطر المسيحيون الصهاينة على أهم المناصب في إدارتي ريغان وبوش ولاحقاً في إدارة بيل كلنتون الذي فجَّر له نتنياهو فضيحة عميلة الموساد مونيكا لوفينسكي لممارسة المزيد من الضغط والابتزاز عليه. ونجحت إسرائيل واللوبيات اليهودية الأمريكية في اختراق هذا التيار الإنجيلي الصاعد وشكلوا معه تحالفاً لتهويد القدس وفلسطين وتحقيق بقية أهداف إسرائيل الاستعمارية والعنصرية والإرهابية في الوطن العربي.

وتظهر الجذور التاريخية لنشأة الأصولية المسيحية أن أطروحاتها الفكرية ومعتقداتها الدينية وتغلغلها في الإدارات الأمريكية بدأت بإدارة رونالد ريغان وتصاعدت إبان رئاسة بوش الابن وقامت على إشعال الحروب الاستباقية واستغلال تفجيرات 11 أيلول 2001 لشن الحرب الصليبية والفوضى الخلافة على العروبة والإسلام بإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لإضعاف البلدان العربية وتفتيتها وإعادة تركيبها لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية ورسم خريطة سايكس ـــ بيكو 2 الأسوأ بكثير من خريطة سايكس ـــ بيكو1، وجعل إسرائيل المركز والقائد للمنطقة ولتصفية قضية فلسطين من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد وتخليد وجود إسرائيل مئة عام.

وبات صُنع القرارات الأمريكية فيما يتعلق بقضية فلسطين وبقية قضايا الوطن العربي مرهوناً بقادة المسيحية الصهيونية واليمين الأمريكي لإقامة النظام العالمي الجديد وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادته، إلاَّ أن صمود الدولة السورية في مواجهة الحرب الكونية التي يشترك فيها حكام الإمارات والممالك التي أقامتها بريطانيا وتحميها أمريكا قضى على مساعيهم وولّد النظام العالمي المتعدد الأقطاب.

نشطت المسيحية الصهيونية في المجتمع الأمريكي مستعينة بالتحالف مع الايباك من خلال الهيئات والمؤسسات والجمعيات المدنية التابعة له واتقانه لعبة ممارسة الضغوط وتوظيف المصالح.

وظهرت المسيحية الصهيونية من داخل المذهب البروتستانتي (الإنجيلي)، والذي ينطلق من الإيمان بعودة المسيح، وعودته مشروطة بقيام إسرائيل، وقيامها لا يتحقق إلاَّ بتجميع اليهود في فلسطين.

وأدى هذا التصور في بداياته إلى منح وعد بلفور المشؤوم وغير القانوني ونظام الانتداب الاستعماري والتعاون بين النازية والصهيونية، وقرار التقسيم غير الشرعي واستغلال معزوفتي اللا سامية والهولوكوست لإقامة إسرائيل وترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه.

وصعد هذا التيار في الولايات المتحدة مع مجيء الرئيس ريغان، حيث تم التزاوج بين اليمين السياسي الأمريكي ممثلاً بالحزب الجمهوري واليمين المسيحي واستخدامه بإحياء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي والتسابق بصناعة أسلحة حرب النجوم. وكان ريغان والمسيحية الصهيونية تطلق على الاتحاد السوفيتي لقب «إمبراطورية الشر».

واحتل اليهود في إدارة الرئيس بيل كلنتون أعلى أول (50) منصباً في الإدارة الأمريكية بما فيها منسق عملية السلام مع قيادة السلطة الفلسطينية الصهيوني دنيس روس. ووصل التحالف بين اليمين السياسي الأمريكي واليمين الديني ممثلاً بالمسيحية الصهيونية وبالمحافظين الجدد (ومعظمهم من اليهود) ذروته في كانون الثاني 2001 بتولي بوش الابن منصب الرئاسة، وإقناع الموساد وإسرائيل لبوش وبلير بشن الحرب العدوانية على العراق في 20 آذار 2003 بأكذوبة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وأطاحوا بالنظام فيها ودمروا الجيش العراقي ومنجزات الدولة والشعب ونهبوا وأشعلوا الفتن الطائفية والعرقية فيه. وأعلنوا عزمهم على تقسيمه إلى ثلاث دول وذلك خدمة لإسرائيل والصهيونية العالمية وخرافة «هيرمجدون التوراتية».

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.