الرئيس الأسد في حلب.. مدلولات اقتصادية وسياسية / د. حسن مرهج

د. حسن مرهج – الأربعاء 13/7/2022 م …




“حلب في عيوني”، هذا ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد في وقت سابق. لكن في هذا السياق لن نتحدث عن حالة وجدانية خصّ بها الرئيس الأسد مدينة حلب، لأننا كمتابعين ومحليلين لن ندخل في هذا الإطار العاطفي، خاصة أن المرحلة الراهنة والظرف السوري الخاص يتطلب مقاربات منطقية وواقعية، نسلط الضوء من خلالها على الأهمية الاستثنائية لزيارة الأسد، لا سيما في هذا التوقيت الإقليمي البالغ الدقة، فضلاً عن النوايا التركية تجاه شمال شرق سوريا، وضمن ذلك مدينة حلب.

بداية وفي الإطار العام تعتبر زيارة الأسد، إلى حلب، هي الأولى التي يقوم بها، منذ أن سيطرت الجماعات الإرهابية على جزء كبير من عاصمة سوريا الاقتصادية عام 2012، وتأتي بالتزامن مع تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية جديدة في ريف حلب الشمالي بالقرب من مناطق خاضعة لسيطرة القوات الكردية. كما أن أحد أسباب الزيارة وتفقد المدينة، هو افتتاح مجموعة العمل الخامسية لمحطة حلب الحرارية والتي ستوفر 200 ميجا وات للمحافظة.

ضمن ما سبق، وفي عمق الزيارة، ثمة محددات سياسية واستراتيجية واقتصادية، لكن لا يمكن إنكار، أن زيارة الأسد أثارت جدلاً واسعاً خلال اليومين الماضيين، وبالتحديد فيما يتعلق بدلالات التوقيت، على اعتبار أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها للمحافظة منذ سيطرة الجيش السوري، على المدينة وأجزاء واسعة من ريفها نهاية العام ٢٠١٦.

إذ أنه وطيلة السنوات الماضية، كان غياب الأسد عن حلب، موضع تكهنات وأسئلة، لكن تزامن حضور الأسد إلى حلب، مع تطورات عدة، سواء محلياً أو دولياً، وبالتالي يمكن وضع هذه الخطوة في سياق تلك التطورات، لكن الظرف السوري وكذا الإقليمي، يفرض على المتابع مقاربات مختلفة نوعاً ما، تجاه شمال شرق سوريا، وتحديداً مدينة حلب، فالزيارة الاستثنائية التي قام بها الرئيس الأسد، تمثل في العمق رسالة سورية إلى تركيا، بأن أي هجوم لقواتها على مناطق سيطرة “قسد” في شمال سوريا، سيُعدّ هجوماً على الدولة السورية وليس على الفصائل التي تتبع لحزب العمال الكردستاني فقط. وما يعزز هذه الرؤية، هو الحديث عن أن موسكو تعارض وبقوة التهديدات التي أطلقتها أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية خامسة لجيشها هناك، خاصة وأن أنظار القيادة التركية تتوجه إلى غرب الفرات، وتحديداً بلدة تل رفعت ومحيط مدينة منبج بريف حلب، وهي منطقة نفوذ روسي تسيطر عليها قسد.

في جانب آخر، فإن زيارة الأسد تعد أيضاً رسالة سورية روسية إلى الغرب، خاصة بعد فشل تمرير قرار جديد في مجلس الأمن حول تمديد دخول المساعدات من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والخاضع لسيطرة الفصائل الإرهابية، حيث تريد موسكو القول إن جميع الأراضي السورية تخضع لسلطة “شرعية” واحدة، وأنه يجب احترام سيادة هذه السلطة.

وعلى اعتبار أن إيران حليفة استراتيجية للدولة السورية، فأنه أيضاً ثمة رسائل سورية إيرانية، إلى تركيا والدول الأخرى، مفادها بأن حلب هدف لا تنازل عنه بالنسبة لدمشق وطهران، بدلالة أن زيارة بشار إلى حلب بدأت من محطة توليد الكهرباء في مدينة دير حافر بريف المحافظة الشرقي، والتي قامت إيران بعملية إعادة تأهيلها، وأنه يجب باستمرار أخذ مصالح وقوة حضور طهران بعين الاعتبار في كل ما يتعلق بالملف السوري، وأنه لا يوجد منطقة خارج مجال نفوذها واهتمامها، بما في ذلك حلب التي تعتبر في المقاربات الجيوسياسية، ذات أهمية جغرافية استثنائية لكافة القوى الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري، وعليه فإن زيارة الأسد إلى حلب، والدعم الروسي والإيراني للدولة السورية، يؤكد بأن حلب لن ولم تكون إلا سورية، وكامل الريف الحلبي، سيكون تحت سيطرة الدولة السورية.

ختاماً، يمكن القول بأن دمشق بارعة في توجيه الرسائل الاستراتيجية، كما أن دمشق تتقن اللعب على الجوانب المعنوية، وبالتالي، فإن زيارة الأسد إلى مدينة حلب، وكل جزئيات الزيارة، من صلاة وتسوق، تؤكد بأن الأسد أراد أن يقول لرجب طيب اردوغان، بأن حلب ليست ملعباً لاستراتيجياتك الاستعمارية، فالعب بعيداً عن سورياً عامةً، ومحافظة حلب خاصةً.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.