نتنياهو يغزو أفريقيا… ونفوذ عربي ضائع فيها! / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) السبت 16/7/2016 م …

زيارة نتنياهو إلى سبع دول أفريقية، محاولة لتخطي العزلة الدولية والمقاطعة، اللتين هما بمثابة خنجرين في الخاصرة الإسرائيلية.
حرص نتنياهو على أن تكــــون أوغندا هي البوابــة التي يدخل منها إلى القارة السوداء، لحضور مراسيم الاحتفال، الذي جرى تنظيمه بمناسبة مــــرور 40 عاما على عملية «عنتيبي» التي قامت بها إحدى مجموعات الشهيد وديع حداد، بالتعاون مع إحدى مجموعات اليسار الألماني.
نتنياهو فقد شقيقه يوناثان في تلك العملية، التي كان الغرض الفلسطيني منها تحرير قائمة طويلة من الأسرى الفلسطينيين، من مختلف التنظيمات الفلسطينية، المحكوم كل منهم ببضع مؤبدات، من خلال احتجاز ركاب طائرة «إير فرانس»، وكان غالبية ركابها من الإسرائيليين، ومن بينهم شخصيات شغلت مواقع مهمة في الحكومة والمخابرات الإسرائيلية. فشلت العملية نتيجة لتآمر السلطات الأوغندية وتنسيق مخابراتها مع «سي. أي. إي»، ومخابرات كينيا وغيرهما.
كان من الواضح في كلمة رئيس الوزراء الصهيوني، التي ألقاها بالمناسبة، حرصه على أن تبدو دولة الإرهاب كمتصدية له على الصعيد العالمي! قال نتنياهو في خطابه في مطار عنتيبي، أن العملية كانت رمزاً لمكافحة «الإرهاب»، مستطردا «أنا متأثر للوقوف هنا كرئيس لحكومة إسرائيل، في المكان الذي حرّر فيه مقاتلو الجيش الإسرائيلي المخطوفين، في قلب أفريقيا على بعد آلاف الكيلومترات من إسرائيل». وحول شقيقه يوناثان، قال «أنا متأثر جداً للوقوف هنا، في المكان الذي سقط فيه يوني كقائد لسييرت متكال، بعدما هاجم على رأس جنوده لتحرير المخطوفين الإسرائيليين».
للأسف، تأتي زيارة نتنياهو بعد محاصرة طويلة، بدأها الرئيس عبدالناصر قبل حرب عام 1967، للكيان في أفريقيا، وبُعيد الحرب ذاتها، عندما دخل الرئيس الجزائري هواري بو مدين، وقد طاف حينها العديد من الدول الأفريقية للهدف نفسه. بلغت مقاطعة الكيان أوجها في حرب أكتوبر 1973 حينما قطعت غالبية الدول في القارة السوداء، علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل. بعد اتفاقيات كمب ديفيد المشؤومة، التي قام بتوقيعها السادات مع الكيان الصهيوني، لوحظت مسألتان، الأولى، تراخ بل إهمال عربي بشكل عام، ومصري بشكل خاص في الحفاظ على العلاقات مع أفريقيا. الثانية، استغلال الكيان للاتفاقية مع مصر،لإعادة تسويق نفسه في القارة السوداء، كما تعزيزه لتقديم كافة أنواع الدعم الاقتصادي، المخابراتي، المشاريعي، العسكري وإرسال الخبراء في مختلف المجالات للعديد من الدول الأفريقية، سواء في ما يتعلق بتجارة المواد الخام (ومن أهمها الماس) أو الصناعات العسكرية. كل ذلك، أعاد إسرائيل إلى الواجهة الأفريقية. وعلى هذا الأساس كان من السهل على الكيان القيام بمهاجمة الطائرة المختَطفة.
إضافة إلى ذلك، بدأ أفيغدور ليبرمان (بناء على قرار من الحكومة الإسرائيلية) حينما كان وزيراً للخارجية، سياسة شراء ذمم من يمكنه من الرؤساء الأفارقة من جهة، ومساعدتها لتبييض صفحتها مع واشنطن على قاعدة (الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب) من جهة ثانية، وفي محاولة للإيحاء أيضا، بأن دولة الكيان لا تقيم وزناً لمواقف الدول الأوروبية، وللإشارة إلى أن بوسع إسرائيل شراء أصواتٍ في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ونتيجة هذه السياسة، وقفت دول أفريقية عديدة في العقدين الأخيرين، إلى جانب إسرائيل في تصويت المحافل الدولية، أو ضد مشاريع قرارات عربية تؤثر على الكيان. من هذه الخلفية، اكتسبت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الدول الأفريقية، اهتماما واسعا في الأوساط العالمية والإقليمية، كونها أول زيارة لرئيس وزراء صهيوني منذ عام 1987.
تأتي هذه الزيارة لاستعادة «أسس هشة»، حسبما ذكرت صحيفة «نيوزويك»، بين إسرائيل وأفريقيا، بعد قطع العلاقات تحت ضغط وتأثير عربي، إلا أن إسرائيل نجحت في استعادة هذه العلاقات مرة أخرى، وتُوجت مساعيها بزيارة نتنياهو الأخيرة إلى أفريقيا. اعترف نتنياهو بأن هذه الزيارة هي محاولة لاستعادة هذه العلاقات، وقال «كانت إسرائيل على القائمة السوداء في أفريقيا، بدأت أساسا من خلال الضغط السياسي على العديد من الدول في سبعينيات القرن الماضي، واستغرق الأمر بعض الوقت للتغيير». ولعل أبرز أسباب زيارة نتنياهو إلى أفريقيا، هي: القيام بأعمال تجارية والحصول على بعض الخدمات، وهو ما أعلن عنه مكتبه، عن إطلاق حزمة مساعدات بقيمة 13 مليون دولار للدول الأفريقية، تشمل قطاعات الزراعة والصحة والأمن الداخلي. وفي هذا الصدد، يمكن القول: إن الحكومة الإسرائيلية عقدت اجتماعات في شهري يناير وفبراير الماضيين، بحضور مسؤولين أفارقة، وأكدت أنباء رشحت عن تلك الاجتماعات أن هناك تعاونا إسرائيليا قائما (وسيجري تطويره مستقبلا) مع العديد من الدول الأفريقية، خاصة مع دول حوض النيل، في ملف المياه والسدود، بالإضافة إلى مشروعات مختلفة في مجالات الطاقة والكيماويات. كما أسست لزيارات إسرائيلية متعاقبة مقبلة إلى دول غرب أفريقيا في شهري نوفمبر وديسمبر المقبلين.
كما تحاول إسرائيل من خلال الزيارة ـ حشد التأييد لصالحها من الدول الأفريقية في مسألة بناء مستوطناتها في الضفة الغربية، والحصار المفروض على غزة، خاصة بعد إدانة المجتمع الدولي للاستيطان الصهيوني في أكثر من مناسبة، وقد أكد ذلك ارييه عوديد، السفير الإسرائيلي السابق لدى كينيا وأوغندا للاذاعة الالمانية من خلال القول: «يوجد في الامم المتحدة العديد من القرارات التي تستهدف إسرائيل، ونحن نريــــد تغيــير هذا بمساعدة من الأفارقة». وهو ما برز في دعم إثيوبيا العضو غير الدائم في مجلس الأمن، لمنح إسرائيل صفة مراقب في دول «الاتحاد الأفريقي»، فقد أكد رئيس الوزراء الإثيوبي ميريام ديسالين في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسرائيلي ذلك قائلا، «إسرائيل تعمل بجهد كبير في عدد من البلدان الأفريقية، وليس هناك أي سبب لحرمانها من وضع المراقب».
وكانت دولة الكيان عضوا مراقبا في منظمة الوحدة الأفريقية حتى عام 2002 ، لكنها حلت واستبدل بها الاتحاد الأفريقي، الذي تسعى إسرائيل للحصول على صفة مراقب فيه. ولن يغيب عن إسرائيل، إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، فلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، لذا فهي تريد الدول الأفريقية جنبا إلى جنب معها في معارك التصويت في هذه المؤسسة الدولية المهمة.
كان على أجندة نتنياهو في زيارته الأفريقية، ملف المهاجرين والجاليات اليهودية في القارة السوداء، حيث تهتم إسرائيل بجذب عدد أكبر من هذه الجاليات إلى تل أبيب، لتعويض نقص العمالة لديها، وتوطين المهاجرين الأفارقة فيها، وهو ما توصلت إليه في تسوية مع بعض الدول الأفريقية التى زارها نتنياهو، لإعادة توطين حوالي أربعين ألفا من السودان وإريتريا، دخلوا الكيان عن طريق صحراء سيناء.
من جملة أسباب زيارة نتنياهو إلى أفريقيا وفقا لبعض المحللين، هو التنسيق الأمني بين إسرائيل وأفريقيا في مواجهة الجماعات المسلحة التي تؤرق الأنظمة الأفريقية، بالإضافة إلى تأمين إسرائيل للملاحة في البحر الأحمر، من خلال إقليم القرن الأفريقي، الذي يتحكم في مضيق باب المندب، أيضًا، التأثير على الأمن المائي والغذائي للدول العربية وأهمها مصر، خصوصا في مشروع سد النهضة. ويصل بعضهم إلى القول: إن هذه الزيارة تضر بمصالح مصر السياسية والاقتصادية، حيث تسعى إسرائيل إلى سد الفراغ المصري والعربي في أفريقيا، من خلال الوجود السياسي والمشاريع المائية التي ستعوض الفاقد عند إسرائيل من المياه، بسبب فشل مشروعات مائية لها عبر البحر الميت. كما اعتبروا نجاح هذه الزيارة انتصارا سياسيا إسرائيليا على مصر في القارة الأفريقية، لأن الوجود الإسرائيلي يضر بالأمن القومي المصري. ويشرك إسرائيل التي تعد حليفا قويًا لدول مثل إثيوبيا وكينيا، في اتخاذ مواقف وقرارات لا تتوافق مع السياسة المصرية، بالإضافة إلى «خنق مصر مائيًا».
النقطة الأخيرة بحاجة إلى نقاش، فبعد عودة نتنياهو من جولته سارع وزير الخارجية المصري سامح شكري لزيارة الكيان والاجتماع برئيس الوزراء الصهيوني مطولا! وقدّم له أخلص آيات الولاء والتحالف بصورة مهينة.
لا نعتقد أن الزيارة تمت لطرح وجهة النظر المصرية من التسوية مع الفلسطينيين (فمصر خبرت المواقف الإسرائيلية من التسوية تمــــاما، وتعرفـــها جيدا). الزيارة تطرح أسئلة كثيرة، خاصة في أجواء التنسيق المصري – الإسرائيلي في كافة المجالات، ومن ضمنها الأمني، وإغلاق معبر رفـــح بالذات! تطـــرح تســـاؤلا موضوعيا، لماذا لا تكون زيارة نتنياهـــو إلى اثيوبيا إذن (في أحد جوانبها) محاولة لتليين موقف الأخيرة في التعامل مع ملف حصة النيل المصرية؟ فمصر ودولة الكيان تحتاج كل منهما الأخرى، في مجالات عديدة، الإرهاب الأصولي في سيناء، مرورا بحصار غزة، وصولا إلى مجابهة ايران!
الأيام القريبة المقبلة ستجيب على مدى صحة هذا التحليل، الذي نعتبره الأقرب إلى المنطق.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.