كان يجب منع بادين من أن تطأ قدماه الأرض العربية / مجدى حسين
حال أمتنا هو العيش فى ظل إنقلاب مختلف أنواع القيم والمبادىء والقواعد والقوانين .. حتى لقد أصبح عاديا ولا يثير التساول من حيث المبدأ أن يأتى رئيس دولة امريكا المعتدية من على بعد أكثر من 10 آلاف كيلومتر ليرتب لنا منطقة العرب والمسلمين المسماة الشرق الأوسط .. يتخذ القرار فى أمنها وانتاجها البترولى وسياسات الطاقة ويرتب مع حكام العرب أمن اسرائيل ويؤكد حقها فى احتكار السلاح النووى دون كل العرب والمسلمين وأن يرتب مع بعض حكام العرب كيف يمنع ايران من امتلاك محتمل للسلاح النووى دون أى حديث عن 200 قنبلة نووية اسرائيلية – وهذا إحصاء قديم – لم يعد أمرها سرا بل اعترف حكام اسرائيل علنا ومرارا بامتلاك السلاح النووى .
طبعا ليست هذه هى المرة الأولى التى يأتى إلينا حاكم واشنطن ليتجول فى ربوع الأوطان ويوجه ويقرر . وربما يرفض حكامنا طلبا أو اثنين مقابل الموافقة على 10 طلبات !
ولكن ليس معنى تكرار الموقف المشين أن نتعود عليه وألا يصرخ أحدنا بأن هذا الأمر غير لائق ولابد أن يتوقف . ما معنى أن نستقبل رئيسا صهيونيا بدون أى حرج . طبعا لقد استقبل بعض حكامنا فى تركيا والامارات رئيس اسرائيل نفسها واليوم يذهب رئيس أركان الجيش الاسرائيلى ليزور المغرب ، فقد أصبحت أمتنا مستباحة من المحيط إلى الخليج . فلماذا لا نستقبل رئيس صهيونى غير يهودى ؟ وليست المسألة تدور حول مشروعية مقابلة اليهود ، فهى مسألة مشروعة عموما . ولكن مقابلة اليهود المحاربين لنا هو مسألة محرمة شرعا ، إلا إذا كان اللقاء من أجل التفاوض العسكرى حول انسحابهم من أراض محتلة أو من أجل إبرام هدنة مؤقتة . والصهيونى هو شخص محارب لنا سواء أكان يهوديا أو بروتستانتيا أو كاثوليكيا كبايدن .
هذا الحديث لاينكر الواقع الامريكى فى بلادنا . فأمريكا تحتل منطقة الخليج البترولية منذ عام 1945 ، منذ التقى الرئيس الامريكى روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود على ظهر الطراد يو اس اس كوينسى الذى كان راسيا فى البحيرات المرة ولتكن مصر شاهدا صامتا وهى تحت الاحتلال البريطانى على هذا اللقاء التاريخى . فى هذا اللقاء تم الاتفاق على قيام الولايات المتحدة باستخراج النفط السعودى مقابل مساعدة أولية قيمتها 35 ألف جنيه استرلينى وتم الاتفاق على الحماية العسكرية الامريكية لهذا النفط وللمملكة السعودية والذى تطلب إقامة قاعدة الظهران الجوية . ورغم استمرار الاحتلال البريطانى لباقى إمارات الخليج إلا أنها سلمتها تدريجيا لامريكا . ثم استلمت أمريكا من بريطانيا وفرنسا كدولتى احتلال راحلتين باقى المنطقة واستلمت ليبيا من إيطاليا . أصبحت المنطقة العربية تتبع الولايات المتحدة عدا : مصر وسوريا ثم العراق التى افلتت من الاحتلال عام 1958 ثم الجزائر التى تحررت عام 1962 من الاستعمار الفرنسى . باختصار أصبحت الامبراطورية الامريكية فى المنطقة تتمثل فى كل دول الخليج والسعودية واسرائيل وإيران الشاه وتركيا وليبيا وهى شريكة فى حكم لبنان من خلال أحزاب الموارنة . وفى مرحلة لاحقة بسطت نفوذها على مصر من خلال كامب ديفيد وانقلبت الموازين فى المنطقة . فعادت ليبيا بعد تحررها للسيطرة الامريكية الغربية بل لا تزال تعانى من التقسيم والفتن الداخلية . وتم إحكام السيطرة على تونس والمغرب وموريتانيا وجيبوتى و غزت أمريكا الصومال وعندما فشلت دمرت ولا تزال هذا البلد العزيز . لقد دمرت امريكا العراق 3 مرات : فى حرب 1991 – ومرحلة من القصف المتقطع حتى عام 2003 . ثم غزو 2003 حيث تم تدمير العراق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب للمرة الثالثة . وأفغانستان احتلتها ودمرتها على مدار 20 عاما . وتبسط سيطرتها على اليمن فى ظل على عبد الله صالح . وأشرفت على العدوان السعودى الاماراتى على اليمن . ودمرت سوريا . لقد عاثت امريكا فسادا فى الارض العربية ولم تترك فيها ركنا لم تفسد فيه وتخربه .
لست غافلا عن كل هذا التاريخ المروع بالعكس أعيد التذكرة به لكى نتسائل بعد كل هذا لماذا نستقبل رئيسا امريكيا لم يأت للاعتذار والتوبة بل يأتى على أرضنا المحتلة ليهدد ايران الحرة التى عجز عن احتلالها ، حتى وإن كان تهويشا لايخيف المجاهدين إلا أن مجرد استقباله إهانة وتركه يتحدث هكذا فى القدس المحتلة ثم فى جدة إهانة أكبر لأمتنا .
والإهانة الأكبر أن نعطى كل هذا الاهتمام لرئيس امريكى فاشل يمثل امريكا فى حالة انحدارها لنعطيه جرعة من الأمل الزائف فى انه سيظل سيد العالم .
وعندما رفض حكام السعودية والامارات مجرد استقبال مكالماته الهاتفية هل تعرضوا لأى أذى . هل أصابهم مكروه ؟ أم أن بلادهم زاد دخلها لأكثر مما حدث من قبل ؟
ليسأل الناس فى بلادنا ؟ هل تطعمنا امريكا ؟ أم نحن الذين نطعمها ؟ سمعت كثيرا من مواطنين مصريين وعرب : هل تريدنا أن نتحدى أمريكا ونتعرض للجوع ؟ إن الاعلام العربى هو الذى أدخل فى روعهم أنه لولا أمريكا لمتنا من الجوع . ولم يقل لهم إن أمريكا تنزح من بلادنا من الأموال والثروات أضعاف أضعاف ما تقدمه لنا من معونات أو قروض . بل إن خدمة الدين والفوائد مع الأقساط أضعاف قيمة الدين الأصلى . وهناك أرقام موثقة عديدة فى دراسات علمية حول ذلك . فالدولة التابعة تستدين مليارا على سبيل المثال وتدفع خلال سداد هذا القرض 3 أو 4 مليارات بالفوائد الربوية المركبة .
ومن كثرة الحديث عن المعونات الامريكية خاصة فى مجال القمح ظن كثيرون أن أمريكا تعطينا الدقيق والقمح مجانا على أجولة مكتوب عليها المعونة الامريكية . والواقع اننا نشترى هذا القمح الامريكى بأسعار السوق كما نشترى من بلاد أخرى . والحقيقة فقد كانت مصر تدفع ثمن القمح لامريكا فى عهد عبد الناصر بالجنيه المصرى وكانت امريكا تستخدم هذا الدخل للانفاق على سفارتها وأنشطتها فى مصر . وقد كنا نعتبر ذلك معونة لأننا ندفع الثمن بالعملة المصرية .وكانت أمريكا تطيع بادج المعونة الامريكية على الدقيق.
وفى العام الحالى اشترت أمريكا موادا غذائية ب 17 مليار دولار أى أصبح ميزانها التجارى الغذائى بالعجز بهذا المبلغ ، وتحولت أمريكا لمستوردة للمواد الغذائية بعد أن كانت مصدرة . وبطبيعة الحال هى تدفع من خلال الطباعة غير المنضبطة للدولار.
باختصار أمريكا لا تصرف علينا كما يتوهم البعض بناء على معلومات خاطئة. نحن وكل الشعوب الفقيرة نصرف على امريكا وارتفاع مستوى الدخل المتوسط للمواطن الامريكى يرجع لنهب امريكا لأموال الشعوب الفقيرة ونهب البترول والغاز والمعادن على رأس ذلك .
وامريكا لاتحمى احدا ولا توفر الأمن لأحد بل هى مصدر تهديد أمننا هى واسرائيل . وهى التى تسلح اسرائيل حتى الأسنان لإذلال العرب . وكلمة التزام امريكا بتفوق اسرائيل لايعلم البعض أن المقصود بذلك هو تسليح اسرائيل لتكون أقوى من كل العرب مجتمعين ؟ لماذا ؟ هل نحن الذين اعتدينا عليها ؟ أم هى التى تشن الحروب بعد فلسطين على مصر وسوريا والعراق ولبنان والاردن ؟
إذا استيقظت كل صباح راجع ماذا تستعمل ؟ وعلى ماذا تنفق ؟ لن تجد أى شىء مفيد . لن تجد أى شىء لايمكن الاستغناء عنه ؟ الغذاء لن تجد موادا ضرورية تأتى من أمريكا .. ستجد اللبان – العلكة والمشروبات الغازية وبعض الحلويات . ولن تجد فى بند الملابس شيئا . ولا فى بند وسائل النقل العامة والخاصة حتى الدراجات . ولا فى بند الأدوية والعلاج . ستجد كثيرا من مستحضرات التجميل وصابون ومعجون أسنان ويمكن العثور على بدائل لها بسهولة وأتحدث هنا عن المجتمع الذى يمكن أن يصنعها ولا أتحدث بالضرورة عن مقاطعة البضائع الامريكية وإن كان هذا مطلوبا أن يعود كشعار للوطنية . .
وأذكر بمطاعم الأكل السريع كالماكدونالدز والاستغناء عنها أفضل للصحة . الاذاعة والتلفزيون والاعلام خرجوا من تحت السيطرة التقنية الامريكية . وإذا كنت من متابعى سى إن إن فستصاب حتما بالغباء والتخلف الذهنى . الانترنت هو المشكلة الأساسية لأنه نشأ أمريكيا ولكنه الآن ملك للبشر جميعا والكل يشارك فى عمله وفى توسعه ولكن يظل العمود الفقرى مسيطر عليه من اليهود والأمريكان : التواصل الاجتماعى . وقد دعوت من قبل لإنشاء شبكات انترنت مستقلة بعيدا عن التواصل الاجتماعى الحالى والاستفادة من تجارب روسيا والصين وايران فى هذا المجال . ولا أزال أتعرض شخصيا للحظر الجزئى فى الفيس بوك . وأنا أحذرهم باللجوء إلى التيك توك !!
والتعامل مع الانترنت لا حرج فيه فهو أشبه بالأثير الذى تذاع عبره محطات الاذاعة ومسيطر عليه من الغرب والاقمار الصناعية التى تبث القنوات الفضائية والآن هناك أقمار عديدة غير أمريكية .
المبدأ الانسانى والمنطقى والمبدئى معروف ومتفق عليه وقد قاله جمال عبد الناصر يوما فى مطلع حياته السياسية : نصادق من يصادقنا ونعادى من يعادينا . وهو مبدأ إسلامى مستقر .
يجب إيقاف التعامل مع ما يسمى الولايات المتحدة حتى تحترم نفسها وتتعامل مع أمتنا باحترام . ويجب منع رؤساء أمريكا ومرؤسيهم من التجول بحرية فى بلادنا. وسيحدث هذا بإذن الله قريبا.
تعالوا نعيش حياتنا بدون امريكا والغرب
التعليقات مغلقة.