مصر … ثورة “الضبّاط الأحرار” عام 1952 م ، قام بها الجيش وأيّدها الشعب
الأردن العربي – الخميس 21/7/2022 م …
* الصورة: الضباط الذي أسقطوا العهد الملكي في مصر .. وأشعلوا ثورة 23 يوليو …
23 يوليو و30 يونيو.. ثورتان متباعدتان تصل المسافة بينهما إلى 6 عقود ، غير أنهما متشابهتان إلى حد كبير ، ولِمَ لا وقد تلاحم فيهما أكبر قوتين وطنيتين فى تاريخ الدولة المصرية ؛ هما الجيش والشعب.
لكن ورغم ذلك التوحد فى هاتين الثورتين ؛ فإن الأولى تختلف عن الثانية باختلافات طفيفة تعطى ثقلا لمضمون القوتين الوطنيتين.
إن ثورة 23 يوليو ثورة قامت بها المؤسسة العسكرية والتف حولها القطاعات الشعبية المختلفة لمواجهة التدخل البريطاني في الشآن المصري آنذاك ، في إطار موجة تحرر شملت المنطقة العربية ، وبالتالي هي ثورة قام بها الضباط الاحرار وكانت حركة مباركة لا سيما بأنها ثورة مصرية اعطت دفعة معنوية لكثير من الشعوب العربية في تونس والجزائر والمغرب حتى الاستقلال والتحرر.
وتعد ثورة 23 يوليو هي العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة الذين عانوا أشد المعاناة من الظلم فكانت ثورة تحررية بكل ما تعنيه الكلمة , حيث أسقطت نظام وأدخلت نظام جديد ، وحولت مصر من الملكية إلى الجمهورية.
وبالمقارنة بين ثورة 23 يوليو 1952 ، وثورة 25 يناير 2011 ، نجد أن ثورة 25 يناير كانت ثورة شعبية ضد نظام استولى على الحكم اكثر من ثلاث عقود واستهان بقدرات شعبه وبالتالي قامت الثورة لإسقاط هذا النظام .. إلا أن المشكلة الاساسية في ثورة يناير أن الذين قاموا بها ليسوا مؤهلين لحكم البلاد ، والثورة كانت بلا قائد.
ومن أهم المشكلات التى واجهتها ثورة 25 يناير من قبل الثوار هي الانشغال بالمعارك الجانبية ما بين التيارات الثورية والسياسية التي جعلت التيارات الاسلامية ممثلة في جماعة الاخوان المسلمين التى كانت جاهزة فى هذا التوقيت ان يحصلوا على اكبر مقاعد البرلمان وكرسى الرئاسة عام 2012.
ثم جاءت ثوره 30 يونيو , وهى تصحيح للمسار المنعرج لثورة 25 يناير حيث انحازت المؤسسة العسكرية للارادة الشعبية ، وتم التوافق بين القوة السياسية والعسكرية والدينية على رسم خارطة طريق المستقبل لمرحلة انتقالية بعد عزل محمد مرسى.
وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة من قبل البعض لـ 23 يوليو باعتبار أنها انقلاب عسكري ، فإن الشعب باركها وأيدها والتف حولها ، الأمر الذى أضاف لها الشرعية اللازمة لتتصدى لكارهيها ؛ الأمر ذاته حدث ووقع بحذافيره فى 30 يونيو ، ولكن المفارقة تأتى من كونها شعبية خالصة ساندها وباركها الجيش ، وفى الوقت ذاته واجهت نفس انتقادات الأولى باعتبارها انقلابا عسكريا ، ففى 30 يونيو ثار الشعب ، وبارك الجيش انتفاضته ، وأيدها والتف حولها ، وأضفى عليها الشرعية.
ظلم واستبداد الأنظمة الحاكمة على مر عصور الدولة المصرية السابقة ، كان قاسما مشتركا فى اندلاع ثورتها المباكرة ؛ حيث اتفقتا 23 يوليو و30 يونيو على نفس الأهداف تقريبا ، فالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية دائما ما تأتى على أولويات أهداف الثورات التى يفجرها أبناء الشعب سواء الجيش فى 23 يوليو أو المدنيون فى 30 يونيو.
الجيش المصرى علامة فارقة وبصمة عميقة يتركها فى كل ثورة يفجرها المصريون على اختلاف العصور والأزمنة ؛ فالأمر الذى يبرهن قدرة الجيش على حماية البلاد وسيادتها حتى من تجبر بعض أبنائها ، فقدرته الفائقة على عزل المالك فاروق ظهرت مرتين فى العصر القرن الحالى بعد إجبار مبارك على التنحى مرة، وفى عزل مرسى عن منصبه بأمر الشعب مرة أخرى.
ففى الثورتين حرص القائمون عليها من صياغة أهداف لها استطاعت 23 يوليو من تحقيق أغلبها دون مبدأها السادس هو إقامة العدالة الاجتماعية؛ المطلب الذى يستمر المصريون فى المطالبة به حتى اليوم، بينما تمنكت 30 يونيو من تحقيق معظم أهدافها أيضا، وهى استحقاقات خارطة المستقبل الثلاثة، التى انتهت من أكثر من ثلاثة أرباعه، ويتبقى الأخير هو انتخابات مجلس النواب المقرر إجراؤها خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وفى الذكرى 62 التى تمر اليوم على ثورة 23 يوليو ما زالت مبادئ الثورة وقيمها راسخة فى عمق الدولة المصرية؛ ولكن باختلاطها وامتزاجها بمبادئ وأهداف 30 يونيو ، التى تعترف بالديمقراطية وتداول السلطة وتمكين الشباب والمرأة والاعتراف بالشرعية الدستورية والتعددية الحزبية.
اثنان وستون عامًا على قيام ثورة 23 يوليو ولا يزال المصريون يبحثون عن العدالة الاجتماعية التى حلموا بها مع بزوغ شمس الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فالقرارات السريعة التى اتخذها الزعيم الراحل من أجل ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية ، وإعادة الكرامة للمصريين البسطاء ، جعلت منه أيقونة العدالة الاجتماعية لدى المصريين وغيرهم من شعوب الأرض.
تسلم عبد الناصر حكم مصر وكانت دولة فقيرة متخلفة صناعيا ، وقام عبد الناصر بالعديد من الخطوات للعمل على تحسين أوضاع الاقتصاد الذى شهد تدهورا كبيرا بعد ولاية أبناء محمد على ، وشهدت مصر فى عهده نهضة اقتصادية وصناعية كبيرة كان الاقتصاد المصرى عاجزا خلالها بسبب ارتباطه بالمصالح الأجنبية عن طريق البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية فى الصادرات والواردات ، وكانت كل مرافق الاقتصاد المصرى بيد الأجانب واليهود ، لكن بدأ جمال عبد الناصر فى اتجاه جديد للدولة نحو السيطرة على مصادر الإنتاج ووسائله من خلال التوسع وتأميم البنوك الخاصة والأجنبية العاملة ؛ والشركات والمصانع الكبرى وإنشاء عدد من المشروعات الصناعية الضخمة.
وعلى الصعيد العربي , تمر في الثالث والعشرون من يوليو 2014 الذكرى الـ62 لثورة 23 يوليو المجيدة عام 1952م ، تمر هذه الذكرى العطرة في ظروف صعبة ومصيرية خاصة أنها تأتي مع مواصلة العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزه الصامد الذي يذهب ضحيته يوميا العشرات من الجرحى والشهداء وبلا أي ذنب إلا أنهم مواطنون أحرار أبو حياة الذل والمهانة وسط صمت وتواطؤ دولي وخذلان وخيانة عربية حيث أن الطائرات والبوارج والدبابات الصهيونية بكل أسف تتحرك بالمال العربي والنفط العربي لصب حقدها الأسود على المدنيين العزل من أبناء شعبنا في غزة الصامدة غزة هاشم الأغر وليس المتاجرين باسم هاشم .
في هذه الظروف تـأتي ذكرى 23 يوليو المجيدة التي تعيدنا لأيام العز والكرامة الوطنية والقومية والإحساس بالأخ والشقيق عندما كان حلم الوحدة العربية بين قاب قوسين أو أدنى خاصة بعد وحدة مصر و سوريا وإعلان الجمهورية العربية المتحدة في فبراير شباط عام 1958م .
ورغم فشل تلك الوحدة نتيجة المؤامرات الخارجية – وهي الأساس – وتواطؤ الصغار من العملاء في الداخل إلا أن مبادئ وأسس ثورة 23 يوليو تؤكد على ضرورة الوحدة وحتميتها التاريخية .
مبادئ وأسس ثورة 23 يوليو , شرحها وبينها الزعيم جمال عبد الناصر من خلال كتابه الشهير والوحيد (فلسفة الثورة) الذي يعتبر دستور ثورة يوليو , وحدد مصالح مصر في الدوائر الثلاثة وهي الدائرة العربية والإسلامية والإفريقية ، وكانت إفريقيا منطقة محرمة لتواجد الكيان الصهيوني فيها , حيث طاردته ثورة يوليو بنفوذها , وهي التي جسدت دور وقوة مصر وكذلك الدائرتين العربية والإسلامية .
نحتفل بثورة 23 يوليو الناصرية التي حاربت الاستعمار وعملائه واستردت ثروات الوطن ، وكان لثورة 23 يوليو وقائدها العظيم جمال عبد الناصر الفضل الأكبر بطرد الاستعمار القديم ومحاربة الاستعمار الجديد وما تبقى من جيوبه الصغيرة المتمثلة بالعملاء ومن يحكمها اليوم للأسف ، وبفضل ثورة يوليو ارتفعت الأعلام الوطنية في سماء كل قطر عربي .
إن ثورة 23 يوليو في ذكراها تزداد حضورا في قلوب الشعب العربي من المحيط إلى الخليج وليس في مصر وحدها .
لذلك احتفالنا بثورة يوليو ليس للبكاء على الأطلال ولكن للاستفادة من تجارب أمتنا العظيمة وعلى رأسها مصر وبحثها عن ذاتها لأجل المستقبل الذي لم يتم إلا بالوحدة .
رحم الله أبطال ثورة 23 يوليو المجيدة , وعلى رأسهم قائد الأمة العربية وزعيم الثورة جمال عبد الناصر الحاضر الغائب الذي قال عن ثورة يوليو بأنها وجدت لتبقى لأنها تعبيرا عن إرادة الأمة وحقها بالحياة الحرة الكريمة .
إن ثورة يوليو خالدة في تاريخنا وحياتنا خلود النيل والأهرامات ودجلة والفرات.
التعليقات مغلقة.