لماذا لم ترد حركة “حماس” حتى الآن على نصيحة “عُلماء مُسلمين” بالتّراجع عن قرارها بالمُصالحة مع سورية؟ / عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان ( فلسطين ) – الأربعاء 27/7/2022 م … 


 * هل هذه المُصالحة “مَفاسِدٌ عظيمة” فِعلًا؟




*وما هو التقدّم الذي تحقّق في هذا المِلف وأشار إليه “السيّد” في مُقابلته الأحدث مع “الميادين”؟

أعادَ السيّد حسن نصرالله أمين عام “حزب الله” مسألة العُلاقة بين السّلطات السوريّة، وحركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” إلى الواجهة مُجَدَّدًا عندما أعلن في مُقابلةٍ مع الزميل غسان بن جدو رئيس مجلس إدارة قناة “الميادين” بُثّت أمس، أن تسوية العُلاقة وتحقيق المُصالحة، موضع اهتمامه شخصيًّا، مُشيرًا إلى أنه تمّ التوصّل إلى نتائجٍ إيجابيّة، وقال “إن الأخوة في “حماس” يعترفون أنه لم يُقدّم أيّ نظام عربي مِثل الذي قدّمته سورية للحركة والمُقاومة الفِلسطينيّة عُمومًا”.

ولعلّ السيّد نصر الله في حديثه عن وجود مُؤشّرات إيجابيّة في هذا المِلف كان يستند إلى تطوّرين رئيسيّين:

  • الأوّل: إصدار المكتب السياسي للحركة قرارًا بالإجماع الشّهر الماضي بضرورة استِئناف العُلاقة مع سورية، وأنه لا يُمكن إدارة الظّهر لها لأنّها جُزءٌ من محور المُقاومة الذي تنتمي إليه الحركة.

  • الثاني: تأكيد الشيخ أسامة الرفاعي رئيس المجلس الإسلامي السوري (مُعارضة) بأنّ حركة “حماس” لم تُبْدِ حتى الآن أيّ استجابةٍ لـ”نصيحةِ” وفدٍ من العُلماء المُسلمين من دُوَلٍ عربيّة عديدة بعدم إعادة عُلاقاتها مع الحُكومة السوريّة والرئيس بشار الأسد.

***

عدم ردّ الحركة على هذه “النّصيحة” من قِبَل هذا الوفد الذي يضم ثمانية عُلماء أبرزهم الشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ عبد المجيد الزنداني (اليمن)، والدكتور الشيخ علي القرة داغي الأمين العام للاتّحاد العالمي للعُلماء المُسلمين ومقرّه الدوحة، وأسّسه وتزعّمه الشيخ يوسف القرضاوي، عدم الرّد يعني أنّ حركة “حماس” ماضيةٌ قُدُمًا في قرارها باستِعادة عُلاقاتها مع الدّولة السوريّة، وتقديم كُل ما يُمكن أن يُفيد أو يُسَهِّل وساطة السيّد نصر الله، وهذا مَوقفٌ يُحسَب لها، ولمكتبها السّياسي، خاصَّةً أن التوجّه باستِعادة العُلاقات مع سورية عرّضها لحملةٍ شرسة من بعض أنصارها داخِل الأراضي المُحتلّة وخارجها.

موقف وفد “العُلماء المسلمين” ونصيحته التي حملها لحركة “حماس” وسلّمها للسيّد هنية، لا يُمَثّل تَدَخُّلًا في الشّأن الدّاخلي للحركة، وإملاء مواقف عليها، وإنّما يُمثّل أيضًا عدم تفهّم ظُروف الحركة كجُزءٍ أصيل في المُقاومة الفِلسطينيّة، واحتِياجاتها العسكريّة الضّروريّة، وبِما يفرض عليها مُراجعة مواقف لم تكن صائبةً، وأبرزها الوقوف في “الخندق” الآخر في الأزمة السوريّة، وما ترتّب على هذا القرار من تَبِعات.

“نصيحة” وفد “العُلماء المُسلمين” لحركة “حماس” جاءت “غير مُوفّقة”، وتعكس تجاهلًا لتطوّراتٍ رئيسيّة في سورية والمِنطقة أبرزها “صُمود” الدّولة السوريّة، وفشل مِئات المِليارات في إسقاط أو تغيير “النّظام”، ووقوف الولايات المتحدة الأمريكيّة خلف هذا المُخَطّط من ألِفِهِ إلى يائِه، واستِغلالها لمطالب شعبيّة مشروعة بالديمقراطيّة وحُقوق الإنسان، وتوظيفها لمصلحة الاحتِلال الإسرائيلي.

فعندما يَصِف هذا الوفد قرار الحركة بإعادة عُلاقاتها مع الدولة السوريّة التي قدّمت فِعلًا للمُقاومة الإسلاميّة ما لم تُقدّمه أيّ دولة عربيّة أُخرى بأنّه “مفاسد عظيمة لا تتّفق مع المبادئ والقيم والضّوابط الشرعيّة”، فإنّ هذا التّوصيف نفسه هو الذي يتعارض مع القيم الإسلاميّة، وأبرزها مُقاومة الاحتِلال بكُلّ الطّرق والوسائل وتقديم كُلّ الدّعم والمُساعدة لمن يُقدِمون على هذا العمل المشروع.

حركة “حماس” أرادت إعادة عُلاقاتها مع دولة عربيّة إسلاميّة تُواجه مُؤامرة كونيّة لتفتيتها، وتفرض حِصارًا خانقًا عليها لتجويع شعبها، وسرقة ثرواته، واحتِلال أراضيه، ولم تُعِد عُلاقاتها مع دولة الاحتِلال، وتُطبّع عُلاقاتها معه مثلما تفعل العديد من الدّول التي ينتمي إليها، أو يُقيم فيها بعض هؤلاء العُلماء، ولم يصدر منهم، أو بعضهم فتاوى تُدين هذا التّطبيع.

هل تقديم سورية ورئيسها المِئات من صواريخ “الكورنت” المُضادّة للدبّابات إلى حركة “حماس” والعضّ على النّواجز، والتّسامي عن الخِلاف معها، ومنْع الاحتِلال الإسرائيلي من التقدّم مِتْرًا واحِدًا في قِطاع غزّة هو مفسدةٌ عظيمة، لا يتّفق مع المبادئ والقيم والضّوابط الشرعيّة؟

وهل تقديم إيران الدّولة التي يُعاديها بعض هؤلاء العُلماء لأسبابٍ طائفيّة أيديولوجيّة الصّواريخ الدّقيقة، والمُسيّرات إلى حركة “حماس” وفصائل المُقاومة الأُخرى، وهي الصّواريخ التي أذلّت القبب الحديديّة، وعزلت دولة الاحتِلال عن العالم لأكثر من 11 يومًا، وأرسلت أكثر من ستّة ملايين مُستوطن إلى الملاجئ، وانتصرت للمسجد الأقصى وأهل الرّباط من المفاسدِ العظيمة أيضًا؟

***

مُعظم الدّول التي ينتمي إليها هؤلاء العُلماء أو يدينون لها بالولاء، لم تُقدّم رصاصةً واحدة لحركة “حماس” أو فصائل المُقاومة الأخرى، ولهذا كُنّا نتمنّى عليهم أن يقفوا في خندقها، أو يحترموا قرارها، ويُقدّروا ظُروفها، ولو من منطق أن الضّرورات تُبَرِّر المحظورات على الأقل، وإن كانت هذه النظريّة لا تنطبق على هذا الموقف الأخلاقي الحمساوي الشّريف، فإعادة العُلاقات مع دولة عربيّة مُسلمة خاضت أكثر من أربع حروب لنُصرة القضيّة الفِلسطينيّة وقدّم جيشها العربي السوري عشَرات الآلاف من الشّهداء، وخسرت هضبة الجولان، ورفضت كُل إغراءات التّطبيع، إعادة العُلاقات مع هذه الدّولة ليس من المحظورات هو قمّة الحكمة والوطنيّة، وتصحيح لقرارٍ لم يَكُن مُصيبًا على الإطلاق.

نتمنّى أن تنجح جُهود السيّد نصر الله وَوِساطته في إعادة العُلاقات السوريّة مع حركة “حماس” إلى صُورتها الطبيعيّة، مثلما نتمنّى أن يُراجع هؤلاء العُلماء مواقفهم أيضًا، وأن يقفوا في خندق المُقاومة للاحتِلال الإسرائيلي، وِفْقًا لقيم ومبادئ العقيدة الإسلاميّة الصّحيحة وأبرزها التّسامح والاعتِراف بالخطأ، ولنا في رسولنا العظيم القُدوة الحسَنة

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.