لا جديد في مسودة بوريل ولا تغيير في السلوك الأمريكي تجاه الإتفاق النووي الإيراني / المهندس ميشيل كلاغاصي  

المهندس ميشيل كلاغاصي  ( سورية ) – الثلاثاء 2/8/2022 م …

أيُّ جديدٍ قدمه رئيس الدبلوماسية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل , قبيل توجّه الجانبين الأمريكي والإيراني إلى الدوحة , من خلال طرح مسودة “نصٍ جديد” لإحياء إتفاق إيران النووي لعام 2015 , مع أنه اعتبر في مقاله بصحيفة الـ “فاينانشال تايمز” , بأنه طرح نصاً جديداً , تناول التفاصيل الدقيقة لرفع العقوبات , بالإضافة إلى الخطوات النووية “اللازمة” لإستعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة , مؤكداً أن طرحه الجديد يمثل سقف ونهاية التنازلات الكبرى.  




فقد ركزت مقترحات بوريل التي حملها من خلال زيارته إلى طهران , على بعض القضايا الهامة التي تضمنتها المسودات السابقة , كالضمانات والحرس الثوري والإستثمارات والتبادل التجاري .. معتمداً على الأجندة التي ناقشها مع روبرت مالي , والتي تقبلها الإيرانيون بشكلٍ أولي , وكان من المفترض أن يذهبوا إلى الدوحة ويروا تغييراً في السلوك الامريكي , لكنهم وجدوا عكس ذلك , فإنتهت المباحثات دون أن يتوصل الجانبان إلى فهمٍ مشترك لإستثناف مفاوضات فيينا…  

تبدو الصياغة الجديدة للمقترحات التي حملها السيد بوريل إلى الإيرانيين قبيل محادثات الدوحة الأولى , استندت على ذات التصورات التي تم طرحها سابقاً , لجهة رفع العقوبات , والضمانات التي تترتب على واشنطن تقديمها , والدور الأوروبي في تعزيز هذه الضمانات أو بتأمينها , وعلى ما يبدو أن الطرح الجديد في مسودة بوريل “المعدلة” يتمثل بالشرح التفصيلي الجزئي لبعض الإستثمارات الأجنبية.  

لم يستطع بوريل استيعاب الفرق ما بين الجانبين , فواشنطن تبحث عن عما هو أبعد من الإتفاق النووي مع إيران , كمصير وجود قواتها في منطقة الشرق الأوسط , ومصير الكيان الإسرائيلي المؤقت , وعن هيمنتها ونفوذها الدولي الاّخذ في التاّكل , وعن مخرج مناسب للحرب التي شنتها على روسيا , والتي منيت فيها بهزيمة غير مسبوقة , والتي سيكون لها من التداعيات ما يكفي لإقناع الدولة الأمريكية العميقة بطي صفحة الرئيس جو بايدن وتحميله مسؤولية تدحرج الولايات المتحدة عن عرش القيادة القطبية الواحدة , والقبول بعالمٍ جديد متعدد القطبية لطالما رفضه الأمريكيون.  

وبالنسبة لطهران ، فإن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة , لا بد لها من رفع العقوبات التي تسببت بالأذى الكبير للاقتصاد الإيراني , وستمهد الطريق لإعادة تأهيل العلاقات الإيرانية السياسية والإقتصادية بشكلها الطبيعي مع الكثيرمن الدول التي وقفت ضدها بالوكالة أوالأصالة , وستضع حداً لذرائع الحملة الأمريكية – الإسرائيلية المستمرة ضدها منذ أربعين عاماً إلى أمدٍ يطول أو يقصر بحسب إلتزام واشنطن بالمخططات الصهيونية الكبرى وماتحيكه لساكني الأرض ومنطقة الشرق الأوسط وغرب اّسيا تحديداً.  

فيما تنظر القيادة الإيرانية للإتفاق , بأنه يعبر عن حق الدولة والشعب الإيراني في الحصول على الطاقة النووية السلمية , وبتطور أنظمتها الدفاعية , وبالسعي لرفاهية شعبها , وهي صاحبة الحق والقوة والإصرار والخبرة , على الرغم من المرواغة الأمريكية والنفاق الأوروبي .  

تبدو المراهنة على الوقت والضغوط واستمرار العقوبات أمورٌ تجاوزتها الدولة الإيرانية , ولم تعد سياسة التهديد والتهويل أو العصا والجزرة مفيدة , وعلى واشنطن أن تكون أكثر واقعية , وتتخلى عن شروطها وتعنتها , وتتجه نحو إثبات حسن نواياها , فالدولة الإيرانية ماضية نحو تحقيق أهدافها وإنتصارها بوجود الإتفاق أو عدمه , فيما تمضي الولايات المتحدة نحو المزيد من الهزائم وإنهيار سياساتها ووجودها في الشرق الأوسط .  

أما عن موقف السيد بوريل والإتحاد الأوروبي , وبحسب المثل القائل “لا يصلح العطار ما أفسده الزمن” , فالزمن الأمريكي أنتج هذا العطار الأوروبي , الذي سار لعقود وراء السياسة الخارجية الأمريكية , وعلى “هدى” الرئيس بايدن , الذي يرى أنه ليس بالضرورة أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً , وتحول الإتحاد الأوروبي برمته إلى خادم مطيع لمصالح الصهيونية العالمية.  

وبإختصار , أراد بوريل أن يطرح معادلة “العودة إلى إتفاق 2015 مقابل تخفيف العقوبات الإقتصادية” , وأرفقها بنوع من التهويل والتهديد في حال رفض الإتفاق “بمواجهة أزمةٍ نووية خطيرة , واحتمالية زيادة عزلة إيران وشعبها”.. لكنه وبهذا المنطق لن يستطع إقناع الجانب الإيراني , أو النجاح بالتفكير عنه , وسط تأكيد علي باقر يكني ، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين ، بأن بلاده ستقدم أفكارها الخاصة من حيث الشكل والمضمون ,لإكمال المفاوضات .. في وقتٍ تحدث فيه الأمريكيون عن مراجعة “مسودة التفاهم” , والرد على طرح الإتحاد الأوروبي , الذي يستعجله السيد بوريل بـ “قرارات سياسية سريعة” من أجل “إنقاذ” الاتفاق.!  

تبدو مراهنة بوريل على الطرح الأوروبي “الجديد” , نابعة من الأوضاع الصعبة التي تمر بها الولايات المتحدة , نتيجة تورطها وحلفائها بتوسيع رقعة المواجهات الساخنة مع اعدائها , والتي تقودها نحو هزائم إضافية ستجد صداها في الداخل الأمريكي وعلى الصعيد الدولي , ومع ذلك يعتبر بوريل أن طرح المسودة المعدلة  “جيداً” و”قابلاً للتنفيذ” و”مفيداً” لإيران والعالم.  

 

1/8/2022  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.