شعار ” وحدة الساحات ” خطوة إلى الأمام / محمد العبد الله





محمد العبد الله* – السبت 13/8/2022 م …

– ” “عندما بدأنا هذا الطريق كنا نعرف أن تكاليفه صعبة جدا، لكن هذا هو واجبنا و خيارنا المقدس “.

الأمين العام الأول، القائد المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي ، الشهيد فتحي الشقاقي 

مدخل

جاء اعتقال الشخصية الوطنية الكبيرة، السياسية والاجتماعية، وأحد الرموز الجهادية المُجربة في ساحات الاشتباك، ومعتقلات الاحتلال ” بسام السعدي ” بهذا الشكل الوحشي الذي رافقته اقتحامات الجيش مصحوبا بالكلاب ، ومعمدا بالرصاص والدماء، ليُسلط الضوء من جديد على خطة المؤسسة العسكرية والأمنية، المتدحرجة ، التي حملت اسم ” كاسر الأمواج” الهادفة كما يكتب الضابط السابق في جيش الاحتلال والمراسل الصحفي العسكري “تال ليف ” (ليست عملية عسكرية موسعة بل سلسلة نشاطات عملياتية تجري على نطاق واسع ). كما أن “غيرشون هكوهكين ” الجنرال السابق في جيش العدو، أشار إلى أن هذه العمليات الميدانية(عبارة عن  نشاط هجومي مبادر إليه، موجه استخباريا في عمق المنطقة، لإحباط “أعشاش الإرهاب”في المدن والقرى الفلسطينية، وفي الأساس ضمن نطاق مدينة جنين).

“جز العشب” في حرب الأيام الثلاثة

بعد أكثر من خمسين ساعة على بدء العدوان على قطاع غزة المحاصر، كانت حصيلتها 49 شهيداً ،بينهم 16 طفلاً و 4 سيدات، ومازال العدد قابلاً للزيادة مع وجود إصابات حرجة بين الجرحى البالغ عددهم 360 جريحاً.

جاء الإعلان عن وقف اطلاق النار بين حكومة العدو وحركة الجهاد الإسلامي بوساطة مصرية مدعومة من أطراف إقليمية ،ودولية ” هيئة الأمم المتحدة “، حيث فرضت حركة الجهاد شروطها بالإفراج فورًا عن الأسير المضرب عن الطعام منذ أكثر من 154 يوماً ” خليل العواودة “، والإفراج عن الأسير القائد  الشيخ ” بسام السعدي ” خلال فترة قريبة تتطلبها الإجراءات الإدارية .

حاول جيش العدو تبرير عدوانه الجديد – كيان الغزاة تأسس بحروب / مذابح التهجير والاقتلاع، ويستمر وجودهبحروب القتل والطرد والتوسع – بالخطوة الاستباقية على تهديدات حركة الجهاد بأنها ” ستجعل حكومة العدو ومستعمراته تدفع ثمن حملة الاعتقالات الدموية المستمرة بالضفة والتي استهدفت مؤخراً إعتقال الشيخ القائد بسام السعدي “. أمام هذا الموقف عاشت مستعمرات جنوب فلسطين المحتلة أربعة أيام برعب حقيقي، توقفت فيها الحركة ، ولجأ المستعمرون إلى الملاجئ ، وتوقفت فيها كل المصانع وورشات الإنتاج. في تلك الأيام الأربعة لم تطلق الحركة قذيفة واحدة باتجاه المستعمرات، بينما كان جيش الاحتلال يدفع بقواته للحدود مع قطاع غزة مع زيارات تفقدية متكررة لكبار القادة العسكريين للمنطقة.

انطلقت الحملة العسكرية الجديدة التي حملت عنوان “بزوغ الفجر” بتوجيه النيران الكثيفة لمناطق ومواقع عديدة داخل قطاع غزة. وقد حدد رئيس حكومة العدو عدة أهداف لها : “الإحباط الدقيق للتهديد الفوري، الفصل بين الضفة الغربية وغزة في الحرب على “الإرهاب”  منع إطلاق النار من غزة كرد على مكافحة “الإرهاب” في الضفة؛ إبقاء حماس خارج المعركة، كعنوان لجهود الحكومة لتحسين ظروف الحياة والهدوء في غزة. في ذات السياق، صرح رئيس هيئة أركان جيش العدو ” أفيف كوخافي” مضيفاً لما تحدث به ” يائير لبيد ” على الأهداف ” توجيه ضربة قاتلة للجهاد الإسلامي، وفي هذا السياق تنفيذ اغتيالات تستهدف كبار القادة، و”تجريد” الجهاد من قدراته في غزة وضرب الخلايا التي تعمل على إطلاق الصواريخ “.

    دروس وعِبر من المعركة الأخيرة

إن قراءة موضوعية لما تمخضت عنه الجولة الجديدة من العدوان، تؤكد أن جملة الأهداف التي انطلقت من أجلها الحملة الدموية الوحشية ، لم تتحقق إلاّ في ابقاء حماس خارج دائرة الاشتباك الصاروخي، وفي استشهاد قادة عسكريين من الصف الأول “المجلس العسكري” في سرايا القدس. وهنا يمكن الوقوف أماممجموعة حقائق أكدتها المعركة .

أولاً : استطاعت سرايا القدس ” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ” أن تتحمل الجهد القتالي الأكبر في المعركة التي شاركتها فيه من خلال القصف الصاروخي وقذائف الهاون – كل فصيل بمقدار تسليحه – غالبية الكتائب والألوية المسلحة. وقد برزت سرايا القدس بقدرات عسكرية وخبرات قتالية واقتدار لافت، على إدارة المعركة بشكل تكتيكي / ميداني ، بما يشير إلى الاستفادة والتعلم من جولات الاشتباك السابقة، بما يخدم إلحاق أكبر أذى في التجمع الاستعماري/ الاستيطاني، والاستمرارية في إطلاق الصواريخ، والحفاظ على القوة البشرية المقاتلة. وهنا يمكننا المقارنة مابين العملية الأخيرة التي أطلقت عيها حركة الجهاد اسم ” وحدة الساحات ” مع عملية “صيحة الفجر”  كانون الثاني / يناير 2019 التي ردت فيها السرايا على استشهاد القائد ” بهاء أبو العطا ” في غزة، وعلى العدوان التي استهدف منزل القائد العسكري العام للسرايا ” أكرم العجوري” في دمشق ، وفشل في الوصول إليه، في حين استشهد نجله ” معاذ ” في الهجوم.هذه المقارنة من حيث عدد الصواريخ التي استهدفت مراكز ومستعمرات المحتلين . في معركة ” صيحة الفجر ” أطلق مايزيد قليلاُ عن 400 صاروخ ، بينما في معركة ” وحدة الساحات ” أطلقت السرايا مايقارب 1000 صاروخ بمدايات وصلت لحوالي 90 كم. كما أن الإرباك في صفوف المقاتلين في السرايا الذي رصده عدد من الخبراء والمحللين العسكريين بعد استشهاد أبو العطا، لم يتكرر بعد استشهاد القائد  ” تيسير الجعبري ” والقائد ” خالد منصور” مع الإشارة بأن الرد السريع على ارتقاء “منصور” وقادة ميدانيين ، شهداءً، جاء برشقات صاروخية بلغ مجموعها 200 صاروخ ، متعددة الرؤس المتفجرة والمدايات، وبتوقيت زمني واحد ، استهدفت 58 مستعمرة ومدينة امتدّت من غلاف غزة وبئر السبع والقدس، حتى تل أبيب وشواطئ نتانيا . أمام هذا الواقع ، كتب “يتسحاق بريك ” قائد الكليات العسكرية سابقاً ، مقالاً في صحيفة “هآرتس”، يوم 9/8/ (2022إنجازنا الرئيسي – اغتيال قائد منطقة الشمال وقائد منطقة الجنوب في التنظيم – لن يأتي لنا بالتغيير المنشود. والدليل: بعد اغتيال القيادات، استمر الجهاد في إطلاق الصواريخ كالسابق، ووسّع نطاق القصف إلى وسط البلاد. ونحن نستمر في الانحدار إلى الهاوية، بكل ما يخص جاهزية الجيش لحرب متعددة الجبهات ).وبهذا، تؤكد الحركة والسرايا، أنها لم ولن تنكسر، وأنها ، ليست قادرة على الاستمرار، فقط، بل وعلى تسييج وحماية وجودها، بوضع شعبي، وطني وقومي، جعلها بقلب وعقل كل الحريصين على استمرار المقاومة لتحرير الوطن المحتل، رغم الشهداء والآلام وعظيم التضحيات.

ثانياً : في المؤتمر الصحفي للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، القائد زياد نخالة ، مساء يوم 7 أب / أغسطس الجاري، كلام واضح عن النضال المشترك، الواحد والموحد، في كل مناطق تواجد الشعب الفلسطيني، ولهذا تم اختيار “وحدة الساحات ” تسمية للعملية العسكرية الواسعة التي ردت فيها سرايا القدس وغالبية الكتائب والألوية المسلحة، على العدوان الذي استهدف الشعب والمقاومة المسلحة في قطاع غزة. ولمزيد من التأكيد على الأبعاد الكفاحية لوحدة الساحات، خاطب القائد الفلسطيني ، شعبه ، بتعابير بسيطة ذات دلالات واضحة ، قائلاً ” أنتمنحن ، ونحن أنتم “. فلهذا وانطلاقاً من هذا الموقف واستنادا على ماأكدته نتائج معركة “سيف القدس”، وما أضافته معركة ” وحدة الساحات ” على ترابط النضال الوطني التحرري في كل المناطق / الساحات، التي يتواجد عليها الشعب الفلسطيني – مع مراعاة خصوصية وشكل النضال في كل واحدة منها – فإن القوى الوطنية، وفي مقدمتها ، الحركات والجبهات والألوية التي تتواجد في ساحات الفعل والاشتباك، مطالبة بتعزيز وتطوير أشكال التحالفات، من خلال التفعيل الحقيقي الجماعي ل ” غرفة العمليات المشتركة “، وتشكيل هيئة للتنسيق السياسي والميداني من القوى الفاعلة في باقي التجمعات الفلسطينية، خاصة، الضفة الغربية والقدس، لأن ماينتظر شعبنا ومقاومته الباسلة يتطلب برنامج عمل ميداني، يواجه بالنضال والاشتباك مخططات ومجازر المحتل في القدس ونابلس وجنين والخليل وأريحا وطولكرم، وعلى امتداد الوطن المحتل، بعيداً عن كل الصخب الإعلامي المتكرر، والضار، تحت تسميات ” الخطوط الحمر”، التي تجاوزها المستعمرون في القدس وساحات المسجد الأقصى عشرات المرات !.

ثالثاً : استطاعت حركة الجهاد الإسلامي ، بحكمة وحنكة واقتدار قيادتها، أن تفوت على العدو إثارة الفتنة داخل صفوف الحركة الوطنية، وبالتحديد ، مع حركة حماس. وإذا كان التساؤل الشعبي العام – والمشروع – الممزوج بمرارة وقلق، عن عدم مشاركة كتائب “عز الدين القسام ” بهذه المعركة –هذه ليست المرة الأولى – ، فإن كلام الأمين العام للحركة في ذات المؤتمر الصحفي، عن (الحاضنة الشعبية والسياسية للمقاومة وبأن حماس عمودها الفقري ) قد خفف – ولم يُلغي عند الغالبية العظمى – الألم من موقف حركة حماس، المسؤولة عن إدارة السلطة في القطاع؛ سياسياً، اقتصادياً ، اجتماعياً ، وبالتالي، حماية الشعب من الاعتداءات الخارجية!.

رابعاً : بعد انقضاء عدة ساعات على تثبيت وقف اطلاق النار، اندلعت اشتباكات عنيفة امتدت لساعات في أحياءالبلدة القديمة في مدينة نابلس . تسللت قوات جيش العدو وأجهزة مخابراته، بتعاون من الخونة / الجواسيس، نحو الهدف المطلوب : تصفية المجموعة الفدائية التي يقودها المقاتل الفذ ” إبراهيم النابلسي”- صاحب الأرواح التسعة ، كما أسماه العدو، لقدرته على النجاة من عدة محاولات لاغتياله– قاتلالشبان الثلاثة حتى الطلقة الأخيرة ببسالة حتى الاستشهاد، لترفع الآلاف الغاضبة جثامينهم على الأكتاف في مشهد بات يتكرر مع كل شهيد، في إعلان متجدد عن احتضان الشعب لشهداء الاشتباك المسلح مع جيش الغزاة. والتشابه يصل لحد التطابق مابين تشييع ” إبراهيم النابلسي ” في نابلس، و” باسل الأعرج ” في بلدته ” الولجة “. حتى التشابه في مضمون وصية كل واحد منهم ؛ في وصية “النابلسي” الصوتية، يخاطبنا قائلاً (… أنا راح استشهد..أدعوكم لاستكمال الطريق وماحدا يترك البارودة ” ،  أما ” الأعرج”  فنقرأ في وصيته المكتوبة ( … وأنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعاً وجدت أجوبتي، ياويلي ماأحمقني وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد).

لم ولن يتوقف جيش العدو وأجهزة مخابراته عن الاستمرار في تنفيذ عملية ” كاسر الأمواج ” بهدف القضاء علىالخلايا المسلحة،وهدم “أعشاش الإرهاب” في المدن والقرى الفلسطينية.وبمواجهة ذلك ، فإن الرد على خطة العدو المحتل في (الفصل بين الضفة الغربية وغزة في الحرب على ” الإرهاب )، كما يقول ” يائير لبيد ” يكون بالترجمة الميدانية للهدف الوطني الراهن من خلال وحدة الساحات.

  خاتمة

حتى تظل يد السرايا والكتائب المقاتلة هي العليا، ومن أجل تثبيت معادلات ردع جديدة، أحدثتها معركة سيف القدس وبنت عليها معركة وحدة الساحات، فإن تكلفة كل مواجهة عسكرية مع العدو، سيدفع ثمنها الشعب ورجال المقاومة من أبناء هذا الشعب، الدم والتضحيات الجسام، لكن النظر لهذه الخسائر من خلال التقييم العام لمسار حركة التحرر، يعني أن طرد المحتلين، وحرية الوطن واستقلاله، كما حصل في الجزائر، فييتنام ،اليمن ، ليبيا، دولة جنوب أفريقيا ، وكوبا، يتطلب من التواقين للحرية، القتال والتضحية من أجل الوصول للهدف الأسمى، وهذا ماقاله الشهيد باسل الأعرج ” كل ما تدفعُه في المقاومة إذا لم تحصده في حياتك، فستحصل عليه لاحقاً، المقاومة جدوى مستمرّة “.

– لم ولن يبزغ فجرهم ، لأن كيانهم المُظلم والظالم، مؤقت وزائل .

– لم تنكسر، ولن تزول حركة الجهاد،  كما توهم قادة العدو، لأنها عصية على التصفية والإلغاء.

*  كاتب وسياسي فلسطيني

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.