تركيا … حماقة الفرح بفشل الانقلاب وسذاجة الحزن على فشله / المبادرة الوطنية الأردنية

 

المبادرة الوطنية الأردنية ( الخميس ) 21/7/2016 م …

في علم الزلازل، يحدث الزلزال نتيجة فعل تراكم الطاقة في عقدة تلاقي صفائح جيولوجية متحركة، أي في لحظة تحوّل إلى فائق الطاقة في العقدة بفعل التراكم.

الزلزال الاجتماعي يحدث في لحظة تراكم فائض تناقضات داخل المجتمع ذاته، أي بالأساس عوامل داخلية، تغدو معها العوامل الخارجية حوافز مساعدة .

حدّد الموقع الجيوسياسي لتركيا، بين أوروبا وأسيا، وفي وسط أسيا الصغرى، وعلى حدود روسيا وتخوم الصين، الأهمية الخاصة لها في استراتجية المركز الرأسمالي العالمي.

بعد نشوء المنظومة الرأسمالية القومية في الغرب، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، تم ضم تركيا العلمانية إلى المنظومة الرأسمالية العالمية، بقيادة المؤسسة العسكرية وعلى رأسها كمال أتاتورك ، وأصبحت الركن الشرقي للحلف الأطلسي في خمسينات القرن الماضي. 

 

خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، عانى الاقتصاد التركي من أزمة حادة تمثلت في ارتفاع كبير في  الدَّين المحلي والخارجي، وارتفاع التضخم، وعجز الموازنة الكبير، وارتفاع عجز الحساب الجاري وزيادة نسب البطالة، وأخفقت المنظومة السياسية في إيجاد الحلول للخروج من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الحادة، ونتيجة لذلك جاء قرار المركز الرأسمالي العالمي المساهمة في إحداث تغيير في بنية القيادة السياسية التركية، وتزامن ذلك مع توجه المركز الرأسمالي العالمي في إحداث تغيير في بنية أنظمة دول عربية محددة.

كان قرار المركز الرأسمالي العالمي المساهمة في بناء نموذج “إسلامي معتدل” يعمم على المنطقة، وخاصة العربية منها، وكانت تركيا تشكل البيئة الملائمة لهذا النموذج، رفض شعبي للنظام السياسي السائد والبحث عن بديل، تم محاصرة حزب أرباكان وشق مجموعة أردوغان عن هذا الحزب وتشكيل حزب العدالة والتنمية، وقبل ذلك تم محاصرة البرجوازية العلمانية الاسطنبولية لصالح دعم برجوازية إسلامية أناضولية، شكلت هذه البرجوازية الأناضولية الحامل الاجتماعي للنموذج الجديد وحزبها ” حزب العدالة والتنمية” .

تدفقت رؤوس أموال أمريكية وأوربية وصهيونية ضخمة، ساهمت في نمو البرجوازية الأناضولية الإسلامية على حساب البرجوازية العلمانية الاسطنبولية، في سياق مشروع الشرق الأوسط الجديد .  

بعد صعوده إلى السلطة في 2002، وضع حزب العدالة والتنمية منظورًا جديدًا للاقتصاد والسياسة الخارجية: صفر مشاكل، وتقليص دور الجيش في الحياة السياسية، والتوجه نحو الاقتصاد الحر،  وحيث تم تبني توافقات واشنطن:

       خصخصة القطاع العام،

       رفع يد الدولة عن التدخل في آلية السوق وإعادة الهيكلة.

       حرية حركة رؤوس الموال

       تقييد دور النقابات العمالية

 نموذج جديد يشار إليه إجمالًا بـ«تركيا الجديدة» حيث أكدت الحكومة على الانضباط المالي، والتحول الهيكلي، والخصخصة.

خلال هذه الفترة القصيرة  تعافت تركيا سريعًا من الآثار السلبية لأزمة 2001 المالية، وحققت معدل نموٍّ مطردًا.

الاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادي

حدث زيادة كبيرة في تدفق رؤوس الأموال نحو السوق التركي بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة، وخلال هذه الفترة، سجل الاقتصاد التركي نموًّا بنسبة 6.2 % في 2002 مقابل انكماش بلغ ( -5.7 % ) في العام الذي سبق 2001. كما شهدت البلاد نموًّا بلغت نسبته 5.3 % في 2003، و9.4 % في 2004، و8.4 % في 2005، و6.9 % في 2006.

خلال هذه الفترة، أسهمت استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة في إحداث زيادة هائلة في الإنتاج المحلي، مما ساهم في زيادة حجم السلع والخدمات المصدرة، كما وساهم زيادة الطلب المحلي في زيادة النمو الاقتصادي، بفضل هذه العوامل، اكتسب الاقتصاد التركي مرونة ضد الصدمات الخارجية وسجل أسرع فترات النمو منذ 1950 بين 2002 و2007.

أثرت أزمة 2008 المالية العالمية في الاقتصاد التركي بشكل رئيس، وأدت في عام  2009 إلى ركود بلغ (- 4.8 %.) ونتيجة لفترة الركود، شرعت تركيا تسعى للوصول إلى أسواق جديدة على أمل إيجاد بدائل للاتحاد الأوروبي، فكان السوق العربي مفتوحاً أمامها، وكان لا بد لحزب العدالة والتنمية من أن يلعب على وتر المذهبية ” السنية ” لتحقيق الدور القيادي في العالم العربي ذي “الأغلبية السنية” ولعب على احتواء الدولة السورية بشكلٍ مذهلٍ، حيث تمكن من استعمالها أداة في هذا المخطط وضد مصالحها الوطنية الخاصة، حيث وقعت سوريا مع تركيا 52 اتفاقية اقتصادية، جميعها بلا استثناء كان لصالح تركيا، وإن لم يكن واضحاً بالنسبة للنظام السوري.

أتى هذا النهج أكله، حيث أسهم إنشاء صلات تجارية مع أسواق جديدة ( ومنها عربية) ، بالإضافة إلى ازدياد حجم الطلب المحلي والصادرات في تعافي الاقتصادي التركي، وأتاحت للاقتصاد أداء جيدًا للغاية في 2010 و2011 ، خلال هذه الفترة سجل الاقتصاد التركي نسبة نموّ  سنويًّ  بلغ 8.5 % ، ليصبح ثاني أسرع اقتصاد نموًّا في العالم، بعد الصين التي بلغ نموّها 9.2 % في 2011.

عام 2012 حقق الاقتصاد التركي نموًّا متواضعًا بلغ 2.2 % ، وفي هذا العام بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 10504 دولارات أمريكية مقابل 3492 دولارًا في  2002 ، وعززت تركيا مكانتها بين البلدان النامية بمساعدة نموها الاقتصادي.

بحسب تصنيف البنك الدولي للدول، الذي يُعرِّف البلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد دون 1105 دولارات ، بأنها «منخفضة الدخل»، والبلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد بين 3976  و 12275 دولارًا  بأنها «متوسطة الدخل»، والبلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد فوق 12276 دولارًا بأنها «مرتفعة الدخل»؛ تهدف خطة تركيا متوسطة الأجل لفترة 2013-2015 إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى 12859 دولارًا بحلول 2015، لتصبح دولة ذات دخل مرتفع حسب معايير البنك الدولي.

كما لاحظنا في سياق السرد أن الاقتصاد التركي يعاني من حالة عدم الاستقرار لناحية النمو ، وتبعاً لدورية الأزمات، كما هو حال الاقتصاد الرأسمالي العالمي، يبدو أن النظام القائم قد وصل إلى سقف إمكاناته ، وبدأ يعاني من تنامي تناقضاته الداخلية، التي سيكون من تداعياتها الزلازل والخضات الاجتماعية .

الأزمة في تركيا ما زالت قائمة ومفتوحة على كافة الاحتمالات، والصراع بين البرجوازية الأنضولية الإسلامية، بقيادة حزب العدالة والتنمية، والبرجوازية العلمانية الاسطنبولية، وحارسها التاريخي الجيش ، ما زال قائماً، والانقلاب الأخير أحد أشكال تعبيراته.

ليس الانقلاب مؤامرة ولا هو لعبة، إنه التعبير الحي عن نضوج الأزمة التركية.

واهم من يراهن على حزب العدالة والتنمية في صفوف أبناء الأمة العربية، وواهم من يراهن على الجيش التركي “أبن الناتو” في دعم قضايا أمتنا العادلة والمحقة.

من المعيب مظاهر احتفالات نحر الخرفان في الشوارع العربية فرحاً بفشل الانقلاب، ومن المعيب أيضاً هذا الحزن في بعض وسائل الإعلام والنفوس العربية على فشل الانقلاب.

 

” كلكم للوطن والوطن لكم “

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.