أمريكا دولة مارقة / وليام بلوم

 

وليام بلوم ( الأحد ) 24/7/2016 م …

دولة العراق المعاصرة المتعلمة المتقدمة تحولت الى دولة فاشلة، بعد أن قصفتها الولايات المتحدة بالقنابل بدءا من 1991 وطوال السنوات الاثنتى عشرة التالية ، بحجة واهية إثر اخرى، ثم في 2003 غزت العراق واحتلته واطاحت بحكومته وعذبت وقتلت بضراوة.

حتى فقد شعب تلك الارض البائسة كل شيء:  منازلهم ، مدارسهم، طاقتهم الكهربائية، ماءهم النظيف، بيئتهم، احياءهم، جوامعهم، آثارهم، وظائفهم، اعمالهم، علماءهم، صناعاتهم، صحتهم البدنية، صحتهم العقلية، رعايتهم الصحية، إعاناتهم الاجتماعية، حقوق المرأة لديهم، تسامحهم الديني، امانهم، اطفالهم، آباءهم، ماضيهم، حاضرهم، مستقبلهم، حياتهم. اكثر من نصف  السكان إما موتى او مصابون او يعانون من امراض نفسية، او في السجن، او مشردون داخل الوطن، او خارجه.

تلوث الهواء والتراب والماء والدم والجينات باليورانيوم النضب، وهناك افظع انواع التشوهات الخلقية، والقنابل العنقودية غير المتفجرة متناثرة تنتظر ان يلتقطها الأطفال.

هناك نهر من الدم يجري الى جانب دجلة والفرات.مخترقا بلادا ربما لن يتمكن أحد من جمع أشلائها أبدا. وكما قالت صحيفة واشنطن بوست في 2007 “هناك مقولة عامة يرددها العراقيون الذين تعبوا من الحرب وهي ان الامور كانت افضل قبل الغزو الامريكي في 2003”

لم تدفع الولايات المتحدة اي تعويضات للعراق

لم تقدم الولايات المتحدة أي اعتذار للعراق.

إن السياسة الخارجية أمر أشد حساسية في الولايات المتحدة من استعباد السود ومذابح الأمريكان الأصليين. لقد اعتذرت الولايات المتحدة لهؤلاء عدة مرات، ولكن لم تعتذر أبدا عن الجرائم التي ترتكبها السياسة الخارجية الامريكية.

في عام 2014، كان جورج بوش ، الرجل المسؤول عن هذا الهولوكوست ، يعيش حياة هادئة في تكساس منهمكا في رسم لوحاته قائلا “احاول ان اترك شيئا ورائي”

نعم، لقد ترك بالفعل.. جبالا من انقاض دولة ، انقاضا كانت فيما مضى مدنا وبلدات. ويشمل إرثه أيضا داعش الجميلة. آه .. ولكن الولد جورجي فنان.

يقول الصحفي سام سمث “نحتاج الى محاكمة كل هؤلاء الذين تحملوا مسؤولية  القرن الماضي، الأكثر فتكا بالبشر والبيئة في تاريخ الانسانية. يمكن ان نسميها محكمة جرائم الحرب والهواء والمال، ويمكن ان نضع في القفص سياسيين ورؤساء شركات وملاك وسائل الاعلام الكبرى ونضع في آذانهم مثل  ايخمان سماعات تجبرهم على الاستماع الى شواهد قتلهم ملايين الناس وكانوا على وشك قتل كوكب الارض وتحويل حياتنا الى بؤس اكثر مما نحتمل.

وطبعا لن يكون لدينا الوقت لمحاكمتهم فردا فردا ولكن يمكننا جمع صيارفة وول ستريت في محاكمة واحدة، واعضاء مجلس العلاقات الخارجية في محاكمة اخرى، وأي من الخريجين المتبقين من كلية ادارة الاعمال في هارفارد او كلية القانون في ييل في محاكمة ثالثة. لن يكون دافعنا الانتقام وإنما التهذيب فحسب. وهكذا لن يكون هناك عقوبة اعدام، بل النفي الى مصنع Nike عبر البحار على ان يختفوا من انظارنا.”

في 2 مارس 2014، أدان وزير الخارجية الامريكية جون كيري “العدوان الصارخ” الروسي في اوكرانيا قائلا “لايمكن ان تتصرف في القرن الواحد والعشرين باسلوب القرن التاسع عشر بغزو دولة اخرى بحجج كاذبة تماما”

العراق في 2003 كان في القرن الواحد والعشرين، والحجة كانت كاذبة تماما، والسيناتور جون كيري صوت لها. من حقك اخلاقيا أن تدين تصرف الآخرين  يا جون!!

في نفس المناسبة فيما يتعلق باوكرانيا، تحدث الرئيس اوباما عن “المبدأ هو انه ليس من حق اي دولة ارسال قواتها الى دولة اخرى بدون مبرر” هل فقد قادتنا ذاكراتهم أم هل يعتقدون اننا بلا ذاكرة؟

هل يتفادى اوباما مقاضاة عصابة بوش وتشيني لانه يريد ان تكون لديه نفس الحقوق لارتكاب جرائم حرب؟ السبب الذي يقدمه لتقاعسه تافه جدا لو كان جورج بوش قد استخدمه لما تردد الناس في الضحك عليه. وفي خمس مناسبات، وفي اجابة على اسئلة حول عدم قيام الادارة بمقاضاة اشخاص مثل بوش وتشيني ورامسفيلد وولفوفتز والاخرين لارتكابهم جرائم قتل جماعية وجرائم حرب اخرى، كان اوباما استاذ القانون سابقا  يجيب “افضل ان اتطلع الى الامام بدلا من النظر الى الوراء”

ولكم ان تتصوروا ان يقول هذه الجملة متهم امام القاضي مطالبا بالبراءة على هذا الاساس.الجملة تستهين بالقوانين وتطبيقها والجريمة والعقاب والحقائق.

وقد قال نعوم تشومسكي مرة “لو طبقت قوانين نورمبرغ ، كان سيشنق كل الرؤساء الامريكان الذين جاءوا بعد الحرب.”

ويبدو ان الشعبين الالماني والياباني لم يتخليا عن ثقافتهما وعقليتهما الامبريالية إلا بعد أن أعيدا قصفا بالقنابل الى العصور الحجرية في الحرب العالمية الثانية. وربما يكون شيء ممثال هو العلاج الوحيد لنفس المرض الذي يعشش في النسيج الاجتماعي في الولايات المتحدة. الولايات المتحدة الان هي مجتمع مريض تماما، وليس هناك علاج سحري آخر للتعامل مع عارض (الاستثنائية) الأمريكية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.