وزير الداخلية الأردني الأسبق / حسين هزاع المجالي و الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية / محمد ابو رمان ( يكتبان معا : دروس من الحدث في مكافحة الارهاب والتطرف
الأحد 24/7/2016 م …
الأردن العربي – عمون …
*التمهيد .. بقلم الدكتور موسى شتيوي / مدير مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعة الأردنية
لقد غدت ظاهرة الارهاب تشكل تحدياً عالمياً ووطنياً متصاعداً بخاصة بعد اندلاع الأزمة السورية وظهور تنظيم داعش الارهابي.
لقد استطاع الأردن وبفضل كفاءة الأجهزة العسكرية والأمنية ووعي مواطنيه أن يدرء خطر الارهاب عنه ولكن تعرض الأردن لأكثر من عملية ارهابية في الفترة الماضية يدل على تنامي خطر هذه الظاهرة.
لقد خط مركز الدراسات لنفسه دوراً في تقديم أفكار وتوصيات لصانع القرار السياسي لمواجهة العديد من التحديات وأبرزها هذه الظاهرة الخطيرة لذا فإنه يضع بين أيدي صناع القرار ومؤسسات الدولة المختلفة هذه الورقة أو المقالة المطولة التي قام بأعدادها كل من السيد حسين هزاع المجالي، الذي يتمتع بخبرة عملية كبيرة في هذا المجال من خلال المواقع التي شغلها كوزير للداخلية ومديراً للأمن العام و الزميل الدكتور محمد أبو رمان، الباحث في المركز وخبير الحركات السلفية الجهادية حيث يقدمان رؤية مشتركة لكيفية تطور هذه الظاهرة وسبل معالجتها. وإذا اتقدم بالشكر الجزيل لمعدي هذه الورقة آمل أن تساهم الآراء والأفكار الواردة بها في تعميق الفهم لهذه الظاهرة المعقدة وكيفية مواجهتها.
وأود أن أؤكد بالنهاية أن الآراء والافكار الواردة بهذه الورقة لا تمثل بالضرورة وجهة نظر مركز الدراسات الاستراتيجية أو الجامعة الأردنية أو العاملين بها.
…………………
المقدمة:
ثلاثة أحداث إرهابية خطيرة شهدها الأردن، خلال الأشهر القليلة الماضية؛
– الحادثة الأولى في آذار/ 2016، ووقعت في مدينة إربد من مواجهات غير مسبوقة، في الشارع وفي التحصّن بإحدى البيانات من قبل مجموعة من الإرهابين (المرتبطين أيديولوجياً بتنظيم داعش)، ما أدى إلى قتلهم جميعاً، واستشهاد الضابط راشد الزيود.
– أمّا الحادثة الثانية في حزيران/ 2016، فتتمثل بالهجوم الذي تعرّض له مكتب المخابرات العامة في منطقة عين الباشا، بالقرب من مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، وأدى إلى استشهاد 5 من كوادر الجهاز، قبل أن يتم إلقاء القبض على المشتبه بتنفيد العملية.
– بينما الحادثة الثالثة، في حزيران/2016، هي هجوم سيارة انتحارية مفخخة على نقطة عسكرية حدودية بالقرب من الساتر الترابي المجاور لمخيم الركبان، ما أدى إلى استشهاد 7 أفراد من الجيش والأمن وإصابة 14 آخرين، وهو أضخم هجوم يتعرّض له الأردن، بعد تفجيرات عمّان عام 2005.
ثمّة أسئلة متعددة مهمة تفرضها هذه الحوادث الثلاثة؛ فيما إذا كنّا أمام تطور نوعي في مصادر التهديد الأمني من قبل المجموعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم داعش؟ وإذا كان الأمر – كذلك- فما هي خياراتنا وخططنا لمواجهة تلك التطورات؟ والأهم من هذا وذاك فيما إذا كنا أمام خطر مواجهة عمليات جديدة وربما أخطر أم أنّ ما حدث يقع ضمن المعدل المتوقع لنشاط هذه المجموعات، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي؟
الفرضية التي تنطلق منها هذه الورقة هي أنّ الأحداث السابقة، مع مؤشرات أخرى، تدفع إلى (أولاً) إعادة تقييم مستوى الخطر الإرهابي الذي يواجهه الأردن، داخلياً وخارجياً، والتحولات النوعية التي حدثت في “نظرية العمل” لدى المجموعات الإرهابية(بخاصة المرتبطة بتنظيم داعش)، و(ثانياً) في تقييم السياسات المحلية في مكافحة التطرف ومواجهة الإرهاب، وتطويرها، كي تكون مؤهلة وقادرة على مواجهة هذه التطورات الجديدة.
أولاً- خمسة مؤشرات وعلامات
إذا أعدنا قراءة الأحداث الثلاثة فسنجد أنّنا أمام مؤشرات وعلامات مميزة مهمة:
1- أنّنا أمام ثلاثة أنماط مختلفة ومتباينة من العمل، لكنّها جميعاً – بالضرورة- تخدم تنظيم داعش وأجندته السياسية ودعايته الإعلامية.
عملية البقعة الاحتمال الأرجح أنّ منفّذها هو ذئب منفرد، وأنّه انتقل بأفكاره من الولاء لتنظيم القاعدة (في العام 2012، عندما حوكم على خلفية قضية محاولة التسلل للانضمام إلى جيش الإسلام في غزة، الموالي لتنظيم القاعدة، فحُكم عليه بالسجن عامين ونصف، وخرج في العام 2014، قبل أن يختفي ويظهر مؤخراً لتنفيذ العملية) إلى الولاء لتنظيم داعش، بانتظار التحقيقات والمحاكمة، لتتكشّف الحقائق الأخرى.
أمّا مواجهات إربد، فهي مع “خلية نائمة”، مرتبطة بداعش أيديولوجياً، وجاءت بعد اعتقالات قامت بها الأجهزة الأمنية لأشخاص آخرين من المنطقة نفسها التي تنتمي إليها الخلية المذكورة.
في المقابل، فإنّ هجوم الركبان المشتبه الأول فيه هو تنظيم داعش في سورية، أي خطر خارجي مرتبط بالتنظيم العسكري المركزي نفسه، وهي العملية الأولى التي يتم استهداف الأردن فيها، بهذه الصورة، عبر التنظيم، أو على الأقل التي ينجح فيها التنظيم بالوصول إلى أهداف أردنية.
ماذا يعني هذا المؤشر؟
….أنّنا أمام “أنماط” مختلفة من التهديد الإرهابي، أولاً داخلي وخارجي، وثانياً أفراد، خلايا، تنظيم مسلّح في الخارج. ولا يوجد إلى الآن بين أيدينا ما يؤكّد بأنّ هنالك تخطيطاً على مستوى قيادي في تنظيم داعش (إلاّ في حال أثبتت التحقيقات عكس ذلك) وراء عمليتي البقعة وإربد، بقدر ما أنّ الاحتمال الأول أنّها مرتبطة باستجابات محلية للولاء للتنظيم، أو لخطاب أبي محمد العدناني، الذي أصدره قبل رمضان ودعا فيه أفراد وأنصار التنظيم إلى تنفيذ عمليات في شهر رمضان، ما قد ينطبق على حالة البقعة.
2- أنّ الأهداف لم تكن “ناعمة’ (مدنية)؛ أي أنّ التنظيم لم يستهدف أسواقاً أو ملاعب رياضية أو مطارات أو
حتى المواطنين غير المسلمين، ما يعزز فرضية أنّه لا يوجد قرار – إلى الآن- لدى التنظيم باستهداف
المدنيين، كي لا يؤلب الشارع الأردني عليه، ولأنّه لا توجد هنالك أهداف ناعمة مشروعة، ضمن المجتمع
الأردني في خارطة أولويات واهتمامات التنظيم، مثلما الحال بالنسبة للشيعة (الذين يكفّرهم) أو المدنيين في
الغرب، الذين لا يميز التنظيم فيهم بين مدني وعسكري، وفق الفتاوى الفقهية المعتمدة لديه.
لو قرأنا أهداف العمليات الثلاث، ضمن أجندة التنظيم ومرجعيته الفقهية وأولوياته السياسية ودعايته الإعلامية، فسنجد أنّها انحصرت في الأمن والجيش بدرجة رئيسة، وهم وفق فتاوى التنظيم مؤسسات كفرية، وتعتبر أهدافاً مباشرة له، لكن هل هناك أهدافٌ أخرى محتملة؟ وما هي الأولويات المتوقعة؟
بالإضافة إلى المؤسسات السيادية، فإنّ الأهداف الأخرى تتمثل في المصالح الغربية والأجنبية، وفي السياح الغربيين (جواز قتلهم جميعاً في المنظور الفقهي للتنظيم)، والمواطنين غير المسلمين، في حال فكّر التنظيم – لاحقاً- إثارة نعرات دينية وطائفية، وهو أمر أظهرت تجربة الأردن السابقة بأنّه مستبعد الحدوث بين المسلمين والمسيحيين، ذلك في حال كانت العمليات ضمن رؤية التنظيم وأجندته، أمّا إذا كانت اجتهاداً عشوائياً من موالين له فيمكن تنفيذ عمليات ضد أهداف مدنية- ناعمة، يعتبرها المنفّذ أموراً مخالفة للشريعة من الواجب مواجهتها.
باختصار، واستناداً إلى ما سبق؛ فإنّ الأهداف العسكرية والأمنية والمصالح الغربية هي الهدف الأول ضمن رؤية التنظيم وأجندته، ثم السياح الغربيين وأماكن تواجدهم هي أيضاً أهداف ثانوية محتملة، لكن هذا لا يعني أنّ تلك الاستراتيجية ستبقى ثابتة في مواجهة الأردن، فقد يعدّل التنظيم أولويات أهدافه وعملياته في مرحلة لاحقة، تبعاً لتطور الأمور، وهو ما لا يرشّح أن يحدث على المدى القصير على الأقل.
3- المشتبه الرئيس الأول في تلك العمليات هو تنظيم داعش والخلايا التابعة له محلياً، بينما تبتعد جبهة النصرة ومؤيديها عن دائرة الشبهات كثيراً، لأسباب رئيسة؛ الأول أنّ جبهة النصرة في سورية أعلنت بوضوح على لسان أميرها أبي محمد الجولاني بأنّ أهدافها محصورة في الداخل السوري، وأنّ الأوامر الموجّهة إليها من زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، تتمثل في العمل فقط داخل سورية. أما السبب الثاني فيتمثل في أنّ القيادات السلفية الجهادية المؤيدة للنصرة في الأردن، مثل أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وغيرهم، هم في حالة هدنة ضمنية، وفتوى غير معلنة صدرت عن المقدسي برفض العمل المسلّح في الأردن، بل واستطاعت الأجهزة الأمنية توظيف أدوارهم وفتاويهم في مواجهة أنصار تنظيم داعش، وقد صرّح المقدسي نفسه بأنّه توسط في موضوع الإفراج عن الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة، لكنّه فشل في إقناع داعش بإطلاق سراحه، بينما يشنّ أبو قتادة هجوماً فقهياً وفكرياً وسياسياً صارماً على تنظيم داعش.
وبالرغم من أنّ هذه الأراء هي أراء أصيلة لهؤلاء الجهاديين العالميين، فإنّ الأمن الأردني عمل على استثمارها لمواجهة الخطاب الديني والدعاية السياسية لداعش. ذلك لا يعني – بأيّ حالٍ من الأحوال- أنّ هنالك “ضمانات” على المدى البعيد في تحديد خطر جبهة النصرة على الأردن في سورية، وتحديداً في المناطق الجنوبية، أو في عدم لجوء عناصر مؤيدة لها إلى القيام بعمليات في الأردن، فقد حدثت سابقاً عمليات تسلل واشتباكات بين تلك العناصر والجيش الأردني.
ما هو أهم من ذلك، إنّنا إذا استبعدنا جبهة النصرة وأنصارها من دائرة الإرهاب المباشر، الذي قد يستهدف الأردن حالياً، على غير الحال لداعش، فإنّنا لا يمكن استبعادها من دائرة التطرف الديني والسياسي، وهو هاجس لا يقل خطورة على المدى البعيد والعميق عن هاجس الإرهاب المباشر الآني، فضلاً أنّ الأردن يواجه مشكلة حقيقية مستقبلاً مع العائدين أو الراغبين بالعودة من جبهة النصرة إلى الأردن، بخاصة بعد قضائهم فترة السجن، لعقوبة الانتماء لمنظمات إرهابية.
4- من الملاحظ أنّ العمليات السابقة جميعاً جاءت عبر أخطار متوقعة ومراقبة، كانت تحت أعين مؤسسات الدولة. ففي حالة إربد الخلية تنتمي تقليدياً إلى فضاء السلفيين الجهاديين المعروفين في الأردن، وكانوا إما معتقلين أو مراقبين من قبل الأجهزة الأمنية، وفي الهجوم على مخيم البقعة فإنّ المشتبه به، محمود المشارفة، كان معروفاً ومراقباً، وحتى في مخيم الرقبان، فقد كان لدى القوات المسلحة معلومات وتوقعات واضحة حول وجود نشاط لداعش في المنطقة المحيطة بالمخيم، وفي داخل أوساط الأشقاء اللاجئين فيه أنفسهم.
إذاً لماذا حدثت تلك العمليات؟ وهل تعتبر خرقاً أمنياً؟ وهل ثمّة ثغرات أمنية في تلك العمليات؟ نترك موضوع تقييم مستوى الاستجابة المباشرة للحدث (في إربد، والبقعة والرقبان) إلى المؤسسات نفسها، والمعطيات الداخلية لديها، لكن من حيث المبدأ، ومقارنةً بتجارب الدول الأخرى، فإنّ مثل هذه العمليات، حتى لو كان أفرادها تحت الرقابة، من الصعوبة بمكان منعها تماماً، ولا يوجد ضمانات كاملة لأي دولة مهما كانت قوة أجهزتها الأمنية والعسكرية على القيام بذلك.
لماذا؟.. لأنه كما قلنا سابقاً نوعية الأخطار و”نظرية العمل” تغيرت نوعياً لدى هذه الجماعات، فلم يعد الأمر مرتبطاً أولاً بقرار مركزي، ولا بخلية مدرّبة جيداً، ولا بتقنيات وقدرات تمويل وتسليح معقدة، فالذئب المنفرد يستطيع تنفيذ عمليته بشراء سلاح رخيص أو حزام ناسف من معدات أولية أو حتى بسكّين وسلاح أبيض إن عجز عن ذلك كله، ليهجم على هدفه المطلوب، وهو أمر لا يمكن التحكّم فيه، طالما أنّ النيّة وجدت، وحدث ذلك مراراً وتكراراً في أوربا والولايات المتحدة الأميركية، عندما قام أشخاص مراقبون، وسبق أن سجنوا، وتحت الأنظار، أو منعوا من السفر والالتحاق بداعش، بتنفيذ عمليات بأسلحة يدوية أو بأحزمة ناسفة.
في السابق، تمكّنت الأجهزة الأمنية الأردنية من إحباط عشرات العمليات الخطيرة قبل تنفيذها، والإمساك بخلايا مسلّحة، وما تزال هذه القدرات الأمنية فاعلة، ولولاها لكانت هنالك عمليات مدمّرة. لكن اليوم أصبح الاعتماد لدى داعش أكثر على الأفراد، وأصبحت الجماعات أو الخلايا أكثر قرباً من عدم تسليم نفسها لحظة الاعتقال، بل الفتوى التي يجري ترويجها لديهم بمحاولة المقاومة والقتال حتى الموت في مواجهة الاعتقال، ما يزيد الأمور تعقيداً وخطورة.
5- أعلن تنظيم داعش عبر بيان لوكالة أعماق الخاصة بالتنظيم عن مسؤوليته في عملية الركبان، التي نفّذها أحد مقاتليه، ثم عزز البيان بخبر منشور في مجلة النبأ التي يصدرها، ولاحقاً أصدر شريطاً مصوّراً يؤكد فيه مسؤوليته عن العملية.
هذا هو الإعلان الأول الذي يصدره التنظيم ويتبنّى فيه عمليات ضد الأردن، ما يشي بأنّ الصراع معه انتقل إلى مرحلة متطورة أخرى، ومن الواضح أنّ ذلك مرتبط بقناعة لدى التنظيم بأنّ الأردن يشارك في الجهود الدولية لمحاصرته، بما في ذلك تدريب القوات السورية المعتدلة للعمل ضده، واستهدافه عسكرياً، وفق ما تذكر مصادر التنظيم.
هذا التطوّر سيشجّع أفراد التنظيم في الأردن وأنصاره في الخارج على القيام بعمليات تستهدف البلاد ومصالحها داخلياً وخارجياً، وسيؤدي في المقابل إلى انخراط الأردن بصورة أعمق في النشاطات العسكرية والأمنية الدولية والإقليمية ضد التنظيم.
ثانياً- تقييم حجم الخطر ومستوياته
إذا تجاوزنا العمليات السابقة ومؤشراتها ودلالاتها المطروحة، ونظرنا من زوايا مختلفة لحجم خطر الإرهاب ومنسوبه، فسنجد أنفسنا أمام جملة من المعطيات المقلقة أيضاً
1- هنالك عدد كبير من الأردنيين المنخرطين في القتال مع جبهة النصرة وتنظيم داعش، وإن كانت الأعداد المعلنة غير مؤكّدة أو دقيقة، ففي حين تقدرهم أوساط السلفية الجهادية بحدود 2500-3000 شخص، فإنّ أوساطاً رسمية تقدر العدد بين 1500-1200 شخصاً، كثير منهم في البداية ذهب إلى النصرة، لكنّ الموجات الأخيرة التي استطاعت الوصول أو حاولت الالتحاق فإنّها انضمت إلى تنظيم داعش، أي أنّ الاتجاه الصاعد في أوساط التيار السلفي الجهادي هو الداعشي وليس جبهة النصرة.
2- بالرغم من أنّ نسبة كبيرة ممن ذهبوا هم في الأصل من أبناء التيار السلفي الجهادي، ومن أوساطه التقليدية، وفي الأغلب الأعم هم من الطبقة الوسطى الدنيا أو الفقيرة، وكثير منهم لم يتمّ التعليم الجامعي. إلاّ أنّ هنالك نسبة جديدة مختلفة في خصائصها وخلفيتها عن تلك “الصورة النمطية” المعروفة، فهي من أبناء الطبقة الوسطى عموماً، ومن طلاب الجامعات، وبعضهم وصل إلى دراسات عليا وحصل على شهادتها، وهم ممن لا يوجد لديهم “نشاط جهادي” سابق، وبعضهم لا توجد له سجلات أمنية، وهذا مؤشر على اختراقات جديدة أحدثها هذا التيار أولاً، في أوساط اجتماعية معينة، وثانياً سهولة عملية التجنيد و”غسيل الدماع” Brain Washing، لدرجة أنه في حالات كثيرة لم تلاحظ الأسرة نفسها التغيّرات السريعة التي حدثت لأحد أفرادها ممن التحقوا بهذه التنظيمات.
3- بالرغم من أنّ الأردن هو في مواجهة مستمرة مع التيار السلفي الجهادي، منذ قرابة عقدين ونصف –ولعلّ المفارقة أنّه استطاع توفير درجة مهمة من الحماية والأمن والاستقرار الداخلي، مع أنّ القيادات التاريخية والمهمة للسلفية الجهادية هي من الأردن (مثل المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني، وأبي مصعب الزرقاوي، وأسامة العريدي وغيرهم)- إلاّ أنّ الجيل الجديد (الداعشي) يختلف في طبيعته عما سبق، من أكثر من زاوية، فهو أكثر استعداداً للقيام بعمليات إرهابية، وأكثر ولاء لتنظيمه، ولأميره المزعوم أبي بكر البغدادي، ولديه أراء دينية أكثر تطرفاً وتشدداً، وأصبحت لديه خبرة أكبر في التعامل مع الضغوط الأمنية والتحايل عليها، ومستعد أن يمضي إلى النهاية في المواجهة مع الدولة، فيما كانت الطبيعة الغالبة سابقاً على السلفية الجهادية المحلية هي التردد في الوصول إلى المواجهة إلى مداها الأخير في كثير من الأحيان.
4- بالإضافة إلى الأعداد السابقة من المندمجين في كل من داعش والنصرة، فإنّ هنالك عشرات القضايا، التي صدر الحكم فيها، أو التي ما تزال قيد النظر القضائي، مرتبط بآخرين ممن حاولوا التسلل، أو العائدين من هناك، أو المتعاطفين، الذين يروجّون أفكار التنظيم على شبكة الانترنت أو في المساجد وفي المؤسسات المختلفة.
5- لم نعد نتحدث اليوم عن أفراد مرتبطين بالسلفية الجهادية، بل عن “مجتمع سلفي جهادي” مصغّر ينمو في أحشاء المجتمع الأردني، فهنالك اليوم شبكة علاقات اجتماعية واسعة بين أفراد هذا التيار، بشقيه الداعشي والنصروي، وهنالك عائلات تضم أطفالاً ونساءً أصبحت ملتحقة، إما بفعل نمط العلاقات الأسرية أو القبول بالفكر، بهذا التيار، وبعضهم اصطحب عائلته معه إلى “دولة التنظيم” في العراق وسورية، وبعضهم تزوّج من هناك، وأصبحت لديه عائلة ويربي أبناءه على هذا الفكر، أي أنّنا تحولنا من مواجهة أفراد إلى تحديد كيفية التعامل مع “مجتمع” صغير، بالأدوات القانونية والأمنية والاجتماعية المناسبة.
بالطبع من ناحية شكلية، فالدولة معنية بالقانون وتطبيقه، على من يثبت تورطه بأعمال يعاقب عليها القانون، لكن من ناحية فعلية، فالتحدي أعمق بكثير، مرتبط بكيفية منع امتداد هذا الفكر وتمدد هذا المجتمع، وحماية الأطفال الصغار من تنشئة اجتماعية كارثية، فكيف يمكن ذلك ضمن المعيار القانوني والاجتماعي المقبول؟!
6- بالنظر إلى العمليات الأخيرة، وقبلها القضايا المعروضة أمام محكمة أمن الدولة، فإنّنا أمام معطيات مقلقة بازدياد أعداد المتأثرين بهذا الفكر، وانتشار له في مناطق جديدة، أو في المناطق نفسها بكثافة أكبر، ويمكن الإشارة هنا إلى القلق من انتشاره في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، في إربد والبقعة والوحدات، وفي مناطق عمان الشرقية، وفي الزرقاء والرصيفة، وفي كل من معان والسلط.
7- تُظهر استطلاعات الرأي تطوّراً ملموساً على اتجاهات الرأي العام الأردني ضد تنظيم داعش بدرجة رئيسة، والنصرة بدرجة أقل، خلال ثمانية أشهر فقط، بين آب 2014 ونيسان 2015؛ فمن يعتبرون داعش منظمة إرهابية في آب 2014 كانوا فقط 62،% والذين يرونها غير إرهابية 10 %، ثم في نسيان 2015 أصبحت نسبة من يرونها ارهابية %92 و غير ارهابية %5، ومن أجابوا بأنّهم لا يعرفون كانوا 28 %، وأصبحوا فقط 3% في نيسان 2015.
مثل هذه الأرقام مطمئنة من جهة ومقلقة من جهات أخرى؛ فهي مطمئنة بأنّ النسبة انخفضت بحدّة ملحوظة خلال 8 أشهر، والأهم هي نسبة ما نطلق عليها “المنطقة الرمادية”، أي الذين أجابوا بأنّهم لا يعرفون إذا نخفضت كثيراً، وهي نسبة هشّة يمكن أن تكون مهيأة لاستقبال فكر داعش ودعايته السياسية والإعلامية، وتراجعها الكبير جداً هو متغير مطمئن.
مع ذلك يبقى وجود نسبة %5 (في استطلاع نيسان 2015) يرون بأنّ داعش ليست منظمة إرهابية هي نسبة مرتفعة، وكذلك الحال نسبة %13 من جبهة النصرة، فيما هنالك نسبة %3في المنطقة الرمادية (لا أعرف) في تصنيف داعش إرهابية، ونسبة %25 في المنطقة الرمادية بالنسبة للنصرة (كانت في أب 2014 تصل إلى %52)، وإذا قرأنا نسبة المنطقة الرمادية إلى نسبة من يرونها غير إرهابية، فإنّنا نتحدث عن دلالة مقلقة فعلاً.
ثالثاً- تقييم سياسات مكافحة التطرف والإرهاب
أشرنا سابقاً إلى أنّ الأردن نجح أمنياً في تحجيم خطورة هذا التيار، تاريخياً، وحال جهاز المخابرات من وقوع عشرات العمليات، بعضها خطير، وبالإمساك بمئات المطلوبين وكشف خلايا نائمة، وأصبح الجهاز متميزاً على صعيد عالمي وإقليمي في متابعة القاعدة، ثم داعش والخلايات المرتبطة بها.
– اندمج الأردن في الحرب على الإرهاب، وأصبح جزءاً منها، بل وأحد الدول الفاعلة في متابعة هذا الخطر وملاحقته، واحتل جزءاً كبيراً من أولويات السياسة الخارجية الأردنية.
– عسكرياً، تمكّن الأردن من تأمين الحدود بصورة كبيرة نسبياً، وحال دون تسرب المقاتلين، ذهاباً أو إياباً، وقام بمواجهة محاولات تسلل خطيرة، وتدخل سلاح الجو في بعض الأوقات، وباستثناء عملية الرقبان الأخيرة، فإنّ القوات الأردنية سجّلت نجاحاً كبيراً في مواجهة الخطر الخارجي.
– اعتمد الأردن في مواجهة الخطر الخارجي، أيضاً، على ما سُمي بـ”سياسة الوسادات”، أي الاعتماد على شبكة علاقات اجتماعية وأمنية وعسكرية قوية لديه في كل من جنوب سورية وغرب العراق، وبناء تحالفات مهمة، فساهم في تعزيز دور الجيش الحرّ، وفي التحكم بمجريات العملية العسكرية في حوران، وفي تحجيم حضور داعش والنصرة في تلك المناطق، وفي العراق امتلك شبكة علاقات جيدة مع العشائر العراقية في الأنبار، والقيادات السنية، وهو يعمل اليوم على مدّ هذه الشبكة إلى ريف دير الزور والمنطقة الشرقية في سورية المحاذية لمخيم الركبان، وحيث يتواجد تنظيم داعش بقوة هناك، لذلك دعم الأردن جيش سورية الجديد، الذي يتشكل من عدة فصائل أبرزها جبهة الأصالة والتنمية السلفية المعادية لداعش، وفي حوران دعم الأردن فصائل الجبهة الجنوبية.
– أثبتت نظرية الوسادات فعالياتها الكبيرة والحيوية في حماية المصالح الأردنية والأمن الوطني، وتعزيز قدرة الأردن على مواجهة الخطر خارجياً قبل أن يصل إلى داخل الحدود.
– على صعيد التشريعات والقوانين عدّل الأردن قانون مكافحة الإرهاب، وجرّم الانضمام إلى النصرة وداعش والمنظمات الإرهابية، وبالترويج لهذه المنظمات عبر أي وسيلةٍ كانت، ومنها شبكة الانترنت، وراقب المساجد والخطاب الديني بصورة أكثر قوة مما سبق.
– على الصعيد الثقافي والعلمي والإعلامي قامت الحكومات المتعاقبة بتعزيز عقد مؤتمرات وندوات وتشكيل لجان لمواجهة الإرهاب والتطرف، لكنّ النتائج إلى الآن غير ملموسة وشحيحة، في حين تمّ إهمال أهمية الدراسات العلمية الرصينة لمواجهة الظاهرة وتحولاتها، وأسبابها واستراتيجيات التعامل معها.
– قامت الحكومة السابقة بتشكيل لجنة لمكافحة التطرف، وقدّمت خطتها، التي شاركت فيها الوزارات المختلفة، إلاّ أنّ الخطة عانت من قصور شديد في إدراك الأسباب والمداخل التي يلج منها الفكر المتطرف، وفي إيجاد روابط قوية متينة بين المؤسسات والوزارات وتنسيق حقيقي لبناء خارطة متكاملة.
– وبالرغم من تأسيس مديرية خاصة لمكافحة التطرف، إلاّ أنّ التصور الرسمي لهذه المديرية بقي متذبذباً غير مدرك للدور الذي يمكن أن تؤديه على الصعيد المدني، فتم ربطها بداية بوزارة الداخلية، ثم نقلها إلى وزارة الثقافة، ولم تخصص لها موارد حقيقية، ولم تعط نفوذاً للدخول إلى عمل المؤسسات والوزارات المعنية والتنسيق الكامل معها.
– هنالك برنامج للحوار مع السجناء المرتبطين بتنظيم داعش أو السلفية الجهادية عموماً، لكن نتائجه ما تزال محدودة، ومشكلته أنّه غير مكتمل، في طريقة التعامل مع المستنكفين عن هذا الفكر، سواء داخل السجن أو خروجهم من السجن وإعادة تأهيلهم، مقارنةً ببرامج أكثر فعالية، مثلاً، في السعودية وفي المغرب العربي في التعامل مع أفراد هذه الجماعات، أو حتى برامج أوربية لإعادة تأهيلهم، كما سنذكر لاحقاً.
– إعلامياً لم تنجح الحكومات أو وسائل الإعلام في بناء رواية إعلامية أو خطاب إعلامي سهل عميق قادر على الولوج إلى لب الخطاب الذي يقدمه داعش وتحصين المجتمع منه، فما يزال الخطاب الإعلامي ينحصر في مربع الإدانة، دون الفهم والإدراك والقدرة النقدية المطلوبة، من قبل علماء الشريعة والإعلاميين والباحثين في العلوم الاجتماعية المختلفة.
– دور وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للشباب بقي محدوداً في هذا المجال، وربما إعادة وزارة الشباب تساعد على تجميع الجهود وتكاملها وتنسيقها بين المؤسسات المعنية، لكن على أن يتحول الأمر من الجانب المؤسسي الشكلي إلى المضمون والفعالية الحقيقية، ما يتطلب تخصيص موارد مهمة، وتوجيهها بالاتجاه الصحيح، وتنسيق الجهود، وتفعيل المؤسسات التي تعنى بالشباب، وهم المستهدف الأول من خطاب داعش، بخاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة، مثل البطالة والفقر وغلاء الأسعار، وما يحدث في المنطقة من صعود ملحوظ للنزعة الطائفية في العراق وسورية.
من الضروري أن يعطى موضوع الشباب أهمية حقيقية وكبرى في تفكير مراكز القرار في الدولة، وفي عمل المؤسسات المعنية، فنسبة البطالة المرتفعة %14 تصل لدى جيل الشباب قرابة %30، وهو مؤشر خطير اجتماعياً وثقافياً، ويطرح مفهوم “جيل الانتظار”، الذي ينتظر معلّقاً فرصته في العمل بعد أن أنهى دراسته الجامعية، بحثاً عن فرص عمل ووظائف توفر له شروط الحياة الكريمة والجيدة، وفي حال لم يستطع الوصول إلى تحقيق ذلك فإنّ مشاعر الإحباط وخيبة الأمل ستهيمن عليه، التي قد تتزاوج مع الأزمات السياسية والاقتصادية، ما قد ينعكس عميقاً على تووجهاتهم وأفكارهم وميولهم النفسية.
في أحد تعريقات هذه الجماعات “الجهادية”؛ أنّها “حركات احتجاج اجتماعي بأيديولوجية دينية”، أي أنّها في الأصل وليدة الظروف المجتمعية، لكنّها تتلبس بغطاء ديني نتيجة ظروف معينة وانتشار هذا التيار في المجتمع. ولعلّ إحدى الملاحظات الاجتماعية والسياسية المقلقة هي أنّ الذين يريدون أن يعاقبوا سياسات الدولة، سابقاً، كانوا يصوّتون للإخوان المسلمين، أمّا الآن فشريحة ممن يريدون الاحتجاج على الدولة وسياساتها يتجّهون إلى داعش وهذا الفكر، أي أصبح نمط الاحتجاج وطريقته وثقافته أكثر شراسة وحدّة مما كانت عليه الحال سابقاً.
رابعاً- نحو رؤية عمل وطنية متكاملة لتحجيم التطرف والإرهاب
نحن، إذن، أمام وقائع أساسية؛ الفكر السلفي الجهادي ينتشر ولا يتراجع، ثمة جيل جديد من الشباب في هذا الفكر، الخطر الإرهابي داخلي وخارجي، ويأخذ أشكالاً متعددة؛ ذئاب منفردة، خلايا نائمة، تنظيم مسلح (خارجي)، جيل الشباب الأكثر تأثراً بهذا الفكر، هنالك اختراق للطبقة الوسطى والجامعات ومناطق جغرافية جديدة، مهما بلغت قوة أي جهاز أمني أو عسكري فلا يمكن إيجاد ضمانات %100 لعدم وقوع عمليات عسكرية أو أمنية، هنالك قصور ملحوظ في الأدوار السياسية والثقافية للحكومات والمجتمع المدني والمؤسسات المختلفة، جهود مكافحة التطرف والإرهاب مجزأة، متداخلة، عشوائية بين المؤسسات المختلفة وليست متكاملة.
بناءً على ما سبق، فمن الضروري أن تكون أي استراتيجية أو رؤية عمل وطنية لتحجيم التطرف والإرهاب قائمة على مفهوم “التكامل” بين المؤسسات الرسمية أولاً، والمؤسسات الرسمية والمدنية ثانياً. ومتكاملة أيضاً لأنّ هذا الخطر لا يقتصر على الجانب الأمني، فمدخلاته سياسية ومجتمعية وثقافية وداخلية وخارجية، أي أنّها مركّبة، لذلك لن يتمكن طرف واحد من مواجهة تلك الأبعاد كافّة، بل ربما يؤدي التركيز على جانب من دون الجوانب الأخرى إلى أعراض جانبية عديدة، كما سنذكر، مثل موضوع السجون لاحقاً.
التكامل يعني كذلك التنسيق، فلا يجوز أن تعقد مؤتمرات وتنفق أموال طائلة بلا مردود حقيقي، وتكون تكراراً للأفكار والمعلومات والنتائج نفسها. بل المطلوب أن يكون هنالك خارطة واضحة لدور كل مؤسسة من المؤسسات في لجم التطرف أو تحجيمه بالحدّ الأدنى.
ضمن هذا المسار التكاملي، فإنّ هنالك قواعد عامة نرى من الضروري الانتباه إليها في المرحلة القادمة:
1- التفريق بين داعش الخارج وأنصاره في الداخل؛
بالرغم من أنّ الخطر مزدوج بين داعش الخارج وأنصاره في الداخل، وبالرغم – كذلك- من أنّ المتعاطفين مع داعش أردنياً أصبحوا أقرب إليه بولائهم وتماهياً معه في أجندته وأيديولوجيته وأهدافه السياسية، إلاّ أنّ الخلط وإدماج الخطرين خطأ كبير، لأسباب متعددة، في مقدمتها أنّ الشروط والجذور وطبيعة التهديد مختلفة، فضلاً أنّ أدوات ووسائل المواجهة متباينة تماماً.
داعش الخارج يواجه عسكرياً، عبر حرس الحدود والسياسات التي تحدثنا عنها سابقاً. أمّا أنصاره في الداخل فيواجهون عبر سياسات داخلية لارتباطه أولاً بالأوضاع والظروف الداخلية كمدخل رئيس، والشروط الخارجية كمدخل ثانوي.
بالنظر إلى الخطر الخارجي لداعش، في ضوء عملية الرقبان، فإنّها تعزز من أهمية “سياسة الوسادات” التي اتبعها الأردن، كخط دفاع أول عن حدودنا الواسعة والممتدة مع العراق وسورية، ومن الضروري أن يتم تعزيز شبكات العلاقات الاجتماعية والأمنية والعسكرية في المناطق الحدودية؛ جنوب سورية (درعا وحوران)، وغرب العراق (الأنبار)، ويضاف لها المناطق الشمالية الشرقية، حيث مخيمي الرقبان والحدلات، فهي تابعة إدارياً لحمص ومحاذية لدير الزور، وهنالك تعاون بين الأردن وجيش سورية الجديد، المطلوب تعزيزه خلال المرحلة القادمة.
من المهم الانتباه هنا إلى أنّ انحسار تنظيم داعش عسكرياً، خلال المرحلة الماضية، واحتمال خسارته أغلب المدن والأراضي التي يسيطر عليها لا يعني بحال من الأحوال انتهاء الخطر، بشقيه الخارجي أو الداخلي، على افتراض أنّ الداخلي هو صدى للخارجي. فخارجياً هنالك تربة خصبة ما تزال مواتية لعودة التنظيم واستمراره، بل والأخطر من ذلك تحوله إلى حروب العصابات والخلايا النائمة على صعيد المنطقة، ما يشكّل خطراً حقيقياً على الأمن الإقليمي. وداخلياً التعامل مع داعش يكون بالدرجة الأولى مع شروط نموه الداخلي، وتراجعه في العراق وسورية لا يعني انتهاء أيديولوجيته وجاذبيته لجيل الشباب الراديكالي.
يبقى السؤال المهم الآخر هو: فرضية عدم وجود قرار مركزي للتنظيم بتنفيذ عملية كبرى في الأردن، على غرار ما حدث في تفجيرات عما 2005، هل هي صحيحة؟
إلى الآن تبدو صحيحة، لأكثر من مؤشر، في مقدمتها اتكاء التنظيم على المسألة الطائفية بصورة كبيرة في أولوياته وغيابها في الأردن، مجاله الحيوي الرئيس في العراق وسورية، ومعاناته اليوم هناك من ضغوط عسكرية وأمنية شديدة تجعل معركته الرئيسة مع ما يسميه أنصاره “النفوذ الإيراني” الصفوي.
مع ذلك لا توجد ضمانات ولا تفاهمات بطبيعة الحال حول القاعدة السابقة. لكن خطورة الامر تقع في أنّ قرار التنظيم تنفيذ عمليات كبرى سيعتمد على عناصر خارجية لا على الأفراد التقليديين من أبناء السلفية الجهادية، مثلما حدث سابقاً في تفجيرات عمان 2005 أو العقبة، والقناعة لدى قيادة التنظيم أنّ قدرات المخابرات الأردنية في اختراق هذه الجماعات في الداخل كفيلة بإحباط أي محاولات لعناصر محلية. ذلك يعني تعزيز وتعظيم الجهود الأمنية في رصد ومراقبة دوائر الاشتباه لدى القادمين من الخارج، بخاصة في مناطق الصراع التي ينتشط فيها التنظيم.
2- التفريق بين التطرف والإرهاب؛
الإرهاب عادةً يمرّ عبر طريق التطرف، فهنالك سلسلة خطوات تبدأ بالتدين، ثم التشدد، فالتطرف، وأخيراً الأرهاب، لكن المشكلة أنّه لا يوجد خط زمني محدد أو معين واضح لهذا المسار، وربما يقفز شخص بسرعة فوق المراحل السابقة، لتجده ينتقل من فرد غير متدين، ولا مبالي، وبعضهم من أصحاب السوابق الجنحية أو الجنائية إلى داعشي في الداخل أو الخارج، أي من النقيض إلى النقيض، وهنالك أمثلة عديدة على هذا النموذج، أو ينتقل شخص وادع منطوٍ مسالم إلى داعشي عنيف.
وكذلك الحال بالنسبة للمدخلات، فالأسرة ليست بالضرورة سبباً في التطرف، سواء كانت أسرة متشددة أو متدينة، أو على النقيض مفككة ومنهارة، فهنالك عائلات مستقرة معتدلة، متدينة وغير متدينة تفاجأت بأبنائها ينضمون إلى تنظيم داعش، وهنالك متعلمون وغير متعلمين، وهنالك طلاب شريعة وهندسة وطب، ومحامون وبائعو خضار وفواكه وحدادون، أي أنّنا أمام مروحة متنوعة ومشكّلة من خلفيات اجتماعية واسعة وعريضة، ومتدرجة، ومناطق متعددة مع التركز في مناطق أكثر من غيرها.
الفرق بين التطرف والإرهاب، أنّ التطرف يقف عند حدود الأفكار والمفاهيم والسلوك، لكنّه لم يصل بعد إلى مرحلة العنف، فهو مرتبط أكثر بالجانب الفكري والثقافي، سواء بتأييد تلك التنظيمات ثقافياً، أو تبني أفكارها الدينية والسياسية. وهو – بطبيعة الحال- أكثر انتشاراً وأوسع، بينما الإرهاب هو “التطرف العنيف”، الذي يصل إلى استخدام العنف، سواء عبر الوصول إلى تلك الجماعات والاندماج فيها أو مساعدتها عبر التجنيد والترويج المباشر أو تنفيذ عمليات تخدم هذه الجماعات.
مواجهة الإرهاب تأخذ أبعاداً قانونية وأمنية بدرجة رئيسة، وهي تتعامل مع المخرجات لا المدخلات، والعلاج لا الوقاية بالمعنى الثقافي العام، وليس منع قيام هذه العمليات فقط. لذلك الطريق واضحة تماماً في مواجهة الإرهاب، وإن كنا سنعود إليها لاحقاً، لكن بالنسبة للتطرف، فالطريق أكثر تشعّباً وتعقيداً وتحتاج – كما ذكرنا سابقاً- إلى منظور متكامل وليس جزئي.
لماذا التمييز بين التطرف والإرهاب مهم؟ لأنّه يمنحنا مساحة حيوية للعمل على المقاربة الوقائية، قبل العلاجية، ومواجهة المدخلات قبل المخرجات، ويضعنا أمام شروط الظاهرة وجذورها لا فقط نتائجها ومظاهرها، ويخرجنا من دائرة الترقب والانتظار لكل متطرف حتى يصبح إرهابي، فهو يمكّننا من عملية “قطع الطريق” إن أمكن، هذا أولاً.
أمّا ثانياً، وهو الأهم، فهنالك درجات وسلّم يصعد إليه المتطرف وصولاً إلى الإرهاب، وتحجيم التطرف يضعنا أمام الدرجة التي وصل إليها الشخص، ولكل درجة من تلك الدرجات أسلوب علاجي خاص به. أما الخلط بينها قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثلاً أن يكون هنالك فرد مبتديء ومتأثر حديثاً بالفكر الداعشي ويحاكم بتهمة الترويج لهذه الأفكار، وفي السجن سيوضع في (مهجع) الداعشيين، فكأنّنا نقوم بتقديم خدمة توصيله إليهم لتدعيشه بالكامل.
3- استراتيجية تحجيم التطرف؛
تنبّهت مراكز القرار لخطورة “ثقافة التطرف”، بوصفها مقدمة للإرهاب، وجرى تشكيل لجنة لمكافحة التطرف، شاركت فيها الوزارات المعنية، وأنجبت الخطة الوطنية لمكافحة التطرف، ومديرية مكافحة التطرف، التي أنشئت لتنسيق عمل الوزارات والمؤسسات المختلفة في تنفيذ بنود الخطة. لكن لأنّ المديرية لم تعط موارد ولا صلاحيات حقيقية، ولم تجد تعاوناً عميقاً معها لتنفيذ مهمتها، تفرّق دم الخطة بين القبائل المختلفة.
لذلك، من الضروري التأكيد – مرّة أخرى- على أهمية تنسيق الجهود وتكاملها وتوزيعها، وعدم تضاربها، حتى يتسنّى تحقيق “البناء المتراكم”، وذلك يتطلب أن تعطى وحدة مكافحة التطرف أهمية وصلاحيات وموارد مالية وبشرية، وتسهيل لأعمالها، وأن تكون مستقلة (على غرار المؤسسات الوطنية المستقلة)، وتتكون من مجلس إدارة يضم ممثلين لخبراء ومجتمع مدني ومسؤولين على صلة بهذا المجال.
بالضرورة تقتضي عملية تحجيم التطرف التفكير في المساجد والخطاب الديني وعمل وزارة الأوقاف، ليس فقط من زاوية محاصرة الأفكار المتشددة، بل ما هو أهم من ذلك تقديم البديل الإسلامي المقنع، القادر على الاشتباك مع الرؤى المتشددة ونقدها وتفنيدها. لكن مثل هذا البديل لا يولد من فراغ، فله شروط وروافع أساسية، في مقدمتها برامج تدريبية وتأهيلية للوعاظ والأئمة من قبل نخبة من داخل الوزارة وخارجها لديها إحاطة ومعرفة بهذا الخطاب ومسوغاته الدينية، ومن ذلك وجود رموز أو قيادات دينية بارزة معتدلة تتمتع بالكارزما والقدرة على التأثير على الوعاظ وجيل الشباب بصورة نافذة، وهنالك العديد من الأسماء الدينية وغير الدينية التي تمتلك هذا الحضور والتأثير، إنما المطلوب استثمارها وتوفير المنابر الإعلامية والدينية والمجتمعية لنشر خطابها البديل.
ومن الضروري التفكير بمقاربة جديدة في موضوع المؤسسات الدينية والشرعية والكليات العلمية التي تدرّس الشريعة الإسلامية، تعزز هذه المقاربة من روافد الإسلام الوسطي المعتدل، ومن إبراز أسماء قادرة على مخاطبة الشباب، ومن محاولة بناء نخبة فاعلة وتطوير قدراتها وأدواتها، مع تمتّعها بالمصداقية والاستقلالية المطلوبة، لتبدأ بتوسيع شبكة تأثيرها في أوساط المساجد والإعلام والجامعات والمعاهد العلمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
أمّا على صعيد التربية والتعليم والمناهج والكتب الدراسية، فالمطلوب خطوات نوعية وأكثر جديّة في تعزيز قيم التعايش والحوار والقبول بالآخر، عبر نخبة متخصصة ليس فقط بالعلوم الشرعية بل بالتربية وعلم النفس، ويتم ذلك بالتدريج.
لكن ما هو أهم من ذلك العمل على تطوير العملية التعليمية نفسها وأهدافها وفلسفتها وأدواتها لتشجيع التفكير النقدي والعلمي لدى الأجيال الصاعدة، وتعزيز النشاطات اللا منهجية ومنحها نسبة جيدة من التحصيل الدراسي، مثل الموسيقي والرياضة والمكتبة والآداب وأنشطة البحث العلمي والمسابقات المختلفة، تلك الأنشطة التي تنمّي الشخصية المتكاملة لدى الأجيال وتعزز ثقتهم بنفسهم، وتمنحهم هويات وهوايات معتدلة مندمجة في المجتمع.
ثم ما هو أهم من المناهج المعلنة هو المنهج الخفي، الذي يرتبط بالمعلّمين الذين يقومون بالتدريس لطلابنا، فنسبة بسيطة من المعرفة والإدراكات يتلاقاها الطلاب من الكتاب المدرسي والباقي يرتبط بالمعلم نفسه وأفكاره وأراءه وما يريد هو أن يشرّبه للطلاب. لذلك من الضروري أن يؤخد موضوع تطوير ثقافة المعلمين وقدراتهم وأساليبهم على محمل الاهتمام في جهود مكافحة التطرف.
أمّا على صعيد الرسالة الإعلامية ما تزال الجهود الحالية في تحجيم التطرف ومكافحته شكلية ومحدودة التأثير وغير فعّالة، لأنّها تفتقد إلى الإبداع والابتكاد والتجديد، فهي تأتي عبر خطاب مكرر مجتر، وفي كثير من الأحيان سطحي لا يدرك كنه الظاهرة ولا عمقها، ولا الوصول إلى المسوّغات والأبعاد المختلفة التي تلج منها قيم التطرف وأفكاره إلى جيل الشباب.
المطلوب من الرسالة الإعلامية أن تكون ذكية في صياغتها ومحتواها، وأن تأتي على مستوياتٍ متعددة، منها ما يخاطب الجمهور العام بنقد ذكي للأدلة والمسوغات التي يستند عليها أصحاب الفكر المتطرف، ومن الأمثلة الناجحة على ذلك برنامج “مدارك”، الذي عرضته قناة mbc في شهر رمضان، ويمكن تخصيص برنامج مركز في الإعداد والتحضير على شاشة الفضائية الأردنية أو فضائية خاصة يستضيف علماء شريعة وفكر إسلامي ومثقفين ويتم فيه مستوى أعمق من النقد لخطاب الجماعات المتطرفة وأفكارها، أو المساهمة في إنتاج مسلسلات تحمل نقداً ضمنياً عميقاً لهذا الخطاب، من دون التورّط بمستوى مفضوح من الخطابية، كما يحدث عادة، وهنالك العديد من الروايات التي يمكن تحويلها إلى نصوص درامية تربط بين التطرف والظروف النفسية والاجتماعية ونتائجه الكارثية، ومن الأمثلة على ذلك بعض حلقات “سِلفي” البرنامج السعودي الساخر.
المستهدف في برامج مكافحة التطرف، بالضرورة، هم الجمهور العام في المجتمع، لكن بدرجة أكبر فئة الشباب، إذ تفيد الأرقام أنّ الأكثر تأثراً بالأفكار المتطرفة أو الخطاب الإرهابي هم من تقع أعمارهم بين 18 إلى 30 عاماً، وفي أحيان هنالك بعض الأحداث، الذين تنفذ إليهم هذه الأفكار وبعضهم ينتقل من مرحلة التطرف إلى الاندماج في عمليات أو مشروعات إرهابية.
لذلك من المفيد إعادة الاعتبار لوزارة الشباب، وأن تنتقل إلى المحافظات لتشجيع وتعزيز اندماج الشباب في الأنشطة المجتمعية العامة، مثل مراكز الشباب الرياضية والثقافية وفي تعزيز أدوارها في تشجيع المواهب العلمية والموسيقية والأدبية، وهذا يتطلب التعاون مع المجتمع المدني والوزارات المختلفة الأخرى.
من النماذج التي يمكن القيام بها في هذا المجال تدشين برامج للمسابقات الوطنية في مختلف المجالات، فمثلاً مسابقات الموسيقي والمسرح وأوائل المطالعين للمدارس والجامعات أو المحافظات، وبطولات لكرة القدم لمدارس المملكة أو محافظاتها وأنديتها وأنواع الرياضات الأخرى، وبرلمانات الشباب والمدارس والجامعات.
بالطبع جزء من هذه الأنشطة والفعاليات موجود، لكن المطلوب هو زيادته وتعزيزه وإعطاؤه درجة أكبر من الاهتمام والاعتبار والأولويات.
من الأمثلة الناجعة والناجحة في إدماج الشباب نادي الإبداع في الكرك، الذي أسسه المهندس حسام الطراونة، ومراكز رواد التنمية التي تديرها سمر دودين، فمن الضرروي دعم مثل هذه الأنشطة التي يقوم بها المجتمع المدني وتوسيعها والتنسيق معها، وهنالك أيضاً مبادرات القراءة والمعرفة الشبابية وهي أنشطة مهمة في توسيع مدارك الشباب وتعزيز حصانتهم النفسية والفكرية.
هذا وذاك يقودنا إلى صندوق الملك عبدالله وإلى تجربة شباب كلنا الأردن، وضرورة تقييم التجربة إلى الآن وإعادة تدشينها وإطلاقها ضمن رؤية جديدة تقوم على أولوية الثقافة الرياضة والمعرفة بهدف إدماج الشباب في المجتمع وتعزيز شعورهم بالهوية الوطنية الجامعة.
خلاصة القول: ثقافة التطرف لا تعالج بمخرجات المؤتمرات والندوات أو بخطب دينية مجرّدة، فهي عملية متدحرجة متطوّرة، تتطلب عملاً ثقافياً ورياضياً واجتماعياً ودينياً وتربوياً وتعليمياً. لأنّ التطرف، ومن ثم الإرهاب، ليسا منفصلين عن الواقع والشروط الموضوعية، وليسا ظاهرة فكرية مجردة بالتطرف، له أبعاده النفسية والمجتمعية والسياسية والثقافية، ومن دون تنمية وتطوير ثقافة مستقلة حرّة نقدية فإنّ مقاومته صعبة، الجيل المتطرف هو جيل خائف من الواقع الحالي مهزوز في إيمانه بالدولة وبالمجتمع وبنفسه، مسلوب في مفاهيمه وثقافته الدينية، أي أنّ التطرف ظاهرة اجتماعية في الأصل بثوب ديني، فمعالجة الخطاب الديني تتم بالتوازي والتكامل مع الظرف الاجتماعي- النفسي- السياسي.
4- سياسات مكافحة الإرهاب
عملت مؤسسات الدولة على تعديل القوانين والتشريعات المتعلّقة بالإرهاب، من أجل إحكام التعامل مع الجماعات والأفراد الذين ينتمون إلى هذه المنظمات، بما يشمل أنواع الأنشطة كافّة، سواء بالانضمام الفعلي أو الترويج لهذه الجماعات عبر الفضاء الالكتروني أو حتى في المجال العام، ومحاصرة خطابات التحريض الدينية والسياسية لهذا الفكر.
وهنالك جهود مكثفة يومية تبذل من قبل الأجهزة الأمنية لمتابعة هذه الأنشطة ومحاصرتها والحيلولة دون القيام بأعمال تهدد الأمن الوطني والمجتمعي. وهنالك اليوم عشرات القضايا في محكمة أمن الدولة لمشتبه بهم تنطبق عليهم التهم السابقة، وأخرون تمت محاكمتهم ويمضون فترة السجن.
إلاّ أنّ هنالك آثاراً جانبية لهذه السياسات وجوانب فيها قصور من أكثر من زاوية؛ من هذه الآثار الجانبية أنّ هنالك درجات في الالتزام بالولاء لتنظيم داعش وصولاً إلى القيام بأنشطة عسكرية وإرهابية، وفي بعض الحالات يمكن أن يكون هنالك تعاطف بدائي وأولي من شخص معين مع هذا الفكر، ويعبّر عن ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي أو بوسيلة أخرى، ما يؤدي إلى محاكمته، وربما الحكم عليه، ووضعه في مهجع الداعشيين، وفي مثل هذه الحالة يكون الحكم على هؤلاء الأشخاص بمثابة خدمة Delivery تقدّمها الدولة لداعش، إذ يتم استكمال عملية غسيل الدماغ لهم، وإتمام تجنيدهم ضمن خلايا التنظيم وأوساطه. البديل هو وجود إجراءات وخطوات وعملية تقييم تسبق إحالة المتهمين إلى المحكمة، وهذه الإجراءات موجودة لكنّها تأخذ طابعاً أمنياً في أغلب الأحيان، لكن من الضروري إشراك مؤسسات أخرى أو خبراء اجتماع وعلم نفس وشريعة في عملية التقييم للأشخاص، قبل الوصول بهم إلى باب المحكمة وتحويلهم إلى القضاء، ومن المفيد أكثر لو كانت هنالك مؤسسة أو دائرة في مؤسسة معنية بهذا الأمر، ذات طابع مدني.
هنالك برنامج للحوار مع المتطرفين في السجون، لكن مردوده إلى الآن محدود، ومن الضروري تطويره وإخضاعه للتقييم النقدي، عبر تغذيته بخبراء علم نفس واجتماع وشريعة، وأشخاص مؤهلون لمخاطبة السجناء، والتمييز بين السجناء بحسب القدرة على الإقناع والحوار.
هذا وذاك يستدعي التفكير فيما يمكن تسميه بالـ ـExit Point، عبر إتاحة الفرصة للشباب الذين يمكن أن يغيّروا أفكارهم وأراءهم للخروج من المسار المتطرف أو الإرهابي، وتوفير الشروط المناسبة لهم، سواء كان ذلك بعد المحاكمة في السجون، أو حتى في مرحلة الاعتقال، أو قبل مغادرتهم السجن، أو بعد إنهاء مرحلة السجن والخروج منه، بمتابعتهم عبر مؤسسة معنية، أو دائرة في مؤسسة معنية لتوفير سبل الحياة الكريمة، ومراقبة سلوكهم والتأكّد من مغادرتهم مربعات التطرف.
القصور في مجال الدراسات المتخصصة والمعنية بموضوعات العنف والتطرف والإرهاب، وغياب الصلات المطلوبة بين مراكز التفكير والدراسات من جهة ومراكز القرار التنفيذية من جهة أخرى. فهنالك ضرورة اليوم لدراسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والحالة النفسية والشروط الاجتماعية لمن ينخرطون في هذا المجال، حتى تكون الأرقام دقيقة والمتغيرات الرئيسة حول العمر وأماكن الانتشار والمستوى التعليمي والمستوى الاقتصادي وطرق التجنيد والدعاية متوافرة، ما يسهّل بناء الروابط بين المتغيرات المؤثرة (المستقلة) والمتأثرة (التابعة) بهذه الظاهرة، وتحديد الأطر النفسية والمجتمعية والسياسية، وهذا وذاك يتطلب تعاوناً بين مؤسسات الدولة المعنية ومراكز الدراسات والأبحاث الموثوقة.
التعليقات مغلقة.