من جون كنيدي الى جو بايدن، ومن نيكيتا خروتشوف الى فلاديمير بوتين .. حرب نووية ام حرب عالمية بين دول نووية!؟ / ديانا فاخوري
ديانا فاخوري ( الأردن ) – الإثنين 26/9/2022 م …
هل نتدحرج نياماً الى هرمجدون (Armageddon) بذات ليلةٍ كليلة الكاريبي يوم حبس العالم أنفاسه بانتظار الشتاء النووي حين قرر “جون كنيدي” غزو كوبا وتفكيك الصواريخ النووية التي نصبها الاتحاد السوفياتي على مسافة كيلومترات من الشواطئ الأميركية – ام نسير يقظين الى يوثانت (U Thant) و28 اكتوبر 1962 جديد (ربما في 28 أكتوبر 2022)، عندما توصل كلّ من الرئيس الأمريكي جون كينيدي وأمين عام الأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق الصفقة الشهيرة مع السوفيتي “نيكيتا خروتشوف” لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية شريطة تراجع الولايات المتحدة عن غزو كوبا والتخلص بشكل سري من الصواريخ البالستية المسماة بجوبيتر (PGM-19 Jupiter) وثور (PGM-17 Thor)!؟
نحن اليوم في عالم مضطرب تتداخل فِيْهِ الجبهات وتتشابك وتتبدّل، مع كلّ تحوّل على مسرح عمليات الحرب الأطلسية ضدّ الشرق بشكل عام، وروسيا بشكل خاص. فروسيا اليوم في حالة حرب ليس مع أوكرانيا وجيشها فقط، بل مع “الغرب الجماعي” بكليته علي حد تعبير وزيرالدفاع الروسي، “سيرغي شويغو”، حيث تتكون القيادة الغربية من 150 متخصصا عسكريا يتواجدون بالفعل في كييف. كما يعتمد الجيش الأوكراني على أكثر من 70 قمرا عسكريا و200 قمر مدني غربي لاكتشاف مواقع المجموعات العسكرية الروسية. هذا وبلغ عدد القوات المسلحة الأوكرانية نحو 201 – 202 ألف شخص سقط نصفهم وأُصيب أكثر من ربعهم!
لا بد لي هنا من العودة لتكرار القول أن حلف شمال الأطلسي إنما أُنشئ عام 1949 لمواجهة الاتحاد السوفياتي فلماذا أُستبقي بعد زواله!؟ ربما ليكون “عصا الشيطان” كما أشار، ذات مرة، “يفغيني بريماكوف”.
فأمريكا التي دخلت التاريخ بإلقاء القنابل النوويّة على هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، وبقتل مِئات الآلاف من الأبرياء لن تتورّع عن إنتاجِ أسلحةٍ بيولوجيّةٍ وتحويل العالم بأسْره إلى حقلِ تجاربٍ لها. الم يستحضروا الجحيم للهنود الحمر أهل البلاد!؟ الم يستنسخوا جهنم بقنبلتي هيروشيما ونجازاكي ليتفاجئ المخرج الياباني “أكيرا كوروساوا” بالسيد المسيح يبكي متكئاً على كتفيه في تلك الليلة!؟
كم كان استاذي “ناعوم تشومسكي” رؤيوياً حين تحدث عن “السوبرالشيزوفرانيا” الأميركية وعن “الديانة الأميركية” التي “خرجت” لتحل محل الديانات المنزلة الثلاث .. البلد الذي رمى هيروشيما بالقنبلة الذرية هو الذي رمى الكرة الارضيّة بالروك اند رول .. البلد الذي قتل مئات الآلاف في كوريا، وفي فيتنام، وفي أفغانستان، وفي العراق، هو نفسه الذي جعل نادلة المقهى في هانوي ترتدي الجينز، وتلتهم، بشغف، سندويتش الهمبرغر، الى جانب دور الشبكة العنكبوتية في الانتقال بالبشرية من زمن الى زمن .. تحت عنوان “سيكولوجيا الآلهة”، رأى أن ما يحدث في أوكرانيا أشبه ما يكون بصراع البقاء بين أميركا وروسيا. أميركا لا تستطيع، وخوفاً من أن تتزعزع كما تزعزعت الأمبراطورية الرومانية، الا أن تكون في غرفة القيادة.
من يدري الى أين يتدحرج الكوكب وسط ذلك الدخان الأسود. الأميركيون الذين يراهنون على كسر رقبة القيصر او انفه على الأقل، وإلحاق سيبيريا ببلادهم مثلما ألحقت آلاسكا عام 1867، يتخوفون من أن تكون خيوط اللعبة قد أفلتت من ايديهم.
ولكن أوروبا، الذراع الجيوستراتيجية للبيت الأبيض او الذراع الغبية كما يصفها “ريجيس دوبريه”، تتقهقر اقتصادياً على نحو مروع وقد اطاح بها الجفاف . هل هي العودة الى أزمة 1929!؟ وهل سيظهر “أدولف هتلر” من جديد؟ وكان “دوبريه” قد لاحظ أن الأميركيين “يحاولون احلال “الفوهرر” محل المسيح في لا-وعينا!
فكل الساحات تتأهب .. تركيا تحشد 45 الف ما بين جندي ومرتزق لدعم اذربيجان وقوات اضافية على حدودها مع بلغاريا وعلى سواحل بحر إيجة .. واسرائيل فتحت خطوط الدعم لباكو بالسلاح ومعلومات الاقمار الصناعية مجددا .. وقيرغيزستان تكثف من دباباتها ومدافعها الثقيلة على طول الحدود مع طاجيكستان .. ليتوانيا .. صربيا .. لاتفيا .. بولندا…الخ وتضع جيشها في حالة استعداد قتالي!
وهاهو “لافروف” يُعلن مجدداً “ان الناتو أنشأ تهديدًالأمننا في أوكرانيا فاضطررنا للدفاع عن أنفسنا”، ويُصر أنَّ أخطاء الغرب تقوض الثقة في المنظمات الدولية والقانون الدولي كحام للضعفاء من الأقوياء حيث تعمل واشنطن على تحويل العالم كله لساحتها الخلفية، كما “تريد وقف عجلة التاريخ وتعتبر نفسها رسول الله في الأرض”، لافتًا إلى أنَّ “الدول ذات السيادة مستعدة للدفاع عن مصالحها وهذا سيؤدي إلى إنشاء نظام متعدد الأقطاب”، فروسيا وحلفاؤها يطالبون ببناء نظام عالمي مستقبلي دون ابتزاز وترهيب.
واعتبر لافروف أنَّ الغرب وبدلًا من أن ينتهج الحوار الصادق والبحث عن التسويات، يلجأ إلى الاستفزازات الجسيمة والتخطيط. وبيّن أنَّ “واشنطن وبروكسل أعلنتا حربًا اقتصادية ضد روسيا مما تسبب بأزمة غذائية عالمية، موضحًا أنَّ “الغرب لا يخجل من الإفصاح عن نيته بفرض هزيمة عسكرية على روسيا وتفكيكها”.
وقال لافروف: “واشنطن تلعب بالنار مع إيران وتايوان والعقوبات الأميركية أداة للابتزاز”، مضيفًا أننا “حاولنا حلّ الأزمة الأوكرانية إلا أن الانقلابيين قصفوا شرق أوكرانيا، فأوكرانيا بالنسبة للولايات المتحدة دولة مستهلكة في الحرب ضد روسيا”. وأردف، “أثار الغرب نوبة غضب بسبب الاستفتاءات الجارية في لوغانسك ودونيتسك وزابوروجيه وخيرسون، والتي هي أساسًا ردًا على دعوة زيلينسكي للروس للخروج من أوكرانيا”.
وتابع لافروف: الاتحاد الأوروبي لا يريد تزويد البلدان بالأسمدة التي تستعد روسيا للتنازل عنها مجانًا، لافتًا إلى أنَّ “روسيا تعتبر الهند والبرازيل مرشحين جديرين أن يكونا عضوين دائمين في مجلس الأمن، لكن الغرب ما فتئ يحاول ‘لي ذراع’ كل من يفكر بشكل مستقل”.
وختم وزير الخارجية الروسي قائلاً: “إنَّ “الأمم المتحدة أُنشئت لإنقاذ البشرية من الجحيم وليس لبناء الجنة، والتدخل الغربي لم يُحسّن الوضع في أي دولة”.
الى ذلك يتبدى اهتزاز النظام العالمي الأحادي وترنّحه أكثر فأكثر اذ تُؤسَس قمة منظمة شنغهاي في “سمرقند” بكازاخستان لعالم متعدد الأقطاب وتُمهد للانتقال من المركزية الغربية نحو الشرق بجبهة شرقية جديدة تضمّ أربع دول نووية هي الصين وروسيا والهند وباكستان ودولة خامسة قادرة أن تكون كذلك خلال أسابيع لو أرادت (ايران) .. ولعل مشروع “قوة سيبيريا 2” من أهم منتجات القمة للحد من الهيمنة الأمريكية واغتصابها للقرار العالمي، عبر جذب أروبا باتجاه الحلف الشرقي حيث ان هذا المشروع سيصل بين روسيا والصين بخط طاقة جديد قد يُشكل بديلاً لخط أنابيب “ستريم 2” الذي كان قد أنشيء بين روسيا وأوروبا لتغذية القارة الأوربية بالغاز والطاقة الروسية بربع ثمنه في السوق العالمي. انها فرصة للإقتصاديات الأسيوية و صدمة للإقتصاديات الأروبية!
باختصار، تمكن بوتين من تحقيق كافة أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا بتحريرالدونباس، وتدمير التسلح الأوكراني الشامل، ومنع كييف من أن تصبح دولة عضواً في الناتو. لقد استثمر بوتين في اعتلال نظام واختلال معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي كشف عورة نظام التوازن العالمي المتأرجح منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه.
و بعين المادية الديالكتيكية رأى بوتين انتكاسات أمريكا والغرب وهزائمهم تترى وتتوالى امام انتصارات ومقاومة تتكاثر وتتعاظم لتمهد للتغيير الكيفي استنادا الى التراكمات الكمية .. هزائم عسكرية متكررة ومتلاحقة على بوابات عواصم الشرق التاريخيّ من بغداد الى دمشق الى صنعاء وصولاً لكابول .. كما يبدو انه قد رأى في خروج بريطانيا من التكتل الاقتصادي الاوروبي آخر علامات السقوط المدوّي لأوروبا في الحضن الأميركي إثر فشلها في الدفاع عن نفسها كقطب مستقلّ بعد انتهاءالحرب الباردة!
حرب نووية ام حرب عالمية بين دول نووية؟
إذن تتسع رقعة التوتر وتتمدد على خريطة العالم، ولم يعد يفصلنا عن “هرمجدون” سوى كبسة زر، فبريطانيا والولايات المتحدة لم يتركا أي خيار امام بوتين سوى الذهاب لأخر مرحلة، وفي حال استخدام النووي لن يتوقف الامر على كييف ولربما تكون لندن المحطة التالية!
فهل نحن حقاً على حافة حرب نووية قد لا تحدث، لكنها بالتأكيد ستُسَّرع تغيير وجه العالم!؟
بوتين يقبض على معادلة الردع الاستراتيجي الأخطر وهي كفيلة بتطويع الغرب فيسلّم بعالم متعدّد الأقطاب، ويتم تنظيم الاستفتاء في أربع ولايات أوكرانيّة لتصبح جزءاً من التراب الروسي، وروسيا تعلن التعبئة ولو الجزئيّة، وتهدد الغرب الجماعيّ بأسلحة الدمار الشامل دون أن تستعملها. فوفقاً لدراسات مراكز الأبحاث الغربية، تتفوق روسيا نووياً على الغرب عشرات المرات، وتكفي ثلاث قنابل من نوع “القيصر”، تعادل قوة الواحدة منها 100 مليون طن “تي ان تي” لمحو واشنطن، ولندن وباريس!
هل نتدحرج نياماً الى هرمجدون (Armageddon) بذات ليلةٍ كليلة الكاريبي يوم حبس العالم أنفاسه بانتظار الشتاء النووي حين قرر “جون كنيدي” غزو كوبا وتفكيك الصواريخ النووية التي نصبها الاتحاد السوفياتي على مسافة كيلومترات من الشواطئ الأميركية – ام نسير يقظين الى يوثانت (U Thant) و28 اكتوبر 1962 جديد (ربما في 28 أكتوبر 2022)، لاستعادة اتفاق الصفقة الشهيرة!؟
اما الدائم فهو الله، ودائمة هي فلسطين!
ونصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
ديانا فاخوري
كاتبة عربية اردنية
التعليقات مغلقة.