مبادىء إستراتيجية العمل الشيوعى الثورى فى مصر( الجزء الثاني )
ا.د.سعيد صلاح الدين النشائى* ( مصر ) الإثنين 25/7/2016 م …
جامعة كولومبيا البريطانية, فانكوفر, كندا
e-mail:[email protected]
عن الرؤية الإستراتيجية:
يعتمد التحليل العلمى للحزب الشيوعى ( وهو يختلف عن الحزب الإشتراكى الديموقراطى الإصلاحى, الغير ثورى ولا ماركسى ) على تحديد ملامح الأزمة ومحاولة التوصل إلى أسبابها وعمقها فى التناقض الاجتماعى والطبقى وعلاقتهم بالصراع الإقتصادى والديموقراطى والوطنى فى تفاعل جدلى بينهم جميعا . ثم يتم طرح الإطار العام لحل الأزمة الاجتماعية فى أرتباطها بالصراعات الأخرى ويتم وضع البرنامج الملائم للمرحلة التاريخية وهى كما أوضحنا فى المقالة السابقة عن طبيعة المرحلة مرحلة تفاعل جدلى بين التحرر الوطنى والشيوعية , أى مرحلة التداخل الجدلى بين مرحلة التحرر الوطنى المتأخرة ومرحلة الشيوعية الغير طبقية وبينما المرحلة الإشتراكية هى مرحلة إنتقالية بين التحرر الوطنى والشيوعية وهى مراحل سيمر بها المجتمع كما تمر بها المجتمعات المحيطة وباقى العالم. ولكى يكون البرنامج متسق مع الرؤية الفكرية والانتماء الطبقى للحزب، يجب أن يستهدف تطوير القوى الاجتماعية التى تقود التغيير التقدمى للأمام فى أتجاه نمو نفوذ الطبقة العاملة والفلاحين وهم الذين سوف يقودا الثورة نحو المجتمع الشيوعى اللاطبقى. قيادة طبقات العمال والفلاحين وحلفائهم للحزب الثورى تعنى تطورهم جميعا فى طريق إنتهاء الطبقات وتبلور المجتمع اللاطبقى ذو الإقتصاد المختلف جذريا عن المجتمع البرجوازى وأيضا الإشتراكى الإنتقالى
المسيطرون على المجتمع والدولة فى مصر حاليا:
تسيطر الرأسمالية المصرية التابعة لحلف الناتو , وعلى قمته أمريكا والكيان الصهيونى , وتخضع له الكيانات الصهيونية المستعربة مثل الكيان الصهيونى السعودى وأمثالة. تسيطر الرأسمالية المصرية على الحكم منذ عقود وهى مكونة من فئات مختلفة ومتطورة مع الأحداث وأهم قطاعات البرجوازية هو قطاع البرجوازية الكبيرة والمؤثرة فى المجتع وهى إن لم تكن نشيطة فى مصر لأسباب كثيرة فهى نشيطة فى بلدان عربية أخرى وتواجه الإستعمار بقوة فى لبنان وسوريا والعراق. وأجزاء هامه من الرأسمالية الكبيرة المصرية ( الكمبرادور) ترتبط منذ نشأتها بالرأسمالية العالمية (الإمبريالية) أما فئات الرأسمالية الأخرى فمتذبذبة وبعضها يتخذ مواقف وطنية فى أوقات كثيرة ولكنهم سرعان ما يتراجعوا عن هذه المواقف الوطنية المؤقتة. ومن الحقائق المؤكده إن كل فئات الرأسمالية حاولت الاستئثار بالفائض القومى لبناء راسمالية الدولة فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى (فترة محاولة التحرر الوطنى والإدعاء الكاذب بالإشتراكية وممارسة الديكتاتورية على جميع المحاور والفساد الكامل, وسوء أختيار القيادات , إلخ, وصولا إلى كارثة يونيو 1967). وقد تنامى مشروع التبعية المباشرة منذ هزيمة 67 ثم تم استكماله بعد اتفاقية العار كامب ديفيد عام 1979 تحت غطاء من مسرحية حرب أكتوبر 1973 التى ضحى شباب مصر بدمائه لتستخدم كغطاء لإتفاقيات كامب ديفيد الخيانية.
الرأسمالية المصرية هى تحالف تغيرت توازنات القوى داخله فى مصر على مر السنين. ففى فترة ما قبل 23 يوليو 1952 غلب عليها الرأسمالية الكبيرة الليبرالية والمرتبطة بالإحتلال والقصر وصاحبها ظهور الرأسمالية الوطنية المناضلة مع فئات الشعب الأخرى من أجل التحرر والأستقلال والتخلص من الملكيه والإستعمار. وشهدت فترة حكم السادات فترة تعيسة يسيطر خلالها حكم عميل لمدة طويلة ليمارس أستكمالا واضحا جدا للجوانب السلبية للنظام الناصرى وتدمير أى جوانب شبه إيجابية فيه. فبعد عشرات السنين من بيرقراطية الدولة والرأسمالية التجارية والريعية فقد زاد نفوذهما مع سياسة الانفتاح المتخذة فى سنوات حكم السادات . فترة الحكم الناصرى تميزت بثقل كبير للرأسمالية البيروقراطية وغياب الديموقراطية, ثم جائت فترة الخائن العميل السادات بخصخصة الأقتصاد المصرى وتدميرة لصالح الأستعمار والصهيونية وحلفائهم المحلين. وفى كل المراحل فقد تفاوت ثقل الرأسمالية الصناعية والزراعية حسب مصالح الرأسمالية الكبيرة وعلاقتها بالغرب الأستعمارى و تخطيط بيرقراطية الدولة. وتعتبر فنرة التسعينيات نقطة تحول نوعى فى تركيب البيرقراطية المصرية. رغم هزيمة يونيو 1967 البشعة التى كشفت درجة الفشل المريعة للنظام الناصرى فإن الإستعمار والصهيونية وحلفائهم الأقليمين والمحليين لم يستطيعوا تحقيق الكثير من المكاسب السياسية نتيجة قوة النظام رغم فساده وألتفاف الشعب حولة لإزالة آثار العدوان.إلا أن وفاة الرئيس عبد الناصر وفشل محاولة الإنقلاب لمدعى الناصرية فى 15 مايو 1971 رسخت مواقع الخائن العميل السادات الذى بدء سياسة موالية للإستعمار والصهيونية وعملائهم الإقليمين والمحليين وبدأت سياسة الخصخصة والعمالة لأعداء مصر. وقد تفاقم النهب والإستغلال فى فترة التسعينات ليس فقط عن طريق البيروقراطية ولكن أيضا عن طريق رأسمالية القطاع الخاص التى تم إعادة أحيائها. فقبل ذلك، كانت تستحوذ هذه الطبقات على الفائض من خلال فائض القيمة الكلاسيكى والعمولات واستغلال النفوذ لتصنع التراكم الذى يذهب إلى جيوب أفراد هذه الطبقات. بعد إصدار القانون 203/ 1991 تحولت أصول الدولة إلى شركات استثمارية تخضع للشركات القابضة التابعة لوزارة الاستثماروأصبحت البيرقراطية تمتلك حق التصرف فى هذه الشركات والأصول الرأسمالية نفسها (الأراضى والمعدات) وزيادة التراكم الرأسمالى لأفراد هذه الطبقات بالبيع وتحولت البيرقراطية إلى سمسار ضخم أوكل إليه التفريط فى كل شىء متحالفا مع القطاع الخاص الذى تم إعادة إحياءه . ومنذ ذلك التاريخ تحول تركيب الاقتصاد إلى المزيد من التبعية لرأس المال الأجنبى وزاد تفتيت المؤسسات العاملة الكبيرة لصالح انتشار المشروعات الصغيرة والفسيفسائية التى لا تبنى اقتصاد ولا تطور وسائل الإنتاج ناهيك عن افتقادها لأى حقوق للعاملين بها، فكانت الزيادة المطردة فى معدلات الفقر والتضخم والانهيار السريع لمؤسسات الدولة. أعقب ذلك، المزيد من تزاوج استثمار الدولة مع الاستثمار الفردى واستفادت البيرقراطية من وضعيتها فى الدولة للدخول بأفرادها كشركاء فى استثمارات خاصة زراعية وصناعية وسياحية ومضاربات بالبورصة وتجارة الأراضى بعد “التسقيع”. وكان الدور الرئيسى لهذه البيرقراطية هو تسهيل قروض الرأسمال الخاص والاستثمارات الأجنبية مقابل بيع/ إغلاق/ إفلاس شركات الدولة أو تيسير استيلاء الرأسمالية الكبيرة عموما على أموال التأمينات والمعاشات والصناديق الخاصة وكلها تقدر بمئات المليارات. وصلت شراهة البيرقراطية وسعارها لدرجة التضحية بالدولة ذاتها لصالح تضخيم ثرواتها الخاصة والشراكة مع القطاع الخاص وتنفيذ شروط البنك الدولى من رفع الدعم وتحرير العملة. فكانت النتيجة المتوقعة وهى ترهل الدولة وتوحش أجهزة القمع بكل إداراتها. وهذا الأنهيار الأقتصادى وتوحش البيروقراطية وأحياء القطاع الخاص ضد مصالح الأمه لا بد أن تؤدى إلى الأفقار والتزمر والنضالات الشعبية والنضالية التى يواجهها فى ظل دولة ديكتاتورية كل أشكال القمع ضد الشعب بكل فئاته . وصاحب ذلك تهميش الأجهزة الرقابية والكسب غير المشروع والدور المشين الذى مارسته النيابة العامة وعلى رأسها النائب العام.
خضوع الجيش المصرى لأمريكا وعملائها:
ذلك قد حدث ولازلنا نعيش فيه وفقا لإتفاقيات الخيانة والعار, كامب ديفيد فى عام 1979 وقد بدء الأجرام الأقتصادى والسياسى للنظام الخائن العميل قبل ذلك فى عام 1971 . لقد قام هذا النظام الردىء الذى تخلى عن الشعب المصرى وأيضا الشعب الفلسطينى بهذه الإتفاقيات الخيانية بمناورات مع حليفه الأمريكى رضوخا لشروط الاتفاقية من المعونة العسكرية والحد من التجنيد, الخ. مما كان من نتائجه على مر عشرات السنين هو مؤسسة عسكرية مترهلة، يسيطر كبار القادة على اقتصادها المنفصل عن الدولة بدون رقابة. مع انخراط هؤلاء القادة فى التجارة والاستثمار الخاص انتهاء بتجارة السلاح.
أصبحت للأسف المؤسسة العسكرية تغذى الرأسمالية المصرية , بدعم وتخطيط من الإمبريالية, المشروعات الصغيرة (الحرفية أو الصناعية أو الخدمية). وتضرب فى نفس الوقت أى محاولات لبناء صناعة كبيرة، إلا تلك التابعة للرأسمال الأجنبى أو المشاركة فيه، والمعتمدة فى نفس الوقت على تكثيف رأس المال واستنزاف الموارد الرخيصة (غاز- أراضى- مياه- خامات تعدينية). مع تكثيف الاستغلال للعمال المصريين من حيث الأجور شديدة الانخفاض بالمقارنة بالنظير الأجنبى وشروط وتعاقدات العمل التى لا تضع أى حماية من الفصل بل ودائما ما تحمى وزارة القوى العاملة المستثمر الأجنبى ضد العمال المصريين.
البيرقراطية متداخلة فى المصالح الاقتصادية مع كافة أجنحة الرأسمالية الأخرى، ولكنها تستأثر وحدها بالتراكم الناتج من الرشاوى وعمولات بيع الأراضى وأصول الدولة (التى كانت قطاع عام بعد أن حولتها إلى قطاع استثمارى تملكه الدولة بالقانون 203) إضافة للتراكم الناتج من مشروعاتها الخاصة التى أقيمت باستغلال النفوذ.
كانت التعبيرات السياسية للرأسمالية المصرية تنحصر فى قوتين أساسيتين قبل ثورة 25 يناير 2011 الحزب الوطنى والتيار الدينى بقيادة الإخوان المسلمين( الصهاينة المتأسلمين) . كما تواجدت تنظيمات سياسية أخرى مستقلة عن الدولة( الحزب الوطنى) والصهاينة المتأسلمين بقيادة الأخوان وذيلهم من السلفين, مثل الحركات الماركسية والناصرية والليبراية, إلخ ولكنهم متبعثرين وغير موحدين ومحدودى التأثير
لعب الحزب الوطنى والصهاينة المتأسلمين ألعن الأدوار فى تغييب الوعى الديمقراطى والتقدمى لدى العمال والفلاحين وفقراء الشعب المصرى وحتى فئات البرجوازية الوطنية. ودخلت الدولة فى تنافس مع التيار الدينى حول التدين واستخدام الدين فى السيطرة على العقل المصرى وإفساده. بينما تركت للصهاينة المتأسلمين العنان لركوب الحركات الجماهيرية وتلجيمها. فى ذات الوقت الذى جرى تدجين اليسار المصرى واستقطابه داخل مؤسسات الثقافة والإعلام بالدولة، علاوة على السيطرة الأمنية على أحزاب اليسار.
عالميا
تعانى الرأسمالية العالمية من أزمة خانقة تتمثل فى:
1- زيادة كبيرة فى رؤوس الأموال وفى المقابل انكماش الأسواق العالمية وانخفاض قدرة الناس فى المجتمعات المختلفة على الشراء أو الادخار.
2- زيادة كبيرة فى الإنتاج الرأسمالى يقابله انكماش الطلب.
3- تضخم تعانى منه كافة المجتمعات سواء المتقدمة أو التابعة.
4- اتجاه المعدل العام للربح نحو الانخفاض، مما يجعل الأزمة محتدمة بين الرأسماليات العالمية للاستئثار بالفوائض العالمية والتنافس على السيطرة على الأسواق والثروات فى المجتمعات التابعة.
5- عودة الاستقطاب بين معسكرين إمبرياليين يستقطب كل منهما دول تابعة أو شبه تابعة (لها ثقل إقليمى ونمو اقتصادى داخلى مرتفع).
6- عودة الصراع العالمى المسلح فى التصاعد فوق أراضى البلدان التابعة وإعادة التقسيم العالمى وحماية مناطق النفوذ بالقوة.
7- أزمة الطاقة الخانقة لا يقابلها توسيع الاعتماد على الطاقات البديلة، بل يقابلها صراع شرس على مناطق البترول والغاز.
8- زيادة نصيب صناعة وتجارة السلاح فى حل أزمات كبار الرأسماليين العالميين، واعتماد الدول الكبرى فى قوتها الاقتصادية والعالمية على التنافس فى تطوير الأسلحة العابرة للقارات والسلاح النووى ونشر الصواريخ بعيدة المدى والدروع الصاروخية للسيطرة على مناطق النفوذ لكل منها.
9- تشكيل خريطة جيوسياسية جديدة للبلدان اعتمدت منذ عشرات السنين على تنفيذ المخططات التفكيكية للمجتمعات مع ربطها بحلف الناتو. فى نفس الوقت، بزغت قوى إقليمية وعالمية جديدة عملت على تشكيل قطب ثانى مع روسيا.
10- زيادة النفوذ الصهيونى فى عدة دول إفريقية وعمل مشروعات مشتركة معها مهددة للتكامل الإفريقى وضرب لمحاولات التنسيق حول المصالح المشتركة (مثل أثيوبيا وغيرها).
11- تحطيم بنية الدولة فى بلدان عديدة، سواء تحت مسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد أو تحت مسمى ضرب الإرهاب وحماية المصالح الأمريكية (أفغانستان- العراق- الصومال).
12- جرائم مكثفة للإستعمار والصهيونية وعملائهم وذيولهم تحت غطاء إستخدام أدواتهم من التنظيمات الإرهابية.
13- إعادة هيكلة بنية الدولة فى البلدان التابعة. وذلك بعدة أساليب:
o زيادة نفوذ المؤسسات الدولية للإقراض فى الدول التابعة وزيادة الاعتماد عليها (البنك الدولى- صندوق النقد الدولى- البنوك الأوروبية- المؤسسات التابعة للمليارديرات المقرضة لمؤسسات المجتمع المدنى- الخ)
o المزيد من ربط خطط الاقتصاد باتجاهات مؤسسات ودول الإقراض.
o إملاء شروط جديدة للتبعية على البلدان التابعة للتخلى عن شروط الحماية الجمركية والضريبية والتشريعات المنفذة ضد إغراق الأسواق ومنع اتخاذ أى إجراءات ضد الاحتكار فى هذه البلدان.
o تحرير المؤسسات المملوكة للدولة تحت مسمى محاربة الفساد وحماية حقوق الإنسان (كشرط لدخول رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى تلك البلدان). ومن هذه المؤسسات: الإعلام- القضاء- المؤسسات الأمنية- المؤسسات التعليمية.
o التحكم فى أوجه إنفاق ميزانيات البلدان المعاد هيكلتها، بما يعنى المزيد من إلغاء الدعم وتحميل الأزمة على الفقراء.
o ضرب الأصول الاقتصادية للدولة بشرائها وتفكيكها، وذلك بمشاركة الرأسمالية المحلية التى لا يعنيها سوى زيادة أرباحها- فهى قد تخلت عن وطنيتها منذ نشأتها تحت رعاية الرأسمال الأجنبى.
o بموازاة الآليات الاقتصادية لفرض الشروط الجديدة للتبعية والتقسيم الجديد للنفوذ، دعمت الإمبريالية الاتجاهات الرجعية فى هذه المجتمعات (سواء القائمة على أساس دينى أو قبلى أو عائلى) وقامت منظماتها المدنية فى هذه المجتمعات بخدمة هذا الدعم الذى يغذى التفكيك الاجتماعى- الثقافى.
o تمويل المنظمات المدنية بأموال طائلة بهدف نشر الثقافة الليبرالية الفوضوية التى تعمل على جر الصراع على أرضية الحقوق الفردية المدنية ضمن الدينية أو المذهبية ضد مذهب آخر أو الأقليات القومية/ العرقية/ الثقافية.
o توصل وسائل التدعيم للمنظمات التفكيكية إلى الدعم بالسلاح والتدريب ودعمها للوصول للحكم (الثورات البرتقالية والصفراء المدعومة من المخابرات الأمريكية).
o المواجهة بين البيرقراطية المترهلة الفاسدة ذات المصالح الخاصة وبين المنظمات المدعومة والممولة، وعدم دخول الشعب فى هذا الصراع لانشغاله بالدفاع عن قوته اليومى أو بالهجرة أو بالانضواء تحت الأيديولوجية الدينية.. فالشعب لم يعد يجد فكر آخر بديل.
o إنكماش نفوذ الإستعمار الإستيطانى النازى أمريكا وتصاعد قوة القوى المعادية للإستعمار والصهيونية وغضب الشعوب ضدهم ورفضها لسياساتهم المنحطه الطماعه والشريرة
الأزمة الإجتماعية وضرورة الثورة:
حينما تصل الأزمة الاجتماعية إلى كونها مأزق للطبقة المسيطرة على المجتمع والدولة، تصبح آنذاك أشكال الصراع الهادىء غير مجدية ولا تصبح معبرة عن لحظة المأزق.. بمعنى آخر تصبح عندئذ الثورة ضرورة وواقع لا يمكن منعه من قبل الطبقة الحاكمة. ففى مرحلة المأزق، ينفجر الغضب الشعبى بصورة لا يمكن السيطرة عليه ويخرج عن كافة أشكال الاحتجاج المألوفه فى زمن الصراع الهادىء. ثورة يناير لم كانت عفوية ولكن غير محدد هويتها الطبقية هى وثورة 30 يونيو 2013 فكلاهما شاركت فيهما كل طبقات المجتمع بآمال كبيرة جدا لم تتحقق. رغم مشاركة كل طبقات المجتمع فى الثورتين إلا أنه قد لعبت نضالات الطبقة العاملة دورا هائلا فى التمهيد لثورة يناير . وقد أسفر تواصل كفاح العمال طوال سنوات طويلة، إلى تصاعده فى السنوات السابقة على الثورة وبدرجة هائلة. إذ شهدت البلاد أوسع حركة إضرابية فى تاريخ مصر والمنطقة رغم الظروف شديدة التعقيد فى الأوضاع الداخلية والعمالية والعالمية.
لقد وصل الصراع بين فقراء الشعب المصرى وبين النظام الطبقى الاستبدادى الحاكم إلى نقطة اللاعودة عند الشعب ، فكانت الثورة العفوية التى أظهرت قوة تحالف طبقات الشعب ضد النظام وإبداعهم فى التعبير والتضامن ورفض الوعود الكاذبة بالتغييرأطاحت الثورة عبر سنواتها الثلاث، وبالرغم من افتقادها للتنظيم الثورى، بثلاثة حكام وهى فى هذا الإسقاط تعلن إصرار الشعب على التحرر من الاستبداد والظلم الاجتماعى. وربما ينجح التالى فى تلمس العناصر والعوامل التى أدت إلى تحول الأزمة إلى مأزق يطلق الثورة:
– تداعت مؤسسات الدولة على مدار سنوات عديدة قبل الثورة وعانت من الترهل والفساد وبلطجة البيرقراطية والرأسمالية الكبيرة وسيادة المؤسسات الأمنية وقتل أى إبداع أو بحث بداخلها
– سيطر الحزب الوطنى وتفرد مع الإخوان ( الصهاينة المتأسلمين) بالصراع فى الحياة السياسية بلا وجود لأى معارضة أخرى سوى معارضة الأحزاب الكرتونية التى لا تظهر إلا فى الانتخابات، ومنها للأسف ما تبقى من قوى اليسار
– تدهور ميزانية الدولة ومصادر الناتج القومى وعلى رأس ذلك الصناعة والزراعة، مع زيادة العجز فى الميزانية وزيادة القروض وأعباء الديون. وما صاحب ذلك من تحرير العملة وارتفاع سعر الدولار وانحطاط القيمة الشرائية للجنيه.
– وقوع الشعب المصرى تحت وطأة التشرد والعشوائية وازدياد معدلات الفقر والبطالة بصورة مرعبة تتعدى العشرين مليون من المواطنين.
– عجز وتضخم كبير وكساد وانخفاض فى معدلات الأجور وانفلات للأسعار وتوحش واحتكار المستوردين وتجار الجملة.
– سيطرة رجال الأعمال على الدولة وتحجيم البيرقراطية التى قامت قبل ذلك بسنوات ببيع الأصول كترضية لمطالب الرأسمالية الخاصة والعالمية.
– شراسة المؤسسة الأمنية وزيادة سيطرتها ونفوذها ووحشيتها التى طالت الغالبية من أفراد الشعب بالتعذيب فى الأقسام. مقابل ذلك تقاعس القضاء وتواطؤ النيابة العامة مع وجود معارضة كرتونية وضعف القوى الديمقراطية والثورية.
– زيادة معدلات الهجرة الشرعية وغير الشرعية والتى صاحبها كوارث الغرق والموت.
– افتقاد الأشكال النقابية إلى المصداقية والتعبير عن الحركة والمطالب العمالية وسيطرة الدولة على هذه الأشكال وتوجيهها ضد مصالح العمال.
وبهذا وفى ظروف شديدة الحساسية والتعقيد قامت ثورة 25 يناير بصورة شبه عفوية.لقد كانت تفتقد للشروط اللازمة لتحقيق نجاحات مستقرة وثابتة، وعلى رأس هذه الشروط وجود قيادة سياسية ثورية على رأسها تحالف بقيادة العمال والفلاحين وباقى الكادحين. كانت بقايا اليسار بانفصالها عن الطبقة العاملة والفلاحين والكادحين، ضعيفة ومندمجة فى معظمها مع الدولة ومصالح الطبقة الحاكمة وخاضعة لما تسمح به لها. وقد أدى كل هذا إلى زيادة هيمنة الطبقة الرأسمالية التابعة وإصابة النضالات العمالية والشعبية بأضرار فادحة. فكانت الحركة العمالية مبعثرة فاقدة للقيادة الموحدة الأهداف. لكن بالرغم من هذا الضعف، كان النضال العمالى المبعثر ولكن الهائل هو المقدمات التى جاءت بالثورة.
الظرف الآخر شديد الحساسية، هو أن الثورة قامت فى ظل وضع دولى وإقليمى بالغ التعقيد والسوء، حيث تشهد المنطقة كما سبق الذكر تفكيك وتناحر داخلى طائفى وسقوط أنظمة ليس لصالح بناء أنظمة تقدمية بل لصالح ترويج النزاعات المسلحة وتدعيم الارتباط الجديد بالحلف الأمريكى الصهيونى. يصاحب هذا، محاولات ضرب محاور المقاومة التى لا تزال قائمة ضد الكيان الصهيونى وعلى رأسها المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله والمقاومة الفلسطينية . أما محاولات تدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا فهى فاشلة والحمد لله.ثلاث سنوات من الثورة، وأصبح الوضع أكثر تعقيدا فالمأزق الاجتماعى بين الطبقات المستغلة وبين الطبقة المالكة الحاكمة موجود بقوة والنظام لا يمتلك بدائل. فكانت ملامح الوضع عموما كالتالى:
– ثورة ينتفض فيها الشعب بعشرات الملايين ليزيح رئيسين بينهما حاكم عسكرى ويرغم الجيش على أخذ موقف الحياد.
– دولة يجرى تفتيتها بفعل الإمبريالية، ولا يجد الشعب من يحمى وجودها سوى البيرقراطية (ممثلة فى العسكريين).
– أحزاب ليبرالية قامت بعد قيام الثورة وادعت تبنيها لشعاراتها، لكنها كانت أضعف من أن تدافع بصدق عن الأهداف الديمقراطية للثورة. فالاعتقالات والتنكيل واغتيال الحريات مستمر.
– أحزاب يسارية منفصلة عن المنتجين والكادحين وتنجح الطبقة الحاكمة فى دمجها مع أجهزة الدولة لتكون معارضة شكلية وكرتونية كما كانت قبل الثورة.
– طبقة ونظام ترنح بفعل الثورة، أصبح يستجمع قواه مرة أخرى ويعاود المراوغة على مطالب الشعب والهجوم الشرس على شباب الثورة الذين جاؤوا بالنظام للسلطة فى نفس الوقت بصورة أكثر دموية واستبداد.
– إعادة بناء الطبقة الحاكمة عدوة الشعب لنظامها الذى اندمج فيه للأسف كثير من أحزاب ما بعد الثورة.
– ثورة لم تفرز بعد قيادتها الاجتماعية والطبقية القائدة للثورة.
– تنامى ومد للحركة الجماهيرية بعد فقدان الأمل الجديد فى حكومة النظام.
تجرى منذ اليوم الأول للثورة محاولات سرقتها وإجهاضها لصالح قوى الرأسمالية المصرية التابعة والأجنبية وعملائهم الذين يدفع بهم فى صدارة المشهد لتوجيهه. الكل يتجاهل المطالب الشعبية بالتغيير الجذرى للسياسات المستمرة منذ نظام مبارك. فهذه القوى تصر على اقتصاد السوق الحر وتكتفى باختزال العدالة الاجتماعية فى تعديل الأجور. ويتناسى الجميع القضية الأساسية وهى نظام الملكية فى المجتمع الذى يعيش نصفه تحت خط الفقر والعوز والبطالة. وتعانى الغالبية الساحقة من نصفه الآخر من تدنى مستويات معيشتها. بينما تتركز نسبة 80% من الثروة فى يد طبقة رأسمالية تابعة لا يتعدى حجمها 5%. فاختفى الجانب الطبقى (الاجتماعى- الاقتصادى) والوطنى والديمقراطى الشعبى تماما من خطاب الجميع.
وبالرغم من الدور الهائل للطبقة العاملة فى التمهيد للثورة وأثناءها، إلا أن النخبة السياسية وأحزابها وقواها القديمة والجديدة بكل اتجاهاتها تعمدت تهميش وإقصاء الطبقة العاملة ، بل وتناسى وإسقاط كافة حقوقها. فجرى تحويل الانحياز إلى انحياز لبناء وهمى للدولة والاقتصاد المنهار وكأنهما منهارين بفعل الثورة وليس بفعل نظام التبعية للإمبريالية التى هى من صفات الرأسمالية المصرية. وبذلك قفزت كل القوى المعادية للثورة وجوهرها المتمثل فى التغيير الجذرى للواقع على كل الأصعدة الاجتماعية؛ الوطنية والاقتصادية والديمقراطية. قفزت هذه القوى لإجهاض الثورة وقتلها فى مهدها قبل أن تتطور قيادتها الثورية وعلى رأسها الطبقة العاملة وتصعد لصدارة المشهد الثورى.
لذلك، كان من المحتوم (بفعل تنسيق النظام الحاكم التابع للرأسمالية العالمية) أن يقوم الإخوان بالدور المحدد لهم دائما؛ وهو ركوب الثورة وتوجيهها وإفشالها مؤقتا. فكان عقد الصفقات والتربيطات المتآمرة على الشعب والانتخابات المتتالية والقمع والقتل لترويض الشعب الثائر.
يبين هذا التطور نتيجة واضحة، وهى أن التناقض مستمر رغم الطنطنة بالخوف من تفتيت الدولة.. فالنظام الذى أفسد وفتت الدولة من قبل.. مستمر فى نفس السياسات والاستبداد الذى يفتت أى دولة. مستمر فى الاعتقال والقتل والتشريد وإغلاق المصانع وحكوماته ذات السياسات الليبرالية المتوحشة التى لا تقول سوى اصبروا وكفو عن الشكوى وتحملوا مصائب الرأسماليين وحدكم .. أما هم فلهم كل الربح ولشرطتهم كل العلاوات والتعالى على الشعب والحرية فى اعتقاله وتعذيبه وقتله. وليس هذا بغباء نظام، إنما هو تركيب طبقة سائدة لا تمتلك من بديل ولا ثقافة ولا حلول سوى هذا المشهد البشع الذى تقدمه للشعب الغاضب.
أما فى الجانب الوطنى فالوضع ليس فقط التبعية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية للإمبريالية وذيولها وعلى رأسهم الكيان الصهيونى السعودى ولكن الخضوع للكيان الصهيونى المغتصب لفلسطين والتوسع فى إتفاقيات الخزى والعار والخيانة: إتفاقيات كامب ديفيد كما هو واضح من سياسات السيسى الخيانية التى وصلت لدرجة محاولة بيع جزر مصرية إلى الكيان الصهيونى السعودى لصالح الكيان الصهيونى فى فلسطين والتى رفضها القضاء المصرى ولا زال النظام العميل يحاول بيعها مؤكدا عمالته.
سمات الأزمة الطبقية الراهنة:
تتجلى الأزمة فى التناقض الذى تفجره هذه الطبقة: الرأسمالية المصرية التابعة الخائنة والعميلة بإجمالها والتى لا يمكنها التخلى ولا تغيير طبيعتها ومصالحها المرتبطة هيكليا مع الرأسمالية الأمريكية- الصهيونية- الأوروبية وذيولهم مثل الكيان الصهيونى السعودى. فمصانعها وتجارتها الاحتكارية وسياحتها مرتبطة بهذه المراكز الاستعمارية. ولا يمكنها مجرد إظهار العداء أو الغضب تجاهها. هذه الطبقة التى انفصلت عن التحديث وأصبحت معادية له، فهو كان مشروعها عند بداية تجميعها للتراكم الرأسمالى. أما الآن وبارتباطها بالفتات الذى تتركه لها الإمبريالية سيدتها، فهى لا يمكنها التطلع ولا حتى الحنين إلى هذا التحديث. هى تعتمد على صناعة محدودة وتستورد الإلكترونيات المتطورة جدا لتسويقها حيث تعمل كسمسار تكنولوجيا وسمسار للأراضى وسمسار لأصول الدولة (التى كانت قطاع عام) وسمسار سلاح وسمسار بشر. فكيف لهذه الطبقة المشوهة أن تحمل بداخلها أى رغبة فى التحديث أو تجروء على الإقدام عليه؟؟ إلا ربما تحديث أساليب الاستغلال والتحايل على الثورة. كيف يمكن لطبقة تعمل على نشر هيكل اقتصادى متخلف يفرخ المشروعات الغاية فى الضآلة والصغر أن تعمل على تطوير أى أساليب إنتاج أو تكنولوجيا. إن هذه الطبيعة تفرض عليها التبعية للإمبريالية وشروطها التى وصلت الآن إلى إعادة هيكلة الدولة ذاتها بما يلبى احتياجاتها فى حل أزمتها الإمبريالية وهى تضخم رؤوس الأموال وانكماش الأسواق العالمية.
ذروة المأزق الطبقى الآن هو فى كبح تطور القوى الإنتاجية بفعل هذه الرأسمالية التابعة. وأسباب هذا الكبح عديدة، منها:
على مستوى الطبقة العاملة
– تشوه وبداءة أساليب الإنتاج وتفتيت المؤسسات الصناعية الكبيرة وما صاحب ذلك من تدهور للصناعة وقوى الإنتاج على المستوى القومى.
– نشر وسيادة الإنتاج الصغير والورش الحرفية التى تعتمد على وسائل الإنتاج المتواضعة والقديمة والتى تساهم بدورها فى تدهور قوى الإنتاج، رغم مساهمتها فى استيعاب قوة العمل ولكن مع انكماش السوق ينخفض معدل زيادة هذه المشروعات الصغيرة وبالتالى يقل معدل التشغيل القومى أيضا.
– سيطرة البيرقراطية على سياسة التخطيط القومى وما تعانيه من فساد وارتباط بالمصالح الخارجية لا يجعلها ترغب فى تطوير الاقتصاد وإعادة صياغة تركيبه على أساس إنتاجى. فهى طبقة تسعى للربح السريع بالمضاربة وبيع الأراضى والتجارة بأنواعها والاستفادة من نفوذها للتربح. وهى تختلف عن البيرقراطية التى كانت تسعى لبناء أصولها فى بداية الجمهورية المصرية فى الخمسينيات ثم الستينيات من القرن الماضى.
– الخصخصة وما يصاحبها من تشريد وتدهور لقوى الإنتاج.
– تدهور شروط العمل بالمؤسسات الصناعية الخاصة، وما يصاحبه من تهديد متواصل بالفصل وافتقاد الرعاية الصحية والتأمين الاجتماعى بل وعقود العمل.
– فساد التنظيم النقابى وارتباطه بالدولة وبالقيادات المفروضة من الطبقة الرأسمالية.
– تدجين التنظيم النقابى المستقل الذى نشأ فى ظروف ثورية، وذلك بإفقاده الفعالية فى قيادة وتنظيم الحركة العمالية والرقى بحركتهم الاحتجاجية من المستوى الاقتصادى إلى المستوى السياسى.
– وضع دستور معادى للحقوق العمالية المكتسبة.
– تطبيق أقصى درجة الديكتاتورية ضد كل طبقات الشعب خصوصا الطبقة العاملة
– الخضوع للإميريالية والصهيونية وذيولهم وعلى رأسهم الكيان الصهيونى السعودى وأمثاله
– التخلف الشديد للبحث العلمى على جميع المستويات وضعف علاقته بالصناعة والإعتماد الكامل على التكنولوجيا المستوردة
على مستوى الفلاحين:
– تدهور الأراضى الزراعية وعدم تطوير طرق الرى وتدهور منظومة الرى والصرف الزراعى
– زيادة الديون على صغار الفلاحين وتهديدهم بالسجن
– تدهور التنمية الريفية والقرى المصرية مما عاد بالمجتمعات الريفية للأمية وانتشار الأمراض
– احتكار صناعة وتجارة الأسمدة وارتفاع أسعارها وإلغاء دور الدولة فى حماية المزارعين
– ارتفاع الفوائد على قروض الفلاحين والفساد المنتشر فى بنوك القرية والجمعيات الزراعية
– الدور الهش لوزارتى الزراعة والرى الذى واكب التدهور والفساد المسيطر عليهما
– ازدياد تغليب احتياجات التصدير والمصدرين على السياسة الزراعية والتركيب المحصولى
– تدهور تصنيع المستلزمات الزراعية والاعتماد على الخارج فى استيرادها (سواء آلات ومعدات أو بذور وشتلات)
– التورط فى مشروعات كارثية تضر بالزراعة المصرية وعلى رأسها مشروع سد النهضة الأثيوبى التى ترتب أثيوبيا والسودان والكيان الصهيونى والكيان الصهيونى السعودى وبالطبع أمريكا تحقيق أقصى الضرر منه على مصر
تتجلى الأزمة أيضا فى وجود قطبين كلاهما استعماري، مما يلقى على عاتق الإنسانية عبء فتح أفق للبديل الثانى الإنسانى.
أضف لذلك الأزمة الفكرية فى تطور الفكر الاشتراكى الذى طال مفكريه الجمود أو اليأس من الاشتراكية واستبدالها بالديمقراطية والعدالة المنقوصة التى تعنى فقط “عدالة التوزيع“، دون أى تغيير أو مساس بالعلاقات الإقتصادية-الاجتماعية القائمة على الطبقية. أصبح أقصى طموح اليسار الاشتراكى هو أخذ القليل من الملاك الرأسماليين لإعطائه للفقراء والمساكين من الشعب. هذا وهم يقولون باستحالة تحقق الاشتراكية وأنها نظرية عفى عليها الزمن. وانخرط اليسار فى الأحزاب الليبرالية أو فى جمعيات المجتمع المدنى المموله.
لذلك، ينبغى للحزب الثورى لكى يغير الواقع أن يضع نصب عينيه تطوير وضع القوى المنتجة فى صراعها مع الرأسمالية التابعة لتحريرها من علاقات الملكية والإنتاج المتخلفة القائمة على التبعية والفردية.
وبموازاة ذلك، يجب أخذ الظروف شديدة الحساسية الدولية فى الاعتبار. وعدم الوقوع فى شرك الخطط الاستعمارية التفكيكية.
إن حل المأزق الإقتصادى الاجتماعى الراهن لن يحدث إلا بإزاحة الطبقة الرأسمالية عن الحكم وسيطرتها على الدولة. وتأسيس البديل الشعبى بقيادة الطبقة العاملة والفلاحين تمهيدا لاستيلائهم على الدولة وأجهزة الحكم لتأسيس دولة ديمقراطية شعبية وهى ليست رأسمالية إصلاحية ولكن إشتراكية متجاوزة الرأسمالية ومتجهه نحو المجتمع الشيوعى اللاطبقى. وبحيث تكون الإشتراكية والديموقراطية الشعبية مراحل إنتقالية لتجاوز كل أشكال المجتمعات الطبقية الإستغلالية. أما كون الديموقراطية ذات طابع برجوازى أم أشتراكى فذلك يعود إلى توازن القوى الطبقى فى طريق القضاء على الراسمالية الإستغلالية . وهذا يتنافى مع من يقولون بهدم آلة الدولة الآن، الأمر الذى يخدم الخطط الإمبريالية التى تسعى إلى الهيمنة على الأسواق العالمية والمجتمعات عبر تفكيك الدول وإعادة هيكلتها بتشكيلاتها الطائفية الموالية لها. الهدم ليس فى صالح الثورة ولا الشعب وهو محاولات لن ينتج عنها سوى الحروب الداخية المسلحة وتحويل المجتمع إلى مليشيات متناحرة تستهدف التقسيم.
إن إزاحة الرأسمالية الكبيرة والبيرقراطية هى مهمة غاية فى الصعوبة، وتتطلب التنسيق مع القوى الديمقراطية (وليست الليبرالية ولا المنظمات الممولة) ومع قوى اليسار الاشتراكى (وليس يسار الدولة أو اليسار الدينى, ولكن القوى المعادية فعلا للإستعمار والصهيونية وعملائهم وذيولهم). هى مهمة لابد لها أن تصطدم بمصالح الرأسمالية العالمية، حيث أن هذه المهمة تهدف لفك روابط التبعية وإرساء دعائم دولة الاستقلال الوطنى والعدالة. فطبيعة المرحلة التى حددنا فى دراسة سابقة أنها مرحلة تداخل بين التحرر الوطنى والشيوعية تعنى الوطنية ضد الإستعمار والصهيونية متفاعلة بشكل صحى مع النضال من أجل الشيوعية. بمعنى أبسط الشيوعيون يجب أن يكونوا وطنيون حتى النخاع فى مرحلة التحرر الوطنى.
مرحلة التحرر الوطنى تتطلب كل الدعم للحركات الشعبية الاحتجاجية، ليس فقط لتصعيدها، بل لجعلها تبنى منظماتها المستقلة البعيدة عن التمويل وعن السيطرة الانتهازية لأحزاب اليمين. هذا فقط هو ما يجعل الجماهير تواصل الكفاح والثورة للانتصار.
انتصار الثورة لا يستلزم فقط تنظيمات نقابية وشعبية قوية، بل يستلزم بشكل ضرورى وجود حزب قوى يعمل على نشر الوعى بماهية العدالة وكيفية الوصول إليها. وقوة الحزب لا تكون بالرطانة السياسية، بل بقوة الرؤية السياسية والاستراتيجية والتحليل السياسى لمعطيات واتجاهات الواقع. تكون قوة الحزب بانتشار أفكاره فى الأوساط الشعبية واقناع الجماهير بكيفية تطوير الأشكال والمطالب الكفاحية. ونشر الجمعيات التطوعية ضد الجمعيات الممولة. ونشر قيم التكاتف والتضامن بين قوى النضال. إن الحزب القوى لا يكون بديلا عن الجماهير ولا يحتل السلطة بل يقود الكادحين لاستيلائهم بأنفسهم على الدولة وقيادتها وفرض الرقابة الشعبية عليها لتحقيق العدالة والديمقراطية.
لماذا الحزب الشيوعى لقيادة العمال والفلاحين:
لمدة تزيد عن مائة عام، كان دور الطبقة العاملة المصرية فى صدارة النضال الوطنى والطبقى والديمقراطى. كان دورها مع الفلاحين والمثقفين والطلاب كبيرا وحاسما فى ثورة 1919، إذ شكلوا معا قوة الفعل الثورى. لكن هذا الدور تم اغتياله من قبل طبقة كبار الملاك والرأسماليين المصريين والأجانب، ومن ورائهم الاحتلال البريطانى. ولم يخمد دور الطبقة العاملة ولم تتوقف تضحياتها، كما لم يتوقف نضالها من أجل إقامة تنظيمها النقابى المستقل. كانت تضحياتها ونضالاتها أحد العوامل الهامة الممهدة لأحداث 23 يوليو 1952. عقب أحداث يوليو مباشرة كانت الطبقة العاملة ومعها الفلاحين هى القاعدة الاجتماعية الصلبة للتطورات وكان دورها طليعيا فى كل المعارك الوطنية من أجل جلاء المحتل البريطانى ثم معارك التنمية والبناء رغم زيف الكثير منها.
يشهد التاريخ المصرى بدور الطبقة العاملة عقب تأميم قناة السويس، وأثناء العدوان الثلاثى عام 1956، ثم فى خطة التنمية الخمسية الأولى وفى بناء السد العالى، والإصلاح الزراعى و التأميمات عام 1961 ثم عام 1964، وفى ظروف كارثة 1967 وحرب الاستنزاف ووصولا إلى حرب أكتوبر1973 طوال هذه الأحداث أبدعت طبقة العمال المصرية وكانت معظم الأحداث كوارث من عبقرية البرجوازية المصرية
المرحلة الحالية هى مرحلة إستيقاظ العمال والفلاحين وحلفائهم وإنهيار الرأسمالية المحلية والأقليمية والعالمية والفرصة التاريخية لتحقيق أهداف التحرر الوطنى المتأخرة للغاية والإنتقال منها إلى مرحلة الإشتراكية الإنتقالية ومنها إلى روعة الإنسانية المجتمع الشيوعى اللاطبقى وذلك كله يتطلب حزبا شيوعيا قائما على أساس الفكر الماركسى المتطور والمتجدد ووحدة الشيوعين.
*) قام عدد من كوادر حزب العمال والفلاحين السابق بمساعدة د. النشائى فى إعداد هذه الدراسة وهم: م.كمال خليل, ا.د. أحمد الأهوانى, م.علا كامل, قائد نقابى/ خالد رمضان, م. ميرفت السعدنى, أستاذة إيمان بسيونى. د. النشائى يشكر هؤلاء الرفاق شكرا جزيلا ولكن كل الأفكار والتعبيرات الواردة فى الدراسة هى مسؤليته هو فقط
التعليقات مغلقة.