الوجه الآخر لعدنان مندريس.. الذي يتجاهله الإخوان المسلمون / السيد شبل

 

السيد شبل ( الإثنين 25/7/2016 م …

عدنان مندريس: حليف الصهيونية، والأطلسي الأول

من البداية.. سارعت تركيا (كما إيران الشاه) للاعتراف بالعدو الصهيوني، بما يعني الإقرار بشرعية احتلال الأرض العربية الفلسطينية واغتصابها من أهلها وتهجيرهم منها، كان هذا قبل شهور معدودة من وصول عدنان مندريس إلى رئاسة الوزراء.

– وصل “مندريس” للحكم على قاعدة الاعتراف بالعدو الصهيوني، لكنه ما أن تمكن حتى أكد وثبّت الاعتراف، وشرع في تبادل السفراء، بتاريخ 3 يوليو 1950.. وأسهم في تحويل الاعتراف من تصريحات إلى علاقات على الأرض.

– منذ هذا الحين، أصبح العدو الصهيوني هو المورد الرئيس للسلاح لتركيا. وحققت حكومة “البلدين” تعاون ملموس في المجالات العسكرية، والدبلوماسية، والاستراتيجية.

– لم تتخلف تركيا مندريس (أو غيره بالحقيقة، فلم يكن من انقلبوا عليه، بأقل عمالة منه) عن تموضعها في معسكر الرأسمالية الأوروبية، فما أن اندلعت الحرب الكورية (بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية) في أواخر يونيو عام 1950، والتي استمرت لثلاث أعوام، حتى أعلن مندريس دعمه الصريح للصف الذي تقف فيه أمريكا، واشترك بقواته داعمًأ لكوريا الجنوبية في حربها مع جاراتها الشمالية.

– إن كنت على علم بقاعدة إنجرليك الأمريكية على الأراضي التركية، ودورها في الحرب على سوريا، ومن قبلها العراق (( في حرب الخليج الثانية عام 1991، كانت القاعدة نقطة انطلاق طائرات التحالف الدولي لضرب القوات العراقية، ولاحقا كانت الطائرات تنطلق منها لفرض حظر الطيران على شمال العراق وجنوبه )) كان هذا بالتزامن، أيضًا، مع “خيانات الأخوة” فعبور القوات البرية للتحالف الذي تقوده أمريكا، للأراضي الكويتية، تم من حفر الباطن السعودية!! وشاركت مصر مبارك بـ 34 ألف مقاتل، وترتب عليها إسقاط نصف ديون مبارك، كمكافأة على تدمير قطر عربي آخر!!.

المهم.. إن كنت سمعت عن “أنجرليك”، فاعلم، أن هذه القاعدة الأمريكية، التي تعني شجرة التين بالتركي، قد بدأ تأسيسها في 1951، أي في زمن عدنان مندريس، وانتهى تشييدها  بعد 4 سنوات، وشكلت نقطة انطلاق للعديد من الحملات العسكرية الغربية (منها الحرب ضد أفغانستان 2001)، فضلا عن استخدامها أميركيا كمركز تخزين إقليمي.

– في العام 1952، هرول “مندريس” للالتحاق بحلف الناتو، وكان لتركيا ما أردات، وأصبحت “عين الناتو” في المنطقة، ورجلهم الذي يتولى عنهم المهمّات.

– كان مندريس من أهم أقطاب (حلف بغداد) بالتعاون مع شاه إيران والنظام الملكي بالعراق وباكستان.

وحلف بغداد، هو الحلف الذي تأسس بالعام 1955، ودعمته المخابرات الأمريكية، وأشرفت على تأسيسه، وجمّعت فيه عملاءها، وزودتهم بالسلاح، لتعزيز تواجدها في المنطقة، والتخديم على مصالحها، وتقييد الفضاء الإسلامي بسياسة الأحلاف؛ فضلاً عن تطويق الأقطار العربية التي في خط المواجهة مع العدو الصهيوني، لتصبح بمفردها في المواجهة. ووقف جمال عبدالناصر (بحضوره وشعبيته وإعلامه)، رافضًا ومهاجمًا للحلف، وهذا كان دافعًا لمزيد من التلاقي بين مندريس والعدو الصهيوني، لمواجهة خصمهم المشترك (جمال عبدالناصر).

– سقط حلف بغداد بعد انسحاب العراق منه إبان ثورة 14 يوليو 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم ورفاقه، والتي أزاحت النظام الملكي، وحررت العراق من الدوران في فلك السياسة الاستعمارية.. وما كان من “مندريس” إلا أن تخذ موقفًا مناهضًا للعراق وثورتها منذ اليوم الأول.

– في 1958، وقع ديفيد بن جوريون وعدنان مندريس اتفاقية تعاون، تتضمن التنسيق بين الطرفين ضمن الخطة الأوروأمريكية لمحاربة الاتحاد السوفيتي، واستمر هذا التحالف (بعد رحيل مندريس وإعدامه) حتى عام 1966.

– في الوقت الذي كانت تبحث فيه الأقطار العربية عن حليف قوي، لا تفقد معه استقلالها، ويدعمها في مواجهة العدو الصهيوني وماكينة الرأسمالية الغربية التي صنعته وتثبته في المنطقة العربية، كان “منرديس” يراهن على أن توفر له علاقاته بـ”إسرائيل”، دعمًا من اللوبي اليهودي في أمريكا، ليحظى بمزيد من الرضا الغربي، ويثبت موقعه في حلف الناتو.

– وصل التنسيق “الإسرائيلي” التركي مداه، في العام 1959، لدرجة ان المسؤولين الصهاينة سمّوا تركيا حينها «عين إسرائيل في العالم العربي»، استهدف التعاون بين الطرفين مهمات عدة، من أهمها، إضعاف سوريا، والتنسيق لعملية عسكرية مشتركة.. خاصة أن صدام عنيف كان حاصل حينها بين سوريا وتركيا، وكان السبب فيه إجراءات حكومية سورية بدأت عام 1957، فهمت منها أمريكا، أنها تعني استقلال سوريا، وتأكيد عروبتها، وتوجهها يسارًا  فكانت “تركيا” هي كلب حراستهم الذي نبح باتجاهها، طبعًا مدعومًا من الأنظمة الملكية بالعراق (قبل الثورة) وبالأردن ومن لبنان!.. وتوترت الأجواء عالمًيا بين السوفيت والأمريكان، بسبب الحشود العسكرية التي حركها مندريس في اتجاه الحدود السورية.

يذكر هنا أن مصر عبدالناصر، في 13 أكتوبر 1957، قد أنزلت – بدافع من العروبة والخصومة مع الطرف الصهيوأمريكي- قواتها في اللاذقية لدعم سوريا في مواجهة التهديدات التركية الطامعة في أراضيها.

هل توقف الأمر عند هذا؟

الحقيقة، كنا نتمنى، حتى لا نزعج “الإخونج” أكثر..

لكن الحقيقة أن الإجابة هي: لا.

فقد كان “مندريس” خصمًا لاستقلال الأقطار العربية عن الاستعمار الأوروبي، وكان منه كما أسلفنا مناهضته للثورة العراقية، وتكرر مع الثورة الجزائرية التي وصفتها بأنها تمرد وشأن داخلي فرنسي. وامتنعت تركيا عن التصويت على قرار الأمم المتحدة بقبول الجزائر دولة مستقلة!!.

وتشبثت تركيا بموقفها المناهض لاستقلال الجزائر، لدرجة أنها كررته فيما بعد بمناسبتين تاليتين بالأمم المتحدة (في 58 و 59)، مطابقة موقفها، بالضبط مع موقف العدو الصهيوني وأمريكا.. لاحقًا في 1986، وبحسب تصريحات دبلوماسيين ووزراء جزائريين سابقين، قدمت تركيا اعتذارا رسميا  للجزائر، عن وقوفها ضد لائحة أممية تطالب فرنسا الاعتراف باستقلالها.

– في فبراير 1958، وما أن أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا تحت قيادة جمال عبدالناصر، حتى جن جنون “مندريس”، وخاطب مستتبعيه الغربيين، وحشّد ضد تجربة الوحدة العربية الوليدة… وتآمر.. وحرض.. برفقة -طبعًا- السعودية، حتى وقع الانفصال في 61!.

– وفي يوليو عام 1958 (في زمن مندريس)، عندما كان كميل شمعون الرئيس اللبناني (الموالي للغرب، والمقرب من تشكيلة حلف بغداد، والرافض قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية التي هاجمت مصر في 56) يصرخ مستغيثًا بمشغليه الغربيين، جراء المد العربي التحرري والوحدوي، وتخوفًا من الغضب الشعبي الداخلي الصاعد ضده والمعارض لسياساته، جاءه العون من “أنجرليك”، ووصله الجيش الأميركي في لبنان عام 1958، واستمر هناك لـ 3 أشهر!!.. أي في زمن “مندريس”، كانت أراضيه، البوابة التي تقدم منها أمريكا العون لموظفيها!.

قائمة مندريس تطول.. لكننا سنختم، لأن طاقتنا انتهت، بالآتي:

نقلًا عن كتاب “العلاقات التركية الإسرائيلية”، والذي نقلت عنه مجلة أكسيون التركية، في عهد مندريس (صديق شاه إيران -حليف الغرب وصديق الصهانية- هو الآخر)، تدربت وحدات من الجيش التركي في “إسرائيل”، كذلك قام الطيارون الصهاينة بتدريبات جوية فوق الأراضي التركية.

كما أن “إسرائيل” استخدمت المجال الجوي التركي لنقل السلاح الى ايران، وإن قسما مهما من هذا السلاح نقل الى المتمردين الأكراد في شمال العراق بزعامة الملا مصطفى البرزاني (والد مسعود برزاني حاليًا، وصديق الصهانية القديم).

وكانت “إسرائيل”، عبر الاستخبارات الايرانية السافاك (قبل ثورة 1979) تمد المتمردين الأكراد بالثياب والسلاح.. في إطار حرب الأطراف الثلاثة (تركيا “مندريس” وإيران “الشاه” والعدو الصهيوني.. مع العراق).

وفي العام 1960 التقى رئيس الاركان “الإسرائيلي” تسفي تسور، متنكرا بثياب البشمركة مع مصطفى البرزاني عند قرية “بيران شار” على الحدود الايرانية العراقية بمرافقة عناصر من السافاك. وتكررت المساعدات العسكرية الإسرائيلية للأكراد عام 1963.

** الحسنة اليتيمة والمخادعة التي يتمسك بها المندرسيون فيما يخص موقف “مندريسهم”، من العدو الصهيوني، هو أنه على ما يبدو تردد فيما يخص العدوان الثلاثي على مصر في 56، ولم يقف في صف القوى المعتدية، كما هي العادة (تخيل!)، كما أنه تحرك في اتجاه تخفيض (وليس قطع) مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، المشارك في العدوان، إلى مستوى قائم بالأعمال !. وعندما يكرر “المندرسيون الإخونج”  هذه الواقعة، ويحلبونها حلبًا دفاعًا عن رجلهم، فإنهم لا يذكرون مثلًا، مساهماته السابقة واللاحقة في خدمة الطرف الصهيوأمريكي، ويتعامون عن أن مقارنة بسيطة بين موقف تركيا المتردد والخجول مع مواقف غيرها من دول العالم (غير الإسلامية وغير المجاورة) سيكشف ببساطة مدى خزي وخيانة وتهاون النظام التركي!!، بل إنهم يسقطون أيضًا أن أمريكا نفسها (تخوفًا من تصعيد السوفيت، وتحسبًا للرأي العام العالمي الرافض، ومكايدة مع أرباب الاستعمار القديم البريطاني الفرنسي، ورغبة في إزاحتهم عن مواقعهم، تمهيدًا لاحتلالها) وقفت في ختام المشهد ضد العدوان، أي أن تركيا كانت محاذية، هنا أيضًا لموقف أمريكا.. ناهيك عن أن العدوان على مصر في أكتوبر 56، قد أثار حفيظة شعوب العالم كله، فالخسمينات هي فترة التحرر الوطني في العالم الثالث، واضطر جميع الزعماء -برضا أو بدون- لطاطأة الرأس أمام الرأي العام الشعبي الرافض للاعتداء على سيادة البلاد، وموازنة الموقف، ومن هنا كان تخفيض مستوى العلاقة. على كل حتى هذا التصرف (تخفيض مستوى العلاقات) لم يأخذ بعده التقليدي، ولم تتم بروزته في تصريحات خشنة، ولم يدعمه ما يؤكده لاحقًا.. مما أكد للعرب حينها أن تركيا مندريس خصم، وفي صف القوى المعتدية، وليست حليف على أي مستوى، وحتى أكثر الساسة تسامحًا مع مندريس يصفون موقفه بالمتردد، على الأقل مقارنة بموقف تركيا في عدوان يونيو 67 (بعد رحيل مندريس بسبعة أعوام)، حين طالبت أنقرة “إسرائيل” باحترام قرارات مجلس الأمن الدولي والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وحتى هذا في الحقيقة لم يكن خاليًا لوجه المبدأ، لأنه جاء كرد فعل على موقف إسرائيل تجاه الأزمة القبرصية في عام 1964، والذي كان مناهضا لأنقرة!.

نهاية مندريس.. وعدم تبدل الأحوال:

في صباح 27 مايو عام 1960 تحرك الجيش التركي (مدعومًا بحراك في الشارع من قوى علمانية معارضة، ومظاهرات ومسيرات واسعة، رفضت أسلوب مندريس في الإدارة – وكان قبلها قد أخفق مندريس في إنقاذ الاقتصاد التركي، وارتفعت الأسعار، ووقعت البلاد في حالة تضخم نقدي، وتضرر الفقراء، وجاء هذا كنتيجة مباشرة لسياساته الليبرالية المتراخية في توجيه الاقتصاد وفي الأخذ على يد رجال المال، وهذا ما بان في خسارة جزبه بعض مقاعده في 57) وسيطر الجيش على الحكم برئاسة جمال جورسيل، وأحال الانقلابيون “235 جنرالا” و”خمسة آلاف ضابط” بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي (الذي كان مندريس قد أسسه بعد انفصاله عن حزب الشعب الجمهوري) واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء.

تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، وأعدم مندريس.

أما فيما يخص ما انطلقنا منه في الخصومة مع “مندريس”.. فلم يتبدل شيء، فيما يخص علاقة تركيا بالناتو والعدو الصهيوني.. وبقيت، تركيا، خصم لقوى التحرر الوطني في المنطقة، وحافظت على تموضعها أسفل عباءة حلف الشمال الأطلسي.

واستمرت الجبهات الداخلية التركية في صراعها الداخلي، الذي لا يمس بثوابتها: التبعية للغرب وفتح أراضيها لمزيد من القواعد؛ والتطفل والتطاول (المؤسس على قاعدة من الأنانية، والأطماع، والإحساس بالفوقية) على شؤون غيرها (والعرب) في المقدمة، ناهيك عن التنكيل بالقوميات غير (التركية) ومنهم الأكراد؛ وتمكين بنية الاستبداد داخليًا!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.