كولومبيا تكسر الحصار عن فنزويلا … أنجز حرّ ما وعد!! / عبير الفقيه
“كخطوة أولى، سوف نستأنف حركة النقل الجوي ونقل البضائع بين بلَدَينا”، هكذا غرّد الرئيس الكولومبي المنتخب حديثًا غوستافو بيترو على حسابه في تويتر في بداية الشهر الجاري، مُعلنًا قرار حكومته كسر الحصار، الذي فرضته الإدارة الأمريكية على فنزويلا، وانصاعت له حكومة سانتوس الكولومبية طائعة منذ سبع سنوات، وبالفعل انتقل بيترو يوم الاثنين الماضي إلى المعبر البري “سيمون بوليفار” الرابط بين البلدين، لمباركة القرار مع عدد من أعضاء الحكومتين الشقيقتين، وإعطاء إشارة الانطلاق لعبور شاحنات البضائع إلى فنزويلا وانطلاق أولى الرحلات الجوية بين البلدين.
في الحقيقة لم يمثل قرار الرئيس الكولومبي، مفاجأة للرأي العام الداخلي والخارجي، لكن المفاجأة تمثلت في السرعة في الإنجاز حيث عكست هذه الخطوة ثقة الرجل ببرنامجه ووفائه لوعوده الانتخابية في هذا الجانب، قبل إتمامه شهرين منذ توليه منصب الرئاسة وهو أول رئيس يساري لكولومبيا تمكن من طي صفحة اليمين الذي احتكر السلطة طوال قرنين كاملين من الزمن دون منازع، ولم يكتف الرئيس بيترو بالإعلان عن هذا القرار بداية الشهر الجاري، بل إنه عزّزه بخطاب عالي النبرة خلال مداخلته في الدورة الأخيرة للجمعية العامة في الأمم المتحدة، بشّر من خلاله الإدارة الأمريكية وقادة الدول الحاضرين بولادة جديدة للشقيقة فنزويلا، في انتظار فوز “الشقيق الأكبر” لولا دا سيلفا الأسبوع القادم برئاسة البرازيل واستعادة أمجاد العشرية قبل الماضية.
اللغة المشتركة
لقد لعبت كولومبيا في السنوات الأخيرة دورًا استراتيجيًا في تحقيق أهداف الولايات المتحدة من إحكام القبضة على فنزويلا، كيف لا والبلدان يتقاسمان 2200 كم من الحدود البرية، إضافة إلى أن كولومبيا تمثل الجارة الأقرب تاريخيًا وثقافيًا لفنزويلا، لو قارناها بجارتيها الأخريين، ففي الوقت الذي يتكلم فيه الفنزويليون والكولومبيون اللغة الإسبانية، تعتمد البرازيل اللغة البرتغالية، أما دويلة غوايانا الواقعة شرق فنزويلا فتعتمد الإنجليزية، وهذا عامل أساس في تقارب الشعوب، وبفضل الدور الذي لعبته كولومبيا، تفاقمت الأوضاع الاقتصادية الفنزويلية بشكل مُفزع واقتربت الولايات المتحدة من تحقيق هدفها المتمثل في إسقاط نظام مادورو عبر العمل على إفلاس شركة النفط الحكومية التي تمثل العمود الفقري لاقتصاد فنزويلا، والوصول بالفنزويليين الى أدني مستويات الجوع والخصاصة.
التوتر بين البلدين
التوتر بين البلدتاريخيًا، ومنذ 1999 لم تشهد العلاقات بين حكومات كولومبيا المتعاقبة وحكومتي تشافيز ثم مادورو أي نوع من التناغم، بل إن هذه المرحلة تميزت بالتوتر بين الجانبين، ففي الوقت الذي حرصت فيه حكومات كولومبيا على احتضان المعارضة الفنزويلية ودعم أنصارها في الداخل، كانت الحكومتان الفنزويليتان المتعاقبتان تردان الفعل من خلال فرض قيود صارمة على دخول الكولومبيين أراضيها تحت حجة غلق الأبواب أمام عصابات المخدرات الكولومبية واتخاذها نقطة عبور وغسيل أموال.
وقد وجد رئيس كولومبيا الأسبق مانويل سانتوس القرار الأمريكي القاضي بفرض الحصار على فنزويلا سنة 2015، الفرصة الأمثل لمعاقبة “الشقيقة”، وتمّ على إثر تبني القرار، تعليق الرحلات الجوية وإيقاف المعاملات التجارية جميعها بين البلدين، وفي سنة 2019، قرّرت حكومة الرئيس السابق إيفان دوكي بالاعتراف بخوان غوايدو رئيسًا مؤقتًا لفنزويلا، وأعلنت القطيعة الدبلوماسية مع حكومة نيكولاس مادورو، وتمّ على إثر ذلك سحب السفيرين من كلا البلدين، وقد بشّر دوكي الرأي العام في ذلك الوقت بنهاية مادورو القريبة، مطمئنًا لتهديدات القرار الأمريكي بتحقيق ذلك.
ما لا تشتهي السفن
لكن رياح الانتخابات الكولومبية هذه السنة جرت بما لم تشته إرادة واشنطن ولا بوغوتا، وها هو الرئيس الحالي بيترو يضع حدًا للتوتر بين الشقيقتين، ويفتح الباب لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد شهر واحد من اعتلائه المنصب، ثم ينتقل بنفسه بعد مرور ثلاثة أشهر على تعيينه، إلى المعبر الحدودي سيمون بوليفار، وسط أجواء احتفالية لمباركة استعادة العلاقات بشكل رسمي.
ما من شك أن طموح الرئيس الكولومبي بيترو للتخفيف من حصار فنزويلا، وتحقيقه في وقت وجيز، هو قرار شجاع، لكنه في الحقيقة، ما كانت واشنطن لتسمح به لولا المنعرج الذي اتخذته في سياستها تُجاه حكومة مادورو نحو التهدئة، مُكرهةً، وذلك بسبب المعادلات الجيوسياسية العالمية الجديدة، فالولايات المتحدة تخشى الآن، أكثر من أي وقت مضى، الاستمرار في معاداة فنزويلا وحصارها، بالشكل الجائر الذي كانت تستعرضه، لأن للنفط حسابات مغايرة لحسابات الغطرسة السياسية، إضافة إلى ذلك يبدو أن الإدارة الأمريكية استوعبت صعوبة الإطاحة بنظام نيكولاس مادورو في الظروف الراهنة، وربما استحالة تحقيقها في السنوات القادمة، لا سيما وأن حركات اليسار الاجتماعي قد تعافت واستعادت أماكنها في أغلب بلدان أمريكا الجنوبية، وبات خطر تضاعف تحالفاتها مع روسيا والصين، كابوسًا مزعجًا لواشنطن.
لقد اقتنص اليساري اليافع غوستافو بيترو ورفاقه الحكم من بين براثن اليمين الكولومبي المتماسك، بفضل النفس الطويل والمثابرة، ولن تكون مهمتهم بالسهولة التي يتخيلها بعض الحالمين، لكن خطوة فك الحصار عن فنزويلا تُحسب له، لأنه استغل فرصة انشغال الولايات المتحدة بمعارك أكبر، وأنجز أحد وعوده إيمانًا بأنّ للتاريخ غفوات وللأقوياء عثرات، يجب استغلالها دون تردد.
التعليقات مغلقة.