من محمد الدرة إلى ريان سليمان.. إسرائيل تقتل أطفال فلسطين / محمد الشبراوي حسن

محمد الشبراوي حسن – السبت 1/10/2022 م …



جرائم الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين لا تتوقف، واستهداف أطفال فلسطين هدف رئيسي وتكتيك لقوات الاحتلال.

ويأبى شهر سبتمبر/ أيلول عام 2022 أن ينقضي قبل أن تدون سجلاته جريمة جديدة للاحتلال الإسرائيلي في حق أطفال فلسطين.

فمن محمد الدرة إلى ريان سليمان، سطرت أرواح أطفال فلسطين في الصفحات الأخيرة من أوراق سبتمبر شهادة جديدة، تضاف إلى السجل الأسود لقوات الاحتلال الإسرائيلي.

في التاسع والعشرين من سبتمبر 2022، استُشهد الطفل ريان سليمان، ابن السبع سنوات، قبل يوم واحد من ذكرى استشهاد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، محمد الدرة (11 عاما)، الذي استهدفته قوات الاحتلال الإسرائيلي بالرصاص، في الثلاثين من سبتمبر عام 2000، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، بعد يومين من الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي استمرت نحو أربع سنوات، واستُشهد خلالها برصاص الاحتلال نحو 4400 فلسطيني، وجُرح أكثر من خمسين ألف شخص..

مات الولد!

من منا ممن عايشوا تلك الفترة لا يتذكر ذلك المشهد الذي خلدته الكاميرات، وتلك الكلمات التي صرخ بها والد محمد الدرة؟

لقد كاد قلب جمال الدرة يتوقف، وهو يرى ولده محمد يسبح في بركة من الدماء، بعد أن اخترقت رصاصات قوات الاحتلال الغاشم بطنه؛ ليرتقي شهيدا. صرخات من أب مكلوم على فلذة كبده، لم تثن جنود الاحتلال عن وحشيتهم، بل قاموا بإطلاق صاروخ على الأب وابنه الأعزلين من أي سلاح، غير أنه لم يصبهما نظرا لاصطدامه بالأرض. ما حدث لم يكن من وحي الخيال؛ لكنه واقع شاهده الملايين على شاشات التليفزيون، وخلدته العدسات، حيث بثت القناة التلفزيونية الفرنسية الثانية تحقيقا مصوّرا لمراسلها في فلسطين المحتلة الصحفي “شارل أندرلان” وشاهد العالم أجمع يومها محمّد الدرّة وهو يحتضر.

 قلب ريان يتوقف؟

بعد اثنتين وعشرين سنة من استشهاد محمد الدرة (11 عاما) يلحق به ريان سليمان (7 أعوام)، وخلال هذه السنوات كثير من أطفال فلسطين ارتقوا شهداء على أيدي قوات الاحتلال. لن ينسى التاريخ أولئك الأطفال؛ جميلة الهباش، وهدى غالية، إيمان حجو، والطفل حمزة نصار، وآلاء قدوم ابنة السنوات الخمس، وغيرهم من شهداء الأطفال في فلسطين.

مشهد متكرر، جنود مدججون بأحدث أنواع الأسلحة يقتحمون مدارس الأطفال، ويلاحقون صغارا في عمر الزهور، ويتعاملون معهم بوحشية مفرطة، مشهد لن تراه إلا في فلسطين، وتبثه شاشات الفضائيات، ويراه العالم أجمع، وكأنه لا يرى شيئا؛ فالأمر يتعلق بفلسطين؟!

جنود محتلون يحملون السلاح، يلاحقون الطفل ريان، فيطلق ساقيه للريح، فماذا عساه أن يفعل ابن السبع سنين إزاء الذين تجردوا من إنسانياتهم؟ لم يتحمل قلب ريان فتوقف؛ ليرتقي شهيدا، ويتوقف معه حلم العودة إلى أحضان أمه، وتضيف شهادته صفحة جديدة للسجل الأسود للاحتلال الإسرائيلي المتخم بشتى أنواع الانتهاكات.

جرائم الاحتلال في حق الأطفال سياسة ممنهجة

على مدار تاريخ الكيان الإسرائيلي المحتل شهدت فلسطين جرائم بشعة على أيدي العصابات الصهيونية، التي تشكل منها فيما بعد جيش الاحتلال، الذي استمر في ممارسة كافة أنواع الانتهاكات، وارتكب العديد من المجازر، التي راح ضحيتها آلاف الشهداء من الفلسطينيين، كان الأطفال جزءا أصيلا منهم.

يتبع جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة ممنهجة في استهداف أطفال فلسطين، تحظى بدعم الإدارة الإسرائيلية، ويعكس ذلك ارتفاع عدد الشهداء من الأطفال.

وتسجل الذاكرة الفلسطينية مقتل آلاف الأطفال على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولا تسع سطور هذا المقال إلا لإشارة موجزة.

فبحسب إحصائيات فلسطينية رسمية، استشهد منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000 نحو 2230 طفلا غالبيتهم في غزة خلال الحروب الأربع السابقة.

أطفال فلسطينيون أمام محاكم عسكرية إسرائيلية

وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وبمناسبة ذكرى يوم الطفل العالمي، ذكر نادي الأسير الفلسطيني في بيان له أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل 1149 طفلا فلسطينيا، منذ بداية عام 2021.

وأشار نادي الأسير إلى أنه منذ عام 2000، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 19 ألف قاصر فلسطيني، تقل أعمارهم عن 18 عاما.

كما أشارت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عام 2020 إلى أن دولة الاحتلال هي الوحيدة في العالم التي تحاكم بشكل منهجي ما بين 500 و700 طفل فلسطيني أمام المحاكم العسكرية كل عام، وتفتقر تلك المحاكمات إلى العدالة والحقوق الأساسية.

 من يحاسب الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه؟

إذا أردت أن تبحث عن كيان يمارس جرائم ضد الإنسانية، وينتهك شتى حقوق الإنسان، ويرتكب جرائم حرب، ويمارس العنصرية، ويخترق كافة القوانين والأعراف الدولية؛ فلن تجد ذلك مجتمعا إلا في الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم ما يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي وحكومته من انتهاكات مستمرة فاقت كل الحدود، في حق الفلسطينيين عموما، والأطفال خاصة، فإن المجتمع الدولي لا يحرك ساكنا للوقف أو الردع، بل تتمتع إسرائيل بمظلة حماية من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

وعلى جانب آخر لا تملك الأمم المتحدة بكافة هيئاتها أن تتخذ قرارا ضد إسرائيل.

ورغم ما تمارسه إسرائيل من انتهاكات في حق أطفال فلسطين جاء قرار الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” في عام 2021 برفض إدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي على اللائحة السوداء للدول والجماعات المنتهكة لحقوق الأطفال في مناطق النزاعات، رغم الانتهاكات الجسيمية الممارسة ضد الأطفال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

وهنا يستدعي سؤال نفسه وهو: من يحاسب إسرائيل على جرائمها التي لا تتوقف في حق الفلسطينيين؟ الإجابة: الحساب سيكون من الفلسطينيين أنفسهم، مهما طال الزمن.

 ختاما

إن انضمام الطفل ريان سليمان إلى شهداء الأطفال في فلسطين لن يكون الأخير، والاحتلال الإسرائيلي لن يتوقف عن استهداف كل ما هو فلسطيني.

إن ما يحدث في فلسطين المحتلة هو معركة وجودية بين أصحاب أرض ومحتل يمارس خلالها شتى أصناف الانتهاكات، في ظل منظومة دولية مختلة المعايير.

ومن محمد الدرة إلى ريان سليمان تتواصل مواكب الشهداء، وتبقى إرادة الفلسطينيين هي الفيصل، ومن يشاهد أطفال غزة وفلسطين ويسمع منهم، يدرك أنهم رجال، وأمثال هؤلاء مهما طال الزمان هم من سيتحقق على أيديهم وعد الله النافذ بالنصر، وهذا ما لا يدركه كثيرون وعلى رأسهم المطبعون.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.