الانتفاضة الفلسطينية المتواصلة ضدّ الاحتلال … مع اختلاف الظروف / حسن حردان




حسن حردان ( لبنان ) – السبت 1/10/2022 م …
حلت ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في 28 أيلول عام 2000، في ظلّ اشتعال المواجهات الشعبية والمسلحة مع قوات الاحتلال وميليشيات المستوطنين الصهاينة في جميع أنحاء الضفة الغربية وفي مقدّمها باحات المسجد الأقصى، وجنين ونابلس والخليل… وذلك وسط أسئلة كثيرة تطرح عما إذا كنا أمام اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، أم اننا أمام انتفاضة فلسطينية مستمرة لم تتوقف منذ احتلال فلسطين، مع اختلاف الظروف فلسطينيا وعربياً ودولياً..
لا شك بأنّ الظروف التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني في ظلّ الاحتلال تلعب الدور الأساس في استمرار الانتفاضة بأشكالها المتعددة الشعبية والمسلحة، التي تهدأ حيناً، وتشتعل حيناً آخر، خصوصاً كلما صعد الاحتلال من اعتداءاته…
فالظروف التي تشكل أساس استمرار الانتفاضة تكمن بالعناصر التالية:
العنصر الأول، استمرار الاحتلال بكلّ ثقله على الأرض والشعب، وما يرافق ذلك من انتشار مئات الحواجز لجيش الاحتلال التي تذيق المواطنين الفلسطينيين الإذلال والمهانة يومياً.. هذا الواقع الاحتلالي يجعل المواطن الفلسطيني يعيش في وطنه أشبه بسجن كبير فاقداً لحريته لا يستطيع ان يتنقل بحرية من مدينة أو منطقة إلى أخرى…
العنصر الثاني، الاعتداءات الإرهابية اليومية التي ينفذها جنود الاحتلال وميليشيا المستوطنين ضدّ المواطنين الفلسطينيين، وهي اعتداءات تشمل القتل بدم بارد، وسرقة الأاراضي، وتدمير المنازل، وانتهاك الحرمات والمقدسات، والاعتقالات لأيّ سبب كان، ولا يسلم من هذه الاعتداءات حتى الأطفال والنساء والشيوخ.. والتي كان آخرها الاعتداء على الطفل ريان الذي يبلغ من العمر 7 سنوات، وقد استشهد أثناء ملاحقة جنود العدو له لاعتقاله.. بما يذكّر بمشهد قتل الطفل محمد الدرة وهو يحتمي مع والده من رصاص جنود الاحتلال في بدايات الانتفاضة الثانية…
العنصر الثالث، المعاناة الاجتماعية القاسية التي يتسبّب بها الاحتلال، نتيجة الصعوبات التي تواجه الشباب في سعيهم لإيجاد فرص للعمل، وإذا وجدوا هذه الفرص فإنها تكون في مستوطنات تبنى على أرضهم التي سلبها منهم الاحتلال ومستوطنوه..
العنصر الرابع، انسداد ايّ أفق أمام الشعب الفلسطيني للخروج من هذا الواقع الاحتلالي الجاثم على أرضه، ولا أفق حتى لتسوية على أساس حلّ الدولتين، وسط ازدياد الشعور بأنّ اتفاق أوسلو لم يرد منه العدو إلا وسيلة لقمع المقاومة وتأبيد واقع الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية…
العنصر الرابع، ازدياد الإحساس العام لدى الشعب الفلسطيني بأنه بات أمام خيار من اثنين:
الخيار الأول، القبول بواقع الاحتلال وما يعنيه من تسليم وقبول بالعيش في ظلّ نظام فصل عنصري يقوم على التمييز والتفرقة والاضطهاد اليومي وسلب مستمرّ للأرض والحقوق الوطنية والإنسانية، وتسليم بخسارة الوطن، والعيش كعبد في وطنه…
الخيار الثاني، أو رفض هذا الواقع الاحتلالي، واللجوء إلى خيار المقاومة الشعبية والمسلحة، للدفاع عن الوطن والحقوق الوطنية وحقّ العيش بكرامة وهو حقّ لا يمكن أن يتحقق الا إذا أجبر الاحتلال على الرحيل عن أرض فلسطين بقوة المقاومة التي برهنت أنها هي السبيل لتحقيق ذلك، كما أثبتت المقاومة في لبنان، والمقاومة فيىقطاع غزة…
هذه الظروف الفلسطينية هي المسبّب الأساسي في استمرار الانتفاضة بأشكال مختلفة، لكن اشتعال وتأجّج الانتفاضة في الانتفاضة الثانية، التي أفضت إلى تحرير قطاع غزة من الاحتلال الصهيوني المباشر، كان يترافق مع ظروف فلسطينية وعربية ودولية تصبّ في مصلحة نضال الشعب الفلسطيني وانتفاضته..على عكس الظروف الحالية:
1 ـ فلسطينياً، كانت الانتفاضة الثانية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وبالتالي كانت جهود الاحتلال موزعة بين المنطقتين، وادّى ذلك إلى استنزاف جيش العدو ومستوطنيه، في حين كانت السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات مؤيدة للانتفاضة من خلال مشاركة حركة فتح بقوة فيها، على خلفية نكوث الاحتلال بتعهداته في اتفاق أوسلو، مما وفر للانتفاضة الثانية أوسع مشاركة فلسطينية فيها، إلى جانب توحد كلّ القوى في إطارها.. بينما الظروف الفلسطينية اليوم مختلفة بعض الشيء، فقطاع غزة بعد تحرّره من الاحتلال المباشر لم يعد بالإمكان ان يكون جزءاً من ايّ انتفاضة فلسطينية جديدة.. أما السلطة الفلسطينية فإنها بعد استشهاد ياسر عرفات بالسم “الإسرائيلي”، باتت أكثر تماهياً مع الاحتلال، خاصة لناحية دور الأجهزة الأمنية التي جرى تدريبها وربطها بأجهزة أمن الاحتلال في سياق خط دايتون لإنتاج ما أسماه “الفلسطيني الجيد”.. ايّ الذي يستكين للاحتلال ويتعاون معه…
2 ـ عربياً، لقد كان الحضور العربي الشعبي وحتى الرسمي داعماً ومسانداً بقوة للانتفاضة الثانية، انْ كان من خلال التظاهرات الشعبية وحملات الدعم المادي، أو من خلال المواقف والبيانات ودور وسائل الإعلام التي كانت تعطي الأولوية لتغطية أحداث الانتفاضة.. أما اليوم فإنّ هذا الحضور العربي شبه غائب على الصعيد الشعبي بسبب ما تتعرّض له بعض الدول العربية من حروب إرهابية افتعلتها قوى الغرب الاستعماري وكيان العدو لتحقيق وتفتيت الأمة والسيطرة عليها، أو بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، في حين انّ الحكومات العربية إما منشغلة في صراعات في ما بينها، أو تغيّرت أولوياتها بعيداً عن دعم القضية الفلسطينية حتى ولو بالموقف، بل انّ بعضها خضع لضغوط أميركية مباشرة لأجل الانفتاح على كيان العدو وإقامة العلاقات معه…
3 ـ أما دوليا فقد كانت أيام الانتفاضة الثانية أفضل لناحية حضور وتضامن دول وشعوب العالم مع نضال الشعب الفلسطيني مما عليه اليوم.. والسبب، أنّ العالم لم يكن يعيش سابقاً هذا الاحتدام في الصراعات والحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تعصف بمعظم دول العالم هذه الأيام.. فهذه الأزمات والحروب لا سيما بعد اندلاع الحرب بين الغرب الأطلسي وروسيا في أوكرانيا وما أدّت وتؤدّي اليه من تداعيات، غيّرت أولويات معظم دول العالم بعيداً عن الاهتمام بما يجري في فلسطين المحتلة من جرائم يومية ضدّ الشعب الفلسطيني وانتهاكات صهيونية لحقوق الإنسان..
انطلاقاً مما تقدّم، وعلى الرغم من هذه الظروف المتغيّرة التي لا تصبّ في مصلحة انتفاضة الشعب الفلسطيني، إلا انّ هذه الانتفاضة تتواصل وتزداد تأجّجاً وقوة، ويشهد على ذلك، باعتراف أجهزة أمن الاحتلال، حجم تزايد العمليات الفدائية المسلحة ضدّ جنود العدو ومستوطنيه، وكذلك حجم المشاركة الشعبية في المواجهات مع قوات الاحتلال.. إلى جانب المزيد من انخراط عناصر من الشرطة الفلسطينية في الهجمات الفدائية.. وهو ما تصفه أجهزة أمن العدو بانزلاق متزايد لرجال الشرطة في العمليات المسلحة.. الأمر الذي بات يقلق قادة العدو من احتمال انفجار أمني شامل في الضفة الغربية، يؤدي إلى اشتعال انتفاضة ثالثة..

على انّ الواقع اليوم يقول لنا إننا أمام استمرار للانتفاضة الأولى والثانية، لكن بأشكال جديدة نابعة من الظروف الفلسطينية، وانّ هذه الانتفاضة التي يسهم الاحتلال في تصاعدها، من خلال تكثيف اعتداءاته في محاولة يائسة لإخمادها، تأخذ طابعاً أكثر تجذراً من ناحية الوعي السياسي لأنّ استمرارها واشتدادها ينطلق هذه المرة من سيادة قناعة راسخة بأن لا سبيل في مواجهة الاحتلال ووضع حدّ له إلا عبر سلوك أسلوب المقاومة الشعبية والمسلحة خياراً استراتيجياً، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال، كما أكدت التجربة…

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.