الأردن والانفجار القادم / أ. د. أنيس الخصاونة
أ. د. أنيس_الخصاونة ( الأردن ) – الأحد 16/10 م …
يكاد يكون الحديث عن #الوحدة_الوطنية والتأكيد على المحافظة عليها قاسما مشتركا بين كثير من الدول والمجتمعات التي تعاني من ضعف الوحدة الوطنية نتيجة لتباين خصائص #المكونات_الجغرافية، والسكانية ،والعرقية ،والدينية ،والثقافية لهذه #المجتمعات أو ما اصطلح على تسميته (Heterogeneous Societies).ويكتسب مفهوم الوحدة الوطنية أهمية خاصة نتيجة لارتباطه بقضايا الأمن والإستقرار والتماسك الإجتماعي.لكن المحافظة على الوحدة الوطنية والأمن والإستقرار المجتمعي لا يرتبط فقط بمدى الإنسجام والتشابه في الخصائص السكانية والمجتمعية فهناك كثير من بلدان العالم التي يعد فيها الاختلاف والتباين السكاني والديمغرافي ميزة إيجابية وفرصة للتقدم، وقاعدة تستند اليها الوحدة الوطنية والأمن والإستقرار المجتمعي.فالولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول تتكون من عرقيات وخلفيات ثقافية ودينية متباينة ولكن لا تجد في تلك الدول مشاكل حقيقية ومقلقة تتعلق بالوحدة الوطنية والسبب طبعا يعود لاستيعاب الديمقراطية والحريات لهذه التباينات السكانية وهذا التنوع الديموغرافي (Demographic Diversity) وتحويلها إلى فرص تثري المجتمع .وعليه فإن بحث العلاقة بين التباين في الخصائص السكانية والديموغرافية من جهة ومستوى قوة الوحدة الوطنية لا يستوي دون مراعاة ودراسة مستوى الديمقراطية في الدولة.
السؤال المطروح هنا ماذا عن الوضع في #الأردن؟، ولماذا هذا التركيز والتكرار في الحديث عن أهمية المحافظة على الوحدة الوطنية والأمن والإستقرار ؟ وهل الحديث عن الوحدة الوطنية ناجم عن الشعور بغيابها أو بعدم توفرها ؟وهل يهدد ضعف الوحدة الوطنية استقرار الأردن وأمنه؟. في هذا السياق نعتقد أن هناك هشاشة في الوحدة الوطنية وهو ناجم عن عاملين اثنين هما :
أولا : الهوة الكبيرة في الانتماء السياسي بين المكونات السكانية للمجتمع الأردني وخصوصا تلك الثنائية في الإنتماء السياسي للمكونين الشرق أردني والفلسطيني.فالاردنيون من أصل #فلسطيني يشكلون نصف عدد سكان الأردن ولديهم شعور بالتهميش (Marginalized) وعدم التأثير ،ولديهم شعور بالمظلومية وعدم عدالة في التمثيل وتوزيع الخدمات والفرص في العمل بالقطاع العام والوظائف الحساسة في قطاعات الجيش والأجهزة الأمنية ،ناهيك عن ظروف معيشية صعبة في #المخيمات المتعددة.
” />
إن الظروف الصعبة التي مر بها الأردن منذ الإستقلال عام 1946ومن ثم قيام الوحدة بين الضفتين عام 1950 (أو الضم كما يسميه بعض السياسيين) وحرب حزيران1967 وتداعياتها، وأحداث إيلول عام 1970 بين الجيش الاردني والمنظمات الفدائية الفلسطينية ،وقرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، قد أفرزت هوية وطنية مستقلة للفلسطينيين من أصل أردني مما جعل لهؤلاء المواطنين انتماء مزدوج (Dual Political Identity) .ففي حين أن نصف سكان الأردن يحملون الجنسية الأردنية فإن مشاعرهم وانتمائهم السياسي هي لهويتهم الفلسطينية ،وإذا ما أضيف إلى ذلك الشعور بالمظلومية المشار إليه سابقا فإنه لا غرابة أن تجد عزوفا واسعا عن المشاركة في #الحياة_السياسية (Political Apathy) واختيار اسلوب الحياة المنعزلة على طريقة العيش في بلاد المهجر.
هذه الإزدواجية في #الهوية_الوطنية والشعور بالمظلومية والتهميش، إذا ما تم تحليلها ودراستها في إطار غياب الأفاق لحل عادل للقضية الفلسطينة ،وفي إطار الإنسداد في فرص حق العودة ،فإن الحديث عن وحدة وطنية حقيقية يندمج فيها مكون سكاني يشكل ما نسبته 50% من المجتمع مع نصف آخر له هوية سياسية وتطلعات وهموم داخلية ومعيشية مختلفة سيصبح ضربا من التنظير والتأجيل في مواجهة الإنفجار القادم .الأردن برأينا سيكون أمام احتمالات معتبرة لانقسامات سكانية وتداعيات سياسية تتصارع في هويات فرعية وانقسامات مجتمعية مستقبلية تهدد تماسك المجتمع واستقراره.هذه الصراعات والتداعيات ستفرض نفسها بفعل عوامل داخلية ودولية على تركيبة النظام السياسي ومؤسساته ودستور البلد وتشريعاته.
التعليقات مغلقة.