مجموعة آراء حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان
مدارات عربية – الإثنين 17/10/2022 م …
1 ) حدود المناورة الإسرائيلية في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان
حسن نافعة ( مصر ) …
أشكّ كثيراً في أن تكون “إسرائيل” جادة حقاً في التوصل إلى اتفاق يسمح باستكشاف الغاز واستخراجه مما يعتبره لبنان منطقة اقتصادية خالصة له. من الواضح تماماً أنها كانت، وحتى دخول حزب الله على خط الأزمة، في وضع مريح للغاية؛ فقبل حدوث هذا التطور، كانت في وضع يسمح لها بالتعاقد مع الشركات العالمية الراغبة في استكشاف الغاز واستخراجه مما تراه منطقة اقتصادية خالصة لها، وأيضاً حرمان لبنان من القيام بالمثل.
ولأنها ظلَّت منذ قيامها تتعامل مع لبنان باعتباره الحلقة الأضعف في دول الطوق العربي، فقد كان بمقدورها منعه من استغلال ثرواته البحرية، بل سرقتها واستباحتها أيضاً من دون وجه حق. من هنا جاء إقدامها على رسم خط بحري من جانب واحد، يتيح لها سرقة أكبر كمية ممكنة من غاز لبنان.
وإذا أضفنا إلى ما تقدم أن “إسرائيل” ظلت مطمئنة تماماً إلى أن موقفها من هذه المسألة يحظى بتأييد مطلق من جانب الولايات المتحدة، لتبيَّن لنا أنها بدت واثقة تماماً بأن المفاوضات التي يقوم بها أي وسيط أميركي ستحسم لمصلحتها في نهاية المطاف.
دخول حزب الله على الخطّ بالتهديد بضرب السفينة التي كانت قد توجّهت فعلاً إلى حقل كاريش، في حال قررت “إسرائيل” بدء الاستخراج الفعلي قبل التوصل إلى اتفاق مقبول من الحكومة اللبنانية، غيّر مفردات هذه المعادلة تماماً، وخصوصاً عقب إعلانها رسمياً أنَّ الاستخراج الفعلي للغاز من حقل كاريش سيبدأ أول أيلول/سبتمبر، فهي تدرك أن السيد حسن نصر الله لم يعتد لغو الكلام، وأن حزب الله يملك من الوسائل والتصميم والإرادة ما يجعله قادراً على إلحاق أكبر ضرر بها في حال نشوب حرب جديدة.
ولأنَّ الولايات المتحدة و”إسرائيل” لا تريدان هذه الحرب، وخصوصاً في هذا التوقيت بالذات، المختار بعناية فائقة من جانب السيد نصر الله، فقد وجدتا نفسيهما مضطرتين إلى البحث عن بدائل أخرى؛ فالولايات المتحدة تبدو منشغلة كلياً بالبحث عن سبل فعالة لإحكام حصارها الاقتصادي على روسيا وإلحاق الهزيمة بها في الحرب الدائرة في الساحة الأوكرانية، ما يدفعها إلى العمل على تفادي اندلاع حرب جديدة في منطقة شديدة الحساسية والتأثير في سوق الطاقة العالمية.
أما “إسرائيل”، فهي تبدو غارقة في أوضاع داخلية شديدة التعقيد ومثيرة للانقسامات المجتمعية العميقة، في وقت توشك أن تخوض انتخابات برلمانية هي الخامسة خلال أقل من 3 سنوات، ومن ثم لا تريد بدورها خوض حرب قابلة للتحول بسهولة إلى حرب إقليمية شاملة.
لتجنّب شبح هذه الحرب التي لا يستطيع أحد التكهن بعواقبها أو بنطاقيها الزمني والجغرافي، لم يكن أمام الولايات المتحدة الأميركية سوى المسارعة بإرسال الوسيط آموس هوكستين إلى المنطقة، مزوداً هذه المرة بتعليمات لبذل قصارى جهده للتوصل إلى تسوية مقبولة للطرفين.
ولم يكن أمام الحكومة الإسرائيلية بديل آخر سوى تأجيل عملية استخراج الغاز من حقل كاريش، كي تتيح للوسيط الأميركي ما يحتاجه من وقت للمناورة والإنجاز، وكلاهما عملا لمصلحة لبنان الدولة والحزب المقاوم؛ فلكي ينجح المبعوث الأميركي، تحت ضغط تلك الأحداث المتسارعة، كان عليه أن يتخلى هذه المرة عن إظهار التأييد المطلق لـ”إسرائيل”، وأن يكف في الوقت نفسه عن استخدام تكتيك المماطلة الذي اعتاده، وهو ما حدث فعلاً، بدليل تمكنه هذه المرة من التوصل بسرعة إلى صيغة مكتوبة قبلتها، من حيث المبدأ، كل من الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية.
ولكن سرعان ما تبين أنَّ القبول المبدئي بهذه الصيغة الأولية تم لأسباب مختلفة من جانب الطرفين المتصارعين؛ فالحكومة اللبنانية قبلتها لأنها رأت فيها بوضوح فتحاً لطريق تسوية قابلة لتحقيق الحد الأدنى من مطالبها، أي قبول “إسرائيل” بالخط 23، باعتباره خط الترسيم “الراهن”، أي القابل للتغيير مستقبلاً، وليس خط الترسيم النهائي، وتمكين لبنان من السيطرة الكاملة على حقل “قانا” الذي تعتبره “إسرائيل” حقلاً مشتركاً، غير أن قبولها بهذه الصيغة لم يكن نهائياً، إنما جاء مصحوباً بطلب “توضيحات” تزيل من النص بعض ما انطوى عليه من غموض قد يفتح ثغرات يمكن لـ”إسرائيل” استغلالها مستقبلاً.
أما “إسرائيل”، فقد قبلتها لهذا السبب تحديداً، أي لاحتوائها مصطلحات ملتبسة المعاني، وفيها ما يكفي من الغموض لتمكينها من الادعاء بأنها تستجيب لكل المطالب الإسرائيلية، ألا وهي: السيطرة على حقل كاريش كله تماماً، والحصول على جزء من عائدات حقل قانا، والادعاء أن خط العوامات أصبح الخط المقبول لبنانياً لترسيم الحدود البحرية النهائية بين الطرفين.
ورغم غموض نص المسوّدة الأولى الذي لم يكن قد نشر رسمياً بعد، سرعان ما تعرضت الحكومة الإسرائيلية بسبب موافقتها المبدئية عليه لهجوم كاسح من جانب بعض أطراف المعارضة الداخلية، وخصوصاً نتنياهو الذي اتهمها بالخضوع لتهديدات حزب الله والخنوع لإرادته.
هكذا، وجدت حكومة لابيد نفسها محشورة بين مطرقة أميركية تضغط عليها للإسراع في الموافقة على النص المطروح تجنباً لاندلاع الحرب، وسندان معارضة داخلية تحاول استغلال الموقف للحصول على مكاسب سياسية تمكنها من تحقيق أفضل نتائج في الانتخابات البرلمانية القادمة، ما دفعها إلى رفض ما اعتُبر “ملاحظات” أو “تعديلات” طلبت الحكومة اللبنانية إدخالها إلى نص المسودة الأولى، وقامت في الوقت نفسه بالتصريح للشركة المكلفة استخراج الغاز من حقل كاريش بإجراء عملية تجريبية لاختبار سلامة منظومة الضخ، تمهيداً لعملية الاستخراج الفعلي للغاز.
بات واضحاً أن موضوع ترسيم الحدود البحرية مع لبنان تحول إلى عملية شد حبال في لعبة الانتخابات الإسرائيلية الصعبة؛ فحكومة تصريف الأعمال في “إسرائيل” تحاول إثبات أنها لم تفرط في الحقوق والمتطلبات الأمنية، وتمسكت بها كاملةً، وما زالت تعتبر حقل كاريش خارج نطاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وأنها قادرة على استخراج الغاز منه في أي وقت، ولو أدى ذلك إلى اندلاع حرب مع حزب الله.
أما موقف الحكومة اللبنانية، ويا للمفارقة، فقد بدا أكثر تماسكاً وموحداً تماماً في هذا الموضوع بالذات، رغم حدة الانقسامات المجتمعية حول معظم القضايا، واتضح أنها تقف على أرضية أكثر صلابة من تلك التي تقف عليها الحكومة الإسرائيلية، ربما تحت تأثير الحراك السياسي الذي أحدثه دخول حزب الله على الخط وحرصه على صيانة ثروة لبنان الوطنية.
هكذا، عادت الكرة من جديد إلى ملعب هوكستين الذي لم يكن أمامه سوى بديل واحد، هو الإعلان أن جهود الوساطة الأميركية لم تفشل، وأن المفاوضات لم تنتهِ بعد، وستتواصل إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. حينها، بدا واضحاً بما لا يدع مجالاً لأيِّ شك أن الولايات المتحدة مصرة على التوصل إلى اتفاق، وأنها تريد تجنب اندلاع الحرب بأي وسيلة، كما تبين بوضوح أن جميع الأطراف تبذل كل ما في وسعها لتجنب حرب لا يريدها أحد.
ولأنَّ هامش المناورة المتاح أمام الحكومة الإسرائيلية كان قد تقلَّص كثيراً بعد إعلانها الموافقة المبدئية على مسودة الاتفاق الأولي، لم يجد هوكستين صعوبة كبيرة في محاولاته الرامية إلى سد الفجوة القائمة بين الموقفين الإسرائيلي واللبناني، والتوصل إلى صياغة جديدة تسمح للطرفين بالإعلان عن حصولهما معاً على كل مطالبهما. وقد جسّد ذلك قيام بايدن شخصياً بالاتصال بكل من رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الوزراء الإسرائيلي لتهنئتهما بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأزمة انتهت.
في تقديري، الأزمة ستظل معلقة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وما جرى قد لا يكون سوى حيلة لكسب الوقت وتأجيل الأزمة إلى ما بعد هذه الانتخابات.
أظنّ أنّ الحكومة اللبنانية تعرف ما تريد وما ينبغي لها أن تفعل؛ فبعد التشاور بين الرؤساء الثلاثة وإقرار النص النهائي من جانبهم، يتوقع أن يقوم الرئيس ميشال عون بالتوقيع على المذكرة المقدمة من هوكستين، متضمنة نص الاتفاق النهائي، وإرسالها بعد ذلك إلى السكرتير العام للأمم المتحدة.
ولأن الحكومة اللبنانية لا ترى في النص المبرم اتفاقية دولية تحتاج إلى التصديق من جانب الدول الموقعة عليها كي تدخل حيز التنفيذ، فسوف تعتبر أنَّ الأزمة انتهت بالنسبة إليها، ومن ثم سيكون بمقدورها أن تشرع على الفور في إجراء الاتصالات اللازمة مع شركة “توتال” الفرنسية، ومع أي شركة عالمية أخرى، لإبرام ما تراه ضرورياً من اتفاقات تسمح لها باستكشاف الغاز واستخراجه من أيّ “بلوك” يدخل في نطاق منطقتها الاقتصادية الخالصة، بما في ذلك البلوك الذي يقع فيه حقل قانا، ما يعد من ناحيتها إنجازاً كبيراً.
أما الحكومة الإسرائيلية، فسيكون بمقدورها، بمجرد الموافقة على النص النهائي، بدء استخراج الغاز وضخه من حقل كاريش، وهو ما ستحاول تصويره للرأي العام إنجازاً كبيراً يثبت عدم رضوخها لتهديدات حزب الله، غير أن مصير الاتفاق ومستقبله سيظلان مجهولين. وعلى الأحرى أنّ الاتفاق لن يُعرض على الكنيست الإسرائيلي إلا بعد الانتخابات البرلمانية القادمة. لذا، على حزب الله أن يظل يقظاً، وأن يتحسّب لكل الاحتمالات.
مبارك للبنان هذا الإنجاز، ومبارك لحزب الله الذي ما كان تحقيق الإنجاز ممكناً أبداً لولاه.
*************************************************************************
2 ) الترسيم ما له.. ولا عليه
إلياس فرحات ( عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني) …
لأن إتفاق ترسيم الحدود البحرية غير مسبوق في تاريخ الصراع على الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية، فإنه سيخضع لقراءات لبنانية متعددة، لذا، لا بأس من إستعادة كرونولوجية لمسار الملف منذ عقدين من الزمن وصولاً إلى يومنا هذا، مع قراءة سريعة لمضمون الإتفاق. في العام 2002، تعاقدت الحكومة اللبنانية مع شركة “سبكتروم” الانكليزية التي قامت باجراء مسح ثنائي الأبعاد غطى كامل الساحل اللبناني. في العامين 2006 – 2007، تواصلت أعمال البحث الجيولوجي عن النفط، حيث أجرت شركة P.G.S مسوحات ثلاثية الأبعاد احدها ضمن المياه اللبنانية وآخر ضمن المياه اللبنانية – القبرصية وبيّنت وجود كميات تجارية من النفط. في 17 كانون الثاني/يناير 2007، تم توقيع اتفاق ثنائي بين لبنان وقبرص لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين. وقد نص الاتفاق في مادته الأولى على أنّه “يتمّ تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين بالاستناد إلى خط المنتصف الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الطرفين” كما هو معرّف ومحدّد وفق النقاط المحددة من النقطة (1) جنوباً (حدود لبنان وفلسطين) إلى النقطة (6) شمالاً (حدود لبنان مع سوريا). وقد إستندت الإتفاقية في تحديد النقاط إلى رأي الجهات المختصة في قيادة الجيش اللبناني، وتضمنت الاتفاقية بنداً ينص على أن أي ترسيم يجريه طرف من الطرفين (أي لبنان وقبرص) يجب أن يسبقه تشاور مع الطرف الآخر. وقد وقع الإتفاقية وزير الأشغال حينذاك محمد الصفدي (حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي كان قسم كبير من القوى السياسية يُشكّك بشرعيتها وأسماها فريق 8 آذار وقتذاك بالحكومة البتراء). استفادت اسرائيل من هذه الإتفاقية لتعلن في 12 تموز/ يوليو 2011 أن النقطة (1) أي الحدود اللبنانية الجنوبية الغربية مع قبرص هي حدودها الشمالية مع لبنان. في التاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2010، أودع لبنان الأمم المتحدة الاحداثيات الجغرافية للجزء الجنوبي لمنطقته الاقتصادية الخالصة التي تمتدّ من النقطة (B1 ) وموقعها رأس الناقورة إلى النقطة 23. في عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2012، جرت إعادة النظر بالترسيم مع قبرص وبناء لرأي الجهات المختصة في الجيش اللبناني مرة اخرى، تقرر نقل نقطة الحدود الجنوبية مع قبرص إلى النقطة 23 جنوباً ليضاف بذلك مسطح مائي مساحته نحو 860 كلم2. وافقت الحكومة اللبنانية على الترسيم الجديد وصدر المرسوم 6433 الذي يلحظ الحدود الجديدة وتمت إحالته إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة. على اثر وجود نقطتين 1 و23 كعلامة حدود بحرية، برز النزاع المائي بين لبنان والعدو الاسرائيلي. تحركت الولايات المتحدة لتسوية هذا النزاع، فعيّنت السفير السابق فريدريك هوف مبعوثاً إلى لبنان وإسرائيل لتسوية النزاع (هوف لديه خبرة في النزاعات الحدودية وكان يرافق السناتور جورج ميتشل في جولاته في الشرق الأوسط كمستشار للحدود بين الدول). توصل هوف الى قسمة الخلاف بين لبنان وإسرائيل، فأعطى لبنان حوالي 500 كلم2 واسرائيل حوالي 360 كلم2 ورسم خطاً سمي بـ”خط هوف”. في تلك الأثناء، وبناء لتفاهم مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تقرر أن يتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري المفاوضات مع الموفد الأميركي وبالطبع بالتنسيق مع حزب الله.. أبلغ بري هوف عام 2012 رفض لبنان لخطه وان الموقف اللبناني هو التمسك بالنقطة ٢٣. فعلياً، عاد هوف إلى بلاده خالي الوفاض. عام 2015، أوفدت الإدارة الأميركية أموس هوكشتاين واجتمع بالرئيس بري. اقترح هوكشتاين الاتفاق على تكليف شركة عالمية بالتنقيب عن النفط والغاز واستخراجها وبيعها وتقسيم الأرباح بين لبنان وإسرائيل. رفض بري الإقتراح وإعتبره تطبيعاً مع العدو الإسرائيلي. في العامين 2018 و2019 جال مبعوث جديد هو السفير ديفيد ساترفيلد على لبنان وإسرائيل وأعاد طلب إعتماد “خط هوف”. قابله الرئيس بري بالرفض القاطع والإصرار على كامل حقوق لبنان. اقترح ساترفيلد إجراء مفاوضات مباشرة لكن بري أصر على مفاوضات غير مباشرة وبرعاية دولية في الناقورة. طلب ساترفيلد أن تحدد مهلة المفاوضات بستة أشهر لكن بري رفض واقترح أن تكون مفتوحة إلى حين التوصل إلى إتفاق. بعد تعيينه سفيراً في تركيا، سلّم ساترفيلد مهمة الوساطة الى ديفيد شينكر معاون وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. في تشرين الأول/أكتوبر 2020، توصل بري وشينكر الى “إتفاق اطار” بين لبنان والولايات المتحدة واسرائيل والامم المتحدة. الاتفاق ينص على مفاوضات غير مباشرة برعاية الامم المتحدة وفي مقرها في الناقورة وبحضور الوسيط الاميركي. لم يحدد “اتفاق الاطار” النقطة 23 ولا غيرها واستبعد اي بحث بترتيبات امنية. كما نص ان تجري المباحثات وفق صيغة تفاهم نيسان/أبريل 1996 (في الشكل وطريقة الجلوس والتخاطب وحق لبنان في التصدي لأي عدوان إسرائيلي). أثناء تشكيل الوفد حصل خلاف بين رئيس الجمهورية العماد عون من جهة وحركة أمل وحزب الله من جهة أخرى حول طبيعة الوفد الذي اصر حزب الله وامل على أن يكون عسكرياً فيما طلب عون ان يتضمن مسؤولين سياسيين. عيّن عون الوفد المفاوض برئاسة ضابط في الجيش وضم الى الوفد خبيراً جيولوجياً وعضواً في هيئة ادارة قطاع البترول. أصدرت حركة أمل وحزب الله بياناً مشتركاً تحفظتا فيه على تعيين موظفين وخبراء مدنيين في الوفد لكنهما قررا المضي بالتعاون مع الوفد. عقدت الجلسات في الناقورة وكانت منضبطة جداً تجاه اي مظهر تطبيعي أو صورة مشتركة او لقاءات خاصة أو جانبية. اقترح الوفد اللبناني نقطة جديدة هي النقطة (29) استناداً الى دراسة صادرة عن المكتب الهيدروغرافي البريطاني وتأثير صخرة تخيليت (صخرة تقع على مسافة ألف متر جنوب رأس الناقورة و800 متر عن الشاطئ وتغمرها المياه في أحيان كثيرة وهي غير مأهولة ولا يوجد عليها زرع أو أعشاب). تركز الخلاف حول النقطة (29) وتحولت الى مادة خلافية ولاقت تاييداً من اوساط لبنانية عديدة. تبنت وزارة الدفاع اللبنانية النقطة وأعدّت مشروع مرسوم لتعديل المرسوم رقم 6433 واعتماد النقطة (29) بدلاً من النقطة (23). لكن رئيس الجمهورية لم يوقع هذا المشروع وبقي موقف لبنان الرسمي المعتمد في الأمم المتحدة هو النقطة (23). إقرأ على موقع 180 “صندوق الشيطان” (*) اثر بداية حرب روسيا وأوكرانيا برزت حرب الطاقة كجبهة أساسية واحتل الغاز الطبيعي الحيز الأكبر في هذه الحرب. وبدأت أزمة الطاقة تظهر في أوروبا جراء قطع الامدادات الروسية وإلزام روسيا المشترين بالدفع بالروبل. توجهت الأنظار إلى شرق المتوسط وبسرعة تدخلت الولايات المتحدة وتحركت الوساطة وتكثفت المباحثات الجدية لترسيم الحدود وتقاسم مكامن الغاز. وفي خطوة لها دلالة حضرت مندوبة من الإتحاد الأوروبي وعقدت اتفاقاً مع مصر وإسرائيل لنقل الغاز المستخرج حاليا من أعماق المنطقة الإقتصادية الإسرائيلية إلى عسقلان ثم إلى العريش في مصر وتسييله وشحنه إلى أوروبا. بدأت المفاوضات باقتراحات اميركية مجحفة بحق لبنان وبصيغة الإملاءات من قبل الوسيط آموس هوكشتاين واستمر التعنت الأميركي الإسرائيلي واستقدمت منصة عائمة (إنرجيان باور) لاستخراج الغاز من حقل كاريش من دون الاتفاق مع لبنان وأعلنت وزيرة الطاقة الإسرائيلية أنه سيبدأ مطلع أيلول/سبتمبر استخراج الغاز من حقل كاريش. في أول تدخل مباشر أطلق حزب الله ثلاث مسيرات بلغت سماء حقل كاريش وتصدت لها صواريخ “باراك” من على متن بوارج إسرائيلية (صواريخ هندية إسرائيلية) فاسقطت اثنتين منها وعجزت عن إسقاط الثالثة إلى أن تم استقدام الطيران الحربي لاسقاطها. هذا الاشتباك العسكري اثبت لجميع الأطراف أن حزب الله قادر على تعطيل استخراج النفط وزاد الطين بلة كلام السيد نصرالله عن تعطيل الانتاج ما بعد كاريش وما بعد بعد كاريش ويقصد بذلك المنصات العاملة حالياً. ازاء تحرك المُسيّرات ارجأت إسرائيل موعد بدء العمل في كاريش ودخلت المفاوضات في مرحلة الاستجابة لطلبات وشروط لبنان التي تتلخص بالتمسك بالنقطة (23) وبحق لبنان في استخراج الغاز من حقل محتمل في البلوك رقم 9 تمتد مكامنه في الاعماق جنوب الخط الذي يصل بالنقطة (23). كما طرحت اسرائيل التمسك بما اسمته “خط الطفافات” وهو على مسافة 5 كيلومترات من الشاطئ انشاته اسرائيل بعد انسحابها عام 2000. رفض لبنان الاعتراف بالخط وحيث انه لا يقع في منطقة الحفر تقرر ابقاؤه نقطة نزاع اسوة بنقاط خلاف على طول الحدود البرية ما زال لبنان يقر انها لبنانية ومن حقه. اما موضوع الغاز المستخرج من الاعماق جنوب الخط (23)، فقد تم الاتفاق على ان تتولى الشركات المستخرجة اجراء تسويات مالية من أرباحها من دون أي إتصال لبناني مباشر أو غير مباشر في العملية الادارية. حول مضمون الاتفاق: – يلحظ الاتفاق دوراً للوسيط الاميركي في “داتا” المعلومات في الحقول المتداخلة حيث يتلقاها من الجانبين اللبناني والاسرائيلي من دون اتصال تطبيعي بينهما. ويستبعد الاتفاق الشركات التي تخضع لعقوبات دولية (ليس اميركية). – لا يتضمن الاتفاق أي ترتيبات أو تدابير أمنية من قبل الطرفين. – تعول اسرائيل على المناخ الامني الذي سيسود عندما يستخرج لبنان وإسرائيل الغاز من حقول متجاورة الأمر الذي يدفع لتفادي المواجهات البحرية فتبقى الأوضاع على الحدود اللبنانية السورية على وضعها الراهن. – لم يتم المساس بالحدود البرية وتحديدا النقطة B1 التي اعتمدت في اتفاقية بوليه نيوكومب عام 1923 وتكرست في اتفاقية الهدنة عام 1949 واحداثياتها محددة من قبل الامم المتحدة. كما ان منطقة “خط الطفافات” في البحر بقيت منطقة نزاع ولم يتنازل لبنان عن شبر ارض او كوب ماء.. ومازال يحتفظ بحقه في تحرير المناطق المتحفظ عليها في البر والبحر. – لا مجال للمقارنة مع اتفاق 17 ايار/مايو 1983 ويكفي ان نعلم ان هذا الاخير بالاضافة الى شروط قاسية اخرى، يشترط تدابير امنية وسياسية في محافظتي الجنوب والنبطية منها انشاء لواء اقليمي في الجيش يحافظ على الامن بالتنسيق مع اسرائيل ومنع النشاطات السياسية والاعلامية المعادية لاسرائيل في المحافظتين. هذا الاتفاق كان سيضرب صميم لبنان والقضية الفلسطينية. – يختلف هذا الاتفاق عن تفاهم نيسان 1996 الذي جرى اثر اعتداءات اسرائيل ورد المقاومة وهول مجزرة قانا. تشكلت بموجبه لجنة من الولايات المتحدة وفرنسا وسوريا واسرائيل والامم المتحدة ولبنان للاشراف على تنفيذه.. في الشكل، تفاهم نيسان لا يتضمن وثيقة موقعة كما هو الحال في هذا الاتفاق الفريد والذي يمكن اعتبار اقرب تسمية له “هدنة بحرية”. تجدر الاشارة الى ان تفاهم نيسان واتفاق الترسيم انجازان واضحان للدولة والمقاومة. – يبقى ان هناك من يشكك بالتزام اسرائيل بالاتفاق ومماطلتها الاجرائية في تمكين الشركات من الحفر وربما مماحكات ومماطلات اخرى يُعهد بعدها الى الولايات المتحدة لتسويتها. في حال حصول ذلك فانه يقع على السلطة اللبنانية التنبه والتحرك لوقف المماطلات الاسرائيلية من دون ان نغفل انه في حال تجاوزت اسرائيل ومنعت بطرق ملتوية الشركات من التنقيب فان المقاومة جاهزة وقادرة على ارسال مسيرات فوق كاريش وايضا فوق تمار ولفيتان وغيرها. تدرك اسرائيل والولايات المتحدة ذلك تماماً وتفهمان تداعياته. – في رسالته امس (الخميس) الى اللبنانيين اكد الرئيس ميشال عون ان التضامن الوطني والموقف اللبناني الموحد كان عنصرا اساسيا في التوصل الى هذه النتيجة الايجابية. وبهذا الانجاز حصل لبنان على (fair deal) في ظروف اقتصادية صعبة وسياسية مهتزة.
*************************************************************************
3 ) رسالة مفتوحة
لواء ركن طيار السفير / اسامة العلي* ( فلسطين ) …
فخامة الرئيس العماد ميشال عون المحترم .
معالي رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نبيه بري المحترم .
معالي رئيس مجلس الوزراء
السيد نجيب ميقاتي المحترم
سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المحترم
تحية طيبة وبعد ،،
اسمحوا لي بطرح سؤال علني لحضراتكم بخصوص ترسيم الحدود البحرية بين الدولة اللبنانية ودولة اسرائيل ،،،
اعتقد بان لبنان قدمت خرائط تاريخية ،، موثقة عن حدود دولة لبنان ،،، لاجل التفاوض على الترسيم الحدودي ،، مع اسرائيل ،،،، وسؤالي ،، اى خرائط شرعية ومثبتة ،، قدمتها دولة اسرائيل لكم وللوسيط الامريكي لتثبت لكم ،، ولتطلعكم على خطوط حدودها الدولية القانونية الشرعية المسجلة بالامم المتحدة ،،، كحدود لدولة اسرائيل التاريخية ؟؟؟؟؟
وكلنا يعلم ان الامم المتحدة قد انشأت اسرائيل سنة ١٩٤٧ على مقاطع انتزعوها من ارض دولة فلسطين ،، ورسموا على خريطة فلسطين مقاطع اعتمدوها حدودا لدولة اسرائيل ،، ومقاطع اخرى كحدود لدولة فلسطين ،،، وقد تم الاعتراف بدولة اسرائيل بموجب قرار التقسيم رقم ١٨١ تاريخ ١٩٤٧ ،،، ومرفق معه خارطة دولة اسرائيل بحدودها المعترف بها دوليا ،،، وبعد ان وافقت اسرائيل على خارطة وجودها المحددة من الامم المتحدة ،، نالت التصويت بالاعتراف بدولة اسرائيل على تلك المساحة والمكان المحدد بدقة ،،،
وبالنظر للخارطة نجد ان من مدينة عكا الساحلية الفلسطينية وشمالا لغاية حدود لبنان مقطعا فلسطينيا وليس اسرائيليا ،،، اذن كيف يمكن للبنان *ان يرسم حدوده مع حدود اسرائيل الشرعية التي تصل فقط لعكا ،،،؟؟؟؟
ونرجوا ان نفهم ما هى الخرائط التي قدمتها اسرائيل الى لبنان وامريكا لتثبت بها بان ساحلها الشمالي يصل للحدود اللبنانية ؟؟؟
فاسرائيل حدودها البحرية القانونية والشرعية والمعترف بها دوليا ،، تصل فقط لعكا ولا تصل لحدود لبنان ،،، الا اذا اثبتت اسرائيل عكس ذلك ،،، والذي لا يمكن لان الخارطة الوحيدة للحدود الشرعية لدولة اسرائيل هى حدودها بخارطة التقسيم التي رسمها و اقرها العالم والامم المتحدة ،، مساحة و حدودا *لدولة اسرائيل التي انشأتها الامم المتحدة *بالتصويت سنة ١٩٤٧ ..
اما اذا اعتبرتم بان المناطق التي احتلتها اسرائيل خارج حدودها من ضمن اسرائيل ،،، فلا يمكن اعتبارها حدودا شرعية لاسرائيل ،، ونحن نعلم بان اسرائيل احتلت كل فلسطين سنة ١٩٦٧ ،،،، فهل يمكن اعتبار المناطق المحتلة بكل فلسطين حدودا شرعية لاسرائيل ،،، ؟؟،، فتقوم ،، وتوافق لبنان بترسيم حدودها مع مناطق بحرية احتلتها وتحتلها اسرائيل ؟؟،؟؟
فكيف تفعلون ذلك ،،، وتخالفون القوانين الدولية التي لا تعترف بضم المناطق عن طريق الاحتلال ،،،
فلا يحق قانونا وشرعيا ،، للبنان بترسيم حدوده مع شاطئ فلسطيني محتل ،، ومع من يحتله ،،،، لان ذلك يخالف الشرائع والقوانين الدولية ،،، بوضوح ،،،،،
وحيث ان موقع حقل كاريش يقع في منطقة فلسطينية محتلة حسب حدود اسرائيل الرسمية والشرعية الوحيدة والمعترف بها دوليا ،،،، فانني اتمنى ان نقدم هذا الحقل هدية لدولة لبنان الشقيق ،، لقربه من حدودها وحتى ان للبنان طرفا جغرافيا شرعيا بحافة الحقل ،،، الذي يدخل مناطق لبنانية ،،،
فحقل كاريش هو حقلا فلسطينيا لبنانيا ولا وجودا شرعيا لاسرائيل بذلك المكان ،،،
مع فائق التقدير والاحترام ،،،،
*عضو المجلس الوطني الفلسطيني
عضو اللجنة السياسية بالمجلس الوطني الفلسطيني
عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح
*************************************************************************
4 ) اتفاق الغاز: قراءة في النص
ناصر قنديل (لبنان) …
– بعدما صار نص الاتفاق حول حقول الغاز علنياً لم يعد مقبولاً سماع تعليقات لا تستند إلى قراءة النص. وأول ما يلفت من يقرأ النص أنه يكتشف بأنه لا يقرأ اتفاقاً، ولا تفاهماً، ولا معاهدة، على قاعدة أن لبنان رفض أي صيغة توحي بالاعتراف بأن كيان الاحتلال دولة، ورفض أي صيغة يمكن أن تعتبر انتقالاً من جانبه في توصيف العلاقة بالكيان من حال الهدنة إلى حال السلام، فهو اتفاق لبنانيّ أميركيّ، واتفاق مواز إسرائيلي أميركي. كان اتفاق الهدنة عام 1949 أبعد مدى منه في الإيحاء بالاعتراف، لجهة كونه اتفاقاً موقعاً بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، حيث كتب نص الاتفاقية بصفتها تفاهماً عسكرياً بين ضباط لبنانيين واسرائيليين يمثل كل منهما حكومته، ووقع جنباً الى جنب على وثيقة واحدة كل من المقدّم مردخاي ماكليف بالنيابة عن «حكومة إسرائيل» والى جانبه وقع المقدّم توفيق سالم بالنيابة عن حكومة لبنان؛ بينما ورد في النص الأميركي للاتفاق حول حقول الغاز، أن كلاً من الطرفين اللبناني والإسرائيلي في حال موافقته على المقترح الأميركي سيقوم بتوقيع رسالة منفصلة يرسلها للجانب الأميركي وفق نموذج مرفق، وسيقوم بتوقيع مراسلة للأمم المتحدة حول الإحداثيات المعتمدة لتقاسم الحقول وفق نموذج مرفق، دون وجود أي وثيقة مشتركة يوقعها الطرفان، أو مراسلة مباشرة بينهما.
– الحذر من أي إيحاء بفرضية التطبيع واضح بقوة في النص، ورفض التطبيع هو مطلب لبناني بالتأكيد والحذر معاكس للرغبتين الأميركيّة والإسرائيلية اللتين تعملان ليل نهار على مزيد من حلقات التطبيع في المنطقة، فكل النص المطوّل، والاستطرادات الواردة فيه، حول كيفية حصول الجانب الإسرائيلي على عائدات من حصة الشركة المشغلة في حقل قانا، مقابل تسليمه بالحقل كاملاً لحساب لبنان، تظهر بقوة أن لبنان نجح بفرض رؤيته وحصل على الاستجابة اللازمة، لمنع أي شكل من التعامل المالي أو الشراكة التجارية مع الكيان، بل إن ترك أمر أي حقول متداخلة يمكن اكتشافها لتفاهمات لاحقة مشابهة لتفاهم حقل قانا، تأكيد على سقوط فكرة التشارك بتلزيم شركة واحدة تتولى تقاسم العائدات مع الكيان، وهكذا يستطيع لبنان أن يفاخر بأنه المفاوض العربي الوحيد الذي توصل الى تفاهم مع كيان الاحتلال، دون اعتراف ودون معاهدة سلام، وإنهاء حال الحرب، وقطعاً دون أي شكل من أشكال التطبيع.
– في الاتفاق غير المباشر، وليس فقط التفاوض غير المباشر، بل يمكن القول براحة وثقة في الاتفاق اللبناني الأميركي حول حقول الغاز في المتوسط، وقبل الدخول في مناقشة الشق الاقتصادي الذي يدور حوله الكثير من النقاش، يجب أن ينتبه من يقرأ الاتفاق اللبناني الأميركي، أن في النص تأكيداً على إمكانية إعادة النظر بالإحداثيات المعتمدة عبر التوافق بنتيجة تفاوض مشابه، ومن يريد تعديل الاحداثيات بالقوة طبعاً لا يحتاج الى التفاوض، لكننا نتحدث عن اتفاق تفاوضي يتضمن إقراراً بإمكانية التعديل عبر التفاوض، وهذا أمر مهم للذين يقولون بأن الاتفاق مجحف بحق لبنان، والأهم في البعد السيادي المتعلق بالحدود البحرية التي يميزها الاتفاق عن تقاسم الحقوق الاقتصادية، يقول الاتفاق بالنص «بهدف عدم المساس بوضع الحدود البريّة في المستقبل، فإنّه من المتوقَّع قيام الجهتين بترسيم الحدود البحرية الواقعة على الجانب المواجِه للبرّ من أقصى نقطة شرقي خط الحدود البحرية في سياق ترسيم الحدود البريّة أو في الوقت المناسب بعد ترسيم الحدود البريّة. وإلى أن يحين الوقت الذي تُحدَّد فيه تلك المنطقة، تتّفق الجهتان على إبقاء الوضع الراهن بالقرب من الشاطئ على ما هو عليه، بما في ذلك على طول خط العوّامات البحرية الحالي وعلى النحو المحدَّد بواسطته، على الرغم من المواقف القانونية المختلفة للطرفين بشأن هذه المنطقة التي لا تزال غير محدَّدة». وهذا يعني بأن منطقة الطفافات اعتبرت غير محددة وان ترسيم الحدود البحرية في هذه المنطقة سيتم لاحقاً، وساء بالتوازي مع إنهاء النزاعات العالقة حول الحدود البرية أو بمعزل عنها، وليس معيباً ان نشهد للمفاوض اللبناني، أن النص في أغلبه مكرس لتلبية طلبات لبنانية مصاغة بطريقة تلبي الضمانات القانونية للبنان، كي لا يتحول الأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال عام 2000 من طرف واحد إلى حاصل مكرس ومشرعن قانوناً. وهذا واضح في كل فقرات الاتفاق، وساء تجاه التقاسم للحقول والمناطق أو في كيفية استثمار حقل قانا وعدم تأثير الاتفاق الجانبي بين الكيان والمشغل على حق لبنان الاستثماري، وكذلك في صيغة إبرام الاتفاق، والحفاظ على صيغته اتفاقاً غير مباشر نجم عن تفاوض غير مباشر، بصيغة اتفاق أميركي لبناني اتفاق أميركي إسرائيلي يعتمد نصاً موحداً.
– في تقاسم الحقول والخطوط، نجح لبنان بتوظيف الخط 29 لرفع حصته من خط هوف المقترح سابقاً الى الخط 23 وصولاً للخط 23 مضافاً إليه كامل حقل قانا، ولولا تبني الخط 29 والسير بتوقيع مرسوم اعتماده رسمياً الى ما قبل الخطوة النهائية المتمثلة بتوقيع رئيس الجمهورية وإيداع التعديل لدى الأمم المتحدة، لما نال لبنان حقل قانا فوق الخط 23، ولما تمكنت المقاومة من التهديد بمنع الاستخراج من كاريش بصفته حقلاً متنازعاً عليه باعتباره يقع ضمن الخط 29، الذي بقي لبنان متمسكاً به إلى حين إبرام الاتفاق، أي حتى تاريخه أيضاً إذا تعثر الإبرام في أي مرحلة من مراحله، وهذا لا يلغي حق المتمسكين بالخط 29 إن كانوا صادقين بمتابعة معركة تحصيل المزيد، بثلاثة شروط، الأول أن يجيبوا عن سؤال هل يعتبرون أنه اذا كان الخيار بين عدم التوصل الى اتفاق وهذا الاتفاق، فهل يختارون اللااتفاق. والثاني طالما انهم لا يعترفون للمقاومة بدورها وأهميته في إنشاء التوازن الذي جعل التوصل للاتفاق طريقاً وحيداً لتفادي الحرب، فهل يختارون ترك كيان الاحتلال يستثمر حقلي كاريش وقانا بينما لبنان يحمل وصفة المعلاق، أي مرسوم الخط 29، والذئب يلتهم المعلاق، حتى لا يبقى منه شيء، والثالث طالما أنهم في أغلبهم وبينهم او معهم نواب يؤيدونهم، هل يجرؤون على ترجمة موقفهم بجعل التراجع عن الاتفاق شرطاً لتسمية أي مرشح رئاسي، والا هل يقبلون على أنفسهم أن يكون دورهم، وهم في أغلبهم أصدقاء للأميركي كدر الذين خرجوا بعد حرب تموز ينكرون النصر بصفتهم طابور التعويض المعنوي للإسرائيلي عن هزيمته؟
– من المهم الانتباه أيضاً، رغم التسابق السياسي المخجل على ادعاء أحادية صناعة النصر، أن ما جرى تحوّل كبير أبعد من لبنان، فالأميركي الذي نظر للإسرائيلي عام 2006 كقوة قادرة على صناعة الحرب لمخاض شرق أوسط جديد ينطلق من سحق المقاومة في لبنان عسكرياً، باعتبار المقاومة في لبنان فائض قوة دول المقاومة في المنطقة، هو الأميركي الذي يأتي اليوم لدفع ثمن تجنيب «اسرائيل» حرباً مع هذه المقاومة نفسها، وأن الأميركي الذي أنفق المليارات من الدولارات خلال عشرين عاماً منذ التحرير عام 2000، ليقول للبنانيين أن المقاومة سبب أزماتهم وانهيار اقتصادهم، يأتي شريكاً في معادلة تقول، لولا هذه المقاومة لما كان للبنان ما يصفه الأميركي اليوم بطريق الازدهار مسقطاً مقولة جيفري فيلتمان في الخطاب التوجيهي لـ 17 تشرين، بمعادلة المقاومة طريق الفقر المؤكد والعداء لها طريق الازدهار المتحمل، لتصير المقاومة طريق الازدهار الوحيد، للخروج من الفقر الذي كان ثمرة الخطة الأميركية لإسقاط لبنان. وهنا من المهم الانتباه أن الأميركي الذي كان يتبنى نظرية التجويع بهدف التركيع، كما وصف وزير المالية الفرنسي خطة إسقاط لبنان أملاً بإسقاط حزب الله، هو الأميركي نفسه الذي يتحدث اليوم عن الازدهار يصنع الاستقرار، وهي النظرية ذاتها التي رفعها يوم ذهب لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، قبل ان ينسحب منها أملاً بالتجويع طريقاً للتركيع، وما دام الأميركي قد سلك هذا الطريق الذي يمثل انقلاباً استراتيجياً فرضته قوة المقاومة، فماذا عن مستقبل مبرر البقاء الأميركي في سورية، بل وفي العراق، وماذا عن الاتفاق النووي مع ايران؟ وبالمناسبة سؤال على الهامش، هل انتبه البعض أن الاتفاق الذي يتهمون المقاومة بتغطية التنازلات فيه، يتم بينما المؤشرات التفاوضية الأميركية حول الاتفاق النوويّ مع ايران كلها سلبية؟
– تخبزوا بالافراح، فاقدون للنص، فاقدون للمنطق، فاقدون للغة، والتاريخ يقول كل القوة بلا نص ولغة ومنطق هي فائض قوة بلا قيمة مضافة سريع التآكل، فكيف وأنتم بلا حول ولا قوة، بلا بصر ولا بصيرة!
التعليقات مغلقة.