جريمة ذبح الطفل عبدالله عيسى / د. فايز رشيد
د. فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 28/7/2016 م …
حركة نور الدين زنكي الإرهابية مدعومة من الولايات المتحدة, وتتركز في منطقة حلب. اعترفت بأن منفذي هذه الجريمة يتبعون لها، و»استنكرت» عملية الذبح هذه, وادعت أنه عمل فردي, وستقدم جميع المتورطين إلى المحاكمة! فصائل ما يسمى بـ»المعارضة», والجهات الداعمة لها, لا تتحدث بصورة موضوعية عن الجرائم اليومية التي ترتكبها, وإنما تعتبرها جرائم فردية وستحاكم مرتكبيها!
فيديو ذبح الطفل عبدالله العيسى ما بعد بشع, ما بعد لا إنساني. مجرمون كبار يحيطون بطفل في مقتبل شبابه, يتلذذون بقتله مرارا قبل الذبح. إنهم من الجماعة الإرهابية المسماة بالاسم البعيد عن صاحبه, بعد السماء عن الأرض: نور الدين زنكي, التابعة «للجيش الحر». في الفيديو يظهر وهو يجيب المسلحين عند سؤاله عن أمنيته الأخيرة.. بـ: «قواص», نعم, إنه يتمنى أن يتم قتله رميا بالرصاص بدل الذبح.. أجابه القتلة «لا فقط بالذبح» أي أنهم سوف يذبحونه. ويظهر في المقطع خمسة رجال يحيطون بالطفل الذي بدا مرعوبًا, بينما أمسك أحدهم بقوة بشعره وهو على متن سيارة شحن صغيرة, قبل أن يقوم أحد منهم بقتله ذبحا.
نسأل: بأي حق وتحت أي عقيدة أو أي إسلام يذبح الطفل الفلسطيني؟ فإذا كان هؤلاء يمثلون المعارضة المسماة بـ»المعتدلة» فكيف سيكون حال المتطرفة؟ نعم, إن ذبح الطفل الفلسطيني في مخيم حندرات شمال حلب, جريمة تختزل المأساة المستمرة في سوريا بكل فصولها. لقد حرص ذابحوه على تشر تقارير تشير, إلى أن القتيل ليس طفلا فلسطينيا, وإنما مقاتل متعاقد مع المخابرات الجوية السورية يبلغ من العمر 19عاما. نسأل: أكان فلسطينيا أم سوريا, فما الفرق؟ إنه طفل ابن 13 عاما؟
بالفعل, لكم توقعت (ربما لأنني تمنيت ذلك) مثل كثيرين, أن يكون هذا «الفيديو» مفبركا, والهدف من فبركته هو توضيح صورة المعارضة الإسلامية التي يسمونها بـ»المعتدلة» المدعومة أميركيا وصهيونيا وغربيا وبعضا عربيا, ولهذا لم أكتب عن الحادثة في حينها, لأن سوريا تعيش حالة صراع مع قوى ظلامية, وهناك عشرات الفصائل, التي لا تعد ولا تحصى, تحترف الذبح والقتل وشواء المدنيين الأبرياء, وقتلهم بوضعهم في الماء المغلي وبغيرها من الطرق اللاإنسانية القبيحة وغيرها. بات مشهد الذبح يوميا, ولكن للأسف, تبين أن الفيديو حقيقي, وما زاد الطين بلّة لديّ, أن مدحته إعلامية لبنانية كريهة (تركت تأثيرا عليّ مثل الفيديو) عندما ذكرت على وسيلتها الإعلامية, أن «الطفل الفلسطيني الذي تم تداول فيديو ذبحه في سوريا, تبين أنه عبدالله العيسى مقاتل سوري مع القوات الجوية عمره 19 عاما, ولأنه مصاب بالتلاسيميا, يبدو صغيرا»! وأضافت «ظهر أنه ليس طفلا بريئًا كما شيع عنه», واستطردت: «سأنشر تحقيقًا مفصلًا عن مرضى التلاسيميا، وكيف يتم استغلالهم من النظام, مقابل كيس دم, ولماذا نظن أن أعمارهم صغيرة حسب الطبيب المعالج في سوريا»! تصوروا هذا الحقد على الشرعية السورية؟!
حركة نور الدين زنكي الإرهابية مدعومة من الولايات المتحدة, وتتركز في منطقة حلب. اعترفت بأن منفذي هذه الجريمة يتبعون لها، و»استنكرت» عملية الذبح هذه, وادعت أنه عمل فردي, وستقدم جميع المتورطين إلى المحاكمة! فصائل ما يسمى بـ»المعارضة», والجهات الداعمة لها, لا تتحدث بصورة موضوعية عن الجرائم اليومية التي ترتكبها, وإنما تعتبرها جرائم فردية وستحاكم مرتكبيها! نسأل: بالله عليكم, أجيبونا عن معالحة جرحاكم في المستشفيات الصهيونية, وحضور ممثل الجيش الحر لمؤتمر هرتسيليا رقم 16 قبل شهر ولقائه المطول مع نتنياهو؟ حتى منظمة العفو الدولية أصدرت تقريرا قبل أشهر, اتهمت فيه خمسة من فصائل المعارضة السورية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ترتقي إلى «جرائم حرب», وسمت حركة نور الدين زنكي و»جبهة النصرة» بأنهما من بينها.
إعدام طفل بهذه الطريقة الدموية البشعة صادمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى, وخطورتها أن من أقدم على ارتكابها فصيل ينتمي إلى معارضة توصف بأنها «معتدلة»! إعدامات «الدولة الإسلامية» تتواضع أمام هذه الجريمة. فحتى هذه اللحظة لم تقدم على إعدام أطفال, وهذا لا يعني أنها حمل وديع, فإعداماتها ذبحا لمعارضيها, وجنود النظام الرهائن, والطيار الأردني معاذ الكساسبة, تدخل كتب الأرقام القياسية في البشاعة والوحشية.
نور الدين زنكي، الذي تحمل الحركة التي ارتكب عناصرها هذا الإعدام البشع, اسمه ينتمي إلى أسرة الناصر صلاح الدين الذي حرر القدس, وهزم الصليبيين، ودخل كتب التاريخ بشقيها المدني والعسكري, كقائد تعامل بكل إنسانية مع أسرى العدو, ولا نعتقد أن عناصر هذه الحركة الذين نفذوا إعدامهم البشع في طفل قاصر يعرفون من هو صلاح الدين, ومن هو نور الدين زنكي! وكل ما يعرفونه هو القتل والذبح والانتقام الدموي الهمجي.
صحيح أن طرق القتل التي تطبقها كل منظمات الذبح في سوريا مقرفة ومقززة ويندى لها الجبين الإنساني, لكنها أيضا تتماهى مع الكيان, الذي يطبق نفس القتل, ولكن بأساليب مختلفة وبشكل أكبر. إسرائيل أيضا تقتل الأطفال الذين لم يبلغوا بضعة أشهر من خلال تدمير البيوت على رؤوس أصحابها. هذه المنظمات تهجّر السكان, وهذا ما يقترفه الكيان بحق الفلسطينيين. هذه التنظيمات تتلمذ على يدي أستاذها الصهيوني في إثارة النزاعات الطائفية والمذهبية والإثنية في العالم العربي, لذلك كان قرار الأمم المتحدة: باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وهذه التنظيمات تمارس هذا نفسه. للعلم: من المفترض في التنظيمات التي تطلق على أسمائها وصف «الجهادية», أن تترك معاركها التي تشنها ظلما وعدوانا على جبهات ودول عربية كثيرة, وتوجه كل أسلحتها إلى العدو الصهيوني, الذي يهوّد القدس ويدمر تدريجيا أحد الحرمين الشريف ويستبيح دماء المسلمين, فوفقا للدين الإسلامي الحنيف: فإن الجهاد ضد إسرائيل هو الأهم والأولى, فهو الغاصب للأرض الإسلامية, وهو القاتل للبشر والمدنيين والأطفال الفلسطينيين, وهادم البيوت, وهو العدو الرئيسي للإسلام! ولكن فإن كافة هذه التنظيمات وبدلا من الجهاد الأكبر المفترض أن تخوضه ضد عدو الدنيا والدين, واصلت مخططاتها التخريبية في العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس وغيرها, فتحرير الموصل ونينوى والرقة وعين العرب ودمشق وعرسال أولى من تحرير بيت المقدس والمسجد الاقصى, المهدد بالانهيار والمتعرض في كل يوم لهجمات المستوطنين واعتداءاتهم واستباحاتهم الدائمة. هذه التنظيمات والكيان هما وجهان لعملة واحدة.
التعليقات مغلقة.