الشعب الفلسطيني يأبى النسيان … ما زالت مجزرة دير ياسين حاضرة في ذاكرة الأجيال، حتى ولو كانوا في البرازيل!!!
-بعد مرور شهر على رحيل والدتها الناجية من مجزرة قرية دير ياسين عام 1948، توجهت الابنة فاطمة حسن جندي من مدينة ريو غراندي في البرازيل إلى القدس، لتحمل الراية من بعد والدتها اللاجئة التي حلمت بالعودة إلى قريتها المهجرة لكن الموت حال دون تحقيق هذا الحلم.
كانت نسيمة تبلغ من العمر 14 عاما عندما اقتحمت عصابتا الأرغون وشتيرن الصهيونيتان وقوات من البلماح والهاغاناه قرية دير ياسين فجر يوم الجمعة التاسع من أبريل/نيسان 1948.
سمعت الطفلة أصوات إطلاق النار الكثيف واستيقظت من نومها مفزوعة وعاشت ساعات رعب لم تشهدها طيلة 88 عاما من حياتها، لكنها لم تكن تعلم أنها ستلقي في ذلك اليوم نظرة الوداع الأخيرة على منزلها الذي لم تعد إليه.
أجبرت نسيمة و3 آخرون لحمل أحد الجنود الإسرائيليين الجرحى، وبعد إيصاله للمنطقة التي حفر بها خندق لحماية القرية، أطلق أحد الجنود رصاصة على السيدة التي معها فأردتها شهيدة فورا، فسقط المصاب من أيديهم من شدة الخوف وأجبروا على حمله مرة أخرى حتى أوصلوه لشاحنة كانت تنتظر الجرحى من أفراد العصابات فوضعوه بالشاحنة ووضعوا هم بأخرى.
لجوء فغربة
وهكذا انطلقت رحلة لجوء هذه الطفلة التي استمرت منذ عام النكبة حتى صيف عام 2022، وبدأت الرحلة بباب الخليل فقرية مخماس جنوب شرق القدس، ثم انتقلت نسيمة عام 1953 إلى بلدة سلوان بعد زواجها من ابن عمها حيث أنجبت طفلاها محمد ومفيد، ومن هناك حطت رحالها في مدينة ريو غراندي في البرازيل عام 1958 لتنجب كل من فاطمة وصالح ونبيل وباسم.
في البرازيل التقت هذه اللاجئة بالعشرات ممن نصحوها بنسيان تلك الصفحة القاسية من حياتها، لكنها لطالما رفضت ذلك وردّت عليهم بالقول “سأبقى أتذكر دير ياسين كل ليلة وأحدث نفسي بحكاياتها”.
التشبث بسرد فصول الألم والإصرار على زرع الأمل بالعودة إلى دير ياسين في نفوس أبنائها وأحفادها الـ 20 دفع بابنتها فاطمة التي ولدت في البرازيل عام 1962 لإكمال المسيرة، فزارت مؤخرا متحف التراث الفلسطيني الذي يخصص إحدى قاعات عرضه لهذه القرية المهجرة.
حدّقت فاطمة بثوب الناجية من المجزرة زينب سمور وزي زوجها التقليدي اللذين يعرضان في المتحف، تحسست الثوب وقالت إن والدتها طرّزت بيدها ثوبا تراثيا بُعيد المجزرة وإنها حرصت على جلبه في حقائبها في كافة رحلاتها من البرازيل إلى فلسطين والأردن، وبعد وفاتها لم تغفل فاطمة (60 عاما) أن تجلب الثوب ذاته إلى القدس وكأنها تشعر بالسكينة كلما اشتمت عبقه المجبول برائحة أمها وقريتها المهجرة.
حكايات تتجدد
ومن زاوية أزياء دير ياسين مشت فاطمة بضع خطوات ثم تسمّرت أمام مجسم لقريتها تحتضنه قاعة العرض ذاتها، وعندما وقع نظرها على “كسّارة دار جندي” التي كان يملكها جدّها لأمها وقفت طويلا وسردت الحكايات التي لطالما سالت على لسان والدتها عن محجرة وكسّارة والدها.
ولم تكن لحظات الوقوف أمام مفاتيح بعض منازل القرية ومجسم مقبرتها أقل ألما على قلب فاطمة التي ووري جثمان والدتها الثرى ليس بعيدا عن دير ياسين فحسب، بل في بلاد غربة بعيدة على حد تعبيرها.
بعد أيام من زيارة المتحف توجهت فاطمة لحضور فعالية عن قرى القدس المهجرة عام 1948، وفي زاوية دير ياسين عرضت حفيدة شقيقها الأكبر محمد ثوب وشهادة الجدّة نسيمة الناجية من المجزرة إلى جانب قصص ناجين آخرين.
وفي لوحة سُئل فيها الحضور عما يريدون أن يقولوه للجيل الناشئ عن دير ياسين، كتبت فاطمة باللغة البرتغالية “سعيدة لأنكم ما زلتم تتناقلون ما حدث في قريتنا المهجرة ولأن المكان الذي عاشت فيه والدتي وانتمت له ما زال حاضرا في عقولكم ووجدانكم”.
غادرت فاطمة وشقيقها الأكبر محمد المكان، لكن دير ياسين لم ولن تغادرهما، إذ تعاهد أبناء المسنة الراحلة على إكمال الطريق في سبيل تحقيق الأمنية التي لم تتحقق لوالديهما نسيمة وحسن اللذين عاشا عقودا من البعد القسري عن قريتهما ودفنا بعيدا عن مقبرتها التي ما زالت بعض قبورها شامخة حتى يومنا هذا.
التعليقات مغلقة.