جدتي ريحانة فلسطين … الفصل الأجمل في حياتي / وسيم وني
وسيم ونّي ( فلسطين ) – الإثنين 5/12/2022 م …
لم أكن أتخيل يوماً من الأيام أنني سأكتب عن فِراقك وألمه ولكنني اليوم أكتب عن إنسانة ليست عادية أكتب عن أغلى إنسانة في حياتي، أكتب عن فِراق الغالية على قلبي جدتي التي لن أستطيع رؤيتها بعد اليوم، بعد أن فارقني صوتها وضحكاتها وحنانها الذي كان يمسح كل أحزاني.
وها هي اليوم بروحها البيضاء ريحانة فلسطين تودع مخيمها وأهلها وجيرانها وأحبتها وكل من عاصرها أو حتى تعرف إليها بعد أن تركت بصمة حبها وحنانها أينما حلت، تكاد دورة الحياة تتوقف لدي من هول الفاجعة والألم ، فهذا العالم الذي انقلب رأساً على عقب بين الأمس واليوم، بين الحياة و ألم الموت، بين أمل اللقاء وهول الفراق، ها هو اليوم ينتقل من عالم دافئ، حنون، مشرق بابتسامتها ووجها الحنون إلى عالم مظلم ، حزين حضنه ، بالأمس كنت بعيداً عنها وأحلم بلقائها والحديث معها واليوم أعيش كلاجئ تائه بلا وطن تسكُنه الأحزان.
جدتي يكاد هذا العمر يمضي بلمح البصر وكأن الحياة حلم يوقظنا منه الموت، فعودي معي وأعيديني إلى بيتنا إلى أبي إلى ذكرياتي معك إلى مخيمنا وأزقته إلى القدس وحيفا وشفا عمرو عيلوط وكل فلسطين حيث تحبين يا ريحانة قلبي وقلب أبي تركت بي جرحاً يزدادُ شوقاً لك، كلما ذكرت كل تفاصيلك المُتبقية بيننا، مع صوت أبي الذي غادرنا وقلبك معلقٌ به وتحلمين بعودته وهو يطرق باب منزلك في المخيم ليرى ابتسامتك ويشحذ همته من حنانك وحكمتك وغادرتنا ولم يتحقق حلمك المستحيل.
فالموت يأتي عجل بدون سابق إنذار، مفرقا بين الأهل والأحبة، بيننا وبين من نحب ، يحزننا فاجعة الموت والفقد لأنه حقيقة لا مفر منها، ولكن ما يؤلمنا أكثر الفراق بدون وداع، يحزننا كل اللقاءات التي لم يكتب لها أن تتم في ظل ظروفنا القاهرة ، فها نحن نتوه بين ألم فراقك والاشتياق لروحك الطبية ، فيأخذنا الحنين إلى الماضي بأدق تفاصيله الجميلة ولمساته الحنونة، لكننا لا نستطيع التخلص من حقيقة الحاضر الموجعة، حاضر بمشاعر تائه يبحث عن عناق لا يمكن أن يتم، يبحث عن حضن دافئ فلا يجد غير الذكريات… بعد فراق من أحب .
وقد بتُ اليوم أعي ما قاله جبران خليل جبران تماماً عندما قال: ” أن الانسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء كلما رحل صديق مات جزء وكلما غادرنا حبيب مات جزء وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل” وها أنا الآن قد مات الجزء الأجمل في حياتي.
وأخيراً سلام لروحك ولوجهك الذي غادرني للأبد سلام لك ولابتسامك الدافئة وقلبك الحنون ، لن أستطيع بعد اليوم من معانقتك أوأن أشم ريحك ، أو حتى الجلوس بجانبك ، ولكنني أرجوك يا جدتي أن تخبري جدي وأبي وكل من فارقنا ممن نحب أنكم لم تغادروا ذاكرتي وقلبي الوفي لذكراكم برغم ما مر ويمر بنا وما ألم بنا لانزال نذكركم ، رحم الله قلبك الطيب ورائحتك العطرة، وتجاعيدك التي تسكنها الطيبة والحنان، وحضنك الدافئ الذي نأمن به كما يأمن حمام القدس والحرم في أرجائه سلام لروحك الطاهرة كنت وستبقين يا ريحانة فلسطين أنت الفصل الأجمل في حياتي .
التعليقات مغلقة.