الانتخابات النيابية المقبلة / حمادة فراعنة

 

حمادة فراعنة ( الأردن ) الثلاثاء 2/8/2016 م …

مقبولون على إنتخابات مجلس النواب الثامن عشر يوم 20/ أيلول المقبل ، في ظل برود شعبي ، بعد أن خاب رهان الاردنيين على دور مؤثر وفاعل ومستقل لمجلس النواب عن تغول السلطات التنفيذية التي تتحكم بصياغة قانون إنتخاب تجريبي غير مستقر على قاعدة ثابتة منذ إستعادة شعبنا لحقوقه الدستورية عام 1989 ، فمن قانون الصوت الواحد ، إلى قانون الصوت الوهمي ، إلى قانون القائمة الوطنية ، إلى قانون قوائم المحافظات ، ومن القائمة المغلقة إلى القائمة المفتوحة ، وهكذا تجريب متتالي يؤدي إلى حالة إرباك لا يستطيع المواطن من خلالها فهم القانون وكيفية التعامل معه ، بينما تسعى القوى المنظمة وشبه المنظمة إلى مطاردة القانون المستجد ومحاولة التكيف معه ، لعلها تحظى بمكانة ما في مجلس مفترض أنه يُشرع القوانين أولاً ، ومراقبة ومحاسبة السلطات التنفيذية ثانياً ، ولكنه غير فالح لا في هذه ولا في تلك .

ومع ذلك فالمؤمنون بالاصلاح التدريجي المتعدد المراحل يواصلون العمل والرهان ، العمل على المستوى الوطني لمراكمة القوة والنفوذ والخبرات ، والرهان على عوامل قومية ودولية مساندة تؤدي إلى دفع من الحالة الراهنة السائدة المحافظة نحو حالة أكثر إستجابة لقيم العصر وشروطه الديمقراطية ، فالربيع العربي أثمر أردنياً عن تشكيل ثلاثة لجان ملكية عام 2011 ، من لجنة تعديل الدستور برئاسة الراحل أحمد اللوزي ، ولجنة الحوار الوطني برئاسة طاهر المصري ، ولجنة إقتصادية برئاسة هاني الملقي ، وضعت توصيات ، بعضها تم تنفيذه ، وأغلبها أكلها النسيان والاهمال على أثر فشل الربيع العربي في تحقيق نتائج ديمقراطية والاحتكام إلى صناديق  الاقتراع ، وبعد إستلام زمام المبادرة أحزاب التيار الإسلامي الاكثر رجعية ودموية وتسلطاً ، فبات الحفاظ على القائم هو أفضل من مستجدات ليبيا وسوريا والعراق واليمن وغيرهم .

شوارع العاصمة والمدن الاردنية مليئة بشعارات الهيئة المستقلة للإنتخابات ، وهي غير جذابة ، إضافة إلى تعقيدات تشكيل القوائم في الدوائر الانتخابية وخاصة في الريف والبادية ، فتشكيل القوائم لا يتم على أساس تحالف جبهوي أو مبدئي أو مصلحة عامة ، بل مصالح فئوية ضيقة ، تقوم على تقديم صاحب القائمة الاقوى ورئيسها وقائدها ، تقديم مغريات لشركاء أضعف منه في القائمة ، مقابل التصويت له مقابل أثمان مختلفة مادية ومعنوية يحصل عليها الشركاء ، وهم مدركين سلفاً أنهم مجرد روافع ، ومحللين شرعيين لشرط نجاح رأس القائمة الاقوى مالياً وإجتماعياً .

شروط نجاح النائب في الاردن ، بقيت كما هي وتعززت أكثر وهي ثلاثة : أولها توفر العامل المالي ، فالمال هو العصب المحرك للإهتمامات والجاذب للمشاركة وهو أداة التوصيل ، وثانيها العشيرة التي تجتمع على شخص وتضمن له الولاء والتبعية شريطة توفر العامل المالي لدى المتنفذ في العشيرة ، وثالثها أن يكون عضواً في حركة الإخوان المسلمين ، وغير ذلك ، غير توفر هذه العوامل ، يحتاج المرشح لعوامل إستثنائية حتى تضمن له الفوز والنجاح لعضوية مجلس النواب  .

المشكلة البنيوية لدى الاردنيين إفتقادهم لأدوات منظمة تؤدي دورها وفعلها وتأثيرها في الحياة العامة ، وتوجهها نحو أهدافها المشروعة في توثيق الحقوق وتحصيلها وحمايتها من التطاول والفساد ، والاردنيون بهذا المعنى منقسمين إلى ثلاث تيارات ، غير مؤهلة في أغلبها بما يكفي لخوض الانتخابات النيابية  بشكل منظم ومنهجي يؤدي إلى تحقيق نتائج تنظيمية ملموسة تصل إلى مستوى التطلع لقيام حكومات برلمانية حزبية ، والتيارات الثلاثة هي :

اولاً : التيار المحافظ ، والذي يشكل القاعدة الاجتماعية للحكم في الريف والبادية والمدن والمخيمات غير منظم ، ويفتقد للمرجعية ، ولا يملك برنامجاً سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً يتم تقديمه للأردنيين ، وقياداته تعبت مثل عبد الهادي المجالي ، وتعطلت مثل عبد الرؤوف الروابدة ، وتقاعدت مثل طاهر المصري ، وشاخت مثل العديد من الرموز ، وهكذا تيار عريض وقوي ولكنه بلا ضوابط وبلا قيادات وبلا برنامج وكأنهم موظفين يؤدون تقاسيم الوظيفة وأوقاتها ويتم إهمالهم بعد ترك الوظيفة ، ويتحكم بهم وبمؤسسات صنع القرار ، ما اتفق على تسميته قوى الشد العكسي التي لا ترغب في التقدم إلى الامام ، ولا تحقيق إصلاحات ، ولا الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ، ولا تفعيل الدستور بالمعنى الحقيقي لـِ “ نظام نيابي ملكي “ بل هي أدوات متنفذة معطلة لطريق الاصلاح وشبكته الاجتماعية ، والعناصر التي إنضوت  في مؤسسات الدولة وتحت سقف العمل الرسمي من اليساريين أو القوميين أو الليبراليين أمثال مروان المعشر وخالد الكلالدة ، وموسى المعايطة ، وبسام حدادين ، وجميل النمري وسليم الزعبي وغيرهم ،  ، ينفذون سياسات محافظة ، وهم غير قادرين على تنفيذ إصلاحات جدية حقيقة يُعتد بها ، على طريق رؤى وتوصيات الميثاق الوطني ، والاجندة الوطنية ، ولجنة الحوار الوطني ، وغيرها من المحاولات الجادة التي إصطدمت بمعيقات ونفوذ قوى الشد العكسي المحافظة .

ثانياً : التيار الذي يضم الاتجاهات اليسارية والقومية والليبرالية ، الاكثر وعياً وقدرة على فهم المعطيات والتعامل معها وتوجيهها سياسياً ومعنوياً ، تيار من أحزاب ضعيفة لا تملك حساً جبهوياً للتحالف الجدي ونكران الذات ، وفي أغلبه غارق في أنانيات حزبية ضيقة غير متفاعل مع مكوناته ومع بعضه البعض ، ويختلق مشاكل ومعارك وهمية مع نفسه ومع مكونات حليفة له تترك هذه المشاكل أثراً سلبياً على حضوره ، وعلى جذب قواعد مستقلة مستنيرة لصفوفه ، وقد أخفق في وضع نفسه في إطار من المهابة والتقدير بسبب معاركه الداخلية وعدم قدرته على التوصل إلى جامع مشترك حقيقي يخوض على أساسها الانتخابات النقابية والبلدية والبرلمانية .

أما التيار الثالث : فهو تيار الإخوان المسلمين الذي مازال قوياً وفاعلاً رغم إنقساماته ، وإخفاقاته المتعددة على المستوى الوطني ، فلا إستطاع تقديم مبادرة لقانون واحد فقط من عشرة نواب حينما كان يملك أكثر من عشرة نواب يقدمون مشروع قانون ، مثلما فشل في الحفاظ على مشروع الجبهة الوطنية للإصلاح التي جمعته مع الاحزاب اليسارية والقومية ، ومع النقابات المهنية ، ومع مجموعة أحمد عبيدات ، كما فشل في خياراته السياسية حينما طرح شعاراً مستعجلاً يتفق مع الربيع العربي وهو “ شركاء في الحكم “ مما أدى إلى عزلته وبعثرة صفوفه ، إنعكاساً إلى حالات الفشل التي صابت مسيرة الإخوان المسلمين في العديد من الاقطار العربية ، وهكذا يتقدم الاردنيون نحو الانتخابات النيابية بشكل مرتبك غير منظم وبشكل تجريبي كما كانوا من قبل . 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.