محمد صادق الحسيني يكتب: عبد الناصر والعمل الفدائي في الضفة الغربية وحرب الاستنزاف ( تتجدد الان مع عرين الاسود واخواتها )
محمد صادق الحسيني – الأحد 11/12/2022 م …
بعد ايام قليله من نجاح سلاح البحريه المصري في اغراق المدمره الاسرائيليه “ايلات” ،بتاريخ ٢١ /١٠ /١٩٦٧ ، قبالة سواحل بور سعيد المصريه ، عقد لقاء بين الرئيس جمال عبد الناصره وقادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني / فتح .
وهو اللقاء الذي كان أعد له الاعلامي المصري ، محمد حسنين هيكل ، إثر عدة لقاءات سابقه ، عقدها هيكل مع عضو اللجنه المركزيه لحركة فتح ، خالد الحسن ، في القاهره . وقد مهدت هذه اللقاءات لعقد اللقاء الاول بين الرئيس جمال عبد الناصر ووفد حركة فتح،الذي ضم كلاً من :ياسر عرفات ( ابو عمار ) ، صلاح خلف ( ابو اياد ) ، فاروق القدومي ( ابو لطف ) .
عقد الاجتماع في بيت الرئس جمال عبد الناصر ، في منشية البكري بالقاهره ،واستمر خمس ساعات متواصله ، وذلك بتاريخ ٢٥/١٠ /١٩٦٧ ، جرى خلالها استعراض مجموعة كبيرة من المواضيع ، على رأسها استراتيجية فتح ودورها المستقبلي في الثورة الفلسطينية والمعركة العربية الشاملة مع العدو .
وبعد ان قدَّم وفد حركة فتح عرضاً شاملا ، حول هيكليات الحركة وتشكيلاتها العسكرية واستراتيجيتها ، كطليعة ثورية مسلحة للشعب الفلسطيني ، تعتمد الكفاح المسلح وسيلةً اساسيه لتحرير فلسطين ؛نقول انه وبعد الانتهاء من هذا العرض /الشرح / ابدى الرئيس عبد الناصر اهتمامه الشديد بالعمل الفلسطيني المسلح واثنى على الجهود التي تبذلها حركة فتح في سبيل تطوير الكفاح المسلح الفلسطيني ، دعماً للمجهود الحربي العربي ، في سبيل تحرير فلسطين ، ووعد وفد الحركة بما يلي :
١) تقديم الدعم العسكري اللامحدود لحركة فتح ،بهدف تطوير اداءها العسكري في ميدان المعركة ، ضد اسرائيل .
٢ ) تقديم التدريب العسكري ،في كافة مجالات فنون القتال ، البري والبحري والجوي ، مع التركيز على تدريب قوات الصاعقه بشكل خاص ، الى جانب تقديم المعلومات الاستخباراتيه للفدائيين.
وبعد ان شرح الرئيس عبد الناصر التوجهات المصريه الاساسيه ، والمتعلقة بالمواجهة العربية مع اسرائيل وسياسة ازالة آثار العدوان ، طرح الرئيس عبد الناصر سؤالين هامين ، على وفد حركة فتح ، ١ ) هل بامكانكم الاشتباك مع العدو ، داخل الارض المحتله في الضفة وقطاع غزه آنذاك ، ولو برصاصة واحدة يومياً وبشكل متواصل ؟
فكان رد الاخ ابوعمار واخوانه بالايجاب والتأكيد على ذلك بشكل قطعي ابداً .
٢) وهل بامكانكم ، لاحقاً، الوصول الى مرحلة تثبيت لواء ، من الوية الجيش الاسرائيلي في الارض المحتله ومشاغله بشكل متواصل ؟
فكان الجواب بنعم دود تردد ،لا بل ان الاخ ابوعمار قد اكد للرئيس عبدالناصر ان الفدائيين الفلسطينيين سيكونون قادرين على تثبيت فرقة كامله ، من فرق الجيش الاسرائيلي ، في الاراضي المحتله سنة ١٩٦٧ .
انها الاسئلة المفتاح ، لما كان يدور في خلد الرئيس عبد الناصر آنذاك ، الا وهو الاستعداد لخرب الاستنزاف على الجبهة المصريه والتي بدأت ، عملياً بتاريخ ١/٧/١٩٦٧ ، عندما حاولت قوة مدرعه اسرائيلية مهاجمة مدينة بور فؤاد ( الاجزاء الشرقيه ، الواقعه شرق مجرى قناة السويس ، من مدينة بور سعيد تسمى بور فؤاد ) . تلك القوه المدرعه الاسرائيليه ، التي تصدت لها وحدات من قوات الصاعقه المصريه وامطرتها بوابل من الصواريخ المضادة للدبابات ، الى جانب الاسناد المدفعي ، من قبل بطاريات المدفعية المصريه غرب قناة السويس ، مما ادى الى تدمير القوة الاسرائيليه بالكامل ، وهي المعركة التي تعرف باسم معركة رأس العش ، في السردية العسكريه المصريه ، الامر الذي كان له تاثيرات معنوياً كبيرا ، في مختلف انحاء العالم العربي .
ومن الطبيعي ان الدعم المصري اللامحدود ، المقدم للفدائيين الفلسطينيين ، منذ لقاء قادتهم الاول ، مع الرئيس جمال عبد الناصر ، قد بدأ يظهر في الميدان ، خاصة في غور الاردن ، حيث كانت تتواجد عشرات القواعد الفدائيه ، التي كان فدائيوها ينفذون العديد من العمليات العسكريه ، ضد مستوطنات العدو ومواقع قواته ، غرب نهر الاردن ، اي في الضفة الغربية …..بحيث كان بامكان سكان المدن الجبليه في الاردن ، مثل مدينة السلط الجبليه ،مشاهدة نيران الفدائيين غرب النهر كل ليلة تقريبا .
ومن الجدير بالذكر ان حرب الاستنزاف على الجبهة المصريه قد رافقتها خرب استنزاف اخرى ،على الجبهتين الاردنيه والسورية ، حيث كان للفدائيين الفلسطينيين وجوداً عسكريًا كثيفاً في الجولان السوري وفي محافظة درعا وارياف دمشق الجنوبيه والجنوبيه الغربيه .
ولا بد من الاشارة ايضاً الى ان الفدائيين الفلسطينيين قد عملوا باستمرار على توثيق علاقاتهم وتعاونهم الميداني مع وحدات الجيش الاردني ، المنتشره على خط الجبهة شرق نهر الاردن وكذلك مع وحدات الجيش العراقي ، التي كان يقودها الجنرال حسن النقيب وشاركت في حرب سنة ١٩٦٧ وبقيت متمركزة على الجبهة الاردنيه ، وكان تعدادها في حدود ستين الف جندي لطالما قدموا الدعم التسليحي للفدائيين.
استمرت العمليات الفدائية في تصاعدها طوال اشهر تموز واب وايلول ….وحتى نهاية ١٩٦٧ وبلغت ذروتها في معركة الكرامه يوم ٢١/٣/١٩٦٨ ، التي حصلت بين الفدائيين الفلسطينيين والوحدات الاسرائيليه التاليه :
اللواء المدرع رقم ٨٠ / لواء المظليين رقم ٣٥ /لواء المشاة رقم ٨٠ / ، وغطاء جوي ،شاركت فيه مائة واربعين مقاتلة اسرائيلية وعشرين مروحية هجوميه ،لتقديم الدعم الناري للقوات خلال المعركه ، ،الى جانب القصف المدفعي الاسرائيلي شاركت فيه خمسة كتائب مدفعية ميدان ثقيله، كانت تشارك في تقديم الغطاء الناري ، من مرابضها غرب نهر الاردن .
ففي فجر يوم 21/3/1968 م، تقدمت ثلاثة ارتال اسرائيلية مدرعه ، على جبهة تمتد من جسر الملك عبد الله شمال البحر الميت وحتى جسر داميا ،على بعد اربعين كيلومترات الى الشمال، وكان رأس الهجوم وزخمه الاساسي يتجه الى مخيم الكرامه ، حيث كانت تتواجد فيه العديد من القواعد الفدائيه ، بالاضافة الى مقر القياده العامه الاماميه .
ومنذ ان اجتازت اولى المدرعات الاسرائيلية نهر الاردن شرقًا ، باتجاه مخيم الكرامة ، اشتبكت معها كمائن الفدائيين الفلسطينيين ، الذين كانوا على استعداد تام لدخول المعركه ويمتلكون معلومات استخباراتيه دقيقه ، عن محاور تقدم العدو وعديد قواته المشاركه في الهجوم ، ما جعل تصديهم لدبابات العدو ، في بداية الهجوم المدرع الاسرائيلي ، يسفر عن تدمير أحد عشر دبابة على قاطع جسر الملك حسين ( المعبر الحالي بين الاردن وفلسطين والواقع شرق مدينة اريحا ) ….وقد استمرت المعركه ، على مختلف المعارك لمدة ١٨ ساعة متواصله ، قام خلالها الفدائين الفلسطينيون بتدمير العشرات من دبابات العدو وناقلات الجند المجنزرة ، في عمليات تخللتها عمليات استشهاديه نفذها الفدائين ضد الدبابات الاسرائيلية وتجمعات قواته المظليه ، في ما عجز سلاح الجو الاسرائيلي عن منع هزيمة قواته وتدميرها ، نتيجة للالتحام المباشر بين الفدائيين والقوات الاسرائيلية المهاجمه ، الامر الذي اجبر قيادة العدو على اتخاذ قرار بالانسحاب من كل المحاور والانكفاء غرباً الى داخل الارض المحتله .
وقد شكل هذا القرار فرصة لسلاح المدفعية في الجيش الاردني والجيش العراقي، حيث قامت مدفعية الجيشين بتنفيذ قصف مركز على محاور انسحاب قوات العدو، الامر الذي زاد من خسائر العدو في الارواح والعتاد .
في الوقت الذي استشهد فيه ٨٤ جندياً اردنياً ومائة فدائي فلسطيني( ١٠٠ فدائي ) .
شكلت معركة الكرامه ذروة العمل الفدائي الفلسطيني آنذاك ، حيث نجح الفدائيون في ابادة لواء مدرع اسرائيلي مع القوات المساندة له وليس تثبيته ، لمنعه من المشاركه في حرب الاستنزاف على الجبهة المصريه ، ما اعطى زخماً كبيرا جداً للعمل الفدائي الفلسطيني ودفع بالآف الشبان الفلسطينيين والعرب بالانخراط في العمل العسكري الفلسطيني،ضد اسرائيل ، من خلال الوجود الفدائي على الجبهة الاردنية والسورية .
وهذا ما جعل العمل الفدائي الفلسطيني يكتسب دوراً ريادياً في المعركة ضد العدو ، سواءً خلال حرب الاستنزاف على الجبهات الثلاث ام خلا حرب تشرين سنة ١٩٧٣ والتي شاركت فيها قوات منظمة التحرير الفلسطينيه بفاعلية على الجبهتين المصريه والسورية .
وفي الحقيقة فان تأثيرات الانتصار في معركة الكرامه سنة ١٩٦٨ لم تقتصر على الجانب المعنوي ، فلسطينياً وعربيا ، بل كان لها بالغ الاثر على العلاقات الدوليه ، لمصر وللرئيس جمال عبد الناصر بشكل خاص ، وهو ما جعل الرئيس المصري يجري اتصالات مكثفة مع القيادة السوفييتيه ، التي لم تكن على علاقة مع المنظمات الفدائيه الفلسطينيه ( كانت تعتبرها تنظيمات متطرفة حسب ما كانوا يقولون انه العقيده الماركسيه اللينينيه ( التحريفية طبعا)…. ،اتصالات ومشاورات مهدت لاجراء اول لقاء فلسطيني سوڤييتي ، حيث اصطحب الرئيس جمال عبد الناصر قائد حركة فتح ،آنذاك ، ياسر عرفات في زيارة سرية الى موسكو ،اجتمع خلالها الزعيمين مع الزعيم السوفييتي ، آنذاك ، ليونيد برييجنيف ، لتوطد بعد ذلك العلاقات بين الثوره الفلسطينيه ومنظمة التحرير الفلسطينيه من جهة وبين الاتحاد السوفييتي من جهة اخرى ، ما كان يعني توسيع قاعدة العمل المشترك لتحقيق الاهداف الغربيه ، اذ كان التحاد السوفييتي حليفاً لمصر وسوريا وغيرهما من الدول العربيه ، وكان له دوراً مميزاً في تزويد الدول العربيه بالاسلحه ، من منطلق ان تلك السياسه ( سياسة التعاون العسكري مع الدول العربيه ) تعزز بشكل كبير المواقف السوفييتيه ، المعاديه للولايات المتحده وحلف شمال الاطلسي وسياساتهما العدوانيه في العالم .
اذن نجح العمل الفدائي الفلسطيني ، آنذاك ،في تثبيت معادلة معينة مع جيش الاحتلال ، وها هم أشبال أسود ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ينجحون في تثبيت ( شل قدرات وتحويل عن المهمات الاساسيه للجيش ) نصف قوات الجيش الاسرائيلي ، حسب اعترافات قادة العدو من مختلف الاتجاهات العسكريه والامنيه ، وذلك في الضفة الغربية وحدها ، بما فيها القدس طبعاً لانها جزء من الضفة الغربيه التي احتلت سنة ١٩٦٧ . وما التعامل مع القدس ، في الاعلام المعادي والاعلام الصديق على انها وحدة جغرافية منفصله ، عندما يستخدم تعبير الضفه الغربيه والقدس ،فانما يقوم هذا الاعلام بصب مياهه في طواحين العدو الاعلامية والنفسيه ويساهم في تهويد القدس وتعزيز الرواية الاسرائيلية.
وعليه ، فان الفدائيين الفلسطينيين ، الذين ينفذون عملياتهم حالياً في كل انحاء الضفة الغربيه انما هم تمكنوا من انهاء فعالية نصف الجيش الاسرائيلي وشل قدرات هذا النصف ، في اي حرب قادمة على اي جبهة من الجبهات .
علماً ان المعنى الدقيق لهذا الواقع ، الذي تعيشه الضفة الغربيه ، قد اخرج نصف الجيش الاسرائيلي من اي معركة قادمه ، سواءً على الجبهة الشمالية او الجنوبيه . وهو ما يعرفه قادة العدو ويخشون تداعياته في المستقبل .
ولا بد ، في هذا الصدد ،من التنويه بان الاعمال الفدائي المنتشر حالياً في الضفة الغربيه ، لا يزيد عن نسبة ١٪ من امكانيات الشعب الفلسطيني ،داخل فلسطين المحتله سنة ١٩٤٨ و ١٩٦٧ . وهو الامر الذي لا زال العدو مرتبكاً في تقدير نتائجه وتأثيراته ، على قدرات جيشيه العسكريه ، في حالة نشوب حرب شمالاً او جنوباً . خاصةً وان التقييم الاولي ، لما يحصل من عمليات فدائية في الصفه ، تشي بقدرك قتالية عالية وتنظيماً دقيقاً واستخداماً مبرمجاً لقدرات الشبان الفلسطينيين هناك،رغم كل ما يدعيه ( او يمنون به النفس ) متان هذه الاعمال هي اعمال يقوم بها شباننا ينتمون لاي تنظيم فلسطيني من الفصائل المعروفه .
ولكن حتى لو افترض المرؤ ان ذلك صحيحاً ، فان الاهم من كون الشبان ينتمون او لا ينتمون لفصائل فلسطينية بعينها ، الا ان ادائهم او فعلهم في الميدان ، قادرعلى الحاق اكبر الضرر بالجيش الاسرائيلي ، في حالة وقوع حرب . فخطوط امداده ، كلها وبدون استثناء وفي الاتجاهات الاربعه ، تمر من مناطق ذات كثافة سكانية عربية فلسطينيه . وعليه فان جميع خطوطه هذه معرضة للضرب والتعطيل ، اضافة الى ما قد تتعرض له قواعده العسكريه الثابته ، في الضفة الغربيه ومناطق ١٩٤٨ ، من عمليات سوف تؤثر بشكل خطير جداً على امدادات الجيش الاسرائيلي المتجهه الى جبهات القتال .
فكيف اذا ما اضاف المرؤ آلاف الصواريخ ، التي ستنهمر على البنى التحتيه العسكرية “والمدنية ” الاسرائيلية كل يوم ؟ هل فكّرَ قادة اسرائيل بمثل هذا المأزق ؟ وهل يعتقدون ان عرضهم،المقدم من خلال ” وسيط ” لمجموعة ” عرين الاسود “في نابلس سيخل معضلتهم الاستراتيجيه ؟
قطعاً لن يكون ذلك ….. انهم يعرفون ان مصير كيانهم الى زوال ، طبقاً لما يقوله قاده عسكريون سابقون ومحللون سياسيون وغيرهم في اسرائيل ، وتنشره الصحافه العبريه ، وعلى رأسهم رئيس الموساد تامير باردو ، الذي تنبأ بزوال هذا الكيان ونشرت تنبؤاته صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية في شهر حزيران الماضي .
من هنا يأتي موقف إسرائيل ، المنحاز كلياً لاوكرانيا وللمشروع الصهيو اميركي في اوكرانيا وجنوب غرب روسيا ،وصولاً الى مدينة ستالينغراد الى نهر الفولجا في الشرق ، والقاضي باقامة اسرائيل ثانية في تلك الجغرافيا ، لقناعة ممولي مشروع الصهيونيه العالميه بحتمية زوال دولة إسرائيل الحاليه ، نظراً لانقلاب موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط لغير صالح ذلك المشروع .
بعدنا طيبين قولوا الله
التعليقات مغلقة.