خلفيات اللقاءات الصينية العربية بالسّعودي / الطاهر المعز




الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 14/12/2022 م …

بينما كانت الولايات المتحدة تخطط مع الكيان الصهيوني لتنفيذ مناورات عسكرية ضخمة تُحاكي عُدْوانًا على إيران، كانت السعودية تستقبل الرئيس الصيني الذي أدّى زيارة تاريخية، لمدة ثلاثة أيام، انتهت يوم العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2022، بعد إشرافه على القمة الصينية العربية، ضمن مجموعة من اللقاءات دامت ثلاثة أيام، استغلّتها الصين لتعزيز مكانتها وبث الدّعاية لصالح مشروعها “الحزام والطّريق” (Belt and Road Initiative )، أو طريق الحرير الجديدة، التي أطلقتها الصين سنة 2013، وتشمل كذلك إيران، وغرب آسيا وضِفَّتَيْ البحر الأحمر وشرق إفريقيا، للإلتفاف على الحصار والعقوبات الأمريكية التي والتّهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” ووزيرته للخارجية “هيلاري كلينتون”، ونائبه آنذاك “جوزيف بايدن” الذي زاد من هذه التهديدات الأمريكية والإستفزازات التي جسّدتها زيارة رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” إلى تايوان (02 آب/أغسطس 2022)، وادّعى الرئيس الصيني أن حكومته “تُساعد الدّول العربية على أن تظل مستقلة وتحافظ على مصالحها المشتركة وتستكشف بشكل مستقل مسارات التنمية الملائمة لظروفها الوطنية وتعمل بثبات على إبقاء مستقبلها بأيديها… واستعداد الصين لدعم استقلالية وكرامة ومصالح البلدان السائرة في طريق النّمو…”ويتضمن مشروع الحزام والطّريق استثمارات صينية ضخمة في مجال البُنية التحتية، كالطرقات والسكك الحديدية والموانئ والطّاقة، لتتمكّن الشركات الصينية من تأمين المواد الأولية وتأمين طرق ومسارات التجارة الصينية مع آسيا وأوروبا، وأعلنت السعودية، في بداية سنة 2022، انضمامها للمشروع الصّيني، وحاول رئيس الصين، يوم التاسع من كانون الأول/ديسمبر 2022، إقناع دُوَيْلات الخليج المُصدّرَة للنفط والغاز التّعامل باليوان ( العُمْلَة الصّينية)، مقابل زيادة حجم واردات الصين من المحروقات الخليجية، ما يُساعد على استقرار أسعارها، فضلاً عن زيادة الإستثمارات الصينية في الخليج، وتعزيز التعاون الأمني وكذلك في مجال نقل المحروقات وتكريرها، وإن تحقق ذلك ستكون ضربة قوية للدّولار الذي يتم يُعدّ مرجعيةً لتقويم أسعار المحروقات والمواد الأولية.    

لقِيَ الرئيس الصيني استقبالا حسنا السعودية، خلال أول زيارة له منذ سنة 2016، وسوف تليها زيارة عدة وفود سياسية وتجارية صينية، في الأيام المقبلة (قبل نهاية العام 2022)، لإبرام اتفاقيات استراتيجية طويلة الأمد، بقيمة ثلاثين مليار دولار، في المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية، وتدشين “مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ تطور العلاقات الصينية العربية”، بحسب وسائل إعلام سعودية، يوم 10 كانون الأول/ديسمبر 2022…

ارتفعت تجارة الصين مع السعودية بنسبة 39% ، بين سَنَتَيْ 2020 و 2021 ، لتصل إلى 87,3 مليار دولار، على عكس التجارة الأمريكية السعودية التي انخفضت من 76 مليار دولارًا سنة 2012 إلى 29 مليار دولار سنة 2021، وتتم بعض المعاملات التجارية بين بكين والرياض بالعملة الصينية ( يوان)، مما سيُعَكِّرُ العلاقات الأمريكية السعودية، وفي الأشهر العشرة الأولى من سنة 2022، بلغت قيمة الواردات الصينية من السعودية 57 مليار دولار، وبلغت الصادرات الصينية إلى المملكة 30,3 مليار دولار، بالإضافة إلى ذلك، قامت الصين بدمج أنظمة الجيل الخامس ( 5G ) وتعمل على إنشاء مركز تكنولوجي كبير يركز على بيع الإلكترونيات في السعودية والخليج، وتُعوّل السعودية على الصين لمساعدتها في تطوير قطاع تصنيع محلي، وعندما يتعلق الأمر بالأعمال (الاقتصاد والتجارة)، فلا حديث عن المُنَغِّصات مثل حقوق الشعب الفلسطيني أو اليمني أو السوري. أما السعودية فهي تستورد كميات كبيرة من النفط الروسي بسعر مخفض ثم تُعيد بَيْعَهُ إلى أوروبا بسعر السوق.

تدّعي حكومة الصّين أنها تتجرّد من الإعتبارات السياسية في المعاملات الإقتصادية، ولذلك تعقد صفقات مع جميع الدّول، وتتعاون الصين مع إيران منذ عدة سنوات وأبرمت اتفاقية بقيمة 25 مليار دولارا مع الصين، على مدى 25 سنة، لتطوير مجالات الطاقة والأمن، وقعت إيران صفقة مماثلة بقيمة 25 مليار دولار ( لفترة 20 عامًا) مع روسيا يمكن أن تتوسع إلى 40 مليار دولار، وتشمل الإستثمارات الرّوسية حقول النفط والغاز الطبيعي الإيرانية في السنوات المقبلة.

تطمح الصين لِخَلْقِ مناخٍ من الاستقرار يُساعد على الاستثمارات الاقتصادية طويلة الأجل، مما يمثل فرصة جيدة للمستثمرين الصينيين الذين يرغبون في غزو غرب آسيا الغنية بالنفط والغاز ومزاحمة النّفُوذ الأمريكي العَريق، وفي الرابع من آب/أغسطس 2022، وقَّعَت شركة النفط السعودية “أرامكو” مذكرة تفاهم مع شركة النفط والكيماويات الصينية لتوسيع اتفاقية التعاون التي تم إلغاؤها (بضغط أمريكي) سنة 2017، بقيمة 65 مليار دولار لبناء مِصْفاتَيْن في الصين وواحدة في السعودية، كما تقوم الشركات الصينية ببناء خطوط السكك الحديدية وبيع القطارات في المملكة العربية السعودية منذ عشر سنوات…

على الصعيد الدبلوماسي ، تأمل روسيا والصين في بدء عملية مفاوضات دبلوماسية بين دول الخليج وإيران، وتنشط الصين بشكل خاص، بانتهازية، لأن الخلافات بين السعودية وإيران تؤخر إنجاز أعمال ميناء غوادر في باكستان، وهو جزء مهم من المشروع الصيني “الحزام والطريق” وكانت السعودية قد بَدأت بناء مصفاة بقيمة عشرة مليارات دولار في هذا الميناء الذي يُنافس ميناء تشابهار الإيراني الواقع على بعد أقل من 170 كيلومترًا، وتستثمر السعودية أيضًا مبالغ هامّة في باكستان لرعاية التيارات الإسلامية الرجعية والمحافظة ( الوهّابية المعادية لإيران، ولكل فكر تقدمي) ما من شأنه أن يخلق مشاكل أمنية لإيران، انطلاقًا من مقاطعة بلوشستان في باكستان، حيث تمتد الحدود بين الدّوْلَتَيْن المُتَجاوِرَتَيْن (إيران وباكستان) بطول 800 كيلومتر، وتتخوف إيران من أن يُؤَدِّيَ الاستثمار السعودي في ميناء غوادر إلى حرمانها ( إيران ) من الوصول إلى سوق النفط الرئيسي في الصين ( التي استوردت أكثر من 700 ألف برميل نفط إيراني يوميًا سنة 2021) وإلى دول أخرى في آسيا، خاصة وأن الحظر الأمريكي يحرم إيران من السوق الأوروبية. .

يتمتع ميناء غوادر بأهمية جيوسياسية في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذْ سلمت باكستان الميناء بعقد إيجار مدته أربعين عامًا إلى شركة صينية تديرها الحكومة، ستتولى إدارة الأنشطة الرئيسية للميناء، وتقدر إيراداتها بنحو 68 مليار دولار.

يسمح ميناء غوادر للصين بتقليص الرحلة بين الخليج والحدود الصينية، من أربعين يومًا حاليًا إلى سبعة أيام فقط بعد انتهاء الأعمال …  

خاتمة

تنطلق معظم التحليلات المنشورة بوسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية بشأن زيارة الرئيس الصيني للسعودية من زاوية الأجندات السياسية لدول حلف شمال الأطلسي (وكالة رويترز 30/11/2022 ووكالة الصحافة الفرنسية 09/12/2022، على سبيل المثال) وتُهمل التّطرّق إلى التغييرات الجيوسياسية، وذلك منذ احتلال العراق، حيث أنشأت الصين وجامعة الدّول العربية “منتدى التعاون الصّيني العربي، منذ سنة 2004)، ومنها التقارب المتزايد من الصين وروسيا وخلفيات قرار خفض إنتاج النفط من قِبَل أكثر الأنْظِمَة رِجْعِيّةً، مثل السّعودية، ومنها كذلك عدم اصطفاف هذه الأنظمة التابعة وراء الموقف الأمريكي/الأطلسي من الحرب في أوكرانيا، وإهمال عوامل أخرى مثل انخفاض الطّلب على النفط، ما أدّى إلى خفض الإنتاج، وظهور أهمية الأسواق الآسيوية، لاستيعاب إنتاج المحروقات، ولتطوير العلاقات الإقتصادية والتجارية بين الطّرَفَيْن، خصوصًا مع اختلاف وسائل الهيمنة الصينية وتتأكيد الصّين على “الإحترام المتبادل” وعلى “عدم التّدخّل في السياسات الدّاخلية” لأي دولة، خلافًا لدول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي ترفع شعار “الدّيمقراطية” و”حقوق الإنسان” ككلمة حَق أُرِيدَ بها باطل، ومنذ إعلان المشروع الصيني “مبادرة الحزام والطريق”، سنة 2013، أصبحت السعودية واحدة من أهم وجهات الإستثمارات الصينية، ما جعل السعودية توافق (آذار/مارس 2022) على مبدأ بيع النفط إلى الصين باستخدام اليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي.، ما يُهدّد مكانة الدّولار في منظومة التحويلات المالية العالمية…  

إن بروز الصين كقوة عظمى، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، مهم للدول العربية، كما للعديد من الدول الأخرى، لأنه قد يدفعها لتنويع شركائها والابتعاد عن التبعية الغربية وخاصة الأمريكية، المُستمرة لعدة عقود، شْرط أَنْ لا يكون ذلك بمثابة استبدال هيمنة بأُخْرَى، وتأتي زيارة الرئيس الصيني التاريخية إلى الخليج في ظروف زادت بها مخاوف من تباطؤ الاقتصاد الصيني، ومن إقرار مجموعة السّبْع الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي، بالتزامن مع زيادة رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وجاءت هذه الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية السّعودية بعض الإضطراب الطّفيف، في أعقاب قرار خفض إنتاج النفط من قِبَلِ مجموعة الدّول المُصدّرة للنفط وبعض المُصدّرِين من خارجها، وفي مقدّمتها روسيا، أو ما يُسمّى ” أوبك + “، يوم الرابع من كانون الأول/ديسمبر 2022، رغم الضغط الأمريكي لتأجيل القرار، فاضطرّت الولايات المتحدة إلى الإفراج عن النفط من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي، من أجل إغراق الأسواق وخفض أسعار النفط الخام…

 ما هذه الأمثلة سوى نماذج من مظاهر التغييرات الجارية في العالم، والتي يندرج ضِمْنها تطور العلاقات بين الأنظمة العربية، وغيرها من أنظمة بلدان “الجنوب”، والصّين…

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.