فلسطين … في لقاء مع والدة الشهيد تامر زيد الكيلاني … اغتيال بصمت وسط اشتداد معارك الفدائيين الجدد
الأردن العربي – الخميس 15/12/2022 م …
كتبت صافيناز اللوح:
انفجار ضخم هز حارة الياسمينة، دخان تصاعد من المكان، وقطع حديدية تناثرت هنا وهناك.. استنفر الفدائيون وخرجوا حاملين أسلحتهم على صدورهم، وصلوا إلى المكان وبأصوات حناجرهم العالية بدأوا التكبير.. ومن الجهة الأخرى تسمع أصوات الإسعافات التي لبت نداء استغاثة من المواطنين، ومن ثم نقلوا الجثمان إلى مستشفى رفيديا وبغرفة العمليات تكاثف الأطباء في محاولة من أصحاب الرداء الأبيض لإنقاذ حياة ذلك الفدائي، لكن الشهادة قد تمسكت به فخرجوا بفخر وعزة معلنين استشهاده أمام المجتمعين، ليحمله رفاقه على الأكتاف بالزغاريد والرصاص الذي خرج من فوهات بنادقهم “مكبرين، مهللين، غاضبين، ومودعين” لرفيق دربهم وصديق بنادقهم.
تامر سفيان فواز زيد الكيلاني ولد بتاريخ 18/11/1989، شابٌ طويل القامة صاحبُ بسمةٍ لا تفارق وجهه، ينادونه بـ”أبو يامن”، عفوي بتعامله مع محيطه وأصدقائه فسكن قلوب أبناء “جبل النار”، صلب، شهم، شجاع، شرس على جنود الاحتلال، لم تثنِه كثرة الاعتقالات ولا التهديدات المستمرة، فكان رافضًا خيار الاستسلام لعدوه.
يامن عامين ووتين أربعة أشهر، أطفال الشهيد تامر الكيلاني الذي ترك لهم وصيته بأن يكونوا سنداً لبعضهم، ليعيشوا بين أحضان عمهم الوحيد فواز 35 عاماً، و3 من الفتيات الأشقاء بمساندة والديه.
والدة الشهيد تامر الكيلاني التي تحدثت معنا، عن نجلها الذي سجل بصمته في سجل الفدائيين الجدد كأحد قادة عرين الأسود في بلدة نابلس القديمة وحارتها الياسمينة.
اغتيال بواسطة دراجة نارية مفخخة..
في فجر 23/10/2022.. مرّ الكيلاني حاملاً سلاحه على كتفه من حارة الياسمينة، كعادته في كل ليلة ليتفقد رفاقه الذي لازمهم لفترة من الزمن، لكن الشهادة كانت أحب وأسرع إليه من رؤيتهم مرة أخرى في تلك الليلة، اقترب من دراجة نارية مفخخة تم وضعها في تلك المنطقة فانفجرت لحظة مرور، بجريمة اغتيال جديدة وبطريقة قديمة مستحدثة استخدمها الاحتلال الإسرائيلي لقتل الفدائيين في البلدة القديمة بمدينة نابلس.
تقول والدة تامر، إنّ جيش الاحتلال عن طريق عملاءه والشاباك قاموا بتفخيخ دراجة نارية وضعوها في طريق الشهيد الكيلاني، وبقيت لمدة يومين حتى سار تامر في تلك المنطقة وقاموا باغتياله عن طريق تفجير الدراجة، بواسطة طائرة مسيرة أو ريموت لا أحد يعلم، ولكن كانت الدراجة تحمل مواد متفجرة 2 كيلو “تي أن تي”.
“عرين الأسود” نعت انذاك في بيان صدر عنها، شهيدها الكيلاني واصفة إياه بانه من أشرس مقاتلي المجموعة، موضحةً أنه استشهد بانفجار عبوة “تي ان تي” لاصقة، بنفس طريقة اغتيال الشهيدين الناني جوابرة وباسم أبو سرية “مقاومان استشهدا بانفجارين منفصلين خلال انتفاضة الأقصى”.
وكشفت مجموعة العرين، بأنه “تم وضع دراجة نارية في أحد حارات نابلس، وأثناء مرور الشهيد كيلاني بجوارها تم تفجير الدراجة.”
وأضافت، أن “هذا الاحتلال لا يواجه بشرف العسكرية ولا يعلم عنها شيئًا ولم يدرسها ولم يدرس إلا طرق الخسة والنذالة والغدر هو ومعاونيه”، واعدة بكشف تفاصيل عملية اغتيال الشهيد الكيلاني، ومتوعدة “الاحتلال وكوخافي في ليلته الأخيرة برد قاس وموجع ومؤلم”.
أب يشيّع فلذه كبده على كتفه وزوجته نعته شهيداً..
حمل والد تامر نعش فلذة كبده، في مشهدٍ مختلف بفلسطين تبدلت فيه الأدوار، فطالما يسير الأبناء بآبائهم نحو المقابر، إلا أنّ الشباب يتسابقون نحو الشهادة، والآباء يزفون أبناءهم إلى الجنان، وحولهم المشيعون يهتفون بصوتٍ واحد بـ”بالروح بالدم نفديك يا شهيد” ومطالبون بالثأر: “يلي بتضرب عالأقسام سمعني صراخ اليمام”.
أما زوجة الشهيد تامر “شيماء”، التي استيقظت على صوت انفجارٍ أفاق سكان البلدة القديمة بنابلس، لكنها رأت المشهد بشكل مختلف، رأت خيال زوجها بكفن، وتخايل إليها صورته في السماء، مرةً أخرى استنجدت بالهاتف المحمول ليخرجها من قلقها، اتصلت به مرة، واثنتين وثلاث، وكررت الاتصال، لكن “الهاتف في كل مرةٍ كان مغلقًا”.
أرسلت شيما للشهيد تامر آنذاك، رسائل على تطبيقات “واتساب، ومسنجر”، وبعثت رسالة صوتية في أكثر شيء يحبه: “يامن ووتين اشتقولك، رد عليهم”، دون جدوى، فقادها قلبها إلى المشفى، وهناك تقابلت مع شقيقها، ووقفت أمام الحقيقة التي لم يخفها: “تامر عند رب العالمين”، صرختْ وهي تعلم الإجابة: “يعني شهيد!؟”.
وأضافت “أم فواز” قائلةً: إنها رأت نجلها الشهيد تامر قبل استشهاده بأسبوع ولمدة 3 أيام، ليأتي لها خبر استشهادها عن طريق ابنتها الساعة الثالثة فجراً، وأخبرتها باستشهاد فلذة كبدها.
وأكدت والدة الشهيد ، تقبلت استشهاده لأنني طنت أعلم بنهاية الطريق التي سار بها منذ سنوات طويلة، وكان تامر مرابطاً في حارة الياسمينة ولا نراه لأيام متتالية”.
من أصعب اللحظات التي مررت بها في حياتي كانت لحظة أن عرفت أن تامر مطلوب لجيش الاحتلال، هذه الكلمات التي تأثرت بها والدة الشهيد الكيلاني، حينما سألناها عن معرفتها بعمل نجلها الفدائي.
وأوضحت ، تامر في الفترة الأخيرة، لم يعود إلى المنزل لفترة طويلة، وكنا نزوره في حارة الياسمينة والبلدة القديمة، وفي إحدى المرات كنت قد حلمت بوالدة الشهيد وديع الحوح وحينها تأثرت لأنني تأكدت أنّ وديع سيستشهد وقررت مقابلة تامر لإخباره، وفي ذلك اليوم احتضنت تامر كثيراً وتركت ثم عدت وطلبت منه أن يحضنني مرة أخرى”.
وأضافت، تامر له تاريخ نضالي كبير، وهو أسير محرر من سجون الاحتلال، حيثُ اعتقل لمدة 9 أعوام على فتراتٍ متفاوتة، أكثرها 4 أعوام بتهمة انتماءه للجبهة الشعبية وكتائب أبو علي مصطفى، وتنقل تامر في عدة سجون من مجدو إلى النقب.
وبحسب والدة تامر، أصيب الشهيد خلال حياته عدة مرات خلال مواجهات اندلعت مع جيش الاحتلال في مدينة نابلس، مشددة، “أصدقاؤه لن ينسوه، ابني مرضي، لم يقدروا عليه، كنت أتصل عليه كل يوم وهو عائدٌ كان مقدامًا مقبلاً ولم يكن في يومٍ مدبرًا، حتى نال الشهادة”.
رسائل من وسط الوجع..
وفي رسالة قدمتها والدة الشهيد تامر الكيلاني للفدائيين في عرين الأسود وكافة أنحاء الوطن، قائلةً : هم لم يقصروا فجميعهم أولادنا، وأتمنى منهم معرفة من وراء اغتيال تامر.
وتمنت أم فواز، أن تبقى المقاومة في فلسطين يد واحدة بوجه الاحتلال الإسرائيلي، مشددةً أنّ الله اصطفانا وأنً أهالي الشهداء عليهم الايمان باليقين بأن هناك لقاء مع من فقدوا.
وأملت أن تكون الأيام القادمة أفضل، والأوضاع تكون أحسن مما نعيشه، وأن نرى فلسطين محررة من النهر إلى البحر.
ظن الاحتلال الإسرائيلي، أن الصغار سينسون باستشهاد واعتقال المقاومين، لكن الوارثون للسلاح عادوا وسيعود خلفهم الكثير ليحفروا أسماءهم في قلوب الفلسطينيين.. كعدي التميمي وإبراهيم النابلسي ووديع الحوح ومحمد حرز الله، ورعد خازم وضياء حمارشة وجميل العموري وعبد الله الحصري والسعدي ولحلوح والفاروق سلامة، وغيرهم من الشهداء، فهم من أعاد البوصلة نحو القدس في وقتٍ ركن فيه الجيش المهزوم إلى “الهدوء الخادع” ليستيقظ من وهمه على رصاص الثوار الجدد، الذين أحيوا أمجاد الانتفاضة من جديد، فيما عادت الأناشيد الثورية لتصدح في جنازات الشهداء وشوارع المدن ومخيماتها: “كبروا الصغار يا جبل النار.. وصاروا ثوار”.
التعليقات مغلقة.