مفاجأة: تركيا تبيع حلفاءها… وتهرول لخطب ود سورية / د.خيام محمد الزعبي

 

د.خيام محمد الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 2/8/2016 م …

تحولت سورية اليوم إلى عاصمة العالم تطرق أبوابها قوى الشرق والغرب،لأنها تدرك تماماً أن العالم هو من يحتاج إليها وليس العكس، هي من ترسم المعادلات، وتقرر التحالفات،  وتقود المعارك على الأرض لترسم خارطة المنطقة بأكملها، من هذا الباب باتت تعرف أنقرة أن دائرة المصالحات الإقليمية والدولية التي تعمل على تحقيقها، لن تكتمل من دون إستدارة في الموقف من الأزمة السورية، وسبب رئيس من أسباب التوتر في علاقات تركيا هو موقفها من هذه الأزمة، وفي مقدمة هؤلاء موسكو وطهران اللتان لا تزالان تنتظران حتى بعد عودة علاقاتهما مع تركيا، أن تغيِّر الأخيرة من موقفها فيما يخص الأزمة السورية، وتغلق حدودها أمام تدفق الإرهابيين والأسلحة قبل أي حديث عن عودة ناجحة للعلاقات بينهما. 

مما لا شك فيه  إن موضوع أكراد سورية كان بمثابة “الشعرة التي قسمت ظهر البعير” في العلاقات التركية الأمريكية فدعم واشنطن لقوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية في شمال سورية والتخوف من التهيئة لإنسلاخ أكثر من 17 مليون كردي عن تركيا، أزعج أنقرة كثيراً وجعلها تتقارب مع روسيا بمساعدة “إيرانية”، وسبق لوكالة “إيرنا” الإيرانية أن نقلت عن أردوغان خلال المكالمة التي أجراها مع نظيره الإيراني روحاني، إنه لوّح بتشكيل “تحالف ثلاثي” يضم روسيا ولكن هذا يتطلب تعديل الموقف التركي من سورية في المدى القريب.

في عالم السياسة لا شيء مستحيل، فالتطبيع الذي ألمح إليه الرئيس أردوغان أتى وسط ذهول تام من قيادات المعارضة المسلحة السورية التي تستضيفها أنقرة، وأثار تساؤلات عديدة لدى قادة دول المنطقة الذين كانوا قد دخلوا حلفاً مع أنقرة سعياً للإطاحة بالنظام السوري، حيث نقلت صحيفة “الصباح” التركية عن أردوغان تقديره لموقف الرئيس الأسد من الإنقلاب الفاشل في تركيا، حيث قال “إنه رغم العداء الذي وصل حد الدم بينه وبين نظيره السوري إلا انه دان الإنقلاب بينما الحلفاء طعنوه في الظهر”، كما إنتقد أردوغان موقف السعودية وأمريكا وأوروبا من الإنقلاب الفاشل الذي حدث في 15 من شهر تموز الماضي، قائلاً: “لقد طعنونا في الظهر في الوقت الذي كنا بحاجة لدعمهم، وهدد بكشف الأيدي الخارجية التي دعمت الإنقلاب الفاشل في تركيا”،هذا التصريح رفع من إحتمال إحداث أنقرة تغييراً جذرياً في سياستها الخارجية تجاه سورية.

من يتابع الأحداث، وخاصةً تلك المحسوبة على “حزب العدالة والتنمية”، سيجد الكثير من الدلالات التي تشير على التغيرات المتسارعة في مواقف تركيا، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد نحو تحقيق المصالحات مع الجيران وعلى رأسهم سورية، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل تمد أنقرة يدها لدمشق، ولماذا في هذا التوقيت؟.

من الواضح أن عودة تركيا لتقييم سياساتها تجاه سورية يرجع في المقام الأول إلى إدراك تركيا أن ثمة “مصالح مشتركة” تجمعها مع دمشق، مبنية على درء المخاوف ومواجهة التهديدات المختلفة، كما باتت ترى في الرئيس الأسد ضماناً لعدم تهديد تركيا بقيام دولة كردية على حدودها مع سورية تمتد إلى داخل تركيا، وهناك معلومات قد تحدثت عن قلق تركي من إجتماع وزراء الدفاع الروسي والسوري والإيراني في طهران، وقالت إن أردوغان لم يعد يخفي قلقه من هذا التطور الذي يصادف تحركات عسكرية مهمة على الأرض بعد نجاحات الجيش السوري المدعوم من روسيا وإيران وحزب الله.

على صعيد متصل تكسرت أحلام أردوغان التوسعية التي صاحبت الموقف التركي من الأزمة السورية، وذلك بفعل التدخل العسكري الروسي في سورية، و التأزم في علاقات أنقرة مع الغرب، وتآكل دور ما يسمى بـ “المعارضة المعتدلة” لصالح التنظيمات الإرهابية، وصمود النظام السوري الذي صدم تركيا وحلفاؤها من العرب الذين تفاجئوا بقوة الدولة السورية، وبالتالي فإن التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها في سورية، جاءت في غير صالحهم وفشلت وسقطت كل رهاناتهم، وإنهارت المؤامرة.

وفى ضوء كل ذلك، هل يمكن لتركيا التضحية بعلاقاتها مع حلفاءها من أجل الدولة السورية؟!

ليس غريبا أن تدير تركيا ظهرها لحلفاءها وتمضى قدماً في تطبيع علاقتها مع سورية إنطلاقاً من مصالحهما، فتركيا رفعت يدها عن سورية ، اذ لم تعد حلب أولوية تركية، خاصة بعد التدابير التي إتّخذها أردوغان للإنتقام من منفّذي محاولة الإنقلاب الفاشلة وإهتمامه بالشأن الداخلي لبلاده مما أضعف المعارضة المسلحة التي كانت تعتمد على الدعم منه، فضلاً عن سحب تركيا ضباط مخابراتها الذين كانوا ينسقون مع فصائل المعارضة المسلحة في منطقة حلب وريفها كمقدمة لتغيير كبير في الموقف الرسمي التركي تجاه الملف السوري .

مجملاً…هؤلاء الذين راهنوا على أردوغان منقذا أو حليفا عليهم أن يستعدوا للمشهد الجديد، فأنقرة أدركت حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، بالإضافة الى إتساع رقعة الإرهاب، وبادرت الى مراجعة حساباتها، لتجنب التورط قدر الإمكان بالمستنقع  السوري، وإن الأسابيع والأشهر القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف العلاقات التركية السورية، من شأنها أن تحمل المزيد من التطورات والتفاصيل وربما المفاجآت، لأن أنقرة لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع النظام السوري لضرب المتطرفين وأعوانهم، وأن تتراجع عن سياستها الداعمة لداعش وأدواتها، والإنخراط في التسويات والترتيبات الإقليمية والدولية التي تهدف لمواجهة الإرهاب بكافة أشكاله.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.