هي فلسطين! / نهلة الشهال




نهلة الشهال  ( لبنان ) – السبت 17/12/2022 م …
jذكّروا الاحتضان العام الذي لف المنطقة عندما حفر الشبان الستة نفقاً وخرجوا من سجن “جلبوع” شديد الحراسة، وخوفنا عليهم وحزننا لتوقيفهم، كل الانتفاضات صغيرها وكبيرها، وجنازة شيرين أبو عاقلة.. وآلاف الوقائع المشابهة وصولاً الى ما يجري الآن في قطر. هذه الوقائع مقياسٌ للواقع السياسي الذي لا تُشكّله سياسات الأنظمة لوحدها.

ما تلقته إسرائيل خلال مباريات كأس العالم في قطر – والتي ما زالت جارية – من علامات الرفض لتغلغلها في مجتمعات منطقتنا، بل ولوجودها، لن يتسبب بالطبع بهزيمتها بالضربة القاضية. يعني لا ينطبق عليه المثل الدارج والذي يُنْبئ عن عقلية سائدة: “يا طُخه يا اكسر مخه”، عقلية لا ترضى إلا بصيغة وحيدة “قطعية”، وهذا ليس بالمناسبة تطرفاً ولا جذرية، بل هو تجسيد للعدمية، وللافتقار إلى الحسّ السياسي.

وبناء على ذلك، يمكننا أولاً، بل يجب أن نجيز لأنفسنا الفرح حتى ولو كان للحظة عابرة. وهذا مهم كموقفٍ سياسي وليس أقل! نفرح ليافطة عملاقة أعدها مسبقاً الشباب التوانسة تقول “فلسطين حرة”، امتدت على أحضانهم وفوق رؤوسهم في المدرج، أو لـ”تي شيرتات” تفنّن كل واحد وواحدة في طبع شارة فلسطين عليها وشعارات للمناداة بحريتها، أو لأعلام غزت بغزارة الشوارع والملاعب، أو لردود فعل فورية وعفوية تغسل القلب، لأنها تقول رفض التعامل في الشارع مع الأطقم الصحافية الإسرائيلية، وتقول للمراسل: “هي فلسطين” ولا يوجد سواها، أو لسائق سيارة الأجرة الذي رفض تلقي فلوس نقْلِه لهم وأنزلهم ما أن “عرف”، أو لمدير المطعم الذي طردهم.

هؤلاء جميعهم شبان وشابات من بلدان عربية، ولكن معهم أيضاً مشجعون أجانب، تصرفوا بمثل ذلك وقالوا ما لم يعجب الجماعة الذين تمسكوا بحجة الدعوة إلى “الواقعية”، ثم راحوا يشتمون البلد المضيف والـ”فيفا” الذين لم يُجيدوا ضبط هؤلاء “المعتدين”. بل يبدو أن إسرائيل تقدمت رسمياً بشكوى، ولكن ضد من؟ الله أعلم.

وهناك ثانياً لحظ ما يُحبه الإسرائيليون: دور الضحية. تكشف “صدمتهم” بما جرى لهم في قطر – نبذٌ ولكن لم يقع عنفٌ جسدي على أيٍ منهم – أنهم َصدّقوا ما قيل لهم من ترحيب بهم حيثما حلّوا وأن المنطقة العربية “تتغير”. لعلهم نسوا أن سفيرهم في القاهرة أمضى شهوراً لا يتمكن من استئجار شقة لسكنه، إلى أن أُسْكِن في برج عاجي، وأنه لطالما تسبب بخروج الزبائن من المحلات والمطاعم حين يطأها…

ومجدداً، فهذه الوقائع مقياسٌ للواقع السياسي الذي لا تُشكّله سياسات الأنظمة لوحدها. تذكروا الاحتضان العام الذي لف المنطقة عندما حفر الشبان الستة نفقاً وخرجوا من سجن “جلبوع” شديد الحراسة، وخوفنا عليهم وحزننا لتوقيفهم، كل الانتفاضات صغيرها وكبيرها، وجنازة شيرين أبو عاقلة.. وآلاف الوقائع المشابهة وصولاً الى ما يجري الآن في قطر.

ودعكم من الاستفزاز الذي يثيره بالمقابل التباكي الاسرائيلي. لأنه في ردة الفعل هذه فشلٌ كبير لخطة تربية “اليهودي الجديد” منذ تأسيس إسرائيل على أشلاء ضحايا المجازر ضد الفلسطينيين وسائر أبناء المنطقة – والتي ما زالت مستمرة إلى اليوم. التربية “الجديدة” التي تدعوه للعنف.. بحجة “العنفوان” كبديل للمسْكنة وإثارة الإشفاق! وقد دُفعوا إلى ذلك في البرامج المدرسية، وفي التجنيد الإجباري لمدة 3 سنوات، وفي دراسات شتى وخطابات أيديولوجية “أثمرت” تسييد الصلف والعنجهية في الحياة اليومية لأفراد مجتمعاتهم داخل إسرائيل نفسها، كما أنها تُلْحظ في سلوكهم أثناء السياحة أو الدراسة، حيال الآخرين وفي علاقاتهم ببعضهم البعض.

فمتى تيأسون؟ لا القتل يجدي، بدليل الموجات المتجددة من الشباب المقاوِمين في فلسطين، بكل أشكال المقاومة، بينما افتُرض نضوب هذا المنحى. ولا الدعاية والصور مع بعض الرؤساء العرب تجدي. ولا المراهنة على بؤسنا وتخبطنا يجدي. متى تيأسون..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.