من اغتال المناضلة الجنوب أفريقية دولسي سبتمبر*؟ / الطاهر المعزّ
الطاهر المعزّ ( تونس ) – السبت 17/12/2022 م …
* دولسي سبتمبر (Dulcie September ) 20 آب/أغسطس 1935 بجنوب إفريقيا – 29 آذار/مارس 1988 بباريس.
رفضت محكمة باريس، يوم الأربعاء 14 كانون الأول/ديسمبر 2022، طلبات أُسْرة المناضلة الجنوب أفريقية التي اغْتِيلَتْ سنة 1988 بباريس، وكانت الأسرة قد تقدمت بشكوى ضد الدولة بتهمة “الخطأ الجسيم والإهمال وعرقلة مسيرة العدالة”.
ولدت دولسي إيفون سبتمبر سنة 1935 في أثلون، إحدى ضواحي كيب تاون بجنوب إفريقيا، حيث انخرطت منذ شبابها في النضال والمقاومة النشطة للفصل العنصري…
كانت مُدَرِّسَة، قبل اعتقالها واحتجازها في تشرين الأول/أكتوبر 1963، وحكم عليها بالسجن خمس سنوات في نيسان/أبريل 1964، وأفرج عنها سنة 1969 بعد قضاء فترة السجن، لكنها بقيت قيد الإقامة الجبرية لمدة خمس سنوات أخرى، وفي نهاية تلك المُدّة سنة 1973، كانت تبلغ من العمر 39 عامًا، تم نفيها وغادرت جنوب إفريقيا بتصريح خروج بدون عودة، فاتجهت إلى بريطانيا، ولم تَعُدْ أبدًا إلى وطنها، حيث تم اغتيالها، قبل نهاية نظام الميز العنصري.
لم تكن تنتمي إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، عندما كانت بجنوب إفريقيا، ولكنها انتمت في بريطانيا، وأصبحت ممثلة له في العديد من المحافل الدولية، ثم موظفة بدوام كامل في المقر الرّئيسي لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في لوساكا، عاصمة زامبيا، سنة 1981، قبل أن يتم تعيينها سنة 1983، ممثلة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في فرنسا وسويسرا ولوكسمبورغ، ومقرها في باريس، حيث كانت تحقق في مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى جنوب إفريقيا، وهو أمرٌ محظُور بموجب قرارات الأمم المتحدة.
تم تهديد “دولسي سبتمبر” وأشْعرتْ السلطات الفرنسية بالتهديد والمخاطر التي قد تنتج عن هذه التهديدات، لكن السلطات الفرنسية رفضت حمايتها، إلى أن تم اغتيالها صبيحة يوم 29 آذار/مارس 1988، بستة رصاصات أطلقت من مسافة قريبة، منها أربع رصاصات في الرأس، أمام باب مكاتب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالدّائرة العاشرة بباريس، وكان تحقيق الشرطة مستعجل، “فلم يتم التعرف على الجاني” وفي العام 1992، رفضت محكمة باريس القضية وأغلقت الملف، ولا توجد حتى الآن إجابات على العديد من الأسئلة، منها: من قتل دولسي سبتمبر؟ و لماذا ؟
في ذلك الوقت، في فرنسا ، كان الدولة الفرنسية تعتبر نيلسون مانديلا إرهابياً، وتعتبر نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا أرْحَمَ من الأنظمة الحاكمة في إفريقيا (والتي نصبت فرنسا العديد منها)، وإن السود بجنوب إفريقيا، أقل تعاسة من أي مكان آخر في إفريقيا.
رفعت عائلة دولسي سبتمبر دعوى قضائية جديدة، ضد الدولة الفرنسية بتهمة “الإهمال الجسيم”، ولم تبحث عن الجاني ولا أسباب الاغتيال، وطالبت بإعادة فتح الملف وبالاعتراف بهذه الجريمة كجريمة فصل عنصري، وبالتالي في جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وبعد مرور 34 عامًا على عملية الإغتيال، قررت العدالة الفرنسية، يوم الإربعاء 14 كانون الأول/ديسمبر 2022، عدم إعادة فتح هذا الملف، وأنكر جهاز القضاء الفرنسي وجود أي إهمال من جانب الدّولة الفرنسية.
كانت دولسي سبتمبر تحقق في الروابط (العسكرية بشكل أساسي) بين فرنسا ونظام جنوب إفريقيا الذي لم يتردد في القضاء على خصومه، وكانت للدولتين علاقة خاصة في المجالات العسكرية والطاقة، رغم الاتفاقيات الدولية التي تحظر التجارة مع جنوب إفريقيا، وتعتبرها غير قانونية.
في جنوب إفريقيا ، سيعاد فتح الملف.
تُعتبر باريس مدينة غير آمنة لمناهضي الإستعمار، وللمناضلين من أجدل التّحرّر الوطني الذين تم اغتيال العديد منهم، دون حساب ولا عقاب، من بينهم المهدي بن بركة ومحمد بوضياء وباسكل الكبيسي ومحمود الهمشري ومحمود صالح وعُلماء الذّرّة العرب الخ.
التعليقات مغلقة.