عقول «القاعدة» تنتقل تدريجياً إلى سوريا

 

الثلاثاء 2/8/2016 م …

الأردن العربي – كتب عبد الله سليمان علي

لم يعد من قبيل المبالغة القول إن سوريا يجري تحويلها الى عاصمة «الجهاد العالمي»، وفيها «المطبخ السرّي» الذي تقود العملَ فيه كبارُ عقول «السلفية الجهادية» في العالم وأمهر قادتها على الإطلاق. وراء الأسماء الكثيرة للتنظيمات المسلّحة بتفاعلاتها وتحالفاتها وخصوماتها، وخلف تفاصيل الأحداث الدموية اليومية، هناك في مكان ما تقبع ثلّة من الأشخاص يعملون ويفكّرون ويخططون بعيداً عن الأسماء والتنظيمات والتفاصيل، تاركين قيادة المعارك والإشراف على الميادين والجبهات لأهلها من قادة عسكريين وميدانيين.

أما هذه المجموعة الصغيرة، فلديها مهمة أخرى قد تكون الأكبر والأخطر، هي الحفاظ على شعلة «الجهاد» متّقدة وتأمين الظروف والشروط اللازمة لضمان استمرار اشتعالها في سوريا أطول وقت ممكن، وأيضاً لضمان سلاسة انتقالها، كشعلة الأولمبياد، إلى بلد مضيف آخر عندما يحين الوقت، مع الحرص على أن تكون الشعلةُ ساعة الانتقال قد أصبحت أكبر وأكثر توهجاً.

النكهة المصرية تعمّ في أركان «المطبخ السرّي» بل تكاد تكون النكهة الوحيد الطاغية. يصعب تفسير ذلك، لكن لا شك في أن مصريّة ايمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، كانت أحد الأسباب التي وقفت وراء طغيان هذه النكهة في توقيت حسّاس كادت الأمور فيه تتفلّت من يديه ويتحول إلى «ملك بلا مملكة». فلم يعد سراً أن عدداً من كبار قادة «القاعدة» قد انتقلوا من الشتات الذي انتشروا فيه بعد هجمات الحادي عشر من ايلول، ليستقروا مؤخراً في الأراضي السورية. وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن معظم هؤلاء من الجنسية المصرية.

وعكس ما يشاع، فإن القيادات المصرية لم تكن تمانع عملية فك الارتباط بين «النصرة» و»القاعدة»، بل هي التي مهّدت لها وسهّلت القيام بها من دون تعريض بنية «النصرة» لأي اهتزازات قاسية. ويمكن ملاحظة أن الحديث عن فك الارتباط تزامن مع بدء توافد القيادات المصرية إلى سوريا وتحديداً في الربع الأخير من العام 2014. وهو ما يؤكد أن اتخاذ القرار حول هذا الأمر لم يكن بسبب الرغبة في تجنب القصف الجوي فقط، بل تضافرت العديد من الأسباب من بينها التمويه على الانتقال الجماعي لقيادات «القاعدة» إلى سوريا.

كما تشير المعطيات إلى أن بعض هؤلاء القيادات عملوا على إعادة صياغة الإستراتيجية العسكرية المتبعة من قبل «جبهة النصرة» ووضع لمسة خبرات عشرات السنين عليها. ومن أبرز نقاط هذه الإستراتيجية هي سحب اي تهديد للغرب وأميركا من التداول، وهو ما يفسر تراجع الجولاني عن التهديدات التي أطلقها ضد «الشعب الأوروبي» إبان بدء غارات التحالف الدولي في العام 2014. إذ يميل هؤلاء إلى إعادة العمل بسياسة «ضرب العدو القريب» وهي السياسة التي كان يفضلها الظواهري في بداية انخراطه بالجهاد في مصر.

وأبرز القيادات المصرية التي وصلت إلى سوريا مؤخراً، هي: سيف العدل المصري، الذي يوصف بأنه «وزير دفاع القاعدة» واسمه محمد صلاح الدين زيدان، وهو عضو مجلس شورى «القاعدة» والرجل الثالث في التنظيم، وأحد المرشحين لخلافة الظواهري. وكان يترأس «اللجنة الأمنية» في تنظيم «القاعدة» منتصف تسعينيات القرن الماضي، كما لعب «دورًا أساسيًّا في بناء القُدرات التشغيلية للمُنظمة، بفضل خبراته العسكرية التي لا تُقدر بثمن» حسب آري ويسفيوز الباحث في المركز الأميركي لمكافحة الإرهاب. ولكن من غير الثابت ما إذا استقر في سوريا أم عاد وغادرها بعد إتمام مهمته فيها والتي يعتقد أنها تتعلق بتطهير الصف الأول من «جبهة النصرة» من بعض القيادات، وبالتقارب مع بعض التنظيمات الأخرى.

والثاني هو أبو الخير المصري، واسمه عبد الله محمد رجب عبد الرحمن، الذي تبين أنه عُيّن نائباً عاماً لزعيم «القاعدة» خلفاً لناصر الوحيشي الذي قتل في اليمن جراء غارة أميركية، وذلك بعد ظهوره في مقطع فيديو يعطي فيه زعيم «النصرة» الضوء الأخضر لإعلان الانفكاك. قبل ذلك كان أبو الخير المصري مسؤولاً عن التنقل والأمور اللوجستية والمصاريف التي يقدمها لعملاء «القاعدة» ممن يتم ارسالهم بمهام خارجية، بالإضافة إلى منصبه كمسؤول «العلاقات الخارجية» وعضو مجلس شورى. ويقيم أبو الخير ،حالياً، في محافظة إدلب في الشمال السوري في معاقل «جبهة النصرة».

وكذلك انتقل إلى الأراضي السورية القيادي في «القاعدة» أبو محمد المصري الذي كان يوصف بأنه الذراع اليمنى لأسامة بن لادن. وهو ضابط سابق في الجيش المصري ويعتبر من المؤسسين الأوائل لتنظيم «القاعدة» ومن كبار قادته العسكريين، واسمه المتعارف عليه هو عبد الله أحمد عبد الله. ويحمل ألقاباً اخرى مثل أبو محمد الزيات وأبو مريم وصالح، ويعتقد أنه نسيب «أبو الفرج اليمني» الذي كان يشغل منصب مسؤول «اللجنة الشرعية» لجماعة الجهاد المصرية قبل أن يعتقل في العام 2003.

ويعتقد أنه اجتمع في سوريا في وقت من الأوقات خلال الأشهر الماضية ثمانية اشخاص من أعضاء «مجلس شورى القاعدة» وهو عدد كبير ويحمل العديد من الدلالات بخصوص توجهات التنظيم على صعيد الإقامة والتمركز. وهو ما يهدد بوجود نية للتنظيم لتحويل سوريا إلى ملاذ له شبيه باليمن خلال العقد الماضي بعد هجمات الحادي عشر من ايلول.

وبالرغم من عدم توافر أدلّة على اتخاذ تنظيم «القاعدة» قراراً بنقل مركزه إلى سوريا، إلا أن انتقال قسم اساسي من بنيته القيادية إلى الأراضي السورية يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن التنظيم اصبح ينظر إلى سوريا باعتبارها العاصمة الحيوية لنشاطه. وتأتي التحذيرات الأميركية من وجود «مخاوف متزايدة من قدرة «جبهة النصرة» المتنامية على شن عمليات خارجية، قد تهدد الولايات المتحدة وأوروبا» كي تزيد من القناعة بأن سوريا لم تعد في نظر التنظيم مجرد مقر لأحد فروعه، بل هي مقر مركزي ينشط فيه كبار قادة «القاعدة» وتدار من خلاله أكثر أنشطة التنظيم سرية وخطورة.

قد يبدو غريباً الحديث عن ذلك، في الوقت الذي أعلنت فيه «جبهة النصرة» حلّ نفسها وتشكيل تنظيم جديد باسم «جبهة فتح الشام» ليس له أية ارتباطات خارجية، وفق ما قاله زعيمها أبو محمد الجولاني قبل ايام. إلا أن صورية هذه الخطوة والطريقة التي تم إخراجها بها، قد تكون سبباً لترجيح تفسير آخر «للمخالعة الرضائية» بين الطرفين وهو محاولة التمويه والتغطية على نزوح «البنية القيادية للقاعدة» إلى سوريا واتخاذها معقلاً اساسياً من معاقلها، بالإضافة إلى اسباب أخرى فرضتها التطورات الاقليمية والدولية المحيطة بالأزمة السورية. وهناك وجه آخر للمفارقة السابقة قد يبين حقيقة الأمر. فإذا افترضنا أن انفصال «النصرة» عن «القاعدة» حقيقي كما يزعم قادتها، فمن يأوي قادة «القاعدة» المتواجدين في سوريا، ومن يؤمن لهم الحماية؟.

ولا يقتصر تصدير القيادات المصرية إلى سوريا على «جبهة النصرة» فحسب، والتي ينبغي الإشارة إلى أن أحد أعضاء مجلس الشورى فيها يحمل الجنسية المصرية ويعد من القيادات المخضرمة في «الجهاد العالمي» وهو أبو الفرج المصري، واسمه أحمد سلامة مبروك، وظهر إلى جانب الجولاني أثناء إلقائه خطاب إعادة تشكيل الجبهة. بل تعدّى ذلك إلى بعض التنظيمات الأخرى وأهمها «حركة أحرار الشام» التي أصر الظواهري منذ البداية على تمييزها عن باقي التنظيمات واختيارها لتكون محل ثقته وعنايته منذ أن اختار أبا خالد السوري مندوباً له داخل الحركة.

ومن هؤلاء رفاعي طه، ويحمل لقب أبو ياسر المصري، وقد قتل بغارة أميركية في ريف إدلب في نيسان الماضي. ويعتبر من مؤسسي تنظيم «القاعدة» بعد أن رفض مراجعات الجماعة الاسلامية في مصر وترك منصب رئيس مجلس الشورى التابع لها، ويقترب أكثر فأكثر من اسامة بن لادن وأيمن الظواهري ويكون أحد قادة الجماعة التي وافقت على بيان تأسيس «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين» الذي صدر في العام 1998. وتشير بعض المعلومات إلى أن الرفاعي هو الذي خلف أبا خالد السوري مندوب الظواهري السابق في «حركة احرار الشام» بعد مقتل الأخير في العام 2014. وبعد مقتل الرفاعي يعتقد أن محمد شوقي الاسلامبولي، شقيق قاتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، اصبح هو من يمثل الظواهري داخل «حركة أحرار الشام».

وقد قتل مع الرفاعي قيادي آخر، لكنه لم يحظ باهتمام إعلامي كبير، يتناسب مع حجمه القيادي، وهو أبو عمر المصري الذي هو نفسه أبو ربيعة المصري الذي يعتبر آخر قائد لكتيبة «الخطاب» التي قاتلت في الشيشان في تسعينيات القرن الماضي. وكان من اللافت أن أبو يحيى الحموي القائد العام لـ «أحرار الشام» قد نعى هذين القياديين على حسابه على «تويتر»، في إشارة إلى أهميتهما لدى الحركة.

وقد انتسب إلى الحركة في وقت مبكر من العام 2012 أحد أكبر مؤسسي تنظيم «القاعدة» أبو ايوب المصري واسمه شريف محمد فؤاد هزاع، الذي قدم إلى سوريا بعد دعوته من قبل القيادي في الحركة أحمد نجيب. وهزاع من أعضاء جماعة الجهاد المصرية ومن أصدقاء أيمن الظواهري مثله في ذلك مثل الأسماء السابقة.

قد تكفي المعطيات السابقة لتفنيد مسرحية «فك الارتباط» وإثبات صوريتها وعدم مصداقيتها. غير أن هذه النقطة تصبح غير مهمة إطلاقاً في ظل المخاطر التي تكشف عنها معطيات «نزوح القيادات»، بخصوص نظرة «القاعدة» إلى الأراضي السورية. فهل هذا الانتقال هو انتقال مؤقت لتنفيذ مهام محددة، أم هو تمهيد لإقامة طويلة؟.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.