العروبة وفلسطين تتألقان – أوليس هذا مكسبا؟! … إضاءة على المشهد العربي / د. سمير محمد ايوب

د. سمير محمد ايوب ( الأردن ) – الأربعاء 21/12/2022 م …



       وقد انفض سامر مونديال قطر، لا بد من القول بأن هذه ألعلاقة بين  “العروبة وفلسطين” ما زالت مدهشة تماما. فبينما جل الوطن العربي مثقل بانهيارات ومنشغل برماد حرائقه، وخاصة تلك الدول التي سياسيا تشاطئ فلسطين ، كسوريا والعراق ولبنان واليمن ومصر وليبيا، وما يواكب ولو ظاهريا، كل ذلك من مناخات تراجع في الاهتمام بالشأن الفلسطيني، وإذ بحدث محلي – عالمي عابر، هو مباريات كأس العالم لكرة القدم، تضيء حشودُ وقائعها وديناميات فعالياتها، دلالات عميقة على الحضور الطاغي للعروبة وفي اللجة منها فلسطين، وعلى استمرار الأهمية الأخلاقية والسياسية لهما، فما كان البعض يظنه جثة سياسية فلسطينية تتعفن، تبدت قدرتها على استعادة الحياة وتصدر الصفوف الأُوَلْ من الواجهات الاعلامية ،  وأنها باقية كأحد أكبر واهم واعمق مصادر الضمير العربي الجمعي، بل والعالمي المعاصر.
كثيرة ومتنوعة هي المشاهد والمظاهر التي جسدت هذا الحضور المميز والملفت للتبصر، منها:
الهتاف المدوي لفلسطين ورفع علمها وارتداء كوفيتها ووشاحها بعفوية وقصدية، من قبل ملايين الناس هناك وفي مختلف انحاء العالم. وعلى نفس القدر من الحماس والفرح، فجر هذا الحدث ينابيعا من المشاعر النبيلة بين جماهير أمة العرب في كل مواطِنِها، حول كافة الفرق العربية المشاركة، بغض النظر عن لون علمها. وقد كانت كافة وسائل الاعلام تبرع في نقل هذه المشاعر مباشرة، حين كان أي من اللاعبين العرب يسجل هدفا، او تحقق احد الفرق العربية فوزا.
الذباب الاعلامي المشبوه، يضخ منذ سنوات، ليل نهار، كتابات توحي بتراجع الفكر القومي العربي أمام الاصطفاف المَرَضي وراء الدولة القُطرية او الطائفية او العرقية، وبتراجع الدعم الشعبي العربي للقضية الفلسطينية، لانكفاء اهتمامات الشعوب العربية على نفسها لترتيب أوضاعها الداخلية المتعثرة.
بالتأكيد، أن لتلك المشاهد كما ابرزت تجلياتها الميدانية وسائل الاعلام ، أكثر من دلالة وأكثر من مغزى عميق ، منها:
أولا – وجود فجوة حقيقية بين موقف الحكومات والحكام العرب وموقف الشعوب العربية من القضية الفلسطينية الوجودية المصيرية. فقد كشفت آلاف المشاهد تجذر الكراهية للصهيو- نية المحتلة لفلسطين، التي تضمرها شعوب العالم، وفي الطليعة منها أحرار دول عربية تَصَهيَن حكامها. واصرار تلك الشعوب على أن فلسطين قضيتها المركزية، وأن المحتل لفلسطين عدو رئيس لها وليس للفلسطينيين وحدهم. وأن تطبيع المتصه – ينين من الحكام أمر مرفوض.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن العلم الفلسطيني والوشاح كانا ايقونة احرار العالم ، كُرّما بقلوب الشعوب وعيونهم والسنتهم. كل الأعْلامِ بيعت في المونديال، الا العلم والوشاح الفلسطيني، فقد تم توزيعهما مجانا على الناس لان ثمنها دم طاهر.
ثانيا – العروبة مكون أساس في وجدان كل عربي حر، لا حاجة للتذكير بها، وأن الامة ليست بحاجة الى حزب ليوحدها، قدر حاجتها لارادة وادوات تمنع هذا التمزيق المتأمر عليها من بعض حكام العرب، العاملين عكس ما فعلت اوروبا، حين وحّدت المُمزق في بلادها، يعمل المتصه – ينون العرب على تمزيق الموحَّد وتكريسه.
ثالثا –الإيمان المطلق بعدالة القضية الفلسطينية وبعروبة الأمة، هما وجهان لعملة واحدة يصعب الفصل بينهما، ولا علاقة للقضية الفلسطينية العادلة او للقومية العربية الطموحة بالمشكلات ذات الطابع الصراعي الذي يثقل العلاقات القائمة بين حكام العرب، الخلل في مرجعيات كل منهم، وهي بالتأكيد مرجعيات لا تمثل الشعوب العربية ولا تعبر عن مصالحها. لارتهانها  للضغوط الخارجية، وأن الابتعاد عن مقتضيات ومترتبات الانتماء القومي، هي من بين ابرز الأسباب التي أدت إلى تفاقم تلك المشكلات والصراعات الداخلية.
رابعا : مشاهد تكريم الأمهات والأسرة في مضامير اللعب مؤشر بيِّنٌ على عناقيد القيم العربية النبيله، التي تؤسس للقول بامكانية تأسيس وتنفيذ مونديال عربي عالمي ناجح،  يستظل بالقيم العربية وحدها، بلا موبقات ولا سفاهات اومهازل اخلاقية او مسلكية.
خامسا:  نصر فريق البلد الفقير الارجنتين، ومن قبله فريق المغرب البلد العربي الفقير على فرق طغم المال والعنجهية السياسية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الامكانيات البسيطة ان اقترنت بالاخذ بالاسباب الصحيحة وبالارادة الصلبة المصممة ستنتصر، فما بالك لو اقترن كل هذا بينابيع المال العربي؟!
نعم، هي لحظة عابرة، على الارجح ستتلاشى سياسيا تحت ركام الحقائق القاسية في الشرق الأوسط. ونعم انها مجرد لعبة كرة، ولكن الفوز الذي تحقق في ملاعب الكرة، مكسب عظيم علينا التمسك به بلا تفريط وأن نسارع للبناء عليه. العروبة وفلسطين هما من فازتا في هذا المونديال، والمتصهي – نون ابناء واحفاد ولقطاء سايكس بيكو، هم من خسروا بكأس العالم، وتضررت مشاريعهم في الصميم واصيبوا بحسرة.
من السخافة ان نفرط في كل هذا، ومن السخف ايضا الاعتقاد ولو للحظة واحدة الاعتقاد بأن الرياضة وحدها قد تحقق ما تعجز عنها عناقيد القوة الحقة بكل اشكالها ومواقيتها وميادينها. كشف المونديال مؤامرة واسقط أوهاما وظنونا.
هذه هي الحياة، لا مكان فيها لمن يَستصعبون صعود الجبال، ولا مكان فيها لمن لا يستعِدّون باتقان لكل مستلزمات الصعود.
المعادلة سهلة، لا تحتاج إلا لإخلاص ومخلصين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.