تحليل إخباري … المنطقة على أبواب تبدلات عميقة

 

الخميس 4/8/2016 م …

الأردن العربي – عن جريدة الجماهير …

تعتبر المنطقة العربية واحدة من أكثر المناطق سخونة في العالم، وتتركز الأنظار عليها وعلى الأحداث فيها لعدة أسباب، في مقدمتها، أن هذه المنطقة أصبحت تهدد العالم وتضعه أمام حرب عالمية جديدة، والسبب الهام الآخر للاهتمام بالمنطقة، هو انها تشكل مركزاً متقدماً في الصراع العالمي حول الطاقة، وتحديداً حول الغاز.

ولذلك تحول الصراع الدامي في العديد من دول المنطقة الى حروب بالنيابة بين العديد من الدول والقوى السياسية والاقتصادية، وكانت البداية في سوريا حيث جندت القوى الامبريالية والرجعية العربية إمكانات هائلة لانهاء دور سوريا في المنطقة، بما في ذلك اللجوء الى قوى الارهاب التكفيري وفصائل الاسلام السياسي المتطرفة. ورُصد لهذه القوى امكانات هائلة مادية ومالية وبشرية، وجرى تجنيد جهاديين من أكثر من خمسين دولة في العالم. واستمر القتال في سوريا بين النظام ومؤيديه من جهة وبين الارهابيين والقوى الخارجية وبعض الفصائل الداخلية المسلحة فترة تقرب من ست سنوات. وتعرضت سوريا خلال هذ الفترة الى تدمير واسع في المدن والبنى التحتية وفي الامكانات الاقتصادية، وجرى تخريب وتعطيل العديد من القطاعات الاقتصادية والخدمية، وقدم للشعب السوري الآلاف من الضحايا، هذا إضافة الى تشريد ملايين المواطنين داخل البلاد وخارجها. وأصبح تدفق اللاجئين السوريين الى دول الجوار او الى العالم الخارجي واحدة من سمات الوضع الدولي الراهن. كما ان استيعاب اللجوء السوري أصبح من القضايا الخلافية بين العديد من الدول، لا سيما الدول الأوروبية .

وبعد السنوات الطويلة المؤلمة من الحروب والتدخل في دول المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق، ولاحقاً في اليمن، وبعد التهديد للعديد من الدول الاخرى، فان موازين الصراع أخذت تطرح معطيات جديدة تتناقض كلية مع مخططات وأهداف قوى التدخل الامبريالية والرجعية العربية، وقوى الارهاب التكفيري. وذلك على النحو التالي:

1- جديد الأزمة السورية:

شهدت الفترة الاخيرة تطورات هامة على الارض حيث اخذت تنحسر بقوة وبسرعة مواقع قوى الارهاب، لا سيما داعش والنصرة، جراء الخسائر المتتالية جغرافياً وبشرياً. وأحدث الحضور الروسي في سوريا انعطافاً هاماً في طبيعة المعركة واتجاهاتها الرئيسية، حيث طرح قضية التسوية السياسية للوضع في سوريا.. وكشف الموقف الروسي سياسة المناورات الامريكية، وعرّى التأييد الكبير الذي قدمته تركيا للارهابيين سواءً من خلال تقديم الدعم المادي والعسكري لهم، او من خلال تسهيل دخولهم الى سوريا وحتى الى العراق. وأصبح واضحاً أن واشطن لا تريد القضاء على داعش، بل احتواءها، بينما تركيا والسعودية وقطر تعمل على تقديم كل انواع الدعم لقوى الارهاب من خلال الاستناد على قوى المعارضة السورية المسلحة، او بدونها، لاسقاط النظام في سوريا. إذ ان تغيير الموقف السوري من قضية الطاقة، وخاصة بالنسبة للغاز، كان وما زال قضية هامة ومؤثرة بالنسبة للدول الخليجية، وخاصة قطر، وبالنسبة لاسرائيل فيما يتعلق بغاز البحر الأبيض المتوسط. وفرضت الوقائع على الارض تغيير الموقف التركي الذي كان يطالب بمنطقة عازلة على الحدود السورية التركية، وانفضحت تجارة النفط بين داعش وتركيا، وتسبب طرد العديد من المنظمات الارهابية من شمال سوريا، وخاصة من شمال اللاذقية وحلب، في تأجيج الصراعات بين هذه المنظمات الارهابية واشاعة الانقسام بينها وفي صفوف المعارضة السورية بشكل عام. وجاء لاحقاً طرد داعش من تدمر ومن الكثير من المواقع في ريفي حمص وحماة بمساعدة الطيران الروسي ليؤكد حالة الضعف في صفوف الارهابيين. ومع تدهور العلاقات بين روسيا وتركيا جرى تضييق الخناق على الدعم التركي للارهابيين، بينما اشتدت اعمال الارهاب داخل تركيا، مما ألحق خسائر بالارواح والاموال، وأضعف دور الدولة بشأن مكشوف، وساءت الاوضاع الاقتصادية في تركيا لعدة أسباب، من بينها التضييق الروسي على التجارة والسياحة معها، والخلافات التركية مع الاوروبيين بسبب الموقف من اللاجئين، ومع اشتداد الحملات الارهابية داخل تركيا وزيادة عزلتها الدولية، اعلنت الجهات الرسمية التركية انها ستعيد علاقاتها الطبيعية مع اسرائيل ومع روسيا، وستبذل جهدها لإعادة علاقاتها مع سوريا والعراق الى الوضع الطبيعي، مع التشديد على المضي في محاربة الارهاب. وفعلاً اجرت تركيا مصالحة حقيقية مع روسيا واعتذرت عن اسقاط الطائرة الروسية، وتكفلت بدفع تعويض عن الطيار الذي جرى اغتياله في الاراضي التركية.

ونشطت في الاثناء الجهود الامريكية الروسية من اجل تحقيق تسوية سياسية وعودة الاطراف السورية الى طاولة المفاوضات، واستئناف الجهود التي بذلت في الفترة السابقة، وطرأ تطور ملحوظ على موقف السعودية من موضوع التسوية، وإن كانت تطالب أحياناً، بأن أي تسوية يجب ان تشترط عدم اشراك الاسد !!!.

وتم مؤخراً التوصل الى اتفاق روسي – أمريكي في اعقاب زيارة وزير الخارجية الأمريكي الى موسكو- يؤدي الى دفع جهود التسوية السياسية للأزمة السورية، واعادة تفعيل العمل بالاتفاق الروسي الامريكي حول وقف الاعمال العدائية، والتأكيد على ايصال المساعدات الانسانية للمناطق المحاصرة في سوريا، ودعوة المبعوث الدولي استيفان ديمستورا لتنشيط جهوده وتقديم اقتراحات محددة حول عملية الانتقال السياسي والاصلاحات السياسية.

ومن الجدير بالذكر أن التنظيمات الارهابية أخذت تعاني من اشتداد ضعفها البشري بالدرجة الاولى، جراء مغادرة الكثير من الارهابيين ساحات المعركة، وهذا ما يساهم في تعزيز التوجه نحو التسوية السياسية، والذي ينعكس بوضوح على مواقف اطراف مجموعة الرياض في المفاوضات السورية.

2- مكاسب لتوحد العراقيين لمجابهة الإرهاب:

اتسعت المطالبات الشعبية في العراق بضرورة طرد داعش من العراق وانهاء تسلطها على العديد من المدن والقرى، ووضع حد لجرائمها الارهابية، خاصة في بغداد.

وتم تجريد حملات عسكرية ضد داعش في الانبار، حيث تم تحرير الرمادي والعديد من القرى بعد معارك طاحنة قادها الجيش وشاركت فيها القوات الامنية والحشد الشعبي وقوات العشائر، وقد تسببت مقاومة داعش في الرمادي في الحاق أضرار كبيرة في المدينة، إضافة الى نزوح آلاف العائلات.

وبعد تحرير الرمادي والقرى والمواقع المحيطة بها، إبتدأ التحضير لمعركة تحرير الفلوجة التي كانت تعتبر مركزاً حصيناً لداعش في تنفيذ عملياتها الارهابية خاصة في بغداد. فقد ثبت ان داعش سيّرت من الفلوجة مئات السيارات المفخخة والارهابيين المسلحين بالاحزمة الناسفة الى مختلف الجهات من العراق ولا سيما الى بغداد. وكان من الواضح أن الولايات المتحدة كانت تحاول تأخير معركة تحرير الفلوجة بحجة صعوبة المرحلة!!! كما ساهم الذين يعمقون الخلافات الشيعية السنية بجهود كذلك لتاخير هذه المعركة واشترطوا عدم مشاركة قوى الحشد الشعبي بحجة عدم تفجير العلاقات الشيعية – السنية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدوائر شنت حملة اعلامية واسعة حول اعتداءات الشيعة، أفراد الحشد الشعبي، على السنة الذين هاجروا من الرمادي ونبّهوا الى المصير الذي سوف يواجهه السنة في الفلوجة.

ولم يأبه الجيش العراقي بهذه التخرصات، ولا العديد من زعماء العشائر السنية الذين أشادوا بوحدة الشعب العراقي، ولذلك تمت مهاجة الفلوجة بعد تطويقها من عدة جهات، وحررت المدينة وهرب العديد من فلول داعش، بعد ان خسروا مئات القتلى وعشرات الأسرى. وامكن تحرير المدينة حياً حياً وشارعاً شارعاً، بعد تنظيفها من آلاف المتفجرات والألغام المزروعة في الشوارع والمباني، وقدمت المساعدات والعناية الضرورية الى العائلات التي هجرت من المدينة هرباً من محاولات داعش استخدامها كدروع بشرية. وبعد تحرير الفلوجة استمرت القوات العراقية في زحفها نحو نينوى والتوجه الى مدينة الموصل، المعقل الرئيس لداعش .

ولكن القوات الأمريكية التي كانت تسعى الى تأخير معركة هزيمة داعش في العراق، وأمام تصميم القوات العراقية والقوى الشعبية على ضرورة مواصلة معركة التحرير حتى الموصل، إضطرت الى اعادة النظر في موقفها وقررت تعزيز دور القوات الجوية وزيادة عدد القوات البرية، بحجة تقديم المزيد من الاستشارة الى القوات العراقية الزاحفة نحو الموصل.

وتشيرأنباء المعارك التي يخوضها الجيش العراقي ضد قوات داعش الى انتصارات سهلة، وتقدم مستمر نحو الموصل، حيث تم تحرير العديد من القرى والمواقع الاستراتيجية الواقعة على الطريق المؤدية الى الموصل. ويبدو واضحاً ان التبدل في الموقف الامريكي جاء بهدف أن تكون واشنطن شريكاً في معركة تحرير الموصل، وهزيمة داعش في العراق، بحيث يتساوى موقفها على الاقل مع الموقف الروسي الضخم الذي بدل طبيعة المعركة ضد داعش وضد الارهابيين بصورة واضحة في سوريا والعراق على السواء.

وأصبح الاستمرار في معركة هزيمة داعش جزءاً هاماً من المطالبات الشعبية في مسيرات الشعب العراقي المستمرة ضد الفساد ومن اجل الاصلاح السياسي والاقتصادي، وضد المحاصصة، ومن اجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية. ولا شك ان الانتصارات على داعش في العراق تساهم في تغيير المناخ الاقليمي والدولي في المعركة ضد الارهابيين وتضاعف التوجهات الدولية لضرورة هزيمة القوى الارهابية، وفي مقدمتها داعش والنصرة.

3- عراقيل لإحباط مساعي حل الأزمة اليمنية:

اشتدت المطالبات، اقليمياً وعالميا، بضرورة وقف الحرب المدمرة التي يتعرض لها الشعب اليمني والتي تسببت في احداث خراب اقتصادي وقومي، وزيادة حجم البطالة والفقر، وتوسيع حرمان الشعب اليمني من التعليم والطبابة والمواد الغذائية وحتى الماء في العديد من المواقع.

وتؤكد المعلومات المتاحة عن قتل آلاف الاطفال خلال الغارات الجوية على المدن اليمنية، وخاصة في عدن.

وأمام الضغط الدولي وفداحة الوضع في البلاد، ابتدأت محادثات بين الاطراف المعنية بحضور مندوب الأمم المتحدة، وابتدأت المفاوضات في الكويت وتم التوصل الى عدة اتفاقات، من بينها تبادل الاسرى والذي أنجز، كما تم الاتفاق على وقف الاعمال القتالية، ولكن الطائرات السعودية استمرت في غاراتها رغم هذا الاتفاق. وتم الاتفاق على ايصال المساعدات الانسانية الى المدن والقرى اليمنية المختلفة، ولكن لم يتم تنفيذ هذا البند بشكل مناسب، بسبب معارضة القوات السعودية في اكثر من موقع.

ان الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب اليمني في هذه الحرب المدمرة يفترض اولاً: وقف القتال باشراف دولي. وثانياً: تقديم جميع الاطراف تنازلات تسمح بوضع حد للمأساة المستمرة. واما القول بأن المعركة في اليمن هي ضد النفوذ الايراني، لا يستقيم مع الواقع، لان الشعب اليمني هو الذي يدفع ثمن هذه المعارك الطاحنة وليس ايران. لذلك يجب التفتيش عن إزالة أي تعارضات في العلاقة مع إيران عن طريق الحوار وبالوسائل الدبلوماسية، وليس تحميل الشعب اليمني وغيره من الشعوب العربية ثمن الصدام غير المبرر مع إيران !!!. في خضم توسيع الشقاق بين الشيعة والسنة في المنطقة. ويلاحظ ان مفاوضات الاطراف اليمنية اعيدت من جديد الى الكويت وينتظر أن تبذل بعض الدول الخليجية جهوداً لانجاحها، لا سيما عمان والكويت .

ويجب الاشارة هنا الى ان الجرائم التي ترتكبها القوى الارهابية، كداعش وغيرها في العديد من البلدان العربية، وفي بعض الدول الاوروبية كفرنسا وبلجيكا، تؤجج الهجوم عليها، وتساهم في تعزيز الحراك العالمي في التوحد في المعركة ضد الارهاب، وهو ما يساعد على الاحتمالات المتوقعة ايجابياً في المنطقة .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.