د. إسماعيل الشطي* ( الكويت ) – الأحد 1/1/2023 م …
بعد مرور عقد كامل على الحرب الأهلية في سورية لم تحرز المعارضة أي تقدم نحو أهدافها، فالنظام القائم ما زال صامدا، ويستعيد عافيته يوما بعد يوم، وتزداد سيطرته على الأراضي التي كانت يوما ما خارج السيطرة، غير أن حصاد السنوات العشر الماضية كشف المؤشرات التالية:
1 ـ أن الصراع في سورية له أبعاد كولونيالية غربية تتعدى أهداف المعارضة، وأن المستهدف الرئيسي في هذا الصراع ليس النظام، بل وحدة الشعب السوري وأرضه، وليس أدل على هذه النوايا سوى تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، والذي جاء تشكيله إقرارا بتجزئة الشعب السوري إلى أربعة أجزاء هي: المكون العربي، والمكون التركماني، والمكون السرياني الآشوري، والمكون الكردي، وهذا التشكيل فرضته بريطانيا وفرنسا والولايات المتحد الأمريكية حتى يحظى الائتلاف بالاعتراف والدعم السياسي والمالي، وبمجرد أن وافقت المعارضة على التقسيم الإثني، توالت الاعترافات الرسمية والدعم من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا، والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية، وتبع ذلك احتلال تركيا والميلشيات التابعة لها مساحة وقدرها 8835كم² وتضمّ أكثر من 1000 بلدة، تمهيدا لإعلان كيان تركماني على نمط قبرص التركية، كما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية وميليشياتها منطقة المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي وسلمته للأكراد (قوات سورية الديمقراطية)، وأنشأت منهم جيشا عسكريا يقوده ما يزيد عن 500 خبير وضباط أمريكي، تمهيدا لإعلان دولة كردية.
2 ـ تبين أن الدعم الغربي ـــ للحركات العربية المطالبة بالديمقراطية ـــ هو في حقيقته مقدمة لفرض حالة الفوضى الخلاقة، والتي تعني أيجاد مرحلة فوضى مخطط لها مسبقا، يقوم بها أطراف مجهولو الهوية بهدف تعديل الأمور لصالحهم، وحتى لا يحسب ادعاءنا نوع من التحليل التآمري للأحداث، فإننا نذهب إلى المآل الذي وصلت إليه أحداث ما سمي بالربيع العربي، إذ تم استغلال تعطش الشعوب العربية للحرية والعدالة، كما تم تجييش حماستها للتغيير من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وجمعيات المجتمع المدني المدعومة من الغرب، وانتهت الأمور بحالة فوضى واقتتال وخراب، حدث ذلك في ليبيا واليمن والعراق، حيث تم تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية وإلغائها، وغاصت تلك الدول في وحل من الفوضى والقتل والفقر والتشرد، وما زالت تونس تعيش حالة لا استقرار سياسي تقترب من الفوضى، بينما الدول التي قاومت هذه الحالة هي الدول ذات الجيش القوى والأجهزة الأمنية المكينة، مثل مصر وسورية ، لكنها كانت مقاومة ذات كلفة باهظة، إذ أن كثيرا من الجماعات المحلية المتلهفة للديمقراطية راحت ضحية خداع الاستخبارات الغربية، أو مراوغات مؤسسات المجتمع المدني الغربية، فسحقت بشراسة ودموية النظام حين تصديه للمؤامرة الغربية.
3 ـ لقد كان صمود النظام سببا رئيسيا في إبقاء سورية موحدة، وحالت إدارته وبيروقراطيتة دون استمرار الفوضى أو اتساعها، ورغم كل هذا فإن المؤامرة على سورية لم تتوقف، فما لم يتم تحقيقه بالفوضى الخلاقة أو الحرب الأهلية قد يمكن تحقيقه بالحرب الاقتصادية، وهي حرب تستهدف الشعب السوري بالدرجة الأولى، فقد أدى فرض قانون قيصر 2019 إلى شلّ مفاصل اقتصاد سورية باستهدافه البنية المالية له (مصرف سورية المركزي) والشبكات المرتبطة به بالإضافة إلى وضع قيود على حركة التبادل الاقتصادي بين سورية وحلفائها، وخسرت الدولة السورية (وليس النظام) 442 مليار دولار وفق تقديرات نشرتها الأمم المتحدة في تقرير صدر في أيلول/سبتمبر 2020، وخسر القطاع النفطي 91,5 مليار دولار وفق ما أفاد وزير النفط والثروة المعدنية بسام طعمة أمام مجلس الشعب، وتم تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء خلال العقد الأخير بقيمة 98 في المائة، وصار متوسط الراتب الشهري للموظفين في القطاع العام في مناطق سيطرة الحكومة السورية مطلع العام 2021 هو عشرون دولارا وفق سعر الصرف في السوق السوداء، وخمسون دولارا متوسط راتب الموظفين في القطاع الخاص، بينما صارت كلفة السلة الغذائية الأساسية لأسرة مكوّنة من خمسة أفراد لمدة شهر وفق سعر الصرف في السوق السوداء هو 136 دولار، وارتفعت أسعار المواد الغذائية 33 مرة، مقارنة بمتوسط خمس سنوات قبل الحرب، وفق برنامج الأغذية، ارتفع ثمن كيس الخبز ذات النوعية الجيدة في مناطق الحكومة منذ اندلاع النزاع إلى 60 ضعفا، وأصبح ثمن البيضة الواحدة حالياً في مناطق سيطرة الحكومة 300 ليرة سورية مقابل ثلاث ليرات عام 2011، و70 في المئة من محطات الكهرباء وخطوط إمداد الوقود توقفت عن الخدمة بسبب الحرب بحسب بيانات وزارة الطاقة في العام 2019، وثلث المدارس تدمرت أو استولى عليها مقاتلون، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، وسبعون في المئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية فروا خلال سنوات النزاع، بينما دُمّر أو تضرر أكثر من خمسين في المئة من البنى التحتية الصحية، وإذا كان كل هذا الدمار حصل في ظل قانون قيصر، ماذا سيكون الحال في ظل القانون الجديد الذي سيفرضه الغرب على سورية؟ هل المطلوب أن يموت الشعب السوري حتى تتحقق خطط الغرب الكولونيالي.
4 ـ غير أن هناك خطابا يجب توجيهه إلى الجامعة العربية، ودول مجس التعاون، وجماعات المعارضة السورية، خطابا حول الأضرار التي تلحق بالشعب السوري نتيجة الموافقة على السياسات الغربية ضد سورية، وهي سياسات أدت إلى مصرع 388 ألف سوري على الأقل، فهل المطلوب التضحية بعدد مماثل لكي تقتنعوا بفك الحصار عن سورية؟ وهي سياسات أدت إلى فرار خمسة ملايين ونصف نسمة خارج سورية، ثلثهم من الأطفال دون الحادية عشر من عمرهم، فهل المطلوب المزيد من تهجير الشعب السوري من أرضه؟ وإذا كانت المقاطعة جعلت 12,4 مليون شخص داخل سورية يكافحون لإيجاد طعام يسد رمقهم كل يوم، منهم مليونين يعيشون في فقر مدقع، ومليونين ونصف من الأطفال خارج النظام التعليمي فهل المطلوب منا زيادة هذه الأرقام التي تعكس حجم المأساة في سورية، هل المطلوب منا مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في قتل الشعب السوري؟
* النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء الكويتي.
* عضو الامانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
التعليقات مغلقة.