عام 2022 في فلسطين: دماء ومقاومة ومساومة / عبد الحميد صيام
عبد الحميد صيام ( فلسطين ) – الثلاثاء 3/1/2023 م …*
اختارت صحيفة «نيويورك تايمز» الشهيرة صورة اعتداء قوات الأمن الصهيوني على جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، من بين أهم صور عام 2022. قتل الصحافيين والمدنيين والأطفال والنساء ليس أمرا مستهجنا ولا غريبا ولا استثنائيا لدى قوات الاحتلال الصهيوني، لكن الشيء الاستثنائي أن يتم الاعتداء على جنازة، وهو أمر لا يحدث في أي مكان في العالم إلا عند هذا الكيان. إنها الهمجية في أبشع صورها والنذالة في أقصى تعبيراتها. ولبشاعة المنظر اتصل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، برئيس وزراء الكيان وأمره أن يسحب قطعان الأمن فورا من محيط الجنازة، دون أي تأخير وفعلا كان ذلك… كان بلينكن يريد أن ينقذ الكيان من نفسه وأن يبقي فيه ما يمكن أن يدافع عنه من قبل حليفه الاستراتيجي الأول.
وأود أن أسترجع أهم تطورات عام 2022 المتعلقة بالقضية الفلسطينية من ثلاث زوايا: التصعيد الدموي الصهيوني، والمقاومة الشعبية المتعاظمة، وتراخي السلطة واستمرار مراهنتها على حلول سرابية ومجتمع دولي.
العام الأكثر دموية منذ 2005
شهدت نهاية عام 2005 نهاية الانتفاضة الثانية من جهة، ومن جهة أخرى فوز محمود عباس في الانتخابات الرئاسية لدورة مدتها أربع سنوات. ومنذ اليوم الأول شدد عباس على أنه ضد العنف، وضد الانتفاضة، وضد استخدام السلاح ضد الاحتلال، وأنه ملتزم بالاتفاقيات الموقعة والعمل السلمي والسياسي والدبلوماسي. هذا التعهد أعطى الكيان الصهيوني رخصة للتغول والتصعيد في استخدام القتل والهجمات المسلحة، وتوسيع الاستيطان والاستفراد بغزة، وتهويد القدس وتمكين المستوطنين من نشر الذعر والاعتداءات واقتحمات الأقصى، وقطع أشجار الزيتون وإقامة البؤر الاستيطانية. وقد شنت القوات الصهيونية خمس حروب على قطاع غزة: غيوم الخريف على بيت حانون عام 2006 بعد خطف الجندي جلعاد شاليط، وعملية الرصاص المصبوب على كامل قطاع غزة نهاية 2008 وبداية 2009، عملية عامود السحاب 2012، وعملية الجرف الصامد 2014، وعملية حارس الأسوار مايو 2021. زد عليها عملية الفجر الصادق التي سمتها حركة الجهاد، وحدة الساحات عام 2022 والتي انتهت بسرعة بعد أن تيقنت حركة الجهاد أنها لوحدها في الساحة، ولم تقنع بقية الفصائل بدخول المعركة.
علينا أن نعد أنفسنا كشعب مناضل للمقبل من الأيام لمواجهة حكومة الفاشيين الصهاينة الذين يرغون ويزبدون ويتوعدون الشعب الفلسطيني بالويلات والمصائب
لقد كان عام 2022 العام الأقسى على الفلسطينيين، حسب تقرير مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) منذ عام 2005، خاصة في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، من حيث عدد الشهداء الذي وصل حسب تقدير المصادر الفلسطينية إلى 230 شهيدا، 171 في الضفة و 53 في غزة و6 من فلسطين التاريخية، من بينهم 61 طفلا (44 في الضفة و17 في غزة)، ووصل عدد الجرحى 9335 فلسطينيا واعتقل 6500 من بينهم 4700 ما زالوا موزعين في السجون ومراكز الاعتقال.
كما هدم الاحتلال 833 مبنى في الضفة الغربية، وشن المستوطنون 582 هجوما كان أبرزها قيام مستوطن بطعن الفلاح علي حرب في بلدة اسكاكا قرب مدينة سلفيت كان يحرث أرضه، واستشهاد عقاب درواشة من بلدة طلوزة دهسا بسيارة مستوطن. كما زاد عدد أشجار الزيتون التي قطعت أو أحرقت على أيدي المستوطنين 13000 شجرة. لقد كانت الشهيدة شيرين أبو عاقلة من بين الشهداء الأكثر تأثيرا في العالم أجمع، فقد كانت صوتا للمستضعفين والضحايا من الفلسطينيين في حياتها، وتابعت دورها وتأثيرها في فضح همجية الكيان العنصري في استشهادها وجنازتها. وعلى حد علمي فمجلس الأمن الدولي لم يصدر بيان تعزية قويا في صحافي آخر يطالب بالتحقيق في الجريمة إلا في جريمة اغتيال شيرين. وقد أعيدت تسمية دورة الصحافيين من الدول النامية السنوية في الأمم المتحدة باسم دورة شيرين أبو عاقلة. ومن بين الجرائم الأكثر بشاعة اغتيال عمار مفلح بدم بارد أمام عيون العالم على حاجز حوارة، وقنص الطفلة جنا زكارنة (15 سنة) فوق سطح بيتها في جنين، وقتل الطفلة فلة مسالمة (15 سنة) في بيتونيا. والطفل ريان سليمان ابن السبع سنوات في تقوع، وغادة السباتين في حوسان وهي أم لأطفال أربعة، واستشهاد الأسير ناصر أبو حميد المحكوم بسبعة مؤبدات وخمسين سنة إضافية في سجون الكيان، نتيجة الإهمال الطبي، ثم حجز جثته مع 108 جثث أخرى، والذي هزّ المجتمع الفلسطيني بكامله نظرا لبشاعة الجريمة.
النهوض الوطني
لكن في المقابل شهدت فلسطين عام 2022 نهوضا وطنيا شاملا في المناطق كافة. فقد صعّد الفلسطينيون من مقاومتهم الموجعة للكيان الصهيوني شمل كل مناطق فلسطين التاريخية. وقد أحصت مصادر فلسطينية موثوقة أن عدد أعمال المقاومة فاقت الـ7000 عمل مقاوم من بينها 413 حادثة إطلاق نار. وشملت العمليات العمق الإسرائيلي مثل، تل أبيب وبني باراك وشارع ديزنغوف والقدس الغربية. وقد سقط 31 قتيلا وجرح نحو 500 شخص نتيجة هذه العمليات، وهو أكبر عدد من الضحايا منذ 2014. وقد أحبطت أجهزة الأمن التابعة لسلطة أوسلو نحو 450 عملا مقاوما. وكان من أبرز وأشجع عمليات المقاومة ما قام به الشاب عدي التميم على حاجز شعفاط ومستوطنة معاليه أدوميم يوم 9 أكتوبر. كما أن عملية أرئيل والعملية النوعية في القدس الغربية، حيث تم تفجير عبوات ناسفة مزروعة بعناية فائقة جعلتا الكيان يصرخ وجعا وخوفا. أضف إلى كل ذلك المواجهات الشجاعة والنوعية التي شنتها جماعات عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين والتجمعات الأخرى في بلاطة وبورين والخليل وغيرها.
لقد زرعت هذه العمليات النوعية الخوف في كل أركان الكيان، فالتجأوا لانتخاب الأكثر تطرفا بحثا عن حماية وطمأنينة، لكن الحقيقة أن الخوف بدأ يدفع العديدين من سكان المستوطنة للهروب إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث تأسست جمعية تدعى «لنغادر إسرائيل معا»، تهدف إلى ترحيل عشرة آلاف في المرحلة الأولى. وقد صرح رجل الأعمال الأمريكي موردخاي كاهانا، الذي كان ناشطا في جلب المستعمرين قائلا: «بعد سنوات من تهريب اليهود من مناطق الحرب في اليمن وأفغانستان وسوريا وأوكرانيا إلى إسرائيل. لقد قررت مساعدة الإسرائيليين على القيام بألـ»عاليه» (الترحيل أو التسفير) إلى الولايات المتحدة. لقد حان الوقت لتقديم بديل للحركة الصهيونية في حال استمرت الأمور في التدهور في إسرائيل». من جهة أخرى وقع يوم 26 ديسمبر نحو 1200 عسكري متقاعد من سلاح الجو الصهيوني، رسالة موجهة لرئيس الدولة ورئيس المحكمة الدستورية، تطالب باتخاذ وقفة صارمة ضد الحكومة المقبلة تقول «إن تحالف الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة يهدد مستقبل إسرائيل». أضف إلى هذا النهوض الفلسطيني، نهوضا عربيا ضد الكيان الصهيوني الذي تبلور في مونديال قطر والمظاهرات العارمة التي انطلقت في المغرب في الذكرى الثانية لاتفاقيات التطبيع، وكذلك مظاهرات البحرين المتواصلة، التي أجبرت رئيس الكيان تغيير سير موكبه.
السلطة والتنصل من إعلان الجزائر
الجانب الثالث من أحداث عام 2022 هو أداء السلطة الفلسطينية الذي زاد ترديا وانهيارا. فقد عملت على تقديم المساعدة للكيان لتفكيك خلايا المقاومة، واعتقال الناشطين وزيادة الضغط على المعارضة الوطنية وتكميم الأفواه، مثل محاولاتهم لوقف «المؤتمر الشعبي لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ـ 14 مليونا»، وإعطاء صلاحيات المجلس الوطني للمجلس المركزي (أغرب من الخيال أن يصبح الجزء أهم من الكل) وتحويل منظمة التحرير دائرة من دوائر السلطة العتيدة.
تفاءل الشعب الفلسطيني بإنهاء الانقسام عندما قامت الجزائر بدعوة 14 فصيلا إلى الحوار تحت إشراف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه. وقد وقعوا «إعلان الجزائر» يوم 13 أكتوبر. لكن حركة فتح ممثلة بعزام الأحمد لم تكن جادة في السعي نحو الوحدة الفلسطينية، كما أن هذه الورقة لا تقبل مصر أن تسقط من أيديها، لذلك رفضت فتح إضافة بند مهم حول موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنية فاستبعدت كي يتم التوصل إلى الإعلان بالإجماع لينتهي عند هذا الحد. ولإثبات هذه النقطة استعرض رئيس السلطة محمود عباس أحداث عام 2022 في خطابه في بيت لحم عشية عيد الميلاد، وأثنى فيه على خطابه في الأمم المتحدة كأحد الإنجازات الكبرى ثم امتدح قمة لم الشمل العربي في الجزائر، لكنه تجاهل كليا «بيان الجزائر» حول الوحدة الوطنية، وكأنه لم يحدث أبدا. شيء مؤسف أن هذه القيادة ما زالت تراهن على غيرها، وتستصرخ المجتمع الدولي وتطالب بالحماية. ثقتها ليس في شعبها، بل بوهم اسمه المجتمع الدولي ليحقق لها حق الدولتين. إنها مراهنة على سراب.
بقي أن نعد أنفسنا كشعب مناضل للمقبل من الأيام لمواجهة حكومة الفاشيين الصهاينة الذين يرغون ويزبدون ويتوعدون الشعب الفلسطيني بالويلات والمصائب واستخدام القوة المفرطة وإعطاء «رخصة قتل» لكل أفراد جيش وشرطة وأمن ومستوطني الكيان. فلا مجال إلا الوقوف أمام المقبل، لأن البديل هو الاستسلام وهو ما لا يقبله شعبنا المناضل ولا طلائعه في كل مكان.
التعليقات مغلقة.