هل نحن أكثر سعادة ورضا في عصر التكنولوجيا ؟ / حنان بديع
حنان بديع ( لبنان ) – الإثنين 9/1/2023 م …
وهل نحن أسعد من أجدادنا البشر البدائيين ممن سبقونا في عصور ما قبل الحضارة، يبدو السؤال وجيه إذا ما عرفنا أن آخر إحصائية عن الإكتئاب تسجل زيادة بنسبة 20% عما كانت عليه قبل 10 سنوات ولا ننسى منظمة الصحة العالمية التي صرحت بأن هناك حالة انتحار بمعدل كل 40 ثانية!
كل 40 ثانية يعني أننا لسنا الجيل الأسعد بالضرورة.. كل 40 ثانية،
أي 800 ألف شخص يموتون سنوياً منتحرين ، كما أن معدل حالات القلق والتوتر زادت في الشرق الأوسط بنسبة ارتفاع 15% بالإضافة إلى أن نسبة استخدام مضادات الإكتئاب ارتفعت هي الأخرى 400% من عام 1998 إلى 2008م.
وتسجل آخر الإحصائيات أن معظمنا يستخدم هاتفة الجوال حالياً حوالي 4 ساعات كاملة يومياً باليوم، وإذا كنت عزيزي القارىء منهم تكون قد قضيت 4 سنوات ونصف من حياتك على هاتفك النقال أضف لهم 8 سنوات على مشاهدة التلفاز، هل هي كارثة حقيقية؟
أما الفيس بوك فله شأن آخر ويشاهده يوميا أكثر من 800 مليون مستخدم فعال، وبالرغم من أن استخدام الانترنت بطريقة زائدة عن الحد أو بإدمان يؤثر على قدرة الإنسان على إنجاز المهام المتعددة وكذلك على معرفة الأولويات إلا أننا رغم كل ذلك ما زلنا نرغب بشدة بالتواصل الإجتماعي وبشكل مكثف بل ومرضي في أحيان كثيرة؟
والحقيقة أن استخدام هذه المواقع يزيد من إفراز مادة الدوبامين، فعندما يتفاعل الآخرين معنا ليسجلوا إعجابهم في صفحاتنا مثلاً ويضعون لنا تعليقاتهم أيا كانت فإن هذا التفاعل يمنحنا الشعور بالسعادة لأن مركز المكافأة في مخ الإنسان يتفاعل أكثر لإنتاج هذا الهرمون عندما يتحدث الإنسان عن نفسه، كما أن 80% من مواضيعنا في مواقع التواصل الإجتماعي تدور حولنا ،أي حول حديث المستخدم عن نفسه الأمر الذي يختلف عن المحادثة الطبيعية، فالمحادثة وجها لوجه مع الآخرين تجعل الشخص يتحدث عن نفسه قليلاً ويشاركه الآخر في الحديث عن نفسه أيضاً، أي محادثة تفاعلية أما على مواقع التواصل فأغلبية هذا التواصل تكون متمحورة حول الشخص نفسه وما يرغب به وما يحب أن يشاهد أو يعرف أو يتحدث عنه ..
هل هذا يعني أننا نتعلق بالإنترنت لأننا أشخاص نرجسيين بالضرورة؟
ربما فنرجسيتنا تدفعنا للرغبة في التحدث عن أنفسنا وهذا الموضوع بدوره يؤثر على مخ الإنسان كتأثير المخدرات تماماً حتى ظهرت فوبيا اسمها (نوموفوبيا) أي الهلع والخوف من عدم تواجد الهاتف معنا طوال الوقت وهو أكثر انتشارا في فئة الشباب والعوارض عبارة عن عدم امتلاك القدرة على إطفاء الهاتف، وتفقد الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية والمكالمات التي لم يجب عليها بهوَس، التأكد من شحن البطارية باستمرار، وعدم القدرة على التخلي عن الهاتف حتى أثناء دخول الحمام!
مع كل هذه الإحصائيات أشعر وكأننا نبدو كأجيال حالية أكثر تعاسة من الأجيال الماضية، ومع ذلك فإن التكنولوجيا ومواقع التواصل الإجتماعي لها تأثير إيجابي وليس سلبي فقط، فاحتمالية نجاح العلاقات التي تبدأ من خلال شبكة الإنترنت كبير ذلك أننا نبحث من خلاله عن الأشخاص الذين يشاركوننا اهتماماتنا هذا إذا ما صدق الآخر في تقديم شخصيته ولم يكن مزيفاً، اضافة الى ارسال الوثائق بسرعة فائقة والتبضع دون جهد لمن يحتاج ..الخ.
فالتواصل كما كل شىء له سلبياته وإيجابياته حسب طريقة استخدامنا له، إما أن يحسن من حياتنا أو يزيدها سؤا وبؤسا،لكن الأكيد أننا قادمون لا محالة على عصر جديد سنصبح فيه كائنات الكترونية بامتياز ولكم أن تتخيلوا كم سنفتقد حياة آبائنا وأجدادنا الذين عاشوا دفء التواصل الحقيقي الواقعي ولم يعانوا يوما من القلق أو الإكتئاب أو النرجسية أو الإدمان الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.