المقاومة المسلحة في فلسطين: مقاربة نقدية / إبراهيم ابراش

إبراهيم ابراش ( فلسطين ) – السبت 14/1/2023 م …




في استطلاع للرأي العام أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في غزة والضفة الغربية في شهر ديسمبر الماضي 2022 أعرب 72 % من الفلسطينيين عن تأييدهم للكفاح المسلح الذي تمارسه عرين الأسود وكتيبة جنين مقابل 32% يؤيدون الحل الدبلوماسي والسياسي. جاء هذا التحول في الرأي العام يعد 58 عام على انطلاق حركة فتح وإعلانها الكفاح المسلح لتحرير فلسطين وعلى منوالها سارت فصائل منظمة التحرير وتبعتهم من منطلق مختلف حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وبعد ثلاثة عقود من المراهنة على تسوية سياسية خلالها تزايد الإجرام الصهيوني على كافة المستويات مما قطع الطريق على أية تسوية سياسية، أيضا يأتي هذا التحول في الرأي العام والنظام السياسي الفلسطيني بأحزابه وسلطتيه يعاني من ضعف شديد والسلطة الوطنية ما زالت ملتزمة بنهج التسوية السياسية بالرغم من اعترافها بقتل إسرائيل لأي فرصة لحل الدولتين، كما يأتي في ظل التزام حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة بهدنة برعاية أطراف خارجية، فأي أفق للعمل العسكري في ظل هكذا أوضاع؟ وهل يمكن اعتماد استراتيجية وطنية بناء على استطلاع للرأي العام؟

ما سبق يستدعي إعادة فتح نقاش جاد وموضوعي حول مسألة الكفاح المسلح وخصوصا في ظل الظروف الراهنة من انقسام داخلي ومتغيرات في البيئة الخارجية العربية والدولية، لأن مقاومة مسلحة دون هدف واضح ودون إستراتيجية وطنية واضحة وفي ظل تعدد المرجعيات ومصادر القرار قد يزيد من ارباك الحالة الوطنية، ويستحضر ما جرى في السنوات الأخيرة للانتفاضة الثانية عندما تم تجييشها، أيضا ما جرى مع المقاومة في قطاع غزة وما آلت إليه الأمور في القطاع. عندما تم اختزال المقاومة بالصواريخ، كما أن توجهات الرأي العام غالبا ما تكون عاطفية وانفعالية تتأثر بأحداث آنية.

حيث يكون الاحتلال يكون الحق بالمقاومة

لا شك أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال بل أسوء اشكال الاحتلال عبر التاريخ، احتلال استيطاني إجلائي عنصري، وحيث يكون الاحتلال يكون الحق بالمقاومة والشعب الذي لا يقاوم الاحتلال إنما يعترف بشرعية الاحتلال ويفقد حقه بأرضه وحقوقه السياسية.

 عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة في منتصف الستينيات كان هدف العمل الفدائي المتواضع آنذاك الإعلان عن استنهاض الحالة الوطنية وتجاوز مرحلة التعامل مع القضية كقضية لاجئين إلى قضية سياسية والتحرر من الوصاية الرسمية العربية ولم يرد في ادبيات الثورة أنها لوحدها ستحرر فلسطين بل كانت تقول دوما أنها طليعة الأمتين العربية والإسلامية في معركة التحرير وأن التحرير مهمة الأجيال القادمة الخ، وقد حقق العمل العسكري أهدافه في فرض القضية الفلسطينية عالميا والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وما ساعده على ذلك وجود استراتيجية ومرجعية واحدة وممثل واحد وهو منظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة إلى الأوضاع الدولية والعربية المواتية.

طول أمد الصراع وما صاحب ذلك من تحولات في النظامين الدولي والإقليمي أدخل الثورة الفلسطينية في متاهات وفرض عليها استحقاقات لم تكن في الحسبان عند انطلاقتها، ومن هذه المتغيرات والمستجدات

1-                  دخول الثورة الفلسطينية في أكثر من مواجهة مع أنظمة عربية.

2-                   توقيع اتفاق كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر التي كانت المراهنة عليها في قيادة الأمة العربية لتحرير فلسطين.

3-                 انهيار المعسكر الاشتراكي وتراجع حركات التحرر العالمية.

4-                  انهيار النظام الإقليمي العربي بعد حرب الخليج الثانية.

5-                 توقيع اتفاقية أوسلو 1993 وتأسيس سلطة سياسية فلسطينية في ظل الاحتلال.

6-                 تصفية التواجد الفلسطيني المسلح خارج الأراضي المحتلة.

7-                ظهور قوى سياسية من خارج منظمة التحرير ومعارِضة لها في الاستراتيجية والايديولوجيا وتنافسها على التمثيل الفلسطيني.

8-               الانقسام وفصل غزة عن الضفة وقيام سلطتين متصارعتين.

9-                قوة تدخل الأجندة الخارجية أيديولوجيا وماليا مما أضعف من استقلالية القرار الوطني.

10-              التحول في النخب السياسية لغير صالح النهج الثوري والنضالي. 

11-                موجة التطبيع العربي الإسرائيلي الجديدة – الامارات العربية والبحرين والمغرب-

12-              تراجع قوى السلام في دولة الكيان وصعود قوى اليمين العنصري والفاشي التي لا تعترف بأي حقوق سياسية للفلسطينيين.

هذه المتغيرات والمستجدات لم تنهي حالة المقاومة ولكنها زادت من حالة الارباك والالتباس ودخل النظام السياسي في إشكالية معقدة وخصوصا بعد تنفيذ خطة شارون للخروج من قطاع غزة 2005 والانتخابات 2006 التي فازت فيها حركة حماس وبعدها بعام سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وانقلابها على منظمة التحرير والسلطة الوطنية.

عسكرة المقاومة والانتفاضة وغياب استراتيجية موحدة

 لأن العدو الصهيوني يدرك أنه لا يستطيع أن ينتصر عسكريا بالضربة القاضية على مقاومة الشعب الفلسطيني فإنه عمل على جر بعض فصائل المقاومة لمربع العمل العسكري لاستنزف قواها وإلهاء الشعب بمعارك جانبية قد تقلق العدو وتوقع به خسائر ولكنه في المقابل ينتزع الأرض شبرا شبرا ويدمر البنية التحتية ويستنزف مقدرات الشعب التي هي ضمان صموده لمعركة قادمة أو جولة قادمة من المفاوضات كما يحرف الأنظار عن ممارساته في مجال الاستيطان والتهويد ويقطع الطريق عن أشكال مقاومة شعبية قد تكون أكثر جدوى.

لم تكن المشكلة في مبدأ المقاومة بل في نهج ممارستها وغياب التوافق عليها. مقاومة جيش الاحتلال ،سواء سميناها جهادا أم مقاومة مسلحة شكل من أشكال الحرب ومن المعروف أن الحرب ليست فعلا ارتجاليا أو عمليات ثأرية أو استعراضا للقدرات الذاتية أو توظيفا لويلات الحرب لمصالح حزبية، بل للحرب قوانين واستراتيجيات، وعندما تكون حربا وصراعا على شاكلة الصراع الفلسطيني مع استعمار استيطاني إجلائي عنصري مدعوم من الغرب فيفترض أن تخضع هذه الحرب لآليات لإدارة الصراع ولسياسات عامة ولاعتبارات دولية وإقليمية ،حتى قوانين حروب التحرير الشعبية كما تم ممارستها في فيتنام والجزائر لا تصلح للتطبيق بحذافيرها في الحالة الفلسطينية، العمليات الفدائية ليست مجرد عمليات عسكرية نظرا لتداعياتها السياسية الكبيرة على الشعب الفلسطيني داخليا وعلى علاقاته بالعالم الخارجي.

حذرنا أكثر من مرة من مغبة تجييش الشعب واللجوء للعمل العسكري الفصائلي والارتجالي، ولكن أستسهل البعض العمل العسكري وفضله على وسائل النضال الأخرى التي قد تكون أكثر جدوى ضمن معطيات الحالة الفلسطينية الراهنة.

فضل البعض العمل المسلح كطريق وحيد للنضال لأنه مُدر للمال من الخارج ومُثير للعواطف ومستقطب لجموع شعبية مقهورة من الاحتلال ويبهرها كل ما هو عنيف ومسلح، ويمنح حاملي السلاح مكانة اجتماعية يفتقدونها اعتمادا على مؤهلاتهم الشخصية أو أصولهم الاجتماعية.

اعتقد البعض بأن مجرد حمل السلاح يمنحه صفة مناضل وبمجرد أن يتحدث عن الثورة والمقاومة يصبح ثوريا ومقاوما، وتجاهل هؤلاء بأن الثورة والمقاومة ليس مجرد سلاح وشعارات، ولكنها ثقافة واستراتيجيات شمولية وحسابات عقلانية.

بشكل مبتذل تم توظيف الشعب ومفهوم المقاومة والجهاد، وتم التعامل مع الشعب كجموع تتجمهر أمام كاميرات الفضائيات وهم يحملون الحجارة أو يرفعون شارات النصر أو ملثمين يحملون الأسلحة ويستعرضون أنفسهم أمام الفضائيات. وللأسف انساق سياسيو الشعارات والفشخرة العسكرية وراء إغراء الفضائيات وانبهروا بالكاميرا والمقابلات المصورة والمسموعة، هذه الفضائيات التي كانت تضخم العمليات العسكرية الفلسطينية لأغراض تخدم دولها بالزعم بأن الشعب الفلسطيني قادر على مقارعة الاحتلال وإنه يحقق الانتصارات على العدو وبالتالي لا يحتاج لمساندة الأنظمة العربية، وكانت بعض الفضائيات تكثف اللقاءات مع كل من يقول بأنه مسئول عسكري ومع أي شخص تصادفه في الشارع ويتحدث عن المقاومة وبطولات الشعب، ليس حبا وانبهارا بالبطولات الفلسطينية بل خدمة لسياساتها حيث كانت كل مقابلة مع فلسطيني أو حديث عن المقاومة يقابلها مقابلة مع قائد عسكري أو مسئول إسرائيلي من مستويات رفيعة.

كان كل من يستقطب من حوله بعض المقاتلين وبعض الأسلحة وقذائف يسمونها صواريخ ويطلقون عليها مسميات قادة تاريخيين أو أسماء دينية، كانوا يعتقدون أنهم يملكون الحق و الشرعية ليتحدثوا باسم الشعب، وأنهم ملكوا الدنيا وما فيها وأصبح كل شيء تحت سيطرتهم وما على الإسرائيليين إلا أن يجمعوا حقائبهم استعدادا للرحيل… فيما غالبيتهم لم يطلع على إستراتيجية حرب العصابات أو تجارب الثورات أو التحولات في النظام الدولي أو القانون الدولي والشرعية الدولية كما لم يفهموا أبسط مبدأ سياسي وعسكري وهو (أعرف عدوك)، بل وصل الأمر بالبعض للحديث عن توازن استراتيجي وتوازن رعب مع إسرائيل.

تواطأ سياسيون ومثقفون والتزموا الصمت على ما يجرى أو تحدثوا بتردد وخجل، بعضهم صمت لأنه يستفيد من هذا الوضع وخصوصا بعض قادة التنظيمات الذين يعتاشون من تاريخ نضالي وبعضهم يفتقر حتى للتاريخ النضالي، أولئك الذين من خلال دفعهم بعض الشباب لإطلاق بعض ما يسمونها بالصواريخ أو دفعهم للقيام بعمليات على الحدود معروف مسبقا نتيجتها المؤسفة هدفهم تبليغ رسالة أن تنظيمهم ما زال ينتمي للمقاومة وبالتالي يحتاج للدعم المالي أيضا ليبرر بقائه في المشهد السياسي وتحت الأضواء،، وبعضهم صمت لأن ذمتهم المالية والأخلاقية مجروحة ومشكوك بها وهؤلاء كانوا وما زالوا يتمنون مزيدا من أخطاء المقاومة حتى يبرروا أخطاءهم بالزعم بأنهم ليسوا الوحيدين الذين جانبهم الصواب، والجميع تعوزهم العقلية الخلاقة لإبداع وسائل مقاومة وصمود وبناء.

أدى تسيب حالة المقاومة وخصوصا بعد قيام السلطة الوطنية إلى غياب مرجعية ناظمة والتنافس بين الفصائل والجماعات على تجنيد الشباب في إطار الأجنحة العسكرية مما أدى لتزايد عدد الجماعات المسلحة والحالات العسكرية وعدد قطع السلاح كما ونوعا وخصوصا بعد خروج الجيش الإسرائيلي من القطاع ثم لاحقا يتكرر المشهد في الضفة الغربية، فلا بيت يخلو من السلاح، والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا هذا السلاح وهؤلاء المسلحون؟

قد يقول قائل إننا ما زلنا تحت الاحتلال وتجنيد الشباب بل وتجييش الشعب ضرورة وطنية، وهذا كلام يصح إن كانت عملية التجنيد والتجييش تتم في إطار إستراتيجية مقاومة موحدة ومن أجل مقاومة العدو، ولكن للأسف فإن عملية التجييش أخذت طابعا استقطابيا وتنافسيا بين الفصائل لمواجهة بعضها البعض في إطار الصراع على السلطة، وخصوصا عندما تصاحب بعملية تعبئة وتحريض ليس ضد العدو بل ضد الأحزاب وبعضها البعض.

لقد شاهدنا محدودية قدرة هؤلاء المسلحين على مواجهة جيش العدو الإسرائيلي خلال المواجهات على جبهة غزة واقتحام جنين ونابلس مؤخرا، ففي قطاع غزة مثلا اقتصرت أعمال المقاومة مؤخرا على إطلاق الصواريخ عن بعد، وبعد عدة مواجهات مسلحة وما أصاب قطاع غزة من خراب ودمار أجبرت فصائل المقاومة للدخول في هدنة أخرجت القطاع من ساحة المواجهة والصراع المباشر.

 لا يعني هذا نقص في شجاعة المقاومين أو ضعف في إيمانهم ولكن السبب غياب الإستراتيجية والرؤية والقيادة الموحدة للمقاومة، ولأن الجغرافيا والتضاريس وتطور وسائل القتال عند العدو يجعل القدرة على خوض حرب مفتوحة معه مغامرة غير مضمونة النتائج.

ومن الغريب أنه عندما تقوم إحدى التنظيمات الجهادية بعملية عسكرية يرد سياسيو هذا التنظيم بالقول إن هذه العمليات من تخطيط وتنفيذ الأجنحة العسكرية ولسنا مسئولين عنها!، ولو كانوا يمتلكون مواصفات قيادية إستراتيجية لاستحضروا المقولة (الحرب أخطر من أن تُترك للعسكريين) هذا إن كان من يمارسها يفهم بالعسكرية، ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما تُنفذ بعض العمليات العسكرية بتوجيهات من جناح الخارج للتنظيم أو من جهة غير فلسطينية مما يسبب إرباكا ومعاناة ليس فقط للتنظيم المعني بالأمر بل لكل الوضع الفلسطيني.

نفهم جيدا أن نسبة كبيرة من الشباب المنتمين لهذه الجماعات والتنظيمات يُقدمون على ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم يقومون بواجب وطني، واجب بناء الوطن وحمايته وهؤلاء يستحضرون الصورة المشرقة للفدائي التي عشقوها وهم صغارا ويعتبرون حمل البندقية شرف والنضال ضد العدو والشهادة في سيل الوطن واجب ديني ووطني، ومئات من الشباب الشهداء والأسرى ضربوا مثلا في البطولة، فأن يذهب الفدائي ليخترق صفوف العدو ويصل لهدفه فهذه قمة التضحية ولا يمكن لمن يقوم بهذا العمل أن يكون راغبا بالدنيا وملذاتها أو باحثا عن شهرة، ولكن من أرسله قد يكون راغبا بها، وهناك قلة من الشباب المنتمين للجماعات المسلحة قد لا يكون مدفوعا برؤية واضحة ولكنه ينتمي لجماعة مسلحة لأنه يريد راتب في ظل البطالة المتفشية، وآخرون يريدون حمل السلاح وامتلاكه حتى يكون سندا وعونا لهم في مجتمع يعرف انفلاتا أمنيا وتفشي العائلية والسلاح مصدر قوة داخل العائلة وفي مواجهة الجيران.

محدودية الإنجاز وآفاق المستقبل

ولنتصارح بمحبة وبوضوح ماذا أنجزت الفصائل المسلحة على مستوى التحرير؟ صحيح أنها حافظت على شعلة الثورة وحالة الصدام مع العدو وفي بداية انطلاقاتها استنهضت الحالة الوطنية وقامت بدور في التعبئة والتنشئة السياسية، ولكن هل من المنطقي اليوم عندما تتحدث التنظيمات والجماعات المسلحة عن الانجازات لا تجد لديها من منجزات إلا الحديث عن عدد الشهداء والأسرى والجرحى واثبات حضورها في بيوت العزاء ومواكب تشييع الشهداء؟ أليس غريبا أن تتنافس هذه الجماعات والفصائل في إثبات كثرة عدد الشهداء والمعتقلين والجرحى من المنتمين لها، معتبرة أن كثرة عدد الضحايا مقياسا للإنجاز بل للزعم بتحقيق النصر على العدو؟ بينما كثرة الضحايا دون إنجاز سياسي يعني وجود خطأ كبير في الإستراتيجية المتبعة، ولا مبرر للقول بجبروت وإرهاب العدو أو بتقصير الجيران والأصدقاء أو بخلل في نهج التسوية، لأن هذه الأمور معروفة.

 أية بطولات وانتصارات هذه والأرض تضيع والقدس تُهود والمجتمع ينهار ومعسكر الحلفاء والأصدقاء ينفض من حولنا والوعد بالدولة يتحول لسراب لأنه لم تعد هناك أرض تصلح لأن تكون دولة؟ ألا يدرك السياسيون أن الشعب لم يعد يميز بين بندقية المناضل وبندقية سلطة قمع وجباية مال، وأنه أصبح ينظر بازدراء للبندقية وحاملها فيما كان قبل ذلك يقدس البندقية وحاملها؟ ألا يدرك السياسيون أننا بعد أن كنا نختلف حول كيفية تحرير الوطن أصبحنا نختلف حول مفهوم الوطن والهوية والدولة؟،كم يحز بالنفس أن نمارس النقد تجاه المقاومة المسلحة بصيغتها الحالية حيث كان نتيجة المقاومة الفصائيلية والموسمية مزيد من المعاناة للشعب ومزيد من التفسخ في ساحة العمل الوطني.

ندرك تماما أن البعض قد يحرف الكلم عن مواضعها ،ويوظف نقدنا ليشكك بمبدأ المقاومة خدمة لنهج يستشري في وطننا وفي الوطن العربي ككل وهو نهج يريد أن يجرد الأمة من كل سلاح للمقاومة أو المعارضة أو حتى الاحتجاج ،إلا أننا نروم من نقدنا تقويم نهج المقاومة السائد و إنقاذها من مأزقها لتنفتح على آفاق جديدة من المقاومة السياسية والثقافية والمجتمعية ،مقاومة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحالة الفلسطينية الراهنة، وهذا الشكل من المقاومة يحرج الأعداء ويحاصرهم في نفس الوقت الذي يحافظ فيه على قدرات وإمكانيات الأمة البشرية والمادية، فهذه الإمكانيات والمقدرات هي ضمان بقاء وتمسك المواطنين بأرضهم ووطنهم ،وضمان التفرغ لبناء ما هو متاح من وطن.

في الوطن أكثر من سبعة مليون من الفلسطينيين وصمود هؤلاء وتحويلهم قوة منتجة وبناءة هو مقاومة بل أهم أشكال المقاومة في ظل اختلال التوازن العسكري مع العدو وفي ظل الظروف الإقليمية والدولية غير المواتية للمقاومة المسلحة خارج إطار الوحدة الوطنية، وفي الشتات مثل هذا العدد ودورهم لا يقل عن دور الداخل إن تم توظيفهم وإشراكهم في العمل الوطني الوحدوي.

بعد كل ما جرى نأمل أن تمتلك الأحزاب الشجاعة ليمارسوا نقدا ذاتيا لكل ما رفعوا من شعارات وما مارسوا من أفعال. لا يلام الشعب على الحالة التي نحن عليها لأن الشعب ينساق وراء خيارات القادة ووعودهم، ولا يصح تعليق الأخطاء على مشجب الاحتلال لان مبرر وجود أحزاب المقاومة هو وجود الاحتلال، وما وجّدت الأحزاب المسلحة إلا لمواجهة واقع الاحتلال.

الخاتمة

المنطقة مقبلة على أحداث جسام وقد يشهد الوضع الداخلي ممارسات غير مسبوقة من حكومة نتنياهو قد تصل لضم الضفة أو أجزاء منها وعمليات تهجير قسرية الح الأمر الذي يتطلب وضع حد لارتهان الوطن والمصلحة الوطنية والقرار الوطني المستقل بيد هذا الحزب أو تلك الجماعة المسلحة فالوطن أكبر من الجميع والمعركة طويلة وما هو آت قد يكون أخطر وأصعب من كل ما عاناه الشعب خلال العقود السابقة.، أما المراهنة على الكفاح المسلح في ظل الطبقة السياسية الحاكمة في الضفة وغزة فلن يؤدي إلا لمزيد من تأزم الوضع الداخلي، فالكفاح المسلح لن يحقق مصلحة وطنية إلا إذا كان في سياق استراتيجية وطنية شمولية تجمع وتنسق بين كل أشكال المقاومة وهو ما  تفتقر له الحالة الراهنة..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.