هل هو مخاض الديمقراطية ام الفاشية الاسرائيلية؟ / امير مخول
امير مخول ( فلسطين ) – الثلاثاء 17/1/2023 م …
- الشرخ السياسي الاجتماعي والنخبوي الاسرائيلي يجعل اسرائيل تسير نحو هاوية لا يمكن رؤية نهايتها راهناً، لكن بالإمكان رؤية منحدرها ووتيرة تسارعها.
- دعوة الوزير عن عوتسما يهوديت ألموغ كوهين ومعه احد ابرز قادة الحزب الجنرال السابق تسفي فوغلمان الى اعتقال كل من وزير الأمن وقائد الاكان السابق بيني غانتس ورئيس الحكومة السابق يئير لبيد والجنرال السابق يئير غولان بتهمة الخيانة، هي دعوة الى اغتيال سياسي، وهذا ما اشارت اليه محاولة سائق من مؤيدي الحكومة من مستوطنة إلعاد لدهس عدد من المتظاهرين ضدها في بئر السبع. ألموغ كوهين هو الذي قام بدور ضابط العمليات في حزب عوتسما يهوديت وفي تأسيس شبكة من الميليشيات شبه الرسمية المسلحة والمخصصة للاعتداء على عرب48 في النقب ومدن الساحل، وهو الذي تفاخر بدوسه على أب وابنيه من راهط في النقب حين كان ضابطا في فرقة النخبة في حرس الحدود.
- الا أن ما يجعل الامور أكثر خطرا هو تغييب سلطة رئيس الحكومة نتنياهو وتحوّل كل الوزارات التي يشرف عليها احزاب الصهيونية الدينية لوزارات سياديّة فعليا، ولا تنصاع لاوامره ولتوجيهاته الذي وقّع معها على الاتفاقات الائتلافية وكل الخطوط العريضة والسياسات التفصيلية وباتت هذه الاتفاقات بمثابة قانون.
- صراع الشرعية من أهم دلالات التحوّل الى الازمة الاسرائيلية العميقة ، وهذا تحوّل وليس مجرد صراع سياسي، اذ أن صراع الشرعية والتخوين ورفض شرعية الاخر وثقافة الكراهية قد يقود الى حالة دموية اسرائيلية داخلية. إنّ ما يبدو على الواجهة هو قبول تيار اليمين الوسط وما تبقى من صحف لبرالية بنتائج الانتخابات لكن لا يعترف بشرعية الحكومة الجديدة فيما يطلق عليه الانقلاب على النظام الاسرائيلي. وحتى المؤسسة الامنية يضاف اليها دكتاتورية الاغلبية الراهنة في الكنيست، هذا ما يقع في صلب الصراع الاسرائيلي وهو صراع جوهري بشأن المنظومة الحاكمة وليس بشأن سياسات الدولة.
- إن الانصياع السريع لاجهزة الدولة وبالذات الشرطة التي اعلنت مجاهرة اعتمادها لأوامر بن غفير كما يراها هو، هو مؤشر للقادم والى توازنات القوى الاسرائيلية الداخلية. فمن يتحكم بأحهزة الدولة هو الاقوى حتى ولو لا يحظى بتأييد الاغلبية من المواطنين. ليقوموا بتغيير هذه الاجهزة من داخلها لصالح سياساتهم حتى حين ينتهي حكمهم اذا ما انتهى.
- تتميز الحالة الاسرائيلية بوجود كتلتين متصارعتين على الحكم مشكّلتين من يمين متطرف صهيوني ديني، واحزاب اليمين المركز، مع خلوّ الساحة من يسار اسرائيلي حقيقي قائم بحد ذاته يكون قادرا على المواجهة السياسية الجوهرية وبالذات فيما يخص الاحتلال والعنصرية. احزاب اليمين الوسط لا تقوم بالمواجهة الصدامية مع اليمين المتطرف بل تسعى الى الحفاظ على “أدوات اللعبة الدمقراطية” وعلى منظومات الدولة كما هي وبالذات الجهاز القضائي وفصل السلطات، وهي مواظبة ومنهجية وسريعة التحرك في ذلك وتراهن على الرأي العام اليهودي. وهي غير معنية بالتحالف مع الجماهير العربية الفلسطينية لكنها معنية بدعم الاخيرة لها دونما رفع صوتها المستقل ودونما شراكة وعلى أساس جدول اعمال المركز الاسرائيلي الذي لا يتطرق لقضية فلسطين حتى ولا لقضية العنصرية تجاه الفلسطينيين مواطني دولته.
- ومع ذلك تبدو حالة صدام داخلي عنيف لم تشهده اسرائيل منذ اواسط سنوات التسعين، وهو ليس نتاج اليمين الوسط الذي بات في صفوف المعارضة، وانما اليمين الصهيوديني الحاكم والذي يقوم بتخطيط مسبق لاعادة تشكيل البنية القائمة لمؤسسات الدولة وإخضاعها المطلق لعقيدته الفاشية. ويشغل رئيس الحكومة دور المدافع عن هذا النهج ولاستهداف المعارضة وشرعيتها، متقمّصا دور الضحية وكأنه خارج منظومة الحكم رغم أنه يترأس الحكومة لاطول فترة مقارنة بكل من سبقوه في هذا المنصب، ويدرك نتنياهو أهمية الاسراع في “الانقلاب” قبل ان تنفجر الصراعات داخل حكومته وائتلافه غير المتجانس، وفي المقابل يقوم بن غفير بتوجيه التعليمات الى الشرطة لمنع الاخلال بالنظام مشيرا الى مظاهرات المعارضة. هذا الوضع يؤدي الى إضعاف اسرائيل كدولة من وجهة النظر الصهيونية، وللخروج منه هناك عدد من الاحتمالات الممكنة:
- إستعجال نتنياهو بالقيام بعمل حربي غير محسوب لكن لانقاذ حكمه، وهذا مستبعد على الاقل للمدى القريب
- إحداث تغيير جوهري عميق في مؤسسات الدولة وشرخ عميق جدا داخل المجتمع الاسرائيلي وهذا ما يتم تطبيقه بتسارع وباستغلال الاغلبية اللحظية لحسم الامور بأسرع وقت ممكن، وجعلها أمراً واقعا.
- التحول الى دكتاتورية الحكم والفاشية، وهو ما يتسبب بأزمة مع اليهود الامريكان وأدارة بايدن، ويبدو ان نتنياهو يسعى الى الابقاء على هيكلية “الدمقراطية الاسرائيلية” كواجهة لحكومته ولكسب شرعيتها الدولية.
- اسقاط حكومة نتنياهو دون اعتراف اقطابها بأية نتائج من هذا النوع، وهذا ايضا مستبعد في ظل توازنات القوى السياسية الاسرائيلية حاليا وفي مستوى الضغط الدولي الحالي الذي بدأ يتحوّل من ضغط بسبب طبيعة مركبات الحكومة وبالذات الفاشية والعنصرية، الى اعتماد مواقف موضعية من ممارساتها، وهذا ما يريده نتنياهو، على الأقل لغاية الانتخابات الامريكية التالية.
كل هذه الاحتمالات ممكنة لان استقرار الحكومة يتأثر ايضا بالحالة الدولية والضغط الدولي خاصة الامريكي واليهودي العالمي. ثم أنه قد يدفع الى تسليم المعارضة الاسرائيلية وعدم اكثراث المجتمع وهذا ما يدفع اوساط واسعة للهجرة من البلاد ومن شأنه ان يؤدي الى تدهور في الاقتصاد الاسرائيلي وتدريجها الائتماني ومستوى الاستثمارات فيها وهو المؤشر لازمة شاملة.
هناك تشابه كبير بين سلوك احزاب الائتلاف ونمط عملها وبين ترامب وبولسينارو وهما صديقا نتياهو شخصيا واكثر من ذلك سياسياً. كما أن جمهور هذه الاحزاب الحاكمة ومجموعاته الارهابية من منظمات المستوطنين وميليشياتها جاهزة لاقتحام الكنيست والمحكمة العليا عند الضرورة كما تراها، وجاهزة لاعتداءات دموية على قادة المعارضة، وهناك شبه كبير مع انصار الرئيسين السابقين الامريكي والبرازيلي. ما يميز المنحى العالمي لتناوب السلطة هو تعاظم نفوذ الشعبوية والغيبيات السياسية والفاشية من جهة، ونتيجة له تعاظم عدم الاعتراف بشرعية الخصوم السياسيين، ناهيك عن نفي شرعية ضحايا العنصرية من شعوب ومجموعات أصلية او مهاجرة. ولا تخرج اسرائيل عن هذا الاطار، بل تتسارع فيها الامور لانها دولة عنصرية بنيوية واحتلال واستعمار استيطاني لا تعترف بهذا ولا بذاك، لكنها لا تستطيع تجاوز هذا الوضع. بل أن اعمق تناقض تعيشه النخب الاسرائيلية الحاكمة هو انها لا تعترف بقضية فلسطين ولا بحلّ لها، بينما في المقال فإنّ مبرّر وجودها وبرامجها هو قضية فلسطين، وليس صدفة ان احزاب الصهيونية الدينية الثلاثة ارادت عن وعي استلام الوزارات التي تعنى حصريا بالشأن الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية من جانبي “الخط الاخضر”.
تبقى قضية فلسطين خارج حسابات المعارضة الاسرائيلية الصهيونية، وهذا يشمل قضايا فلسطينيي48 فيما يتعلق بحقوقهم الجماعية والعنصرية بمستوييها الشعبوي والبنيوي والتطهير العرقي في النقب والتهويد. بل تنحو المعارضة في هذا الاتجاه سعيا منها لكسب شرعية الشارع الاسرائيلي ومن هنا كانت معارضتهم لرفع ناشطين العلم الفلسطيني في المظاهرات المناهضة للحكومة. وهذا يستوجب على الحركة السياسية والشعبية العربية الفلسطينية تنظيم نفسها من جديد لحماية جماهيرها وقضية شعبها الفلسطيني، واعتماد استرتيجية قائمة على معارضة الحكومة الحالية بمسارين مستقلين واحد للمعارضة الاسرائيلية وواحد لفلسطينيي48 يقوم على اجندته الخاصة به، ولتكن نقاط تقاطع لعمل مشترك لكن بين كيانيين مستقلين ودونما إتباع أو إلحاق.
في التوازنات القائمة هناك ما يكفي من المؤشرات بأن التحوّل الى الفاشية ليس محسوما بعد، لكن التيار الأقوى هو التيار الفاشي وقد ضاعف قوته وهو يتحكم بسدّة الحكم واجهزة الدولة ويقوم بتطويع الاجهزة التنفيذية لنهجه وإفراغ الجهاز القضائي من مواطن قوته وأثره.
خلاصة:
- تمر اسرائيل في خضمّ تحوّل عميق من أزمة سياسية داخلية الى أزمة دولة عميقة لها ابعاد استراتيجية في المستويات الدولية والاقتصادية والمالية، والمتوقع ان تتعمق في المستقبل القريب.
- تسعى الحكومة الى حسم الامور بالتشريعات السريعة وباستغلال الغالبية اللحظية لخلق امر واقع لا يمكن للمعارضة اعادته الى الوراء، وقبل ان تتعمق الصراعات داخل الحكومة غير المنتجانسة، ولإبطال مفعول الضغوطات الدولية.
- إستفاقت المعارضة لحكومة نتيناهو الصهيودينية بسرعة وبقوة، وطعنت بشرعية الحكومة الحالية في المس بمؤسسات الدولة. هذه المعارضة معنية عن وعي بأن تكون اسرائيلية صهيونية تستبعد قضية فلسطين وقضايا فلسطينيي الداخل وشراكتهم الندّية.
- سيطرة احزاب الصهيودينية على الوزارات ذات العلاقة بالفلسطينيين من شأنها إبقاء قضية فلسطين في صدارة جدول اعمال الحكومة التي تسعى الى الاجهاز عليها وتجاوزها.
- اعتماد استراتيجية المسارين في مناهضة الحكومة الفاشية واحد للمعارضة الاسرائيلية واخر للجماهير العربية الفلسطينية المستهدفة وجودياً وحضوراً، كلٌّ حسب اجندته وفي حال تقاطع الاجندات ممكن التنسيق.
- كل ضغط فلسطيني وعربي ودولي نحو نزع شرعية الائتلاف الحاكم الاسرائيلي هو ضروري وقد يساعد في حسم الامور وتغيير التوازنات الداخلية.
التعليقات مغلقة.