في ذكرى 18 و19 يناير 1977 … هل نسترد الإنتفاضه؟ / محمد شريف كامل
محمد شريف كامل* ( مصر ) – الأحد 22/1/2023 م …
https://forafreeegypt.blogspot.com/2023/01/18-19-1977.html
الثورة العفويه بطبيعتها لا تحدث تغير حقيقي، ولكنها تعبر عن تراكم لغضب شعبي ينفجر في لحظة ما وهي كما نسميها القشه التي قصمت ظهر البعير، هذا كان حال مصر منذ 46 عاما، في 18و19 يناير 1977 وذات حالها ليلة 25 يناير2011، وكذلك حالها في يومنا هذا. ذلك يستدعي أن نسترجع التاريخ وما كان عليه الحال في 18و19 يناير 1977 لنقارنه بالحال في 2023، ولذلك لا بد لنا أن نحلل الوضع في مصر في عام 1977 ثم نبحث عن أوجه التشابه والاختلاف بينهما.
فعندما جاء السادات للحكم
– كان شعب مصر يعيش حياة بسيطه فلم يكن النموذج الغربي الاستهلاكي المتبرج على المستويين الشخصي والمجتمعي قد غزا مصر بعد، وكان كل مصري يؤمن بالإنتاج والعمل كقيمه، وإن لم يكن الوضع السياسي من الحريات يسمح بالكثير ولكن الشعب المصري متمثل في نبضه الحي من طلابه وعماله أنتفضوا في عامي 1967 و1968 مطالبين بالتحقيق في أسباب الهزيمة ومطالبين بالإصلاح والصمود، وكان الطريق
– لم يكن في مصر من يبيت ليله وهو جائع، إلا أنه مع مجئء نظام السادات أوهموا الشعب المصري بالرخاء القادم من الغرب من خلال تسوية مع العدو ورعاية أمريكيه لمشروع نهضه وهمي، فتمت عملية تشويه مفتعلة للقطاع العام وكل الإنجازات، والتي بلا شك شابها الخلل الذي إحتاج لإصلاح حقيقي وليس لتصفيه وتركيع.
– وبعد الانتفاضات الشعبية في 1972 و 1973 المطالبين بحرب تحرير، وجد الشعب في نهايات 1974 أن دمائه قد بيعت على موائد المفاوضات وسلمت للعدو، وبلا مقابل.
– ولأكتمال الصورة يجب أن نتذكر أنه في عام 1974 تحولت علاقة مصر مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من النصح والإشتراط أحياناً إلى أن أصبحا مخططين وموجهين بشكل مباشر، بل وأمرين مسيرين للإقتصاد المصرى، وأصبحت مصر دولة استهلاكية غير منتجه، بل أصبح محظوراً عليها أن تنتج المنتجات الأساسيه الصناعية والزراعية التي قد تسمح له بالإستقلال الذاتي، حتى إنها مُنعت من زراعة القمح، فأكتمل النوذج الاستهلاكي بديلا عن النموذج الانتاجي.
ثم جاءت يناير 1977 بما سمي بـ “تحريك الأسعار” ، فكانت الشرارة التى فجرت إنتفاضة الخبز الشعبيه، والتي مثلت إنتفاضة حقيقية في كل مدن وقرى مصر، حتى أن السادات أُضطر للسفر للإختباء في السودان. واُضطرت الحكومة للرضوخ للرفض الشعبي واُلغيت تلك المهزلة، غلى الأقل مرحلياً حتى عادت تدريجياً لأسوأ مما كان فأستدعت إنتفاضة أكبر في 2011.
لقد تفجرت أحداث 1977 التي مثلت إنتفاضة عفوية متناغمة لم يكن لها أي غطاء حزبي أو أي لون سياسي، وأستطاعت كوادرها أن تقودها رغم أن بعض القوى المهادنة للنظام في ذلك الوقت رفضت الخروج بل وحاولت تعطيلها وتعكيرها، ولكن خرج الشعب عن بكرة أبيه على كل الطرقات مرحباً ومؤيدا لمظاهرات نبضه الحي من الطلبه والعمال، المظاهرات التي انطلقت من كل الجامعات والمصانع في صورة متناغمه بلا سابقة تنسيق. ولو كان هناك أي تنظيم محرك لتلك الأحداث أو إمتداد لتلك الانتفاضه داخل صفوف الجيش لأستولى الشعب على الحكم.
ولكن ماذا كان موقف باقي أجهزة الدولة؟
– بعد ظهيرة يوم 18 يناير إنسحبت الشرطة من الطرقات وكأنه مخطط لإحداث الفوضى، مشابها تماما لما حدث في يناير2011، ولأول مرة ترى شوارع مصر بلطجية النظام الذين كان قد تم تتظيمهم كمليشيات تحمي النظام من الشعب ومن الأجهزه الرسمية، منظمة مسلحة مدعومة ومحمية من النظام، وكانت أول الفرق هي التي شُكلت من عصابات مرتبطة بعائلة السادات شخصيا إنطلاقاً من منطقة منشية الصدر.
– ثم أُعلنت الأحكام العرفية وحظر التجول وتم إستدعاء الجيش الذي لم يفرض الحظر بالقوة ورفض أن يطلق رصاصة في صدر الشعب، عدا بعض الإستثناءات المحدودة والفردية في بعض المناطق خارج القاهرة.
– ولا يمكن أن ننسى ذكر القضاء الذي فشل النظام حين ذلك أن يحكم سيطرته عليه بشكلٍ كامل، فرغم اختيار النظام لقاضي بعينه لمحاكمة المتهمين (١٧٦ متهما) والذين أتشرف بأني كنت أحدهم، فقد شاء القدر ألا يتمكن القاضي المعين من ذلك وحل محله قاضي شريف، فيخرج حكمه إدانة مباشرة لنظام السادات.
فقد صدرالحكم واصفاً الإنتفاضة بأنها “إنتفاضه شعبيه شريفه نزيهه” وليست “إنتفاضة حرامية” كما وصفها السادات، رحم الله المستشار حكيم منير صليب رئيس محكمة أمن الدولة العليا، التي أصدرت حكماً مثالياً في القضية رقم 100 لعام 1977، أدعوكم لقراءة حيثيات الحكم التي تصف الحال وكأنه اليوم.
– وبلا شك كان الاعلام مملوك للدولة وموجها من النظام وكل ما يكتب في غير رغبته يتم مصادرته، ورغم أن العالم لم يكن قد عرف حينها وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الشعب كان قادرا على تنقيه المعلومات وإستنباط الحقائق والتواصل فيما بينه بلا إعلام.
إلا أن النظام قد استفاد من تلك الإنتفاضه باستفتاء السادات في فبراير 1977، ذلك الاستفتاء المشين والذي مهد لزيارة القدس المشئومه بتغليظ عقوبة التظاهر والإعتراض على النظام، إستفتاء من 11 بند سمي ” قانون حماية الأمن والمواطنين”،
http://www.moqatel.com/openshare/behoth/sirzatia17/egypt/molsadat18.doc_cvt.htm
ذلك القانون الذي جمع متناقضات غير مسبوقة منها:
– إسقاط الضرائب عن الفلاح الذي يملك 3 أفدنه فأقل
– حرية تكوين الأحزاب وفق القانون، التي قيدها القانون بشرط موافقة 20 عضو بمجلس الشعب
– الأشغال الشاقة للعامل الذي يضرب ولكل من يشارك في أي تجمهر
وقد كان من أثار ذلك إطلاق يد السادات للإستسلام بعد تقيد الشعب وكل القوى الوطنية، وفي ذلك رسالة السيد كمال الدين حسين توبيخا للسادات الذي بموجبه فُصل من مجلس الشعب، تستحق القراءة
https://www.elbalad.news/5368754
وإن كان الوضع الإقتصادي قد أشتدت قصوته على الشعب في 1977، فهذا لا يقارن بما هو عليه الأن، وقد تلاشت الطبقة الوسطى. إلا أن الحال في 1977 كان أقل صعوية من يومنا هذا بفارق كبير لا يتفق مع إدعاءات النظام المصري بالأزمة العالمية الناشئه عن تفشي وباء كورونا، والحرب على أوكرانيا، وهذا بلاشك إدعاء باطل، فمعدل التضخم العالمي لم يتجاوز 6% ومعدل التضخم في مصر قد تجاوز 24%.
ورغم ذلك الوضع الأكثر سوءا مما كان عليه في 1977، إلا أن الفارق الكبير بين واقعنا اليوم وما كانت عليه مصر في 1977، فاليوم
– قد تربعت قوى القمع الغاشمة على عرش مصر تمارس إرهاب لم يعرف الشعب المصري مثيل له طوال حياته
– وتحصنت تلك القوى المسيطرة بمصالح القوى المفسدة على المستوى المحلي والأقليمي والدولي
– وأتمت السيطرة على الاتحادات الطلابية والنقابات العمالية وتهميشهم وهما نبض الشعب وعامل إشعال الثورة.
– كما نجحت القوى الإستعماريه في تمزيق النسيج المصري وكسر وحدة القوى الثورية، بل والإيقاع بينها وقيعة لا يُعلم كيف ستلتئم، إن كانت ستلتئم.
تلك النقاط الأربع تمثل العامل الأساسي والجوهري من حال مصر وتحريكها يمثل الطريق الوحيد للخروج من المأزق الذي يبدأ بإلتئام القوى الثورية.
التعليقات مغلقة.