التنافس الإقليمي نحو إيران / د. جمال زهران

د. جمال زهران* ( مصر ) – الثلاثاء 24/1/2023 م …




يلاحَظ في إطار، هيكلة الإقليم على المستويين العربي، والشرق أوسطي، تفاعلات جديدة تجاه دول التماس للإقليم العربي، وتتمثل في ثلاث دول رئيسية وهي: إيران في المقدمة، ثم تركيا، ثم أثيوبيا. وتشكل كل واحدة منهم تحدياً كبيراً للإقليم العربي، وتلعب العوامل الخارجية من ناحية الغرب أصلاً وأساساً، ويتمثل الغرب في أميركا وتابعيها في أوروبا، دوراً رئيسياً في تأجيج الخلافات، وتوسيع هوة الصراعات، وإخضاع الإقليم للحصار الغربي، وبقوانين جائزة، تفتقر للشرعية الدولية بطبيعة الحال!
وفي هذا المقال سيتمّ تناول وتحليل إحدى دول الجوار الجغرافي، والتي تمتلك إمكانيات ضخمة في ممارسة دور إقليمي ودولي مؤثر، وهي دولة إيران.
فالملاحظ أن دولة الثورة في إيران، منذ عام 1979، وحتى الآن، تمارس دوراً إقليمياً يلاحظه أي محلل سياسي، رغم ما تعرّضت له من حرب مع العراق، غزتها دول عربية وعالمية، للحيلولة دون انتقال الثورة إلى دول الخليج ودول أخرى، فتسقط الممالك الخليجية، مثل قطع الشطرنج في لحظة ترنح شديدة. فأضحت دولة العراق في عهد صدام حسين، مخلباً في يد هذه الدول العربية والغربية الاستعمارية، الأمر الذي أسهم في محاولة تعطيل الدور الثوري لإيران، الداعم منذ اللحظة الأولى، للقضية الفلسطينية، ورفع شعار تحرير القدس، وإغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران، واستبدالها بسفارة لدولة فلسطين.
إلا أنّ الدولة الإيرانية استعادت نشاطها لممارسة دورها القيادي في الإقليم بعد أن هدأت الحرب مع العراق، وصمتت المدافع بين الدولتين.
ومن سوءات القدر، أن تمّ استبدال الدور الإيراني، بالدور المصري الذي تعطل بعد زيارة السادات للكيان الصهيوني وعقد اتفاقياتي كامب ديفيد عام 1978، والمعاهدة المصرية/ الصهيونية في مارس 1979! فماذا لو ظلت مصر على دورها القيادي، ما كان سائداً إبان حقبة عبد الناصر، وتوظيف حرب أكتوبر وانتصاراتها العربية على الكيان الصهيوني عام 1973، ولم توقع اتفاقات كامب ديفيد، لكان المشهد مختلفاً بدرجة كاملة.
حيث كان متصوّراً أنّ تتحالف مصر مع إيران، مثلما حدث في أوائل الخمسينيات بعد ثورة «مصدق» في إيران ضد نظام الشاه وأميركا، حيث كانت مصر/ عبد الناصر هي أول دولة أعلنت تأييدها لهذه الثورة، التي أفشلتها أميركا وأجهزة مخابراتها وبتمويل خليجي، كما هو معتاد في مواقف ومعارك إقليمية عديدة.
أما ونحن الآن، في مشهد إقليمي تحوّلي، في ظلّ نظام دولي تحوّلي أيضاً، ليتأكد التعدّد القطبي بعد التدخل العسكري لروسيا في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، وبعد تولي بايدن الديموقراطي السلطة في أميركا بعد الإطاحة بترامب، وذلك في يناير 2021، واستمرار الحصار الأميركي الأوروبي على إيران، وفي نفس الوقت استمرار الحوار معها، لذلك لوحظ أنّ هناك أطرافاً إقليمية تتسارع للحوار مع إيران، بغضّ النظر عن التنسيق مع أميركا أم لا!
وقد وصل بهذه الأطراف الإقليمية (عربية/ شرق أوسطية)، إلى التنافس في ما بينها، حول من تكون الدولة ذات الأولوية في عقد التصالح مع إيران، وإعادة العلاقات لمساراتها القديمة. وتبرز في الساحة ثلاث دول إقليمية هي: السعودية ـ تركيا ـ مصر.
فالسعودية، تطلق تصريحات إيجابية، بخصوص اللقاءات الدورية المستمرة مع إيران، وتضمّنت الحوار في العديد من المجالات، وحسم الكثير من القضايا الخلافية بين الدولتين، على أرض العراق، وتردّد أنه قد تمّت بعض اللقاءات على أرض سلطنة عُمان. وفي المقابل هناك تصريحات إيجابية مع الطرف الإيراني، وصلت إلى آخر تصريحات وزير الخارجية الإيراني (عبد اللهيان)، بأنّ إيران جاهزة لاستعادة العلاقات مع المملكة السعودية، وعودة العلاقات الدبلوماسية على أعلى المستويات. وهو التصريح الذي يشي بأنه قد وصلت الحوارات إلى نتائج جيدة ومحددة، أفصح عنها رسمياً وزير خارجية إيران. والمستقر في العلاقات الدولية، أنّ مثل هذه التصريحات لا تصدر عن خيالات، بل عن واقع حقيقي وخلاصة اتفاقات بين الدولتين. وقد تردّد أيضاً من خلال تواتر بعض الأنباء، أن هناك لقاء يجري الإعداد له، بين وزيري خارجية السعودية وإيران، يتضمّن الإعلان الرسمي عن عودة العلاقات، تجسيداً للحوارات الطويلة التي أجريت بين الطرفين، بلغ عددها ما يفوق العشرة لقاءات. ولكن على ما يبدو أنّ هناك انتظاراً للضوء الأخضر الأميركي.
وفي تقديري، فإنّ هذه الخطوة، لو تمّت، سيكون لها تداعيات خطيرة وكبرى في الإقليم وسيكون لها تداعيات أيضاً على النظام الدولي، وهو ما سنتابعه.
أما مصر، فإنه قد تردّد أيضاً أنّ هناك لقاءات «سرية»، بين أطراف إيرانية، وأطراف مصرية، تبادلت أماكنها بين العراق والأردن، وسلطنة عُمان، لكن يتكتم الطرفان الإفصاح عن أية تفاصيل، أو حتى أية تصريحات رسمية، الأمر الذي يشي بأنّ هوة الخلافات كبيرة، ولم تصل بعد إلى نتائج ملموسة، يمكن التنويه إليها من أيّ من الطرفين. وعلى ما يبدو من خلال متابعتي لهذا الملف، بأنّ مصر، تأخذ في اعتبارها انعكاسات استعادة العلاقات مع إيران، على علاقة مصر مع الإمارات، وكأنّ هناك خلافات بين الإمارات وإيران. على حين أنّ العلاقات بين دولتي الإمارات وإيران، كبيرة للغاية على كافة الأصعدة.
وتصل حجم العلاقات التجارية (استيراد + وتصدير) إلى ما يزيد على (20) مليار دولار، وخطوط الطيران مفتوحة بين الدولتين يومياً بلا انقطاع، بل تعتبر أبوظبي ودبي، محطتين ترانزيت للذهاب إلى إيران، للدول التي ليس لها طيران مباشر معها، وفي مقدّمتها مصر. ومن ثم تستطيع مصر أن تستعيد علاقاتها توازياً مع المملكة السعودية، وفي الخلفية العلاقات الجيدة للإمارات مع إيران، إلى حدّ وجود علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى!!
إلا أنّ مصر أيضاً تتحرّج في استعادة العلاقات، إلا بتنسيق أميركي وضوء أخضر، تفادياً لتعرّضها إلى عقوبات الاستعمار الأميركي الذي لا يرحم، وتوازياً مع دور مصر الذي تراجع إقليمياً ودولياً. ومن أمثلة ذلك، مصر لا تمتلك القدرة على التأثير في تصدير الكهرباء إلى لبنان عبر الأردن وسورية بدون الموافقة الأميركية!!
أما تركيا، فإنها قد سبقت الدول العربية المتردّدة، وأسّست وطوّرت العلاقات مع إيران، وأصبحت هناك دبلوماسية مكوكية برعاية ودعم روسيا، قد تفضي إلى حلّ المعضلة السورية، ويحتمل الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية خلال أسابيع قليلة!
وخلاصة القول، بأنّ هناك تنافساً بين دول الإقليم الكبرى تجاه إيران، بين التردّد، والإقدام، وبين مدّ وجذر، يتأكد معها أنّ إيران دولة فاعلة بلا جدال.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.