د.سمير أمين: ينتقد واقعاً عالمياً مأزوماً / يوسف عبدالله محمود
د. سمير أمين باحث ومفكر مصري راحل وهو من أهم مؤسسي نظرية المنظومات العالمية، ويعد من أبرز من درس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم.
آمن هذا المفكر البارز ان الرأسمالية تسير نحو الفناء وان الاشتراكية ستفرض حضورها مستقبلاً على عالم الشرق الأوسط.
انتقد د. سمير أمين التناقضات التي يعيشها عالمنا المعاصر “فالعلاقة بين المراكز والأطراف علاقة استعباد لا مثيل له”..
وفي رأيه ان “الاشتراكية” بدايتها ستكون من دول الأطراف. ماركسياً كان، انتقد الفوارق الطبقية التي تهدد الطبقات الفقيرة، انه صاحب نظرية (التطور اللامتكافيء).
وفي رأيه ان ازمة الإمبريالية هي أزمة بنيوية. أزمة تضرب في الأعماق، وبحق كان مخلصاً “للمادية الجدلية”.
ومع انه ماركسي الا انه وجه نقداً لاذعاً للتجربة الماركسية في الاتحاد السوفيتي السابق واصفاً هذه التجربة بأنها (رأسمالية دولة). انتقاده هذا رفضه بعض الماركسيين، مع انني اعتبره انتقاداً واقعياً لأن الأيام اثبتت صحته.
في دراسة قيمة له في مجلة “المستقبل العربي” الصادرة في لبنان عدد 135، يشير هذا المفكر الفذ الى “أن خيار عالم متعدد الأطراف هو الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي يضمن احتمال إقامة أممية شعبية مستحدثة تجمع شعوب القطاعات الثلاثة للعالم أي الغرب والشرق والجنوب”. (المستقبل العربي ص 84) .
انتقد الوضع العالمي القائم الذي يهمش بلدان العالم الثالث معتبراً إياها فقط مصدراً يستنزف موارده الطبيعية وبخاصة النفط، في نقده لبلدان العالم الثالث يدعوها الى انتهاج استراتيجية “تقوم على مبدأ التقدم في تنظيم قوى الإنتاج على مبدأ السعي وراء قدرة تنافسية عالمية مباشرة”، يدعوها الى “دمقرطة السياسة على أساس إنجازات اجتماعية تقدمية”. (المرجع السابق ص 85) .
ينتقد بحدة الدكتاتورية التي ينتهجها حكام هذه البلدان، حكام هذه البلدان مرفّهون وشعوبهم جائعة مقموعة! .
يتساءل د. سمير أمين تساؤله المشروع: “هل سوف تتجه النظم الشرقية نحو العودة الى ممارسة الديمقراطية البرجوازية البحتة ام سوف تخطو خطوة في اتجاه ديمقراطية ذات مضمون اجتماعي قائمة على إدارة مجتمعية (أي غير رأسمالية) للاقتصاد”. (المرجع السابق ص 83)
مع الأسف مازالت هذه النظم تحارب الديمقراطية، تعلنها شعاراً وعلى الأرض تخالفها، ارتباطها بالإمبريالية العالمية لا يسمح بأي انجاز تقدمي. انتقد سمير أمين “مستويات النمو التي حققتها بلدان الشرق من حيث الإنتاجية والقدرة على التنافسية”، وضع هذه البلدان لن يجعلها كما ذكر “تحتل مواقع عليا في النظام العالمي”.
في دراسته السابقة يرى هذا المفكر “أن الخيارات السياسية التي تقوم عليها مختلف المشاريع المستقبلية هي بدورها عوامل موضوعية للتاريخ”. ليت هذه البلدان تتعظ من التاريخ.
مستويات نمو هذه البلدان التي انتقدها هذا المفكر العملاق باتت في أدنى مستوى. الشعوب هي الضحية.
يحذر سمير أمين من أن تؤدي التناقضات العالمية الى تقسيم العالم الى مناطق نفوذ حول الأقطاب المهيمنين.
وهنا أتساءل: أليست هذه النبوءة هي الحاصل هذه الأيام؟ .
دول تتفكك في ظل أنظمة حكم مستبدة لا تراعي مصالح شعوبها، عن التفكك حدث ولا حرج! .
يدعو هذا المفكر اللامع (قوى اليسار) ان تبذل مجهودها للتصدي للهيمنة الإمبريالية ولأنظمة بلدان الدكتاتورية.
انتقد سمير أمين البلدان العربية التي تتبع النموذج الرأسمالي الغربي، فالاندماج في هذا النموذج يؤدي الى تعميق تخلف هذه البلدان.
انتقد انتشار الفقر عالمياً، هناك كما يقول (20%) من سكان العالم يحتكرون (80%) من ثرواته، غالبية سكان العالم لا بواكي عليهم.
ان التقدم الاجتماعي وسيادة الشعوب العربية لن تتأتى في ظل أنظمة قامعة للديمقراطية.
متى تستوعب هذه الأنظمة القامعة دروس التاريخ؟ .
سمير أمين متفائل بأن الاشتراكية هي النظام الذي سيخرج العالم من شرور الرأسمالية الى رحاب العدالة الاجتماعية.
هو مؤمن ان الفقر والجوع والبطالة ستدفع البلدان النامية الى ثورة اشتراكية تَكنس الاستبداد.
دعا سمير أمين الى التخلي العربي عن تمجيد الفرد “فالمطلوب البديل الجماعي المشارك الفعلي في العملية السياسية “البديل الجماعي يخيف المستبدين”، مأساتنا العربية في هذا التمجيد الذي ورثناه عن الماضي المندثر! .
ينادي هذا المفكر الراحل بتأسيس جبهة أممية من العمال والشعوب لمواجهة زحف الرأسمالية الإمبريالية.
يرحل د. سمير أمين وتمنياته بمستقبل مشرق يسود العالم لم تتحقق بعد.
دولنا العربية مع الأسف لم تتعظ أنظمتها الحاكمة من خطر التبعية للإمبريالية العالمية، هي تعتبرها طوق نجاة يطيل في عمرها،
يوما ما سيسقط هذا الطوق آجلاً أم عاجلاً.
التعليقات مغلقة.