تمثال شامبليون والحصار المستمر على سوريا / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) – السبت 18/2/2023 م …




 

في ساحة الكلية الفرنسية ” الكوليدي دي فرانس ” في وسط باريس، ينتصب منذ عام 1878م تمثال يُعبر عن التاريخ الإستعماري القديم لفرنسا، ويصور الهيمنة السياسية والإقتصادية والثقافية المستمرة والمفروضة على دولنا العربية ، حيث يصور التمثال عالم اللغويات “شامبليون” الذي يُنسب إليه فك رموز حجر رشيد واللغة الهيروغليفية ويعتبر من مؤسسي علم المصريات، وهو يضع قدمه اليسرى على رأس أحد أشهر وأهم ملوك الفراعنة ” تحتمس الثالث” سادس الفراعنة المصريين.

قام بنحت هذا التمثال الرخامي ، الفنان الفرنسي ” فريدرك أوغست بارتولدي” عام 1875م، وهو نفسه الذي صمم تمثال الحرية في نيويورك.

بلا شك أن هذا التمثال يُعتبرإهانة بالغة للحضارة المصرية الأعرق في العالم، ويعكس عقلية وثقافة الإستعماريين القدماء والجدد، ونظرتهم لشعوب وثقافة منطقتنا، ومن يراجع مراسلات ووثائق الحملة الفرنسية على مصر والشام بقيادة الجنرال نابوليون بونابرت (1780-1801م)، ستتضح له هذه العنصرية المتأصلة بالرغم من شعارات ” الأخوة الإنسانية، الحرية، والمساواة ” التي ما زالت دعاية النظام العالمي حتى يومنا هذا.

في الخطاب الثاني من خطابات الحملة نقرأ* : ” نحن أسياد الإسكندرية، احتلت قواتنا في طريقها أبا قير واستولينا على رشيد، وبناء على ذلك أصبح تحت سيطرتنا أحد أهم مصاب النيل “. ومن يقرأ باقي الخطابات ومنها خطاب نابليون نفسه يتضح له فكر ونفسية المستعمر، والذي لا يختلف على الاطلاق عن عنجهية الكيان الصهيوني.

على مدار سنوات طويلة، لم ينتبه أحد لوجود هذا التمثال سوى مؤخرا ، وتحديدا عام 2018، وذهبت كل نداءات ازالة هذا التمثال، وعرائض الاحتجاج وحملات جمع التوقيعات التي قدمها المصريون أدراج الرياح.

يلخص هذا التمثال حال العرب (في زمن الردة) الذين يلتزمون الصمت إتجاه الحصار المفروض على سوريا، والمشاركة أو التواطؤ مع النظام الدولي وهو يكشف عن زيف شعاراته ومعاييره الإنسانية والأخلاقية خصوصا مع كارثة الزلزال المدمر الذي أصاب المنطقة.

لم تحرك مشاهد الدمار ومعاناة ضحايا الزلزال من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، ضمير مجلس الأمن وما يُسمى بالمجتمع الدولي.

أما عن بعض الكيانات السياسية في المنطقة، والتي لا تجرؤ على المطالبة بإسترداد كنوزها التاريخية المنتشرة في متاحف الغرب، فتضع رأسها تحت الرمال لكي لا ترى ما حل بسوريا التاريخ والحضارة.

إلى متى ستبقى قدم شامبليون اليسرى حاجزا أمام تحمل العرب لمسؤولياتهم التاريخية والإنسانية اتجاه سوريا وشعبها؟

ملاحظة: هناك شارع من أشهر شوارع القاهرة، يحمل اسم ” جان فرانسوا شامبليون”، والذي لم يكن ليحظى بمثل هذه القيمة والشهرة لولا حضارة مصر القديمة.

مرجع: الأيام الأولى للحملة الفرنسية على مصر، رسائل لقادتها، ترجمة السفير يوسف شرارة، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 2011م.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.