أين سيذهب مقاتلو “داعش” بعد إنتهاء معركة حلب؟! / د.خيام محمد الزعبي
د.خيام محمد الزعبي ( سورية ) الأربعاء 10/8/2016 م …
منذ إنطلاق ما يسمى بملحمة حلب الكبرى التي أطلقتها المجموعات المسلحة، إستطاع الجيش السوري وحلفاؤه – وحسب تقارير ميدانية – من دحر عناصر هذه المجموعات وحصارها في مناطق متفرقة من حلب، وتم قتل أكثر من 500 قتيل حسب التقارير الميدانية، وبالإضافة الى ذلك، فقد تم أسر مجموعة من مقاتلي هذه المجموعات وفرار آخرين الى المناطق المجاورة، وهذا ما أثار تساؤلات هامة حول الأمر وهو: أين سيذهب مقاتلو داعش بعد فرارهم من حلب؟.
قوات الجيش السوري، المدعومة بغطاء جوي روسي مكثف، حققت تقدماً كبيراً في حلب وريفها، وإقتربت من مدينة إدلب، إذ يركّز الجيش وحلفاؤه عملياتهم القتالية على ثلاثة محاور أساسية، وهي أرياف حلب الجنوبي، والغربي، والشمال الغربي، حيث يقوم الجيش السوري بعزل المناطق الواقعة تحت سيطرة المسلحين عن بعضها البعض، بعدما تمكّن من إحكام الطوق عليها في مدينة حلب، إلى ذلك، فقد فشلت المؤازرة التي طلبتها المجموعات المسلحة من إختراق هذا الطوق المحكم، إلا أن الإخفاق كان سيّد المشهد وتكبّدت هذه المجموعات خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وتمكّن الجيش السوري من قتل أعدد كبيرة من قادة هذه المجموعات.
فبعد فشل المجموعات المسلحة في السيطرة على منطقة العامرية، جنوب غرب حلب، حاولت السيطرة على نقاط الجيش في مناطق العامرية، والجمعيات، وتلّة المحروقات، وعدد من التلال المحيطة، إلا إنها باءت بالفشل، لذلك خفض المسلحين سقف أهدافهم من خلال الابتعاد عن الهدف الأساسي لمعركتهم، وهو “كسر الطوق” عن المدينة، وفتح خط إمداد للمجموعات المسلحة في الأحياء الشرقية.
على صعيد متصل إن سيطرة الجيش السوري وحلفاؤه على ريف حلب الجنوبي ستؤدي إلى فصل ريف حلب عن ريف إدلب، تمهيداً لبدء معركة إستعادة إدلب في الوقت المناسب الذي تحدده قيادة العمليات السورية – الروسية- الإيرانية، في هذا الإطار، فإن الهجوم الذي هيئت وسُخّرت له كافة أنواع الأسلحة والمعدات وآلاف الارهابيين والإنتحاريين، مني بالفشل ولم يستطع تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة، واستعاد الجيش السوري زمام المبادرة في المنطقة، ومنع الإرهابيين من تحقيق الهدف الذي أعلنوا عنه وهو فك الحصار عن بؤر الإرهابيين في الأحياء الشرقية، وإنطلاقاً من ذلك حسمت سورية خياراتها منذ البداية وقررت عدم التردد في ضرب الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار إلى كافة مدنها مهما طالت الحرب وكلفت من أثمان باهظة، وهذا ما يجعل لمعركة حلب أهمية إستثنائية وإستراتيجية.
ولعل أكبر الدلائل على هزيمة المسلحين في حلب تتمثل في إستعمالهم الأسلحة الكيمياوية وسط صمت مريب للدول الغربية وحلفاؤها والمنظمات والهيئات الدولية، فضلاً عن مراجعة المواقف من الحرب السورية، لعل أبرزها دعوة “فرانسوا فيون” رئيس وزراء فرنسا الأسبق الى دعم ومؤازرة الجيش السوري لأنه الوحيد الذي يقاتل داعش وأدواته لتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة.
عودة للسؤال الذي طرحناه سابقاً، وهو البحث عن المكان الذي سيلجأ عليه مقاتلو داعش وأعوانه حال حصارهم من قبل قوات الجيش السوري، وهل ستكون الوجهة داخل سورية، أم سيضطرون للذهاب بعيداً عن الأراضي السورية؟، إن التقدم العسكري الذي تحرزه القوات السورية على تنظيم داعش، في معاقله الرئيسية، بالإضافة الى إنه يواجه ظروفاً صعبة من حيث نقص التمويل واضطراره للحرب على أكثر من محور، فضلاً عن الدعم الدولي الكبير الذي تقدمه الدول الكبرى للقوات التي تقاتل “داعش” على الأرض بات مثار جدل بين الخبراء الدوليين حول مدى تراجع قوة هذا التنظيم وفقدانه السيطرة على الأراضي التي يحتلها في سورية، في حين يرى مراقبون أن التراجع الحالي يمكن أن يغير من قواعد اللعبة على الأرض، ويجبر من قيادة التنظيم إلى البحث عن أرض بديلة ومناطق جديدة مثل ليبيا أو أفغانستان، وذلك لقدرة التنظيم هناك على إعادة الإنتشار والحاضنة التي توفر له الحماية والتحرك بحرية على الأرض، في حين إن قوات الجيش السوري تؤكد إن تركيزها الآن على دحر التنظيم وإنها لن تترك لهم ممراً آمناً حتى يهربوا أصلاً، وترى إن قتالهم والقضاء عليهم هو الحل الوحيد لتحقيق الأمن في المنطفة، ذلك من خلال بناء إستراتيجية دقيقة وواضحة لحسم الأمر نهائياً وإبعاد هذا السرطان المدمر عن أراضينا كونه المهدد الحقيقي للأمن والاستقرار، وتتحقق هذه الاستراتيجية بالدعم الدولي الحقيقي المتمثل في دعم لوجستي وعسكري ومخابراتي من أجل إجتثاث الإرهاب من جذوره في سورية، وإنطلاقاً من ذلك أن دحر داعش في سورية قد يكون بداية النهاية لهذا التنظيم المتشدد في المنطقة.
في المقابل كانت حلب بالنسبة الى السوريين جيشاً وشعباً عنواناً للصمود والشموخ… وعنواناً لإرادة الإنتصار ولكسر شوكة الدواعش وكل المتطرفين بما فيها من الدول الغربية التي غضّت الطرف وغذّت الحريق قبل أن ينقلب عليها سحرها وتجد نفسها تكتوي بالنيران التي أرادت إحراق وتدمير سورية بها، وأختم بالقول إنه من خلال العمليات العسكرية الأخيرة في مدينة حلب، فأن الأحوال تبدّلت كثيراً، فبعدما باءت محاولات المجموعات المسلحة في السيطرة على المدينة بالفشل، توحي التطورات الميدانية، بأنّ فرص نجاح الجيش السوري وحليفه الروسي -الإيراني في الحسم قد زادت بشكل كبير، وذلك بفضل تكثيف روسيا غاراتها ضد المجموعات المسلحة، لذلك فإن الحرب في حلب ستغير نتائجها مستقبل سورية وخريطة المنطقة بأسرها، لإنها مسألة حياة او موت للأطراف المتقاتلة على أرضها.
التعليقات مغلقة.