قصة إخبارية … جهادي مصري من أفغانستان إلى الرقة .. الى الهروب والانشقاق
الأربعاء 10/8/2016 م …
الأردن العربي …
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسليها سعاد مخنيت وغريغ ميللر، تحدثت فيه عن القصة الكاملة لرحلة جهادي مصري، وتطرقت لرأيه في تنظيم الدولة، وعلاقته بتنظيم القاعدة.
وتقول الصحيفة إن الجهادي محمد المصري يتذكر حديثا مع والده أبي الخباب المصري، جرى في بناية داخل معسكر لتنظيم القاعدة في أفغانستان، عندما كان محمد صغيرا يبحث عن الأقفاص التي تنام فيها الأرانب، لكنه وجد مختبرا علميا مجهزا بطريقة بدائية، وبأنابيب اختبار، وأقنعة واقية، وصف من الجرار السوداء.
ويشير التقرير إلى أنه في اللحظة التي كان فيها محمد ينظر إلى ما حوله ظهر والده، ويقول: “سألت والدي ماذا يفعل هنا؟”، فرد قائلا: “عندما تكبر إن شاء الله ستعرف بنفسك”، كان هذا الحوار قبل عشرين عاما عندما كان تنظيم القاعدة قويا في أفغانستان، ووالده المتخرج في مجال الكيمياء يعمل معه على تطوير سلاح فعال للقتل الجماعي، ووضعت الولايات المتحدة ثمنا لرأسه خمسة ملايين دولار.
ويذكر الكاتبان أن أشرطة الفيديو، التي اكتشفت بعد رحيل تنظيم القاعدة من أفغانستان، أظهرت كلابا تموت بعد رش مادة مركبة عليها، مشيرين إلى أن أبا الخباب ربط بسلسلة من العمليات الإرهابية منها، مفجر الحذاء، الذي حاول تفجير طائرة أمريكية كانت في طريقها إلى ميامي، وقُتل أبو الخباب في غارة أمريكية.
أفغانستان تلاحقه
وتلفت الصحيفة إلى أن محمد المصري يبلغ من العمر اليوم 35 عاما، وترك فترة أفغانستان وراء ظهره، حيث غادرها بعد ذلك الحوار بفترة قصيرة في مختبر دارنوتا، ولم ير والده بعد ذلك، مستدركة بأن النسب يلاحقه، حتى وهو يحاول ترك أثره في الحركة الجهادية، خاصة في سوريا، وساعده نسبه على بناء عدد من الأتباع عندما وصل إليها في عام 2012.
ويستدرك التقرير بأن المصري لم يتجنب الصراع الدائر بين تنظيم القاعدة، التي انتمى إليه والده وتنظيم الدولة، الذي يخوض حربا شرسة مع فرع تنظيم القاعدة في سوريا، لافتا إلى أن المصري يتميز بأنه من القلة التي يمكنها الزعم بأنها قضت وقتا في معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان، وعاصمة “الخلافة” الرقة، وهو الشخص الوحيد الذي يتحدث عن التجربة بتفاصيل، بحسب الصحيفة،.
ويعلق الكاتبان قائلين إن “المصري يمثل (الحمض النووي) المشترك بين التنظيمين المتصارعين حول المصادر والأساليب والجنود، ورغم أن تنظيم الدولة فاز في معظم الجولات، إلا أن تنظيم القاعدة أثببت أنه قادر على إعادة تنظيم صفوفه، وكان تنظيم جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة السوري، قد أعلن في الفترة الأخيرة انفصاله عن تنظيم القاعدة، وقد بث زعيم الأخير أيمن الظواهري شريطا في أيار/ مايو، دعا فيه الفرع السوري لإنشاء استقلاليته”.
وتبين الصحيفة أن المصري يعد جزءا من الجمهور الذي يوجه إليه الظواهري رسائله، فبعد فشله منع ظهور تنظيم الدولة التحالف معه، وقبل الدعم منه، شقة في الرقة، وراتبا ماليا، وزوجة سعودية، مستدركة بأن التنظيم اكتشف حدود النفع الذي يمكن للمصري تقديمه، خاصة بعد رفضه الظهور في أشرطة فيديو يشجب فيها تنظيم والده، أو المشاركة في عمليات ضد الفرع السوري.
ويلفت التقرير إلى أنه في منتصف عام 2014، اتهم المصري بالخيانة، وتم نقله إلى الرقة، ووضع في الحبس الإجباري، ولم يخرجه من الحبس إلا تاجر من الموالين لقضية والده، الذي ساعده على الهروب من أرض “الخلافة”، ويعلق قائلا: “يحظى والدي بسمعة جيدة بين المجاهدين”، ويضيف أن “تنظيم الدولة يحاول أخذ الراية من تنظيم القاعدة، ويريد استخدامي غنيمة”.
وينوه الكاتبان إلى أن المصري وافق على الحديث بشرط عدم الكشف عن مكانه في المنطقة، ولا عن منصبه، أو صفته التنظيمية، ورفض السماح لهما بتصويره؛ خشية استهدافه من تنظيم الدولة، واعتقال السلطات الأمنية له، وأكد مقرب من والده هويته، وكشف عن جواز سفره.
غير راض
وتقول الصحيفة إن المصري وافق على الحديث معها من أجل إظهار عدم رضاه عن الحكم الديكتاتوري لتنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، مع أنه لم يشجب أساليبه الوحشية، وقال: “ليست لدي مشكلة معهم؛ لأنهم ذبحوا شخصا ارتكب جريمة، لكن للطريقة التي حكموا بها”.
ويفيد التقرير، بأن المصري يلقي باللائمة على السياسات الأمريكية، وحملتها في الشرق الأوسط، ويقول إنها سبب اندفاع آلاف المسلمين إلى صفوف تنظيم الدولة، ويضيف: “بقدر كرهي لتنظيم الدولة؛ نتيجة لمعاملته للناس، لكن أحد الأسباب التي جعلته قويا كان الغرب”، في إشارة للمظالم التي طرحها تنظيم القاعدة الذي انتمى إليه والده.
ويورد الكاتبان أن المصري تذكر تناوله العشاء، ولأكثر من مرة، مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وسباق الخيل مع أولاده، ويقول: “كان رجلا مريحا ومؤدبا، ولم يكن يحب الخوض في كلام سيئ عن الناس”، لافتين إلى أن المصري ولد في الأردن، وانتقل مع عائلته إلى باكستان عندما كان في سن التاسعة، واسمه الحقيقي مدحت المرسي السيد عمر، وقضى شطرا من حياته على الحدود الأفغانية وفي داخل معسكرات للتدريب، قرب سد دارنوتا، الذي يبعد 70 ميلا عن العاصمة كابول، وقرب مدينة جلال أباد.
وتذكر الصحيفة أن والده فتح مقهى في بيشاور، وهي المدينة الباكستانية التي كانت نقطة الدخول لألاف المتطوعين المسلمين في الحرب الأفغانية في فترة الثمانينيات من القرن العشرين.
مقهى المجاهدين
ويشير التقرير إلى أن المصري عمل مع والدته وإخوته الخمسة في المقهى، الذي أطلق عليه “مقهى المجاهدين”، وكان من رعاة المقهى عدد من قادة تنظيم القاعدة، ومن ضمنهم أيمن الظواهري، الذي كان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، وتولى القيادة بعد مقتل ابن لادن عام 2011، وكان الظواهري ووالد المصري جزءا من المجموعة المصرية التي أسهمت في إنشاء تنظيم القاعدة، حيث حصل الظواهري على درجة في الطب، والمصري الأب على شهادة في الكيمياء من جامعة الاسكندرية، وكانا جزءا من حركة الجهاد المصرية، التي حاولت قلب نظام الحكم في مصر، لكنهما هربا إلى أفغانستان، وزار المصري والده في معسكرات التدريب، التي وصفها بأنها مثل المخيمات الصيفية، وذلك عندما تحدث عن رحلة إلى معسكر خالدان، القريب من جبال تورا بورا، الذي شارك خريجوه في محاولات لتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، وتفجير السفارتين الأمريكيتين في شرق أفريقيا عام 1998.
وينقل الكاتبان عن المصري قوله إنه قضى أسبوعين في المعسكر عندما كان في سن التاسعة، حيث كانوا يقومون بالألعاب الرياضية في الصباح، ويضيف: “تعلمنا ألا نفوت صلاة، وألا نذهب نشتكي لوالدينا وأمهاتنا في كل صغيرة”، مشيرين إلى أن والده كان يقوم بزيارات غير منتظمة للعائلة في بيشاور، وتحدث المصري عن والده الذي يتسم بالصبر، وكيف كان يجمع العائلة حول طاولة عليها أنواع من البهارات واللحم، ويعلمهم كيف يصنعون الأكلات.
وتورد الصحيفة أن المصري يؤكد أن ما تعلمه من والده هو صنع الطعام، ونفى أن يكون تعلم من والده طريقة تركيب المواد السامة، وقال إنه لم يكن جيدا في خلط المكونات، وترك المصري ووالدته وإخوته الخمسة أفغانستان بشكل دائم عام 1996، أي في الوقت الذي عاد فيه ابن لادن إلى أفغانستان، بعد فترة قضاها في السودان، لافتا إلى أن المصري ربط قرار مغادرته أفغانستان بالظروف الأمنية، لكن الخبراء يقولون إنه مرتبط بقرار والده الزواج من ثانية.
وبحسب التقرير، فإن العائلة تنقلت بين أذربيجان وإيران والسعودية، وجهدت في توفير المعيشة اليومية، وانتقل المصري من بيع الساعات المزيفة على كورنيش جدة، إلى العمل في محل حلويات في سوريا، وحاول الدخول إلى مصر بوثيقة سفر يمنية، إلا أن السلطات التي كانت تعرف عن والده اعتقلته، وقضى ثمانية أعوام في السجن، تحول فيها تنظيم القاعدة من منظمة ذات تهديد ثانوي إلى أكبر تهديد دولي، وبعد أشهر من هجمات أيلول/ سبتمبر، انضم إليه في الزنزانة شقيقه حمزة، الذي نقل من قاعدة باغرام الأفغانية إلى مصر، ولم توجه له اتهامات، واحتجز بسبب القلق من تنظيم القاعدة، ومن أجل الضغط على والده، إلا أن المصري فقد الصلة مع والديه، ولم يتصل معهما لثلاث سنوات، مشيرا إلى أن الأب لم يربط بهجمات أيلول/ سبتمبر 2001، لكن عمله في معسكر دارنوتا هو الذي أثار اهتمام الأمريكيين، بعد تدمير المجمع التدريبي عام 2001، واكتشفوا محاولات لتصنيع أسلحة كيماوية، وعثر صحافيون بين الأنقاض على أجهزة حاسوب، وخلطات لتصنيع غاز السارين السام، وفي عام 2002 بثت شبكة “سي أن أن” ما يظهر أنه تجارب كيماوية على كلاب محبوسة في أقفاص، وفي الخلفية صوت يعتقد أنه صوت المصري الأب.
انتقائي
ويقول الكاتبان إن المصري انتقائي عندما يتعلق الأمر بميراث والده، فيؤكد أنه كان مهموما بالدفاع عن المستضعفين المسلمين، وأنه لم يقدم البيعة لابن لادن، ولم يكن ليتسامح مع قتل المدنيين، ويقول: “لم يكن يوافق على قتل الناس الأبرياء، واستخدم علمه للدفاع عن المظلومين”، لافتين إلى أن هناك أدلة تظهر أن المصري الأب احتفظ بمسافة مع زعيم تنظيم القاعدة، وتصوره وثائق نشرها مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي بالمرتزق، وأنه أغضب أحيانا المسؤولين عنه؛ لأنه أخذ المال الذي كان من المفترض أن ينفقه على البحث.
وتذكر الصحيفة أنه في مقابلة عام 2007 مع أحد معاصري المصري الأب أسامة رشدي، الذي عاش لسنوات في إنجلترا، قال فيها إن المصري الأب بدأ يعمل مع تنظيم القاعدة، ويتلقى راتبا بعد حل الجماعة المصرية في أفغانستان، و”وجد نفسه وسط هذه النار دون أي خيار حقيقي”، مشيرة إلى أنه مهما يكن فقد تعاملت الولايات المتحدة مع المصري الأب على أنه رجل خطير.
ويكشف التقرير عن أن وثائق نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” تظهر جذور برنامج السلاح الكيماوي لتنظيم القاعدة، وكيف حصل المصري على مبلغ أربعة آلاف دولار لبناء مشروع “الزبادي”، لافتا إلى أنه بالرغم من أن تجارب تنظيم القاعدة لإنتاج سلاح كيماوي وبيولوجي، وحتى نووي، فشلت، إلا أن خبرات المصري نفعت في مجالات أخرى.
وينوه الكاتبان إلى أن الولايات المتحدة تشك بأنه الشخص الذي درب ريتشارد ريد، الذي لا يزال في السجن، بعد محاولته تفجير طائرة أمريكية، كانت في طريقها إلى ميامي عام 2001، ولهذا السبب وضعت الولايات المتحدة مبلغ خمسة ملايين دولار لمن يلقي القبض عليه، مشيرين إلى أن واشنطن اعتقدت أنه قتل في غارة جوية عام 2006 على بلدة دامادولا الباكستانية، لكنه ظهر من جديد، وقتل في محاولة ثانية عام 2008، حيث نعاه تنظيم القاعدة، ووصفه بالبطل الذي انضم “لقافلة الشهداء”.
الخروج من السجن
وتقول الصحيفة إن “المصري علم بوفاة والده وهو في السجن، ولم يعد هناك مبرر لبقائه وشقيقه في السجن، وأطلق سراحهما، وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وما شاهده المصري من ثورات، خاصة في سوريا، فإنه قرر الانتقال إلى الأخيرة، وكان لديه قصة متميزة: تدريب في معسكرات المجاهدين في أفغانستان، وفترة سجن في مصر، وابن عنصر من تنظيم القاعدة قتلته غارة أمريكية، وبهذه المميزات احتل مركزا في الجهاد السوري، وبحسب روايته، فإنه كان جزءا من القوة التي حررت باب الهوى القريبة من الحدود مع تركيا، وأقام المصري اتصالات مع قيادات المقاتلين، ومنهم أبو عمر الشيشاني، وفي الوقت الذي بدأت فيه الثورة السورية ولديها هدف واحد، وهو الإطاحة ببشار الأسد، إلا أن الفصائل بدأت تتصارع فيما بينها، خاصة بعد ظهور تنظيم الدولة، الذي شعر المصري بالفزع مما قام به من تدمير، وقال: (كانوا أسوأ تكفيريين على ظهر البسيطة)، ويقول المصري إنه حاول منع الشيشاني و 800 من أتباعه عن الانضمام للتنظيم، (إلا أنه لم يستمع لي)، وقال إن الشيشاني (تجرع الشراب)، الذي قدمه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي”.
ويستدرك التقرير بأنه “مع ذلك، فإن المصري تبع الشيشاني إلى التنظيم، وقدمت له شقة، ومع أنه ترك وراءه زوجه وطفلة عندما قرر الدخول إلى سوريا، إلا أن التنظيم قدم له زوجة وراتبا، اعتمد على درجة الأداء الذي لم يظهر، فهو لا يملك علم والده، ولا مميزاته القيادية، ويقول إنه غالبا ما أخر (البيعة)، وتجادل مع القادة، وحاول تجنب المشاركة في مواجهات ضد جبهة النصرة، وبعد محاولات لتثقيفه، هرب المصري إلى تركيا، وكان بإمكانه البقاء هناك، إلا أن التنظيم أغراه من جديد (اتصل أبو عمر) وقال: (أنت عزيز علي)، وطلب منه التفكير بقرار الخروج، ووعد بعودة الأمور إلى سابق عهدها، وعاد إلى الرقة وعندما ذهب إلى مقر إقامة الشيشاني، منعه الحرس، وأكدوا له أن أبا عمر الذي قتل هذا العام يريده البقاء بعيدا”.
ويقول المصري إنه تعرض بعد ذلك للتحقيق والاعتقال ثم الإفراج عنه، ومنع من مغادرة “الخلافة”، وتمت مصادرة سلاحه وشقته وإنهاء زواجه، ويضيف: “كنت أعرف بأنني لو تحركت بشكل خاطئ لقتلت”، وفي هذه الفترة جاء قيادي ميداني، وطلب من المصري تسجيل شريط فيديو يمدح فيه الخلافة ويهاجم فيه تنظيم القاعدة، وكانت الإجابة: “نعم سأعمل فيديو جيدا”، إلا أن متعاطفين معه، لم يكشف عنهم، حثوه على التواصل مع صاحب محل يكره التنظيم ويعرف والده، وقام هذا الرجل بتأمين خروجه إلى مكان آمن تديره جماعة أحرار الشام، وبعد ذلك تخفى المصري بزي بدوي، وهرب على دراجة نارية نحو تركيا، ورغم خروجه العام الماضي، إلا أنه لا يزال يحاول مساعدة السوريين، لكنه لم يكشف عن الكيفية.
حياة عادية
ويورد الكاتبان أن محمد المصري، بخلاف والده، الذي كان اسمه على قائمة القتل، لم يظهر اسمه حتى على قوائم المطلوبين من تنظيم الدولة، وربما كان ممنوعا من السفر، منوهين إلى أنه تحدث باحترام عن والده، لكن بمرارة عن الرجل الذي قدم قضيته على حساب عائلته، فبالإضافة إلى شقيقه الذي سجن معه، هناك شقيق ثالث يعتقد أنه قتل مع والده عام 2008.
وتختم “واشنطن بوست” تقريرها بالإشارة إلى قول المصري: “كل ما حدث لي ولإخوتي بسبب هوية والدي، فهو في الجنة الآن، وادعو الله أن يجمعني به يوم القيامة”، ورفض أن يكون أولاده مثل جدهم، بل يريد تعليمهم وتوفير حياة عادية لهم.
التعليقات مغلقة.