المقال الذكي / حنان بديع

 

 حنان بديع ( لبنان ) – الأربعاء 8/3/2023 م …




لا اشك للحظة أن المقال يأتي وليد فكرة تطارحنا الغرام ضمن احتفالية شعارها الانفعال الوجداني، وإذا لم يولد المقال من رحم هذه الأم جاء متطفلاً منبوذاً كطفل غير شرعي فرض وجوده على مجتمع قراء لم يرحبوا به.
نعم هناك مقالات تبدو كالأطفال الذي ولدوا نتاج علاقة باردة لا شوق فيها أو حرارة ما بين القلم وأنوثة الورقة نسى فيها الكاتب أن يلاطف ويغازل ويقنع هذه البيضاء بأنها الأجمل والأشهى في لحظة تستدعي التفرغ التام لهواها حتى تصبح جاهزة للحب.
تستطيع أن تلمح أطفالاً وكأنهم جاءوا إلى الحياة بلا شهية فالأطفال كالمقالات والقصائد التي تأتي زيادة عدد بلا تميز أو جمال..
الكتابة كالتنهيدة لابد أن تخرج حارقة مثقلة مفعمة بالشعور لتنتقل العدوى إلى قارئ يتنهد معنا.
والتنهيدة كالتثاؤب لا تخلو من متعة لهذا يكتب الكاتب مرة تلو الأخرى ليستمتع أولاً وإن لم يكن هناك من يقرأ،
فماذا عن القارئ إذن؟
هل يتنازل هذا المتلقي عن متعته ..وهل يعاود مشاركتنا إذا لم يتلذذ ويتذوق معنا أطباقنا.لا أظن..
لماذا ؟
لأن المقال ليس بقطعة نثرية محددة الطول تقدم فكرة أو موضوعاً جديراً بالمناقشة فحسب، المقال الذكي كالفيلم الذكي يحمل في لغته الإقناع والمتعة معاً، خلاف ذلك تسقط صفة الاحتراف عن المقال وكاتبه فالذواقة الجائعين لن يرضوا بوليمة خالية من مكسرات وبهارات إضافية كخفة الروح والأسلوب الأدبي والكلمات المنتقاة بدقة واحتراف.
في مطبخ الإبداع لابد أن نطبخ “بنفس” لنستطيع أن نقدم أفكاراً قد لا تكون جديدة لكنها مقرمشة بخلطة مغرية شهية تغريك بالتهامها حتى آخر حرف ونقطة.
هذه الحقيقة لا يدركها سوى الكاتب المحترف الموهوب ولا زالت الكثير من الأقلام تصر حتى اليوم على طرح أفكار مستهلكة تقدم معلومات نعرفها تمام المعرفة، فمن منا لا يعرف مثلا ضرورة وأهمية الإحسان للوالدين أو إتباع الإرشادات المرورية ومراعاة الآداب العامة إلا من شاء غير ذلك.
من ذا القارئ الذي تجاوز مراحله التعليمية أو المثقف الذي يبحث عما يضيف ويثري ويمتع ويدهش الذي يمكن أن يقبل على قراءة درس في الأخلاق بطريقة مبسطة وكأنه درس ضمن أحد المناهج الدراسية في الصفوف الأولى.
بعض الأقلام تجتر من براد الذاكرة أفكاراً مثلجة لا يمكن طرحها ساخنة إلا إذا أعيد طبخها مجدداً ومن ثم قدمت طازجة شهية.
تقول أحلام مستغانمي ..
“الروايات الفاشلة ليست سوى جرائم فاشلة لابد أن تسحب من أصحابها رخصة القلم بحجة أنهم لا يحسنون إستعمال الكلمات وقد يقتلون خطأ بها أي احد.. بمن في ذلك أنفسهم بعدما يكونون قد قتلوا القراء… ضجراً ”
فإذا كانت الروايات الفاشلة هي جرائم فاشلة، فان المقالات والقصائد هي طلقات نارية فارغة في الهواء..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.