“الجردل والكنكة” / عصام قضماني
عصام قضماني ( الأردن ) الجمعة 12/8/2016 م …
إندفعت سريعا للبحث عن نسخة لهذا الفيلم الى أقرب «دكانة» لبيع الأفلام , وحصلت على نسخة منه , لا أنكر أنني «فقعت» من الضحك لكنني أيضا حزنت على حال الإنتخابات في عالمنا العربي ، وللحقيقة أنني تركت لخيالي أن يذهب بعيدا , هل سنرى قائمة إنتخابية تحمل ذات الإسم , ولا أقول المضمون ،ولا شك أن للإسم دلالة على محاكاة لطموحات الطبقات الفقيرة ليس في المال بل في الثقافة السياسية ، فالجردل والكنكة طالما كانا عنوانا للبساطة المغنمسة بالجهل والسطحية , وهي حال ممثلي الشعب على مدى مجالس النواب العربية .
من منا لم يضحك وهو يتابع بعض الحملات الإنتخابية وبعض جلسات مجلس النواب كما فعل وهو يتابع فيلم «الكنكة والجردل» وقد رأينا مقدار التسطيح والتواضع حد الصفاقة لدى تناول بعض النواب لقضايا وطنية مفصلية ولقوانين هامة ومصيرية .
لن أخفي الحسرة على منسوب الثقافة والوعي ولكنني سأفصح أن ما قاد الى تسيد مثل هذا المنسوب من الضحالة هو جمهور الناخبين أنفسهم , دعوني أقول لكم كيف ، لكن بلغة فيلم الجردل والكنكة وبلغة فيلم أخر لا يقل أهمية وخطورة في محاكاة واقعنا الإنتخابي وهو فيلم «طيور الظلام» الذي أستحضره لغاية في نفسي كما أراها .
عادل امام وشرين بطلا الفيلم فقراء وجهلة وقد أخذت الضحالة مكانها وكل غاية ما يطمحان اليه هو الحصول على شقة وسيارة وكانت الإنتخابات سبيلهما الى ذلك وكانت قاعدة البسطاء والمحرومين والسذج ممن يلتقون معهم على ذات الطموح قواعدهم التصويتية , فيقررا أن يرشحا نفسيهما من اجل الشقة والسيارة وقبل أن يقررا الإنسحاب من الانتخابات لذات الأسباب المادية وغيرها كما في الفيلم ياتى بعض رجال الأعمال ليمولوا حملتهم الانتخابية ليصبحا أعضوين مكتملي العضوية في مجلس الشعب.
طيور الظلام يكشف الأساليب الملتوية التى يتبعها المرشحون للفوز بمقعد نيابي عبر المكسب السريع والسهل، لكن الثمن دائما هو النتائج الكارثية لخيارات الناخبين البسطاء ممن يغريهم المال والوعود , لكن الأخطر هو ما يعرضه تيار الإسلام السياسى ولا أرى بصراحة إختلافا جوهريا بين ما يعرضه مرشحو الوعود الدنيوية ومرشحو وعود الآخرة , فكلاهما أسوار تنسج من أشعة الشمس !!.
لكن الأسوأ هو استخدام أدوات الدين لإستدرار عواطف بسطاء الناس ، و ما يجب أن يعيد الى الى طاولة النقاش سؤالا مشروعا حول استخدام الدين لغايات الدنيا فمرة الديموقراطية حرام فهي جزء من العلمانية الناكرة للدين ومرة هي غاية مبررها الوحيد هو الوصول ال الحاكمية الإلهية في نهاية الطريق .
إذاً هي ألاعيب السياسة، ولكنهم يلبسونها الدين ليسيطروا على الناس ويصلوا لغاياتهم الدنيوية وبالأحداث العالمية.. هناك أفراد ومجموعات أعطوا أسوأ صورة للإسلام الحقيقي، فهم يحللون الذهاب للغرب للدراسة والعلاج والسياحة، وأحياناً يسمون الحروب والقتل والتدمير غزوة ضد الكفار، يريدون ابتزازهم، وإذا فشلوا وخسروا قالوا إن العالم يحارب الإسلام وهم الذين شوهوا صورة الإسلام. .
لكل أساليبه في تجنيد الألاعيب ، للوصول الى السلطة عبر المقعد النيابي ، وتحقيق مكاسب شخصية من ورائها، دون الالتفات إلى مصلحة الشعب الذى يمثلونه وهي نتيجة تكاد تتكرر في كل الإنتخابات التي تجري على إمتداد عالمنا العربي .
ما إستفزني حتى اللحظة فيما رشح من أسماء ستخوض الإنتخابات المقبلة هو غياب اللون السياسي الوطني وتفرد التيار الديني في اللعبة , وهو ما سيمنح أداء الأخير نجومية خصوصا إذا تكررت حوادث ما يمكن أن أسميه بالكوميديا السياسية مثل سحب الأسلحة النارية وتقاذف الأحذية وأحزمة وزجاجات الماء وغياب النصاب ولا ننسى الكلمة الشهيرة «أقعدي».
لا أعرف إن كان هناك من يفكر من بين المرشحين الإستعانة بتسميات شعبية لقوائمهم .. بالتأكيد هناك من سيفعل ما فعله عادل إمام في فيلمه «طيور الظلام» في محاولات التحالف مع التيار الإسلامي سواء إلتقى معه في المبادئ أو لم يلتق للفوز بمقعد , فالغاية تبرر الوسيلة , وهنا أعلن أنني قلق .
التعليقات مغلقة.