تاريخ وآثار فلسطين: أرض وشعب / فيحاء عبد الهادي
فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الثلاثاء 28/3/2023 م …
«أكتب بنفسك تاريخ قلبك..منذ إصابة آدم بالحب/ حتى قيامة شعبك».
محمود درويش
—
لماذا يجب أن نكتب تاريخنا بأنفسنا؟ ولم يجب أن نكتبه من منظور نقدي؟ وما هي الفائدة التي تعود علينا حين نفعل ذلك؟ وكيف؟ وبأي منهجية يمكن أن نكتبه؟
وهل نستطيع أن نحرِّر روايتنا التاريخية الفلسطينية من الإرث الاستعماري الذي لحق بها؟ وأن نواجه الرواية الكولونيالية الصهيونية؟
وإذا كنا نستطيع، فكيف نفعل ذلك؟ هل يمكن إعادة كتابة تاريخ فلسطين القديم، بمنهجية علمية، محورها الإنسان والأرض عبر التاريخ؟
أجاب عن هذه التساؤلات خمسة وثلاثون باحثاً وباحثة فلسطينية، عبر تقديم أوراق علمية متخصصة، في الآثار، والتاريخ القديم، والتاريخ المعاصر، والتاريخ الشفوي، في المؤتمر السنوي لمركز الأبحاث الفلسطيني، الذي نظّمه بالتعاون مع «فريق مشروع تاريخ فلسطين»، في إطار مشروع كتابة تاريخ فلسطين – وهو مشروع بحثي علمي، متعدد الأبعاد، وقاطع للتخصصات – تحت عنوان: «تاريخ وآثار فلسطين: مراجعة نقدية»، يومي 18 – 19 آذار، 2023، في رام الله.
*****
نوقشت في المؤتمر ملخصات أوراق علمية، ودراسات، حول تاريخ فلسطين – منذ ما قبل التاريخ (العصر الحجري)، حتى الآن – أعدّت كي تصدر في مجلد بعنوان: «مقدمة في تاريخ وآثار فلسطين»، وسوف يكون باكورة سلسلة من المجلدات، تتناول تاريخ فلسطين الحضاري، باللغتين العربية والإنجليزية.
وتهدف المقدمة إلى كتابة رواية تاريخية علمية موضوعية، بأيدي علماء وعالمات آثار، وباحثين وباحثات، متخصصين/ات، «بالاستناد إلى المصادر التاريخية واللغوية ونتائج التنقيبات الأثرية، والدلائل اللغوية، والأنثروبولوجية، وذاكرة المكان، والتاريخ الشفوي، والآثار المجتمعية».
*****
تنوعت وتعدَّدت الأوراق العلمية، التي تناولت حقباً تاريخية مجهولة المعالم، مثل طبيعة الاستقرار في فلسطين خلال الحكم الفارسي، أو تناولت عصوراً لم يسلط الضوء عليها فلسطينياً بشكل كافٍ، أو تكاد تكون مغيّبة، مثل عصور ما قبل التاريخ (العصر الحجري والعصر الحجري النحاسي)، والعصر البرونزي (المبكر والوسيط والمتأخر)، والعصر الحديدي، وفلسطين في زمن العباسيين.
بيّنت الأوراق، عبر الوصف الحيّ، والتحليل، والمقارنة؛ حياة الفلسطينيين في أرضهم، في الماضي البعيد جداً، والماضي البعيد، والماضي القريب.
ونبّهت الأوراق إلى أهمية دراسة أسماء المدن والقرى الفلسطينية لغوياً، والوقوف لدى دلالتها التاريخية، وعلاقتها بالذاكرة، بالاعتماد على دراسات ذاكرة وهوية المكان.
عرّفت بأهمية علم دراسة البقايا النباتية الأثرية في فلسطين، وفروعه المختلفة، وآليات استخدامه خلال العمل الأثري (استخراج العيّنات)، وما بعد العمل الأثري (التحليل المخبري)، وقدّمت مثالاً على مثل هذه الدراسات، وهو دراسة العيّنات النباتية في موقع تل السكن في قطاع غزة.
كما تناولت بدايات النظام النقدي المعدني في فلسطين (منذ القرن السابع قبل الميلاد)، والسياق التاريخي لتطور العملات في زمن الانتداب البريطاني، وكيف تم استخدامها في محاولة فرض ثقافة دخيلة على هوية البلاد.
ألقت الضوء على أهمية المتاحف الفلسطينية، في الحفاظ على التراث والهوية الوطنية، من حيث إنها تربط الماضي والحاضر في علاقة تبادلية تماثلية؛ تصون بها أصول الثقافة التراثية المجتمعية، وتحافظ على استمرارها في حماية الهوية الثقافية الفلسطينية، وموروثها المادي، منذ آلاف السنين.
وقفت لدى الرواية الدينية، التي طوّرها اللاهوتيون الفلسطينيون، في مواجهة الرواية الصهيونية، التي استندت إلى التوراة، حيث بيّنوا خطرها وخطأها، واستخدامها الدين لأغراض سياسية.
*****
إذا كان الناس هم الذين يصنعون التاريخ؛ رجالاً ونساء؛ فكيف يمكن أن يشاركوا – إلى جانب الباحثات والباحثين – في كتابة التاريخ؟
ساهم بعض الأوراق التي تناولت التاريخ المعاصر، في محاولة الإجابة عن هذا السؤال.
بيّنت كيف يساهم بعض المناهج الديمقراطية الحديثة، في إشراك الناس في اكتشاف ماضيهم، وصياغة ذاكرتهم، والحفاظ على تاريخهم وآثارهم، وفي بناء المستقبل.
منها: منهج التاريخ الشفوي، الذي يتيح ردم الهوة بين من يصنع التاريخ ومن يكتب التاريخ، ويتيح للناس العاديين المساهمة في كتابة التاريخ الاجتماعي.
ومنهج التاريخ الشفوي النسوي، الذي يتيح المعرفة الأعمق بنفسية النساء، والذي يفكِّك القيم السائدة، التي لا تعتبر تجارب النساء مكوناً أساسياً في صناعة التاريخ، ثم يعيد صياغة قيم جديدة، تسمح بالتكامل والتوافق، ما بين تجارب النساء والرجال.
ومنهج علم الآثار المجتمعي، الذي يهدف إلى إحداث تغيير نوعي وممنهج في علم الآثار، حيث يهدف إلى إشراك المجتمعات المحلية والأصلية في العملية البحثية الأثرية، ما يغني الأبحاث الأثرية، ويعطي المجتمعات المحلية إحساساً بالوعي الثقافي والهوية الثقافية، وفهم أفضل لقيم التراث الأثري والثقافي.
*****
عبر العروض العلمية، المدعومة بالصور والوثائق، القديمة منها والحديثة؛ والتي قدّمها العديد من المشاركين/ات في المؤتمر؛ أطلّت مدن وقرى فلسطين؛ جبالها وسهولها وهضابها ووديانها، وبحارها، ومبانيها ومواقعها الأثرية، وآثارها التاريخية، وتراثها الثقافي المادي واللامادي كافة، وأطلّ شعبها الحيّ، الذي اشتمل على الثقافات، والأقوام، والديانات، والمعتقدات، والمجموعات، التي نشأت على أرضها.
شعب فلسطين، الذي قاوم الغزاة على مرّ العصور، ما زال يقاوم سرقة، وتزييف، وتشويه، وتدمير أرشيفاته، وتراثه، وهويته الثقافية، ويكتب روايته التاريخية الموضوعية، بشكل علمي منهجي، بعيداً عن التعصب الديني، أو الإثني.
التعليقات مغلقة.