في يوم الأرض .. التصاق فلسطيني بالأرض لا يهزه مارق أو محتل
وكان الفلسطيني منذ اغتصاب أرضه دائب الرفض والمقاومة لكل محاولات الاستلاب والاقتلاع، فبعد 28 سنة من قيام دولة الاحتلال تفجر الغضب الفلسطيني في وجه الاحتلال ليقول “أنا صاحب الأرض” التي ظن الاحتلال أن النسيان طواها.
كان ذلك في 30 آذار عام 1976 حين انتفض الفلسطيني في وجه الاحتلال رفضا لمصادرة أراضيه لتنفيذ مشروع أطلقت عليه “تطوير الجليل”، فارتقى في هذا اليوم ستة شهداء، وأصيب 29 واعتقل جيش الاحتلال 300 فلسطيني، ليصبح هذا اليوم رمزا وذكرى سنوية لتخليد وتجسيد تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه وتخليدا لشهداء يوم الأرض”.
فذلك هو الفلسطيني وتلك هي أرضه بشهادة التاريخ. فمنذ ما يزيد على ألفي عام وقبل ظهور النبي موسى وأتباعه على مسرح الأحداث، كانت بلاد “كنعان” أرض الفلسطينيين ووطنهم.
وإن تأرجحت تقديرات البداية الزمنية لوجود الكنعانيين فمما لا خلاف فيه إطلاقاً أنهم كانوا أول من سكن المنطقة من الشعوب المعروفة تاريخياً وأول من بنى حضارة على أرض فلسطين، بدليل أن من أقدم المدن الكنعانية الباقية حتى يومنا هذا: أريحا التي تعتبر أقدم مدينة في العالم، وأشدود (أسدود)، عكو (عكا)، غزة، المجدل، يافي (يافا)، أشكلون (عسقلان)، بيت شان (بيسان)، وهناك أيضاً العديد من المدن والقرى منها ما بقي حتى اليوم ومنها ما اندثر، وقد كانت شكيم العاصمة الطبيعية لكنعان.
ومنذ فجر التاريخ المكتوب أي منذ خمسة آلاف سنة لم تعرف فلسطين حتى عهد الانتداب البريطاني سنة 1917 سوى ثلاث لغات هي: الكنعانية أولاً، والآرامية ثانياً، وهي اللغة التي تكلم بها السيد المسيح، والعربية ثالثاً.
وتعد الأرض القضية المركزية التي تشكل العصب الأساسي في حياه الشعب الفلسطيني ومصيره، التي تشكل جوهره الوجودي وتاريخه وذاكرته وثقافته المنيعة، والذي عبّر عنها بالرموز والإشارات ضمن المنظومة القيمية والمعنوية والثقافية والاجتماعية والقيم الفلاحية المنبثقة من الأرض والمستمدة منها، لتشكّل هوية ثقافية جامعة للهوية الفلسطينية اختزلت قداسة للأرض والدفاع عنها.
وبحسب الموقع الرسمي لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فإن أصل كلمة فلسطين كما وردت في السجلات الآشورية في عهد الملك الآشوري (أدديزاري الثالث) حوالي 800 ق.م، هو (فلستيا)، إذ يذكر على مسلته أنه في السنة الخامسة من حكمه أخضعت قواته فلستو، وأجبرت أهلها على دفع الضريبة.
كما تركزت صيغة التسمية (بالستاين) عند هيرودوتس على أسس آرامية، ونجد عنده أحياناً أنه مكان يطلق على الجزء الجنوبي من سوريا أو (سوريا الفلسطينية) بجوار فينيقيا وحتى حدود مصر، وكذلك استعمل هذه التسمية المؤرخون الرومان.
ويشير التاريخ الحديث الى الحركة الصهيونية التي ما لبثت بعد مؤتمر”بازل” بسويسرا عام 1897 أن صاغت مؤسساتها بالشكل الذي يحقق أهدافها وعلى رأسها تكثيف حركة الاستيطان الصهيوني ومحاولة الاستيلاء على الأرض الفلسطينية بكافة الطرق والوسائل غير المشروعة.
حينها بدأت حركة المقاومة العربية سيما من قبل الفلاحين والبدو المحاربين لتلك المستوطنات الناشئة على أراضيهم والتي تم طردهم منها، وازدادت هذه المقاومة حيث عمّت معظم القرى والمدن.
وبتواطؤ وإسناد سياسي وعسكري ومالي عالمي، أعلن في 15 أيار 1948 عن قيام إسرائيل ليسيطر الاحتلال على جزء كبير من أرض فلسطين باستثناء بعض المناطق التي أطلق عليها “الضفة الغربية” و “قطاع غزة” و”القدس الشرقية – منطقة الأماكن المقدسة”، وأسفرت حرب 1948 عن طرد نحو مليون فلسطيني غدوا بين ليلة وضحاها لاجئين في البلدان العربية المجاورة، كما كان لكل هذا آثاره الاجتماعية على المجتمع الفلسطيني حيث أدى إلى تمزيقه وتقطيع أوصاله.
ولغاية الآن يوجد أكثر من 270 مستوطنة إسرائيلية تتعدى على فلسطين وتقسّمها، ويفصل جدار الفصل آلاف الفلسطينيين عن بعضهم البعض وعن أراضيهم. ويشكل عقبة أساسية تعيق حريتهم في التنقل، بما في ذلك إعاقة الوصول إلى الرعاية الصحية والمدارس والعمل، كما يفرض قيودًا خانقة على حياتهم، بحسبما صرّح به فولكر تورك، مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان، والمنشور على الموقع الإلكتروني للجمعية العامة للأمم المتحدة، مطلع الشهر الحالي.
ويقدر عـدد الفلسطينيين في دول العالم حتى نهاية عام 2022 حوالي 14.3 مليون فلسطيني؛ 5.4 مليون منهم يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويقيم أكثر من ثلثهم في قطاع غزة، وحوالي 1.7 مليون فلسطيني في أراضي 1948، وما يقارب 6.4 مليون في الدول العربية ونحو 761 ألف في الدول الأجنبية، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني..
الناطق الاعلامي ورئيس قسم الاعلام في دائرة الشؤون الفلسطينية عفاف سلامة، تشير إلى أن الاردن يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية أردنية، فهي ذات بعد وطني وقومي وإنساني، ومرتبطة بمصالح وطنية أردنية ومنسجمة بشكل كامل مع تطلعات الشعب الفلسطيني بالعدالة والحرية وتقرير المصير، وفي مقدمتها القدس واللاجئين الفلسطينيين.
ويشكل يوم الأرض معلماً بارزاً في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني، باعتباره اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية وحقهم في الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي كانت وما تزال تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، بهدف إبعاده عن أرضه ووطنه.
ويعتبر الأردن من أكبر الدول المضيفة للاجئين حيث يبلغ عدد هم 2,4 مليون.
المحلل السياسي والنائب السابق الدكتور هايل ودعان الدعجة، يقول لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن يوم الارض يمثل صفحة مضيئة في سجل النضال الفلسطيني، ومناسبة وطنية خالدة في الذاكرة الفلسطينية يحييها الشعب الفلسطيني تأكيدا على علاقته العضوية بأرضه وهويته ومسيرته النضالية الطويلة ضد الاحتلال الاسرائيلي وغطرسته وجرائمه ومخططاته التهويدية والاستيطانية، عندما هب الفلسطينيون بكل ما يتسلحون به من ارادة وعزيمة للدفاع عن ارضهم وتمسكهم بها وبهويتهم الوطنية بعد المحاولة الاسرائيلية بمصادرة آلاف الدونمات في الجليل والمثلث والنقب عام 1976 بهدف تهويدها وإقامة المستوطنات عليها.
في تأكيد على ان هذا اليوم انما يشكل نقطة مفصلية ومحورية في تطور الوعي الجمعي لدى الشعب الفلسطيني في صموده وتصديه للمشاريع الاسرائيلية التهويدية والاستيطانية ، مبقيا على
وأشار الدعجة الى أن يوم الأرض يبقي حلم التحرير والعودة راسخا في الذاكرة الفلسطينية، ويسهم في إبقاء ذاكرة المجتمع الدولي ايضا حية في تعاطيه مع ملف القضية الفلسطينية وجعله على اجنداته واولوياته دفاعا عن قراراته التي وان انتصرت للجانب الفلسطيني في صراعه مع الجانب الاسرائيلي، الا انه لم يجر تفعيلها وتطبيقها بصورة انعكست سلبا على ثقة الشعوب المقهورة والمظلومة بالمنظمات والمرجعيات الدولية وصدقيتها.
ويشير إلى أن الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك، لعبت دورا كبيرا في الدفاع والانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في المحافل وامام المنابر العالمية، ليضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته القانونية والاخلاقية والسياسية والتاريخية في التعاطي مع القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص، انطلاقا من الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، في تأكيد على تحمل الأردن لمسؤولياته والتزاماته الدينية والتاريخية، بصورة ابقت الزخم الدولي للقضية الفلسطينية، ووضعتها في دائرة اهتمامات واولويات المجتمع الدولي.
وأكد أن الدبلوماسية الاردنية بلورت حراكا سياسيا دوليا رافضا للسياسات والاجراءات الاسرائيلية الاحادية والاستيطانية والتهويدية التعسفية في الاراضي الفلسطينية المحتلة لفرض حقائق جديدة على الأرض، الامر الذي طالما نجح جلالة الملك بالقيام به في ظل ما يتحلى به من مكانة وحضور وتأثير في المنظومة الدولية، موظفا الحضور الفاعل والمؤثر في نصرة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، تأكيدا على المواقف والمبادئ والثوابت الأردنية تجاه القضية الفلسطينية.
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، يقول، إن يوم الأرض يعد أول نضال شعبي وانتفاضة حرّة ضد الاحتلال وسياسات الأمر الواقع، ورفض الاستيطان ومصادرة الاراضي الفلسطينية بالنسبة للشعب الفلسطيني، مشيرا الى أن هذا النضال رسخ حجر الزاوية في مقاومة الاستيطان ومقاومة مصادرة الاراضي وهدم البيوت رسخ للشعب الفلسطيني نوع جديد من النضال، وقد عد الشعب الفلسطيني هذه المظاهرات ايقونة.
ويشير شنيكات إلى أن المظاهرات كسرت حاجز الخوف بعد نكبة فلسطين عام 1948، واستمر هذا النمط من النضال الى يومنا هذا، ويمكن تفسير ذلك بتعلق الفلسطيني بالأرض، وبحقه في تقرير مصيره وتأسيس دولته على ترابه الوطني وبموارده وبمجتمعه وبثقافته وبهويته.
وبين أن كل جهود العمل الشعبي الفلسطيني تعكس مطالبته بحل سياسي يضمن حقوقه وحقه في تأسيس دولته.
(بترا – بشرى نيروخ)
التعليقات مغلقة.