الدراما العراقية كمنتج سياسي / أحمد الخالصي

أحمد الخالصي ( العراق ) – الخميس 6/4/2023 م …

تعتبر الدراما مظهرًا لحركية النص الأدبي، إلى جانب أنواع الفن الأُخرى، كما أنها تمثل خلطة من التفاعلات الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع، تغدو من خلالها معبرًا عنه، أو مشيرةً إلى مكامن معينة فيه، بحسب رؤية الجهات المنتجة لها.




كل شيء داخل حدود الدولة هو مرتبط عضويًا بسياستها المتبعة سوى كان تأييدًا أو معارضة، بشكلٍ يجعل المجالات المختلفة تصب في رؤيتها الواحدة، من هنا فأن علاقة الدراما ككل بالسياسة، هي علاقة وثيقة تنسجم بنيويًا وواقعيًا بالمسار التأريخي لولادة هذا الفن، وهذا يبدو جليًا وواضحًا منذ المسرح اليوناني إلى وقتنا الراهن.

الدراما وبالأخص المسلسل كمعبر ثنائي عن النص وله، سوى من خلال الصورة أو الصوت، يمثل أعلى التجليات الداخلية للنص بوصفه أيضًا رؤية كاتبه، المتأثر هو الآخر بتوجهات المنتج أيًا كان، والذي بدوره له أهداف محددة تترجم تأثيرًا على المشاهد، وهذا الأخير هو الطرف المهم في هذه المعادلة، لكونه الوسيلة المقاربة للغاية والتي ستكون الفكرة التي يراد غرسها في ذهنه أو وصولها إليه على أقل تقدير,لكن رغم أهميته فهو جزء خامل محبوس في إطار التلقي في معظم الأحيان.
ترتبط الدراما بالسياسة من جهة ما تقوم به الأولى كأداة مساهمة في إعادة التشكيل الذهني لأفراد المجتمع اتجاه قضية معينة، أو رسم صورة بذاتها تريد إيصالها لهم، وهذا لا يعني أن الأمر سلبيًا بالمطلق، لأن هناك أعمال درامية سياسية تبلور مضامين إيجابية خصوصًا حينما يتعلق الأمر بالوطن ونسيجه الاجتماعي، وهذا يغدو واضحًا في حال كون السلطة وحدة  ترابطية غير متناثرة بين عدة أطراف متصارعة, ففي حالة كون النظام السياسي مستقرًا وقويًا بغض النظر عن تمظهره في أي شكلٍ للحكم كان، سنكون أمام وحدة الرؤى سوى من خلال مساعدة الدراما في بناء واضح للمعالم الكلية لرواية السلطة، أو من خلال دحض المضاد أو مكامن الخلل أو تحديد بوصلة اتجاه للعدو، والذي يقره النظام، لكن في هذه الحالة ستكون الدراما أمام معضلة الجمود، من خلال انعدام الخيارات المتاحة الأُخرى، لكن مع كل ذلك ستبدو الصورة واضحة للمتلقي، في تحديد رواية السلطة عن غيرها،  وهنا قد يحتج بالأسلوب غير المباشر في النقد، الذي قد تنتهجه الدراما في هذه الحالة، لكنه يكون غير فعال من الناحية السياسية في معظم الأحيان، لكونه محبوس في تلقي النخبة، فيصار إلى مجرد منجز متجرد يسجل لصاحبه، أو هو مؤجل التأثير لمديات تطول أو تقصر بحسب ثقافة المتلقي، وهو أبعد ما يمكن أن يصل إليه.

إما في حالة كون النظام متعدد الأقطاب وتشاركي في مختلف الأصعدة، سوى من خلال التمثيل السلطوي أو بقية المجالات، مثلما يحدث حاليًا في العراق،
ففي هذه الحالة سنكون أمام سباق محموم في إثبات رؤى منقوصة كونها نتاج  مساهمات صدامية مع غيرها,  وخصوصًا مع حصر أغلب عمليات الإنتاج الدرامي في مؤسسات إعلامية حزبية وفئوية, والنتيجة ستكون  هناك  أفكار إقصائية متضاربة في ذهن المتلقي,
لا تساهم سوى في زيادة حالة الانقسام داخل المجتمع, لأن المشاهد سيكون في حالة ضبابية  في تحديد الرواية السياسية هذه أو تلك، مع حالة التشظي السلطوي هذه، والتي تستتبع الحرص على إخراج الأعمال كما لو أنها من رحم نظرته،
من هنا تستكمل عملية نقل هذا الصراع من ميدانه السياسي إلى  المشاهدين, و تتحول الدراما من كونها نتاج ثنائي مشترك إلى أداة سياسية بحتة في رداء فني,  إذا تضمحل وظيفة الفن  وتتحول من مشارك في عملية الإنتاج إلى تابع مؤدي فقط.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.