دراسة تحليلية ونقدية لنص رواية عناق الأفاعي والمتحصلة على جائزة كتارا لصاحبها الدكتور عزالدين جلاوجي

 رابح بلحمدي الحامدي  ( الجزائر ) – الخميس 15/8/2024 م …




أبطال الرواية شامخة وشامخ

الأديب نموذج لأدباء المقاومة الوطنية لما بعد الكولونيالية كنموذج يقتدى به

# مقدمة

تعتبر رواية “شامخة وشامخ” أحد الأعمال الأدبية البارزة التي تسلط الضوء على نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، وتستعرض من خلال شخصياتها وأحداثها روح المقاومة والتضحية التي ميزت فترة الاحتلال. تعتمد الرواية على تعدد الحبكات والشخصيات، مما يعزز من عمق النص ويمنحه طابعاً درامياً قوياً. سنتناول في هذا المقال التحليل البنيوي والأسلوبي والسيميائي والتاريخي والنفسي للرواية، مع التركيز على الحبكات وأنواعها، وطريقة السرد، وتقديم لمحة عن المؤلف وبيئته، بالإضافة إلى تقييم عام للرواية.

*** التحليل البنيوي (La Critique Structurale)

# تعريف

التحليل البنيوي يركز على دراسة العلاقات الداخلية داخل النص، وكيفية تنظيم العناصر الأدبية مثل الشخصيات، الحبكة، والرموز. يعتبر كلود ليفي شتراوس (Claude Lévi-Strauss) أحد أهم مؤسسي هذا المنهج (1908-2009) في كتابه “الأنثروبولوجيا البنيوية” (Anthropologie structurale) عام 1958. ينتمي هذا المنهج إلى مرحلة الحداثة.

# الشخصيات

**شامخة**: تمثل رمز المقاومة والشرف، وتظهر قوتها من خلال مواجهتها للأعداء والدفاع عن الهوية الوطنية.

**شامخ**: أخو شامخة، يعكس الروح النضالية والمقاومة ضد الغزاة، مشابهاً لخاله الرايس حميدو في شجاعته وقيادته.

**علي**: ابن شامخ، يمثل الاستمرار في النضال من خلال الجيل الجديد، ويحمل سيف الأمير عبد القادر كرمز للشجاعة والمقاومة.

**زنوبيا**: زوجة شامخ، تلعب دور الحامية والداعمة للأطفال الفارين من الإبادة، وتظهر الروح الأمومية القوية.

**الرايس حميدو**: خال شامخة وشامخ، يمثل البطل القومي الذي يقاوم الغزاة، ويعزز الهوية الوطنية.

**الأفاعي الثلاث**: اليهودي كوهين، الزوافي مدبب الأنف، والمرتزق الفرنسي، يمثلون قوى الشر والاستعمار والخيانة.

# الحبكات وأنواعها

**الحبكة الرئيسية**: تركز على نضال شامخة وشامخ ضد الاستعمار الفرنسي، وتطور المقاومة من جيل إلى آخر.

**حبكة الخيانة**: تتمثل في خيانة إبراهيم آغا ومنارة للداي حسين، مما يعزز من تعقيدات الصراع الداخلي.

**حبكة الانتقام**: تسعى شامخة للانتقام من الأعداء الذين قتلوا أفراد أسرتها وخانوا الوطن.

# طريقة السرد

**السرد بضمير الغائب**: يعتمد المؤلف على السرد بضمير الغائب لتقديم الأحداث والشخصيات بموضوعية، مما يمنح القارئ نظرة شاملة على الأحداث.

**السرد المتعدد الأصوات**: يعرض المؤلف وجهات نظر متعددة من خلال الشخصيات المختلفة، مما يضيف عمقاً وتعقيداً للرواية.

**التداخل الزمني**: يستخدم المؤلف التداخل الزمني للانتقال بين الأحداث التاريخية والحالية، مما يعزز من ترابط الأحداث وعمقها.

*** التحليل السيميائي (La Sémiotique)

# تعريف

التحليل السيميائي يركز على دراسة العلامات والرموز في النص وكيفية تفسيرها. يُعتبر رولان بارت (Roland Barthes) من أبرز رواد هذا المنهج (1915-1980) في كتابه “أسطوريات” (Mythologies) عام 1957. ينتمي هذا المنهج إلى مرحلة الحداثة.

# الرمزية

**سيف ذو الفقار**: يرمز إلى القوة والشجاعة والحق، ويربط بين المقاومة الحالية وتراث الأبطال التاريخيين.

**النجمة في السماء**: ترمز إلى روح شامخة الطاهرة التي أصبحت رمزًا للأمل والإلهام، تؤكد على الخلود والانتصار الروحي.

**الأفاعي**: ترمز إلى الخيانة والشر، والتي في النهاية تندحر وتنسحب عميقًا في جوف الأرض، مما يعكس انتصار الخير.

*** التحليل التاريخي (La Critique Historique)

# تعريف

التحليل التاريخي يركز على السياق التاريخي الذي نشأت فيه الرواية وكيفية تأثير الأحداث التاريخية على النص. يُعتبر هيبوليت تين (Hippolyte Taine) من رواد هذا المنهج (1828-1893) في كتابه “تاريخ الأدب الإنجليزي” (Histoire de la littérature anglaise) عام 1863. ينتمي هذا المنهج إلى مرحلة الحداثة.

# التحليل التاريخي

**المقاومة ضد الاستعمار**: يمثل الأمير عبد القادر رمزًا للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وسيفه يعكس الشجاعة والاستمرار في النضال.

**المواقع التاريخية**: البليدة، وهران، الزعاطشة، تعكس مراحل مهمة في تاريخ المقاومة الجزائرية، وتوضح صلابة وصمود الشعب الجزائري في وجه الاحتلال.

**القوى الاستعمارية**: يجسد الفرسان الثلاثة التهديدات الخارجية التي كانت تواجه الجزائر، مثل الاستعمار الفرنسي والتواطؤ اليهودي وبعض المرتزقة.

*** التحليل النفسي (La Critique Psychologique)

# تعريف

التحليل النفسي يركز على دراسة الشخصيات من خلال المنظور النفسي وتحليل الدوافع والأفكار اللاشعورية. يُعتبر سيغموند فرويد (Sigmund Freud) من أهم مؤسسي هذا المنهج (1856-1939) في كتابه “تفسير الأحلام” (Die Traumdeutung) عام 1899. ينتمي هذا المنهج إلى مرحلة الحداثة.

# التحليل النفسي

**شامخة**: تمثل روح البطولة والتضحية، مما يعكس نفسية الشعب الجزائري في ذلك الوقت. تُظهر شجاعتها وصمودها حتى النهاية، مما يعكس قوة الإرادة والتفاني من أجل الحرية.

**علي**: يمثل الأمل في مستقبل مشرق، وقدرته على حمل سيف ذو الفقار يعكس الاستمرارية والنضال الدائم.

*** التحليل الاجتماعي والثقافي (La Critique Socioculturelle)

# تعريف

التحليل الاجتماعي والثقافي يدرس العلاقة بين النص والمجتمع والثقافة التي أنتجته. يُعتبر ريمون وليامز (Raymond Williams) من أبرز المفكرين في هذا المجال (1921-1988) في كتابه “الثقافة والمجتمع” (Culture and Society) عام 1958. ينتمي هذا المنهج إلى مرحلة ما بعد الحداثة.

# قصر الداي حسين والصراع الداخلي

**الداي حسين**: يعكس التفرغ للعبادة في ظل الأزمات، مما يمكن تفسيره بالبحث عن السلام الداخلي وسط الفوضى.

**الخيانة الداخلية**: تظهر خيانة إبراهيم آغا ومنارة، مما يبرز الفساد داخل الدوائر الحاكمة وتواطؤ بعض الشخصيات مع الأعداء.

**إبراهيم آغا**: يمثل شخصية طموحة لا تتورع عن استخدام القوة والخيانة لتحقيق أهدافها. يبرز دوره في تفاقم الأزمات الداخلية والمساهمة في سقوط الحكم العثماني في الجزائر.

**العدو الخارجي**: يمثلون التهديد الخارجي والتآمر ضد الجزائر، مما يعكس التعقيدات السياسية والدينية في تلك الفترة.

*** التحليل السيميائي التفكيكي (La Déconstruction Sémiotique)

# تعريف

التحليل السيميائي التفكيكي يركز على تفكيك النصوص الأدبية والكشف عن الطبقات المختلفة من المعاني. يُعتبر جاك دريدا (Jacques Derrida) من أبرز مفكري هذا المنهج (1930-2004) في كتابه “عن الغراماتولوجيا” (De la grammatologie) عام 1967. ينتمي هذا المنهج إلى مرحلة ما بعد الحداثة.

# شامخة والمقاومة

**رمزية المعركة**: تعكس المعركة مع الفرسان الثلاثة الصراع الأبدي بين الخير والشر، وتأكيد على أن الأرض لا تضيق إلا على الغرباء، مما يعزز الهوية الوطنية.

**الخنجر في قلب مدبب الأنف**: يعكس عدالة القضاء على الشر، حتى في اللحظات الأخيرة.

# الروح والرمزية الروحية

**النجمة في السماء**: يمثل التحول إلى نجمة الخلود والانتصار الروحي لشامخة، مما يعزز من الإلهام والأمل للشعب.

**إضاءة الجبل**: يعكس النور الذي يظل يوجه الشعب الجزائري في نضاله ضد الاستعمار.

# ظروف الحياة لشخصية شامخة وابن أخيها علي

**شامخة**: تعيش حياة مليئة بالصراع والنضال، تعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها. حملها لسيف ذو الفقار يدل على ارتباطها العميق بالتراث والبطولة التاريخية.

**علي**: يمثل الجيل القادم والأمل في مستقبل أفضل، ويعكس قيم الشجاعة والقيادة.

*** تقييم المؤلف من خلال روايته

# ترجمة المؤلف وسيرته الذاتية

.عز الدين جلاوجي (1962-) هو كاتب وأستاذ جامعي جزائري، ولد في مدينة سطيف الجزائرية، بدأ نشاطه الأدبي في سن مبكرة، ونشر أعماله الأولى في الثمانينيات في الصحف الجزائرية والعربية، حصل على دكتوراه العلوم من جامعة قسنطينة، أسس برفقة عدد من الأدباء «رابطة إبداع الثقافية الوطنة» في 1990، وفي 2001 أسس برفقة أكاديميين وأدباء جمعية ثقافية وطنية باسم «رابطة أهل القلم» وترأسها، واختير في 2003 عضوًا في الأمانة الوطنية لاتحاد الكتاب الجزائريين، وهو أستاذ محاضر بجامعة محمد البشير الإبراهيمي في مدينة برج بوعريريج الجزائرية

# بيئة المؤلف وتاريخها الثوري

تُعتبر الجزائر من الدول التي خاضت كفاحًا طويلًا ضد الاستعمار الفرنسي، مما أثر بشكل عميق على الأدب والثقافة في البلاد. نشأ المؤلف في فترة كانت مليئة بالتحولات السياسية والاجتماعية، حيث كانت الجزائر تسعى لتثبيت حريتها واستقلالها. البيئة الثورية التي نشأ فيها المؤلف في برج بوعريريج وسطيف وقسنطينة من معاقل الثورة والمقاومة كانت غنية بالقصص البطولية والشخصيات التاريخية التي قاومت الظلم والاستبداد، مما انعكس بشكل واضح في روايته “شامخة وشامخ”…..

# تقييم عام للرواية

**قوة السرد**: تتميز الرواية بقوة السرد والتفاصيل الدقيقة التي تنقل القارئ إلى فترة الاحتلال الفرنسي في الجزائر. قدرة المؤلف على تصوير الشخصيات والأحداث بطريقة حية ومؤثرة تعزز من قيمة العمل الأدبي.

**العمق التاريخي**: تمكن المؤلف من دمج الحقائق التاريخية مع الخيال الأدبي بشكل سلس، مما يعزز من فهم القارئ للسياق التاريخي للنضال الجزائري.

**الرمزية والرموز**: استخدم المؤلف الرموز بشكل مبتكر للتعبير عن الأفكار والمشاعر العميقة. الرموز مثل سيف ذو الفقار والنجمة في السماء تضيف عمقًا وروحانية إلى النص.

*** الجانب السلبي ونقد الرواية هي محاولة و نظرة أعتذر فيها للروائي الكبير الدكتور عزالدين جلاوجي وقد نالت روايته هذه جائزة كترا سنة 2022 …..

**نقد الرواية في بعض اللَّمسات الفنية **:

  1. **التركيز الزائد على الرمزية**: بالرغم من أن الرمزية تعزز من عمق الرواية، إلا أن الاستخدام المكثف للرموز قد يجعل بعض القراء يجدون صعوبة في متابعة الحبكة وفهم الرسائل المخفية.
  2. **الشخصيات الثانوية**: بعض الشخصيات الثانوية لم تُعطَ حقها الكامل في التطوير والتعمق، مما قد يؤثر على تأثيرها العام في القصة.
  3. **الوتيرة السردية**: في بعض الأجزاء، قد يجد القارئ أن وتيرة السرد بطيئة بعض الشيء، مما قد يؤدي إلى فقدان الاهتمام في بعض النقاط.

### الخلاصة

رواية “شامخة وشامخ” تمثل عملًا أدبيًا مهمًا يعكس تاريخ الجزائر ونضالها ضد الاستعمار الفرنسي. من خلال استخدامه للرموز والتفاصيل التاريخية، نجح المؤلف في تقديم قصة ملهمة ومؤثرة. ومع ذلك، تبقى هناك بعض الجوانب التي يمكن تحسينها، مثل التعمق في الجانب النفسي للشخصيات وتقديم تمثيل أكثر شمولية للمجتمع الجزائري. تقييم المؤلف من خلال روايته يعكس إبداعه وقدرته على توصيل رسائل قوية. 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة + تسعة =