ما بين خيمة اللجوء وخيمة الحرية / فيحاء عبد الهادي




فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الخميس 22/8/2024 م …

ما يحدث في غزة منذ ما يقارب السنة من إبادة جماعية، وتطهير عرقي، ومجازر مروّعة، حيث يُهَجَّر الفلسطينيون من بيوتهم، ليقيم معظمهم في خيم اللجوء داخل الوطن؛ يذكِّر بالتهجير الفلسطيني الممنهج، عام 1948.
وما عاشه الأجداد من ويلات في خيم اللجوء في الماضي؛ يذكِّر بالويلات التي يعيشها الأجداد والأبناء والأحفاد في خيم اللجوء في الحاضر.
وما يحدث في غزة، والضفة الغربية، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من مقاومة وصمود؛ يذكِّر بما حدث من تحوّل واختلاف في صورة الخيمة والمخيم بعد عام 1948، حين تحوّلت الخيم من خيم الذلّ إلى خيم الثورة، في الوطن الفلسطيني وفي الشتات. “خيمة عن خيمة تفرق”، كما عبَّر الكاتب الشهيد غسان كنفاني، في روايته “أم سعد”.
أما ما يحدث في الوعي الشعبي العالمي؛ منذ العدوان الهمجي على غزة؛ وخاصة في الجامعات الأميركية والأوروبية، فقد تجلّت صوره في خيم التضامن والإسناد والحوار السياسي؛ حيث رفض بعض الطلاب والطالبات أن تكون جامعاتهم شريكة في جرائم الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري، وطالبوا بمقاطعة استثمارات الاحتلال، ونادوا بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير.
*****
يعيش الغزيون في الخيم التي دُفعوا إلى السكن فيها بعد هدم أو تفجير أو قصف بيوتهم، في ظروف لاإنسانية، فبالإضافة إلى الرعب من انفجارات الصواريخ، والقصف الجنوني المتواصل، والجوع الذي ينهش الأمعاء؛ والبرد الذي يقصّ العظم، هناك الريح التي تقتلع الخيام في فصل الشتاء، ما يجعل النازحين يغرقون في الماء والوحل، وهناك أشعة الشمس الحارقة في فصل الصيف؛ ما يجعلهم معرّضين للأوبئة والأمراض الفتاكة.
وكما لم يستسلم آباؤهم وأجدادهم عام 1948؛ قاوم المهجّرون/ات شروط قهرهم، وبحثوا عن أسباب للحياة والصمود داخل الوطن.
تحوَّل عمل بعض مؤسسات/مراكز الدعم النفسي في غزة إلى خيم، وبعض المؤسسات الاستهلاكية، والإنتاجية، والتربوية إلى خيم، كما قامت بعض المؤسسات الحقوقية برصد أهم ما يعانيه ويواجهه الغزيون/ات في الخيم وفي مراكز الإيواء، عبر توثيق شهاداتهم/ن؛ للاستفادة منها في فضح جرائم الاحتلال لدى الجهات الحقوقية الدولية، ثم لتقديم العون النفسي والاجتماعي لهم/ن.
*****
في انسجام مع مبادئها الحقوقية، ولإثارة الوعي لحماية الحق في التعليم؛ “كون الحق في التعليم حقاً لصيقاً بالحق في تقرير المصير والحرية”؛ نفّذت “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” مبادرة تعليمية ملهمة “مدرسة الحق في التعليم”، منذ 11 تشرين الثاني 2023، استهدفت تعليم الأطفال المهجّرين، في مواصي خان يونس، بمساعدة معلمات متطوّعات نازحات. كما نفَّذت برنامج “متمسكون بالأمل وعازمون على البقاء”؛ – عبر نشاطات دعم نفسي واجتماعي وحقوقي – في الخيم ومراكز الإيواء، التي لجأ إليها المهجّرون/ات، اعتمدت العروض المسرحية والترفيهية التفاعلية، التي جسّدت إيمان الهيئة بحق الأطفال في الحماية من الحروب، وفي الصحة النفسية والعقلية، وفي الأمل بأن يعيشوا حياة كريمة هم وذووهم.
وامتدت النشاطات من مواصي خان يونس إلى دير البلح، والزوايده، والنصيرات، وحتى رفح.
وإلى جانب الهيئة المستقلة اهتم العديد من المؤسسات النفسية والاجتماعية والتعليمية بالصحة النفسية للأطفال، ما جعلها تنظم لهم/ن أنشطة ترفيهية وتثقيفية، في الخيام، تحت إشراف مختصين/ات في العلاج النفسي، مثل “خيمة الوفاء”، التي تم نصبها داخل مدرسة “أحمد عبد العزيز” المدمّرة، في خان يونس، والتي ركَّزت على مساعدة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تساعدهم في تحسين السمع والنطق، والتفريغ من مشاهد الحرب، عبر تقديم برامج مسلية وممتعة، اشتملت على ألعاب تفاعلية جماعية، بالإضافة إلى تلوين الوجوه، والرسم والموسيقى، والمسرح؛ ما يساهم في التخلص من الخوف، والصدمات النفسية، التي يتعرّضون لها بسبب الحرب، وما يشاهدونه من قتل وتدمير وحرق مرعب.
*****
وإلى جانب عمل المؤسسات الممنهج؛ برز عدد من المبادرات الفردية التربوية والفنية المبدعة، التي هدفت إلى المساهمة في تخفيف توتر الأطفال، والمحافظة على توازنهم النفسي، منها المبادرة التي قامت بها “راما ثابت”، الطالبة في الصف الحادي عشر، التي نزحت مع عائلتها من غزة إلى أحد مخيمات دير البلح، والتي قررت إقامة مساحة بين الخيام (شبه صف مؤقت)، لتعليم الأطفال اللغة الإنجليزية، “اشترت من مصروفها الخاص أقلاماً وألصقت قطعاً من النايلون أشبه بلوح مدرسة للكتابة عليها، وفوقها وضعت كلمة “غزة”.
ومنها مبادرة في خيمة قريبة من مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، قام بها “مصعب”، المتخصص في مجال الإلكترونيات والتحكم الصناعي، والتي تلخّصت في مساعدة الأطفال لتجاوز أزماتهم النفسية، عبر استخدام نظارات الواقع الافتراضي.
*****
كيف ومتى يمكن أن تتحوّل خيم اللجوء المقيتة إلى خيم للحرية؛ تقام على امتداد الأرض الفلسطينية؛ شواطئها وجبالها وأشجارها؟
كيف ومتى يمكن أن يصبح التخييم في فلسطين نشاطًا ترفيهيًا استجماميًا شعبيًا مؤقتًا؟ حيث يمارس الأطفال طفولتهم، والشباب هواياتهم؛ يسبحون ويلعبون ويغنون ويرقصون ويتأملون ويحلمون ويبدعون.
متى وكيف يمكن أن يتحوّل التخييم في فلسطين إلى متعة لا إلى لعنة؟
لا بديل عن الحرية، لا بديل عن وطن حرّ، وإنسان حرّ.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 − أربعة عشر =